كيف يفيدك كتاب عمره 2600 سنة في سوق الأسهم؟

"إذا كنت تعلم من أنت وقدراتك جيدًا، وتعرف أيضًا قدرات عدوك جيدًا، فليس عليك أن تخشى خوض مائة معركة ضده، لأنك ستعلم كيف تخوض المعركة، ولكن إذا كنت تعلم قدراتك وتجهل ما يستطيعه عدوك، فإنه عليك توقع خسارة مقابل كل انتصار أو مكسب". هذا ما كتبه "سون تزو" في كتابه "فن الحرب" في القرن السادس قبل الميلاد في محاولة لتوجيه القائد الصيني لكيفية التصرف في المواجهات العسكرية، وعلى الرغم من غلبة الطابع الاستراتيجي على الكتاب فإن العديد من النصائح التي جاءت به، مثل تلك المذكورة سلفًا، يمكن استخدامها في الاقتصاد وعلم النفس، بل وفي سوق الأسهم.

اعرف نفسك و"عدوك"
ويمكن التأكيد على أهمية معرفة الشخص بنفسه من خلال ما ذكره المتداول الشهير "جيم رودجر" وهو شريك "جورج سورس" في تأسيس "كوانتوم فاند" في بداية السبعينيات، حيث يقول إنه عانى كمتداول فردي من خسائر بسبب عدم إدراكه لعيوبه الشخصية. ويقول "رودجر" إن عيبه الرئيسي كان "التعلق" (أو التمسك) الشديد برأيه، ثم الخوف الشديد لاحقًا إذا اتضح أن سهمًا راهن عليه للصعود يتراجع، بما يجعله يبيع الأسهم ثم يكتشف لاحقًا أن تحليله كان صحيحًا وأن السهم عاود الارتفاع وأنه لم يكن عليه البيع غير أن الخوف من الفشل أدى به لخسارة أمواله. ومع إدراك "رودجر" لعيبه هذا قرر التصدي له بشيئين الأول هو تجاهل المتابعة اللحظية لسوق الأسهم، تجنبًا لإثارة أعصابه المستمرة، والثاني هو اللجوء لإعادة التحليل بهدوء إذا وجد الأسهم تنخفض، وبذلك يتجنب القلق ويتأكد من صحة قراراته الأولية بالاستثمار في سهم ما.

وماذا كانت نتيجة معرفة "رودجر" لنفسه؟
النتيجة أنه حقق منذ بداية السبعينيات وحتى بداية الثمانينيات نموًا في الثروة يقدر بـ4200% وذلك خلال عقد من الزمن ليصبح أحد أبرز المتداولين على الإطلاق خلال القرن العشرين، ولم يكن ليصل لهذه النتيجة لو لم يقر ويعترف بعيوبه ويسعى لمعالجتها. ويتفق هذا مع ما ذكره كتاب "فن الحرب" بأن "عمل القائد هو أن يبقى هادئا مهما بدت الأمور حوله مضطربة"، وهو ما تتفق معه الدراسات الحديثة في الأسواق بأن المتداولين الأكثر هدوءا يميلون لتحقيق أفضل النتائج، حتى أن نسبة 20% فقط من المتداولين لا يصابون بـ"أمراض سوق الأسهم" من ارتفاع ضغط الدم وصرير الأسنان وغيرها من الأمراض "النفس جسمية".

ماذا بوسعك السيطرة عليه؟
كما يدعو "تزو" قائده للتركيز على ما يمكنه السيطرة عليه فقط، ويمكن القول إن هذا بمثابة دعوة لتجنب الإغراق المعلوماتي الذي يصيب الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم، حوالي 70% وفقًا للكثير من التقديرات، والاهتمام بالمعلومات ذات الصلة. كما أن هذا بمثابة دعوة للتوقف عن الإلقاء بأسباب الفشل على عوامل خارجية (ما لم تكن غير متوقعة تمامًا أو تأثير ما يعرف بالبجعة السوداء)، مثل رؤية 55% من الأمريكيين المتعاملين في سوق الأسهم عام 2008 أن الأزمة المالية العالمية "مؤامرة" ومع ذلك استمروا في التعامل في السوق، فلماذا أظل متعاملًا في سوق أرى أنه مؤامرة لتحقيق مصالح البعض على حسابي، أليس الأجدى الانسحاب منه وتقليل الخسائر؟

وعلى ذلك فإنه على المستثمر إدراك أنه يسيطر على رؤوس أمواله وأوامر الشراء والبيع وقرارات الاحتفاظ والسمسار الذي ينتقيه والمستشار الذي يعينه، وقبل ذلك كله الأسس التي يبني عليها قراراته، وما إذا كانت صحيحة وقادرة على توقع مستقبل الأسهم أم لا (وفقًا لتقدير كافة العوامل بما فيها الخبرات السابقة من تعامل السوق نفسيًا مع بعض الأخبار وليس فقط الحقائق المادية الملموسة). وبشكل عام يميل الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم إلى إلقاء اللوم على عوامل خارجية في خسارتهم، ونظرًا لأن 90% ممن يدخلون سوق الأسهم يخسرون أموالًا فلا شك أن إلقاء اللوم على "الآخرين" يكون شائعًأ في سوق الأسهم بدرجة كبيرة.

وليس معنى ذلك أن المستثمر لا يتأثر بقرارات الآخرين بالطبع، سواء بشكل جمعي أو بقرارات بعض المؤسسات المؤثرة بشدة بشكل فردي، سواء كبار المستثمرين أو كيانات تنظيمية أو حتى مؤسسات اقتصادية أو سياسية، ولكن التحسب لتلك المتغيرات، من خلال العناصر التي نملك السيطرة عليها فحسب تبقى المهارة التي يجب أن يتمتع بها المستثمر وكذلك القائد المحارب وفقًا لـ"تزو".



تجنب "المواجهة المباشرة"
وينصح "تزو" أيضًا بتجنب المواجهة المباشرة مع عدو يتمتع بقوة كبيرة، وهو ما يمكن أن ينطبق أيضًا على ما يفعله بعض المتداولين من مستخدمي التحليل الفني وليس الأساسي، بأن يسبحوا عكس اتجاه السوق بالشراء في وقت التراجع ثقة في مستويات المقاومة، ويقينًا بالمبدأ الذي يقيم عليه التحليل الفني أساسه "التاريخ يعيد نفسه". فالشاهد أن هذا الأمر يفلح أحيانًا ويخفق أحيانًا أخرى، ولأن المتداول لا يمكنه السيطرة على مدى إصابة السوق بالهلع مع استمرار البيع وبالتالي انخفاض السهم دون المستويات المنتظرة أو الطمع مع انخفاض السعر الذي يبدو مغريًا لبعض المستثمرين للشراء وبالتالي ارتداد المنحنى صعودًا فإن الرهانات هنا تبدو مخالفة لنصائح "تزو" بعدم مواجهة عدو أقوى (السوق ليس عدوًا بالمعنى التقليدي لكن توجهاته قد تلحق الضرر باستثماراتك). ويختلف هذا مع التحليل الأساسي الذي يقدر توجهات السوق من جهة، ولكن لمدة طويلة وليس على المدى القصير بما يجعل التوقع أسهل لأنه يقل فيه تأثير الهلع والطمع على حد سواء، ولأن المتداول هنا يركز على نصيحة "تزو" الأخرى بالتركيز على ما تستطيع السيطرة عليه.

ويقول "تزو" للقائد أيضا: "إذا لم ينتصر القائد على غصبه، وأطلق العنان لجنوده فاندفعوا كالثمالى فإن ثلث جنوده وضباطه يموتون، بينما تبقى المدينة حصينة وهذه هي مشكلة الهجوم" ويمكن القول إن هذا ينطبق أيضًا على سوق الأسهم.

فمع نهاية شهر أبريل 2023 وصل سعر العملة المشفرة "بيتكوين" إلى 30 ألف دولار، ولكن مع وصول مؤشر الطمع الخاص بسوق هذه العملات إلى أرقام قياسية، لذا كان تحسّب المتداولين لتراجع العملة واجبًا، وبالفعل تراجع سعر البيتكوين دون مستوى 27 ألف دولار بعدها بأسبوعين فحسب في خسارة أكثر من 10% لقيمتها بحلول الرابع عشر من مايو 2023.

الخطة قبل كل شيء
وأهم نصيحة يوجهها "تزو" للقائد هو ضرورة وضعه لخطة جيدة للغاية مع العديد من الاحتمالات، وأن يتقيد بخطته ما دامت كانت دقيقة ومرسومة جيدًا. وفي هذا الإطار نشير إلى أن قرابة 70% من المتداولين يدخلون إلى الأسواق بلا خطة واضحة بل برهانات على بعض الأسهم بالأحرى، بل إن 80% من المتداولين يطيلون التمسك بالأسهم أكثر مما ينبغي أملا في ارتفاعها بعد انخفاضها. ويؤكد هذا الأمر أن 92% من المتداولين في السوق الأمريكية للأسهم يدخلون لأول مرة السوق أثناء صعودها، بما يشير إلى أن نسبة كبيرة منها قد تكون مدفوعة بالأساس بسبب "الطمع" وليس بسبب خطة واضحة تم وضعها لتنمية الأصول التي تستحوذ عليها.

وليس أدل على إمكانية استخدام عشرات النصائح الأخرى التي يحتويها كتاب "فن الحرب" في أن مؤلفه قدم إسهامات أخرى في الإدارة والاقتصاد، ولكن أبرز ما ينطبق على سوق الأسهم هو إعداد خطة، معرفة نفسك ومحيطك، تجنب المواجهات المباشرة غير الضرورية، والأهم البقاء هادئًا أثناء اتخاذ القرار.

المصادر: أرقام- كتاب "فن الحرب"- فوربس- كوين ديسك- إيكونوميست