يا رب عوِّضنا ببرد الآخرة عن حر الدنيا!
بواسطة : هلال الوحيد
خمسة أشهر -على الأقل- الدنيا عندنا حرّ لاهب، درجة الحرارة بين 40 و50 درجة مئوية، غبار ورطوبة تقطع الأنفاس. مكيف الهواء يعمل ليلَ نهار ولو استطعنا عدم الخروج لن نخرج! هذا في زماننا، كيف بزمانٍ مضى لم يوجد فيه وسائل تبريد؟ ولا بدّ للناس آنذاك من العمل في البناء والفلاحة في أشهر الصيف تحت أشعة الشمس؟
نعمة لا يشعر بها أبناء الجيل الجديد الذين ولدوا في عصر الطاقة الكهربائية المستمرة وتوفر وسائل التبريد في السيارات والمنازل والمصانع! ما لم يتوفر للأجيال السابقة. عن الإمام علي -عليه السلام-: "لا تكن ممن.. يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادةَ فيما بقي". نصيحة من ذهب لمن يطلبون الكثير من النعم ويبدون القليلَ من الشكر والكثير من الشكوى والتذمر!
مهما تغيرت الظروف من حولنا للأسوء أو للأحسن، لا ننسى أن نشكر الله على نعمه الوافرة ومنها نعمة حرارة الشمس! هل يتخيل القارئ الكريم دنيا دون شمسٍ تضيء وتمدّ الكون بالطاقة؟ طاقة مجانيّة لا تنتهي أبدًا وبدأ العالم يفكر كيف يجني ثمار طاقة الشمس ويجمعها ويستفيد منها.
يعظنا الله بنعمهِ في كلّ لحظة؛ قمر يغيب وشمس تطلع في مشارق ومغارب الدنيا في دقة متناهية وبعد ذلك يقول الملاحدة: هذا "طبيعة"! أي طبيعة ليس لها خالق فيها هذا الجمال والدقة {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمرِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَعقِلونَ}.
فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ
أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ
تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ
وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِدُ
نرقد في ليلٍ والشمس مشرقةٌ عند غيرنا! نستيقظ على شمسٍ مضيئة وقمر يزين مكانًا آخر من الكرة الأرضية فأي عظة أعظم من تعاقب الليل والنهار وفصول السنة؟
فصل الصيف في بعض البلدان جميلٌ جدًّا، الطقس معتدل وينشط الناس في أعمالهم. مدحه الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدة وأظن أنه لم يكن ليقولَها لو عاشَ في صيفٍ مثل الذي عندنا. جاء في القصيدة:
عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها
فَهيَ كَالخَودِ الَّتي تَمَّت حُلاها
صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ
ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها
ذَهَبُ الشَمسِ عَلى آفاقِها
وَسَوادُ اللَيلِ مِسكٌ في ثَراها
وَنَسيمُ الفَجرِ في أَشجارِها
وَشوَشاتٌ يُطرِبُ النَهرَ صَداها
قريبًا ينتهي فصل الصيف ويأتي فصل الشتاء ونشتكي من البرد! ابن آدم لو لم يجد شيئًا يشتكي منه اشتكى من اللا شيء! تأملوا كيف هي حياة من يعيش في الأماكن شديدة البرودة؛ الحياة عندهم أشقّ وأصعب وأكثر كآبة فمَاذا نقول غير: الحمد لله؟!