مناخ: نينيو.. "الولد الصغير" الآتي بالجفاف والفيضانات
"إل نينيو" كلمة بالإسبانية تطلق على الولد الصغير تحببا، لكن في مجال علم المناخ والبيئة، لها وقع صارم وخطير. علماء مناخ حذروا مؤخرا من أن الأرض تشهد حاليا انطلاقة جديدة لظاهرة "إل نينيو"، ستؤدي إلى رفع درجات حرارة المياه في المحيط الهادئ وتؤثر على مسار الرياح في تلك المنطقة. سينعكس هذا بآثار كارثية على عدد من الدول تتمثل بموجات جفاف حادة أو فيضانات. العلماء حذروا أيضا من أن مفاعيل هذه الظاهرة الطبيعية، التي تحدث كل بضعة سنوات، ستتضاعف نتيجة الاحتباس الحراري الناجم عن أنشطة البشر.
نشرت في: 13/06/2023
يشهد العالم ظروفا مناخية قسوى في بعض الأحيان تثير فضول العلماء من حيث توقيتها ومستويات عنفها. في هذا الإطار، أعلن خبراء في مجال المناخ أن الكرة الأرضية تواجه حاليا انطلاق ظاهرة "إل نينيو" في المحيط الهادئ، وأنها من المحتمل أن تتسبب بارتفاع درجة حرارة الكوكب مستفيدة من التغيرات المناخية الطارئة مؤخرا.
علماء أمريكيون أكدوا بدء الظاهرة، مرجحين أن تؤدي بالعام 2024 ليكون أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، وسيشهد تسارعا بالجفاف في أستراليا ومزيدا من الأمطار جنوب الولايات المتحدة ورياح موسمية ضعيفة في الهند.
وفقا للإدارة الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، مع وصول ظاهرة "إل نينيو" إلى ذروتها في النصف الشمالي للكرة الأرضية (عادة خلال فصل الشتاء)، سترتفع درجة حرارة سطح المياه في شرق المحيط الهادئ بـ1,5 درجات مئوية.
ريتشارد بي آلان، أستاذ علوم المناخ في جامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، اعتبر أنه "من السابق لأوانه أن نعرف كيف ستتكشف ظاهرة إل نينو الحالية. ولكن إذا أطلقت العنان لقوتها الكاملة في عام 2024، فمن المحتمل جدا أن يتم تسجيل ارتفاع عالمي قياسي جديد بدرجات الحرارة".
ما هي ظاهرة "إل نينيو"؟
ظاهرة "إل نينيو" ونظيرتها "لا نينيا"، هي أنماط مناخية تنشأ في المحيط الهادئ بمعدل كل سنتين إلى سبع سنوات. سيطر نمط "لا نينيا" الأكثر برودة على مدار السنوات الثلاث الماضية، ولكن حاليا نشهد انطلاقة لنمط "إل نينيو" الأكثر دفئا والذي سيتسبب بظروف مناخية أقسى.
وكانت المرة الأخيرة التي شهدت فيها الكرة الأرضية ظاهرة "إل نينيو" في العام 2016، حين سجلت درجات حرارة قياسية. وتؤدي هذه الظاهرة، بسبب ارتفاع حرارة المياه الاستوائية للمحيط الهادئ من سواحل آسيا وأستراليا الدافئة، إلى تغيير الرياح لاتجاهها المعتاد نحو شرق المحيط الهادئ، ما يرفع حرارة المياه السطحية قبالة السواحل الشمالية للقارة الأمريكية ويزيد من تبخر المياه دون أن تتشكل السحب.
وتتجلى آثار "إل نينيو" في موجات جفاف شديدة تضرب مناطق غرب المحيط الهادئ (أستراليا وإندونيسيا ومناطق جنوب آسيا)، بينما يزداد هطول الأمطار بالأجزاء الشمالية للمحيط الهادئ (جنوب أمريكا اللاتينية وجنوب الولايات المتحدة والقرن الأفريقي وآسيا الوسطى)، مما قد يؤدي لحدوث فيضانات عنيفة وانهيارات أرضية.
وخلال أيار/مايو الماضي، وأثناء متابعتها للأحوال المناخية العالمية، لاحظت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تراجعا لنمط "لا نينيا" البارد، وتوقعت بانطلاق نمط "إل نينيو" بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر المقبلين.
سيساهم "إل نينيو" برفع درجات الحرارة عالميا بمقدار 0,2 درجة مئوية، في الوقت الذي بدأت فيه المعدلات بتجاوز عتبة 1,3 درجة مئوية، ما معناه أن الحرارة ستتجاوز عتبة 1,5 درجة مئوية بحلول العام المقبل وتستمر لخمس سنوات، حسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
الإنتاج الزراعي في خطر
يتوقع العلماء ارتفاعا بأعداد الظواهر الجوية المتطرفة كالجفاف المفاجئ والأعاصير، وستشهد جزر المحيط الهادئ أعاصير مدارية.
أول من سيشعر بأثر الظاهرة المناطق القريبة من المحيط الهادئ، مثل الساحل الغربي للأمريكيتين واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، إضافة "للعديد من المناطق النائية" حسب ويلفران موفوما أوكيا، رئيس قسم خدمات التنبؤات المناخية الإقليمية بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).
وأضاف أوكيا "تظهر الدراسات أن ظاهرة إل نينيو تتزامن مع فترات جفاف تضرب أستراليا وشبه الجزيرة الهندية وجنوب أفريقيا والجزء الشمالي من أمريكا الجنوبية. كما نرى أيضا فيضانات في جنوب الولايات المتحدة وبعض أجزاء آسيا الوسطى – هذه المناطق ليست قريبة من المحيط الهادئ، لكنها غالبا ما تتأثر بنفس الطريقة...".
قد تكون تأثيرات الطقس أكثر اعتدالا في أوروبا، فوفقا لآلان "من المرجح إلى حد ما أن تشهد إسبانيا والبرتغال وفرنسا خريفا أكثر رطوبة، مع ظروف أكثر دفئا بشكل عام في معظم أنحاء وسط وجنوب القارة في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر".
لكن هذا لا يعني أن الظاهرة ستمر دون أضرار على القارة، إذ من المرجح أن تخلف الظاهرة نكسة اقتصادية.
وأضاف آلان "يمكن للتأثيرات الواسعة النطاق والكبيرة والمتزامنة في كثير من الأحيان في جميع أنحاء العالم أن تؤثر بالتأكيد على أوروبا بشكل غير مباشر من خلال الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تتسبب في ارتفاع الأسعار وندرة بعض السلع".
قد يؤدي "إل نينيو" هذا العام إلى خسائر اقتصادية عالمية قد تصل إلى 3 تريليون دولار، وفقا لدراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة Science. ومن المرجح أن تتقلص مستويات الناتج المحلي الإجمالي، حيث يؤدي الطقس الشديد والمفاجئ التغيرات إلى تدمير الإنتاج الزراعي والصناعي، فضلا عن المساهمة في انتشار الأمراض.
تهدد هذه الظروف منتجي الأغذية في جميع أنحاء آسيا، وقد تؤدي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل الشتوية بنسبة 34%. كما يمكن أن يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على إنتاج زيت النخيل والأرز في إندونيسيا وماليزيا - التي توفر فيما بينها 80% من زيت النخيل في العالم.
"إل نينيو" والاحتباس الحراري
يشعر الخبراء بالقلق أيضا بشأن ما يحدث في المحيط، ففي أعقاب ظاهرة "إل نينيو" الأخيرة في 2016، تسببت المياه الدافئة بخسارة ما يقرب من ثلث الشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا.
يأتي هذا بسبب التأثير المستمر للتغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية.
قال أوكيا "سوف يرفع إل نينيو نسب الاحترار".
في السنوات الخمس المقبلة، هناك احتمال بنسبة 66% أن ترتفع درجات الحرارة العالمية مؤقتا، أعلى بـ1,5 درجة مئوية من المستويات المسجلة قبل الثورة الصناعية.
خلال السنوات الماضية، ساعدت دورة "لا نينيا" الأكثر برودة في إبطاء عملية الاحترار. ويورد رئيس قسم خدمات التنبؤات المناخية الإقليمية بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية "مع ذلك، ما زلنا نشهد بعض درجات الحرارة الشديدة".
على المدى الطويل، ستزيد العلاقة بين ظاهرة "إل نينيو" وظاهرة الاحتباس الحراري الناجم عن النشاط البشري من استفحال الأمور. فحسب آلان "من الواضح أن الطقس المتطرف الرطب والجاف والحار على نحو غير عادي سوف يشتد، لأن الجو الأكثر دفئا وجفافا يمكن أن يستنزف مخزونات المياه الجوفية في مناطق معينة، أو قد تشهد مناطق أخرى تساقطات غزيرة للأمطار. يؤدي تغير المناخ إلى تضخيم تأثيرات ظاهرة إل نينيو التي تشمل الفيضانات والجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات".