كيلو الحديد أثقل أم كيلو القطن؟ ..
الاستثمار بالأسهم بسيط لكنه ليس سهلاً


أيهما أثقل، كيلو الحديد أم كيلو القطن؟ هل تتذكر هذا السؤال الساذج الذي طالما داعبنا به الكبار عندما كنا صغاراً ويسألوننا إياه وهم يغالبون الضحك؟ حينها كنا نندفع بسذاجة لا تخلو من الثقة قائلين إن كيلو الحديد أثقل طبعاً، وذلك قبل أن ندرك لاحقاً أن الكيلو هو الكيلو، سواء كان حديداً أو قطناً أو حتى عصير برتقال. وفي الحقيقة، إن سبب فشلنا حينها في الإجابة بشكل صحيح عن هذا السؤال هو أننا لم نعطِ أنفسنا فرصة لتحليله، وهو ما سمح لأدمغتنا بأن تندفع بشكل سريع قافزة نحو الاستنتاج استناداً إلى فكرة عامة مترسخة في عقلنا الباطن، مفادها أن الحديد ثقيل الوزن بغض النظر عن حجمه.

الآن، كبرنا وعرفنا الإجابة الصحيحة وأدركنا كم كنا ساذجين وربما مثيرين للسخرية حين اعتقدنا أن الكيلو من أي شيء قد يكون أثقل من أي كيلو آخر. ولكن الخبر السيئ هو أن معظمنا لا يزال يجيب عن أسئلة شبيهة بنفس الطريقة، ولكن الفرق هذه المرة هو أن العقلية التي تقودنا إلى هذه الإجابات الخاطئة تكلفنا كمستثمرين الكثير من الأموال. بعضكم قد يشكك في هذا، وربما يتحدى قائلاً إنه ليس من الممكن أن يقع في نفس الفخ الذي وقع فيه حين كان صبياً ابن بضع سنوات.

ولذلك، نسوق إليك الاختبار التالي: بسرعة، اختبر ذكاءك معنا من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التالية:
الأول: مضرب وكرة تبلغ تكلفتهما معاً دولارا و10 سنتات. فإذا كان سعر المضرب أعلى بدولار من سعر الكرة. فكم سعر الكرة؟
الثاني: إذا احتاجت 5 آلات 5 دقائق لصنع 5 أدوات، فكم من الوقت ستستغرقه 100 آلة لصنع 100 أداة؟
الثالث: بحيرة بها نبتة من نبات الزنبق. وكل يوم، يتضاعف حجم هذه النبتة. فإذا استغرقت النبتة 48 يوماً لتغطية البحيرة بأكملها، فكم من الوقت ستحتاجه لتغطية نصف البحيرة؟

أعطِ نفسك فرصة للإجابة ....

إجابتك خطأ .. لست وحدك
يطلق على الأسئلة الثلاثة السابقة اسم "اختبار الانعكاس المعرفي" أو "The cognitive reflection test (CRT)" وهو اختبار صممه الأستاذ بكلية الإدارة بجامعة ييل الأمريكية "شين فريدريك" في عام 2005.
مشكلة هذه الأسئلة هي أن لكل واحد منها إجابة واضحة جداً تقفز إلى أذهاننا بسرعة، ولكنها للأسف غير صحيحة، في حين أن الإجابات الصحيحة فعلاً أقل وضوحاً. ومرة أخرى سيكون الاندفاع والقفز المباشر إلى الاستنتاج هو السبب في فشلنا في الإجابة بشكل صحيح عن هذه الأسئلة، تماماً كما كان الحال حين كنا صغاراً مع سؤال القطن والحديد.

إليك الآن الإجابات الصحيحة:
بالنسبة للسؤال الأول فإجابته الصحيحة ليست 10 سنتات كما خمّن البعض وإنما 5 سنتات فقط، وذلك لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يصبح بها المضرب – الذي من المفترض أن يكون سعره دولارا و5 سنتات – أغلى بدولار من الكرة.
أما السؤال الثاني فإجابته السريعة التي سيصل إليها كل مندفع غير صبور هي 100 دقيقة. ولكن إذا أعطيت نفسك وقتاً للتفكير في مكونات السؤال ستدرك دلالة أن 5 آلات احتاجت 5 دقائق لإنتاج 5 أدوات هو أن الآلة الواحدة تحتاج 5 دقائق لإنتاج أداة واحدة. وهذا معناه أن 100 آلة سيكون باستطاعتها إنتاج 100 أداة في 5 دقائق فقط.

أخيراً، توجد للسؤال الثالث إجابة شائعة جداً، وهي أن النبتة التي تغطي البحيرة في 48 يوماً ستحتاج إلى 24 يوماً لتغطية نصفها. ورغم أن هذه الإجابة تبدو منطقية للوهلة الأولى فإنها خاطئة تماماً. إذن ما هي الإجابة الصحيحة؟
تعالَ لننظر إلى السؤال مرة أخرى ونحلله. السؤال يقول إن النبتة يتضاعف حجمها كل يوم. وبما أن النبتة ستحتاج إلى 48 يوماً لتغطية كامل البحيرة، فإن هذه النبتة من المفترض أن تغطي نصف البحيرة في اليوم السابق على اليوم الأخير وهو اليوم السابع والأربعون. أي إن البحيرة ستتحول من نصف مغطاة إلى مغطاة بالكامل في اليوم الثامن والأربعين. وهكذا فإن الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال هي 47 يوماً.

إذا لم تفلح في الإجابة عن أحد هذه الأسئلة أو جميعها، فلا تقلق ولا تشعر بالوحشة، فنحن كُثر. بعبارة أخرى، لست وحدك حبيبها! في الواقع، بعد اختبار 3500 شخص في هذه الأسئلة وجد "فريدريك" أن 17% فقط منهم هم من تمكنوا من الإجابة بشكل صحيح عن الأسئلة الثلاثة، في حين فشل 33% في الإجابة عن أي سؤال! في الوقت نفسه تم اختبار 600 من المستثمرين المحترفين (محللين ومديري صناديق ومتداولين كبار)، ولم يتمكن سوى 40% منهم من الإجابة بشكل صحيح عن الأسئلة الثلاثة، في حين فشل نحو 10% منهم في الإجابة عن أي سؤال.

نظامان .. المشكلة في الدماغ

لماذا يحدث ذلك؟
أو لماذا فشل بعضنا في الإجابة عن هذه الأسئلة رغم أنها حين تخضع للفحص تبدو بسيطة وغير معقدة على الإطلاق؟

تكمن الإجابة عن هذا السؤال في الكيفية التي تعمل بها أدمغتنا كبشر. إذا أردنا تبسيط ما توصلت إليه دراسات علماء النفس حول هذه الجزئية سنقول الآتي: ببساطة يوجد في أدمغتنا نظامان مختلفان للاستجابة. الأول تسيطر عليه العاطفة بشكل كامل، في حين أن الثاني لديه القدرة على ضبط المشاعر وجعل المنطق هو من يقود عملية اتخاذ القرار. وهذا الوضع يطلَق عليه في علم النفس اسم "نظرية المعالجة الثنائية".

الآن، فلنسمِ النظام الأول "س" والثاني "ص". النظام "س" يمثل المنهج العاطفي في عملية صنع القرار، والمشكلة هي أن هذا النظام يمكن اعتباره تقريباً النظام الأساسي لأدمغتنا، حيث إن المعلومات التي تتلقاها أدمغتنا طوال الوقت تتم معالجتها أولاً من قبل هذا النظام. وعادة ما تستند الأحكام الصادرة عن النظام "س" عموماً إلى أشياء مثل التشابه والألفة والعاطفة. في المقابل، هناك النظام "ص" الذي ينتهج طريقة أكثر منطقية في معالجة المعلومات ولكنه بطيء مقارنة مع النظام "س". ولكي يعمل هذا النظام الذي يتبع نهجا استنتاجيا ومنطقيا في حل المشكلات يحتاج الشخص منا أن يبذل جهداً واعياً لإشراك هذا النظام في عملية اتخاذ القرار. وعلى عكس النظام "س" الذي يقفز مباشرة إلى الاستنتاج بشكل تلقائي ودون بذل أي مجهود باحثاً عن الإجابة بغض النظر عن دقتها، يحتاج النظام "ص" إلى الأدلة والمنطق لكي يجعل الدماغ يؤمن بأن شيئاً ما صحيح.

الطريف هو أن أغلبيتنا ربما يعتقدون أن النظام "ص" هو من يتحكم في طريقة تفكيرهم، غير أن الواقع يشير إلى أن النظام "س" هو الذي يقود الجزء الأكبر من أفعالنا كبشر، حتى لو لم نعترف بذلك. ففي أكثر الأحيان، نجد أنفسنا نثق في تفاعلنا العاطفي المبدئي المسؤول عنه النظام "س"، ونتجاهل النظام "ص"، أو في أحسن الأحوال نستخدمه أثناء مراجعة القرار الذي اتخذ بالفعل.

لنضرب مثالاً: تخيل أننا جئنا بصندوق زجاجي مغلق يحتوي على ثعبان كبير، ووضعناه على طاولة أمامك. ثم طلبنا منك أن تنزل على ركبتيك وتركز ناظريك على رأس الثعبان. وبينما أنت على هذه الحال قفز الثعبان برأسه ناحيتك. أي شخص طبيعي حينها سيرتد بجسمه إلى الخلف، حتى لو أنه لم يكن من أولئك الذين يخافون من الثعابين. سبب هذا التفاعل السريع هو أن النظام "س" الخاص بك دفعك للاستجابة بسرعة والارتداد للخلف للحفاظ على سلامتك، من خلال إرسال رسالة إلى منطقة لوزة الدماغ خلال جزء من الثانية في ذات اللحظة التي كان يتحرك فيها رأس الثعبان. في ذات الوقت تم إرسال رسالة أخرى عن طريق النظام "ص" الذي يعالج المعلومات بطريقة أكثر وعياً تتيح له تقييم مدى خطورة التهديد المحتمل. لاحقاً ينبهك هذا النظام إلى وجود طبقة من الزجاج تحول بينك وبين الثعبان، غير أنه لم تعُد هناك فائدة من تلك المعلومة، لأنك في تلك اللحظة قد تفاعلت بالفعل مع النظام "س" واتخذت قرارك.

في سوق الأسهم .. ضع خطة ليوم العاصفة
إن الفلسفة العامة للاستثمار الناجح غاية في البساطة. فالفكرة هي أننا نبحث عن أصول مقيّمة بأقل من قيمتها الحقيقية لنشتريها قبل أن نبيعها لاحقاً بسعرها العادل أو بسعر أعلى منه. ورغم ذلك لا يزال أغلبنا يفشل في تحقيق أي مكاسب معتبرة في السوق بسبب وقوعنا في فخ عدد من التحيزات السلوكية.

إذن ما الذي يمكن أن يساعدنا نحن كمستثمرين على عدم الوقوع في هذه التحيزات التي تؤثر على قراراتنا الاستثمارية؟
والإجابة المباشرة والبسيطة لهذا السؤال هي التحضير والتخطيط والإعداد المسبق. هذا يعني أن علينا أن نقوم بأبحاثنا وخططنا الاستثمارية عندما نكون في حالة ذهنية مستقرة، وحين يكون الهدوء سائداً في السوق. ثم حين تتغير الأمور ويبدأ السوق حالة من التقلبات نعزل أنفسنا عن الضجيج والصراخ الدائر ونلتزم بتحليلاتنا الخاصة التي أجريناها ونتحرك وفق الخطوات التي وضعناها مسبقاً.

ربما أفضل من وضّح هذه الجزئية هو المستثمر الأمريكي الشهير السير "جون تمبلتون" الذي قال: "إن الوقت الذي يكون فيه التشاؤم هو السائد في السوق هو أفضل وقت للشراء، والوقت الذي يسود فيه التفاؤل في السوق هو أفضل وقت للبيع". أغلبنا سيتفق مع ما قاله "تمبلتون"، وربما يدعي أن هذه هي فلسفته الاستثمارية الخاصة التي لا يحيد عنها. ولكن الواقع يثبت أن قلة قليلة جداً جداً جداً منا هي التي تعمل بتلك النصيحة وتطبقها بشكل عملي، وهذا بسبب أن هؤلاء وحدهم هم الأكثر قدرة على التحكم في عواطفهم والسيطرة على مخاوفهم حين تسوء الأمور في السوق.

ولكن لماذا تطبيق هذه النصيحة أصعب بكثير مما يبدو؟
ببساطة يصعب على أغلبيتنا الكاسحة اتخاذ قرار بالشراء في نفس الوقت الذي نشاهد فيه موجة بيع كبيرة. هذه الصعوبة هي التعريف الدقيق لما يُسمى "فجوة التعاطف".

لكن ما هي "فجوة التعاطف"؟
هي شكل من أشكال التحيزات النفسية التي نقع تحت تأثيرها دون أن نشعر. على سبيل المثال، إذا تناولت طعاماً كثيراً على الغداء، حينها لا يمكنك تخيل أنك من الممكن أن تجوع مجدداً. وبالمثل، لا ينبغي عليك أبداً أن تدخل للتسوق في السوبرماركت أثناء الجوع، لأنك غالباً ستشتري أكثر مما تحتاجه. ببساطة أكثر، إن "فجوة التعاطف" هي عجزنا عن التنبؤ بسلوكنا المستقبلي بسبب وقوعنا تحت شكل من أشكال الضغط العاطفي.

في كتابها الصادر في عام 2008 تحت عنوان "الاستثمار على طريقة تمبلتون"، توضح لنا "لورين تمبلتون" ابنة أخي السير "جون تمبلتون" الاستراتيجية التي كان يستخدمها عمها في التغلب على هذه العقبة. بحسب "لورين" كان عمها يحرص على اتخاذ قرارات الشراء قبل أن تجتاح موجات البيع السوق. ببساطة كان "تمبلتون" يحتفظ دائماً بقائمة تضم أسهم الشركات التي يعتقد أنها تدار بطريقة جيدة ولكن سعرها مرتفع... وفي نفس الوقت كان يعطي الوسطاء أو السماسرة هذه القائمة ومعها دائما أمرا قائما بالشراء متى وصلت هذه الأسهم إلى أسعار مغرية.

لكن لماذا فعلها "تمبلتون" بهذه الطريقة؟
لماذا لم ينتظر مثلاً حتى هبوط السوق أو مروره بهزة ثم يبدأ في التحليل والبحث عن أسهم يشتريها؟

ببساطة كان السير يدرك جيداً أنه في ذلك اليوم الذي سينخفض فيه السوق بـ40% مثلاً ربما لن يكون لديه الانضباط والجرأة الكافية لتنفيذ عملية شراء في هذه الأجواء. ولهذا وضع الخطة مسبقاً، حتى لا يترك نفسه لعواطفه حين يجد الجد وتحين اللحظة.

استراتيجية الالتزام والتخطيط المسبق التي اتبعها "تمبلتون" وغيره من كبار مستثمري الأسهم في مواجهة "فجوة التعاطف"
هي بالضبط ما يجب أن نسعى كمستثمرين لمحاكاته في استراتيجيات الاستثمار الخاصة بنا.