العراق على "طريق التنمية"
يحيى التليدي
العراق مهدُ حضاراتٍ قديمة كالسومرية والبابلية، وبعد الإسلام كان عاصمةً للخلافة العباسية ورمزاً للحضارة العربية والإسلامية لقرون طويلة، وتاريخه مليء بالأحداث التي انعكست على استقراره وعلى استقرار المنطقة وصولاً إلى اليوم.
ليس سرّاً أن العراق لا يزال يعاني منذ عام 2003 من مشكلات معقّدة تتعلق بهويته وانتمائه، وسيادته واستقراره. ولعلّ رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي الذي وصل إلى الحكم عام 2020، كان أول مسؤول عراقي يتخذ خطوات عملية وصادقة نحو الانفتاح على دول الجوار العربية في إطار لغة المصالح والتعاون المشترك، بعيداً عن أسلوب التبعية، وقد نجح إلى حد ما في خيار العراق العربي، والتوازن في العلاقات الدولية.
اليوم يقف على رأس الحكومة العراقية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي قدمه تحالف "الإطار التنسيقي"، ومع انقضاء 7 أشهر على تشكيل هذه الحكومة، واجهت فيها الكثير من العقبات أبرزها عبور حالة الصراع التي تولدت داخل القوى السياسية ورفضها المشاركة فيها، اتّخذ "السوداني" خطوات ملحوظة نحو تغليب منطق الدولة على اللا دولة، وتقليص مساحة السلاح المنفلت والفساد المستشري، ومن المبكر الحكم على نجاحه في هذه المهمة، فهي مشكلات معقدة تحتاج إلى الكثير من الجهد لحلها والخلاص من تبعاتها.
استضافت العاصمة العراقية بغداد مؤخراً مؤتمراً إقليمياً لوزراء النقل من دول مجاورة، وقد خُصص المؤتمر بشكل أساسي لطرح خطة الحكومة العراقية لإنشاء ما أسمته بـ "طريق التنمية"، وهو مشروع استراتيجي ضخم يطمح إلى جعل العراق ممراً لانتقال البضائع والسلع بين آسيا والخليج وأوروبا.
يبدو أن حكومة السوداني تسعى لاستثمار مناخ التهدئة الإقليمية، وخاصة بعد الاتفاق السعودي-الإيراني، من أجل تعزيز دور العراق كحلقة وصل سياسية واقتصادية بين الأطراف الإقليمية المختلفة، وأيضاً يعكس هذا المشروع التنموي الطموح جديّة الحكومة العراقية في تبنّي رؤية اقتصادية مختلفة تعالج الوضع الاقتصادي في البلاد.
بلا شك هناك تحديّات وعقبات قد تعترض تنفيذ هذا المشروع. ولعلّ أبرز هذه التحديّات هو مدى قدرة هذا الطريق على منافسة الطرق التقليدية القائمة لمسار التجارة الدولية، وأمّا العقبة الأهم فهي الفساد السياسي والمالي المستشري في البلاد.
ومع ذلك، يعتبر طرح المشروع خطوة أوليّة هامّة في طريق العراق التنموي المزدهر بعد سنوات طويلة من الصراع المسلح وغياب الرؤى الإصلاحية الجادة.
أمام حكومة "السوداني" الكثير من الجهد لتنفيذ إصلاحات حقيقية سياسياً واقتصادياً تتناسب مع أهمية العراق ومكانته، وتدفع به نحو استعادة هيبته واستقراره وحضارته، وتعزّز الاهتمام بالإنسان العراقي، وإعلاء شأن الهوية الوطنية الشاملة لكل أبناء الشعب العراقي.