المال الذي لا يخدمك يستخدمكَ
ذكر الله تعالى المال في القرآن الكريم كأحد المغريات الكبيرة للإنسان في الدنيا، حيث ساوى سبحانه المال مع مكانة الأبناء حين قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) سورة الكهف، الآية 46، وهذه ظاهرة موجودة عند بني البشر، كونهم يتفاخرون بأموالهم وكثرة أولادهم، وينظرون إلى المال كمصدر قوة واستعلاء لهم. لهذا دخل الإنسان في صراع مرير مع نفسه، بسبب حبّه الأعمى للمال، والسعي إلى جمعه بأية طريقة كانت، وهناك من لا يعترف بالقوانين ولا الأحكام السماوية ولا التشريعات بخصوص اكتناز الأموال، فهو يسعى وراء كسب المال بجميع الطرق المتاحة له، حتى المحرمة منها، وبذلك يجازف بآخرته، مع أنه يعلم تمام العلم إن أي جمع للأموال خارج سياقة الصحيح لا يصبّ في صالح الإنسان.
وكلّنا على علم بأن الربا مرفوض إسلاميا، وقدتم تحريم التعامل مع الأموال بطريقة الربا لما لها من مساوئ كبرى على المجتمع، صحيح هناك جميع سريع للأموال وتكاثر متسارع لها للمرابين، لكن هذه الأموال مصدرها شرّ، والشر لا يدوم بل يتلاشى كالهباء المنثور، ويحترق مثل الهشيم وكأنه لا وجود له مطلقا.
(آخر الرّبا احتراق)، وهذا يعني أن الإنسان مهما سعى وأتعب نفسه وركض وراء المال، وجمعه بكل الطرق المتاحة له، فإذا لم يكن جمعه متوافقا مع الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية والأعراق الاجتماعية الأخلاقية، فإن أموال الربا هذه تكون في طريقها للاحتراق. المرابون يستغلون الناس الفقراء، ويعرضون عليهم الأموال، على أن يعيدوها أضعافا، فيتم تحميلهم أموالا إضافية تتجاوز الأموال التي استدانوها بطريقة الربا، في كل الأحوال لا يصح أن ينزلق الإنسان في طريق الربا، حتى الديْن بصيغته المعروفة يسبب مشكلات كبيرة للإنسان، فيجعله مستعبَدا من صاحب المال.
كيف يستعبد المال أصحابه؟
هناك من أصحاب المال يستغلون المحتاجين، فيجعلونهم كالعبيد لهم، يأمرونهم بأفعال ومهام بسبب الديْن الذي بذمتهم، لذلك من الأفضل للإنسان أن يتجنب الاستدانة، وأن يحاول الابتعاد عن الديْن كونه ينتهي بالنتيجة إلى استعباده، والاستعباد هو نوع من الرق الذي قد تتسبب به الديون على المستدين، حتى على مستوى الدول نلاحظ هذا النوع من العبودية، حيث تتعامل بعض الدول الغنية بمبدأ (التأييد مقال المال). كذلك هنالك تجربة صندوق النقد الدولي الذي يرى الخبراء الاقتصاديون إنه يستغل حاجة الدول الفقيرة، فيفرض عليها سياسات خاصة في مقابل منحها بعض القروض المشروطة، وهكذا بالنسبة للأفراد أيضا، فهناك أغنياء يستغلون الفقراء والمعوزين من خلال تقديم الأموال لهم على شكل ديون مشروطة، وهذا نوع من الاستعباد الصارخ والمرفوض، لهذا ينبغي أن يبتعد الناس عن الديْن بقدر المستطاع.
(إياك والدّين فإنّه رقّ)
ليس العبودية وحدها يتسبب بها الديْن، فهناك نوع من الشعور الكاذب ينتاب الإنسان المستدين، إنه حين يحصل على المال من الدائن يشعر بالراحة والزهو وبشيء من الفرح، لأنه حصل على المال ولا يهم أن يحصل عليه بطريقة الاستدانة، المهم إنه حصل على المال وإن كان ديْنا، لكن ما هو شعور هذا المستدين حين يعيد الأموال إلى أصحابها؟
إنه شعور شديد بالمرارة حيث يشعر الإنسان إنه أخطأ حين استدان، وإن هذه الأموال تعود له وتعب من أجل الحصول عليها، وها هو يقدمها للدائن على طبق من حزن وأسى، فتراه يفرح حين يحصل على الديْن، وينزعج ويضجر ويشعر بالمرارة حين يعيد الديْن إلى أصحابه.
لماذا يفرح الإنسان حين يحصل على الأموال حتى لو عن طريق الاستدانة؟
إنه شعور يتعلق بطبيعة الإنسان وحبّه للتملك ورغبته الشديدة بالحصول على المال، لأن المال يغري الناس ويجعلهم مقدمين عليه بقوة، لكنهم بعد أن يحصلوا عليه، نجد أنه لا يلبث طويلا في أيديهم، أو في خزائنهم، لأنه سرعان من يفرّ يمينا وشمالا بسبب حاجات الإنسان.
المال والالتزام بالأحكام الشرعية
أما حول سبل جمع المال، فهناك طرائق عديدة، ولكن أفضل أساليب جمع المال هي التي تلتزم بالأحكام الشرعية، وتراعي حدود الله تعالى وحقوق الناس، وهذه الدرجة من الالتزام هي التي تحدد طبيعة الأموال، وتزايد الرزق أو قلّته، فمن يرعى الحقوق جيدا تزداد أمواله وتتضاعف، لأن الله تعالى يرزق الإنسان المتقي من حيث لا يحتسب، أما الشخص الذي لا يراعي حقوق الآخرين، فإنه سرعان ما يجد أمواله هباءً منثورا. لهذا فالمال بدون جهد، شجرة لا تنمو. وهذا النوع من جامعي الأموال لا يتحقق لهم ما يرغبون به من جمع الأموال، لسبب بسيط أنهم لا يزرعون الخير، وحتى لو زرعوا زرعهم فإنهم لا يحصدون شيئا، بسبب زراعتهم الفاشلة، فهؤلاء لم يزرعوا إلا الشر ولذلك من يزرع الشر لا يحصد سواه، ومن يزرع الخير سوف يحصد الخيرات الوفيرة، هذا هو الفارق الكبير بين زارع الخير وزارع الشر. من المشكلات التي تتسبب بها شحة الأموال عند الإنسان معاناته من الفقر، وضعف مكانته وتأثيره في المجتمع، لأن المصالح المادية بات لها تأثير في صنع المراكز الاجتماعية وغيرها، وهكذا نلاحظ في واقعنا الاجتماعي تفضيل الأغنياء على الفقراء.
(الفقير لا صديق له، والغني له ألف صديق).
(إذا لم يكن لك مال كرهك القريب، وإذا كان لك مال أحبك البعيد).
أما الاستخدام الجيد للأموال، فهو من الأهداف الكبيرة التي يجب أن يركز عليها الأفراد والمجتمعات، ونقصد بالاستخدام الجيد، هو الإدارة الجيدة للأموال، من حيث الجمع والتبويب والاستثمار، والنقطة الأخيرة هي التي تصنع الاقتصادات القوية، ويتم ذلك من خلال إدارة المال بالطريقة الصحيحة بالنسبة للفرد أو المجتمع. فإذا استخدم الفرد أمواله بصورة صحيحة، ودقيقة، وعلمية، سوف تخدمه أمواله، أما إذا حدث العكس فإن من يسيء إدارة أمواله، فردا كان أو دولة أو شعبا، فعليه أن ينتظر صفعات الفقر المتلاحقة، حيث تتحول ظاهرة سوء إدارة الأموال إلى حالة فقر وعوز شديد يحيط بالدولة وبالإنسان الذي يسيء استخدام أمواله، فيحدث العكس حيث يستخدمه ماله ويطيح به ويجعله شديد البؤس والضيق والضنك.