التركيات يخشين أن يلقين "مصير الإيرانيات" بعد تحالف أردوغان مع حزب كردي إسلامي

ليلا جاسينتو، موفدة فرانس24 إلى ديار بكر، تركيا. للفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحالفا مع "هدى بار" حزب كردي إسلامي متطرف لديه ماضٍ مضطرب، خطوة أثارت مخاوف النساء من أن يدفعن ثمن تلك الصفقة الانتخابية.

نشرت في: 05/06/2023




إنه الغسق فوق مضيق البوسفور. وفيما تغرب الشمس على إسطنبول، تشاركنا زينب بيلجين مخاوفها، قبيل أيام فقط من الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التركية.
تقول محدثتنا: "يهيمن الدين على السياسة في هذا البلد، ويمكن لهذه الانتخابات أن تغير حياة وحقوق النساء". حزب "هدى بار أعلن صراحة أنه لا يجب أن تصوت النساء، وأن على كافة النساء أن يتزوجن قبل سن الثلاثين. هدى بار قوي جدا وأنا قلقة فعلا".
يجسّد حزب هدى بار التركي الإسلامي الراديكالي مخاوفها. حتى إن زينب بلجين طلبت تغيير اسمها خوفا من التحدث علنا.



تنتظر زينب بلجين (تم تغيير الإسم) القارب في ميناء كاديكوي للعبارات في إسطنبول. © سامية ميثيني، فرانس24.
لاحقا وبعد بضعة أيام، اقتربت منا امرأة في معقل الأكراد في ديار بكر (جنوب شرق تركيا)، بعد أن أدلت بصوتها في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وقالت المرأة التي تعارض رجب طيب أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو: "إنه آخر تصويت للمرأة"، مشيرة باللغة الإنكليزية وهي تتحدث بصوت خافت لكن بحزم. تضيف نفس المتحدثة: "قد نفقد حقنا في التصويت. سيغيرون كل شيء. سنصبح مثل إيران بسبب هدى بار".


في تلك الليلة، وبعد فترة وجيزة من انتصار أردوغان وإعادة انتخابه رئيسا، واظبت تلك المرأة من مركز الاقتراع على التواصل وكتابة الرسائل النصية للتأكد من ضمان عدم ذكر اسمها أو الكشف عن هويتها. كانت هواجسها كبيرة من عواقب هذه الانتخابات على النساء التركيات، مثلما هي متأكدة من أن قمع مؤيدي المعارضة وخاصة الأكراد سيكون قاسيا.
في كافة ربوع البلاد، تبدو العديد من النساء اللواتي صوتن لصالح المعارضة على يقين من أن لا شيء سيكون كما كان بعد أن فاز أردوغان بعهدة رئاسية جديدة.
لعل أهم سبب، هو وجود هذا الحزب الإسلامي الكردي إلى جانب "الريس"، رغم أنه ثانوي ولم يكن معروفا كثيرا على الساحة المحلية قبل حملة 2023: هدى بار. وتسمية الحزب هي اختصار لعبارة "Hür Dava Partisi"، والتي تعني: "حزب الدعوة الحرة"، والتي يمكن ترجمتها أيضا بعبارة: "حزب الله".



مقر حزب هدى بار في ديار بكر، جنوب شرق تركيا. © ليلا جاسينتو، فرانس24.
تمخض هذا الحزب من رحم الحرب التي اندلعت في التسعينيات بين فروع سرية لجهاز أمن الدولة في تركيا وجماعة كردية مسلحة. لطالما تجاهل الأتراك في المدن الكبيرة حزب هدى بار، لكن صعوده القوي يكشف عن مخاطر تجاهل الضواحي، في دولة شديدة المركزية، غضت الطرف منذ زمن بعيد عن المظالم المرتكبة بحق الأقليات.
لكن الأمور تغيرت في 2023، حين أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه دخل في تحالف مع هدى بار، ما يعني أن الحزب الإسلامي الكردي سيدخل الاقتراع في نفس قائمة الحزب الرئاسي.
ردا على تلك الخطوة، جاءت إدانات المعارضة سريعة وقوية، ارتفعت حدتها عندما سمحت الانتخابات التشريعية في 14 مايو/أيار، والتي أجريت بالتزامن مع الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، لأربعة أعضاء من هدى بار بدخول الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تضم 600 نائب. يتساءل كثيرون الآن عن أية جوانب من أجندتهم الإسلامية ستتبناها الحكومة، فيما سيباشر رجب طيب أردوغان عقده الثالث في السلطة.
"أكراد يقتلون الأكراد في حرب يبن الأشقاء تديرها الدولة"
تعود حالة الذعر التي يثيرها وجود هدى بار تحت قبة البرلمان التركي إلى ماضي الحزب الغامض، والذي لم يتم الاعتراف به أبدا، أو التعامل معه بالشكل المناسب من قبل الدولة التركية. وترجع جذور هدى بار إلى حزب الله، الجماعة الكردية السنية التي لم تعد موجودة اليوم ولا علاقة لها بالجماعة الموجودة في لبنان والتي تحمل نفس المسمى.
أشار خبراء إلى أن الأجهزة الأمنية التركية قد استخدمت خلال سنوات التسعينيات حزب الله لتصفية أعضاء ومتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني. لاحقا، تحول الحزب إلى جماعة تكفيرية جهادية تقتل أي شخص، خصوصا نشطاء حقوق المرأة، الذين يختلفون مع تفسير الجماعة المتطرف للإسلام.

في هذا الشأن، أوضح معشوق كورت الخبير المتخصص في حزب الله التركي من معهد رويال هولواي (جامعة لندن)، بأنه قد "تم اختراق حزب الله (التركي) من الأجهزة الأمنية وجرى تشجيعه على تنفيذ هجمات ضد الناشطين الأكراد والمدنيين. وقعت العديد من عمليات القتل، الاضطهاد، والتعذيب، خصوصا ضد النساء والزعماء الدينيين والمناضلين. ولم يتم حله".
قامت الدولة التركية باستعمال حزب الله ضد الجماعات الكردية اليسارية في حرب بين الأشقاء. لكن حينما هاجمت الجماعة الشرطة، وخاصة إثر مقتل قائد شرطة ديار بكر، تحركت الدولة أخيرا ونفذت في 2000 حملة أمنية تم خلالها اعتقال الآلاف من أعضاء حزب الله.
وفق معشوق كورت، أعقب هذا القمع "فترة صمت" استمرت حتى 2004 حينما عادت الحركة للظهور في الفضاء العام في هيئة منظمات للمجتمع المدني، بعد فترة وجيزة من وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. سرعان ما أفسحت إجراءات الانفتاح التي اتخذها حزب العدالة والتنمية المجال أمام الجماعات الإسلامية التي كانت تعمل في السر. في ظل هذا السياق العام، برز هدى بار ككيان قانوني وأنشأ مكاتب له في ديار بكر.
يوضّح معشوق كورت: "لقد عاودوا الظهور في الفضاء العام من خلال كيانات قانونية، مع استمرارية في الأيديولوجيا وعبر نفس القاعدة الاجتماعية المساندة لهم، إلا أنني لا أرى رابطا هيكليا. ما تغير، هو تجسيد هذه القيم، وأساليبهم. في السابق، كانت في غاية السرية، والكتمان، وكانت تعتمد على نواة صلبة مستعدة للانخراط في العنف. اليوم، هي عبارة عن كيان قانوني".
كحزب سياسي، ينفي هدى بار أي صلة له مع حزب الله، إلا أنه يعترف بأن بعض أعضائه كانوا في السابق ينتمون إلى الجماعة المسلحة التركية. في هذا الإطار، قال زعيم الحزب زكريا يابيتشي أوغلو بشكل علني إنه لا يعتقد أن حزب الله جماعة إرهابية. تصريحات نددت بها المعارضة ووسائل الإعلام قبل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وقد أثارت احتجاجات، بما في ذلك على مدرجات ملاعب كرة القدم حيث هتف الألتراس (مشجعون متطرفون): "نحن لا نريد حزب الله في البرلمان".
تجريم الزنا وإلغاء قوانين العنف الأسري
لكن صيحات مجموعات الألتراس جاءت بعد فوات الأوان. فبعد وصول أربعة من أعضاء هدى بار إلى البرلمان، باشر الحزب أول هيئة تشريعية له بالتمرد على عادات وتقاليد الجمهورية التركية. وبعض مضي حوالي أسبوعين على الانتخابات العامة، أفادت وسيلة إعلام تركية بأن النواب الجدد لم يؤدوا بعد اليمين، حيث إن هدى بار رفض قسم باقي البرلمانيين الأتراك.
وحسب حزب الشعب الجمهوري (علماني، معارضة)، فإن الحزب الإسلامي عارض كذلك توظيف النساء في البرلمان. حيث إن مسألة حقوق المرأة هي بالفعل في أنظار هدى بار وكذلك حزب إسلامي راديكالي آخر متحالف بدوره مع حزب العدالة والتنمية، وهو حزب الرخاء الجديد (YRP). يدعو الحزبان إلى إعادة تقييم القوانين من أجل "حماية سلامة الأسرة"، ما قد ينجم عنه تراجع تركيا عن القوانين التي تحمي المرأة من العنف الأسري.

يقول معشوق كورت: "يتشارك كلا الحزبين في نفس الرؤى حول المساواة بين الجنسين واندماج الأسرة في هيكل أبوي. مواقفهم معادية للمثليين وللأجانب، إنهم معادون للغاية للغرب ولإسرائيل، ومثيرون للجدل تماما، خصوصا فيما يخص قضية حقوق المرأة ومجتمع الميم".
ويقترح هدى بار تجريم الجنس خارج نطاق الزواج، وإلغاء حقوق المرأة في النفقة، وإلغاء القانون التركي الذي يحمي ضحايا العنف المنزلي.
"محور للمحافظين" في مناطق الأكراد
دفعت المواقف المتطرفة لحزب هدى بار الكثير من الأتراك إلى افتراض أن موقف رجب طيب أردوغان في الفترة التي سبقت الانتخابات، كان ضعيفا للغاية لدرجة أنه اضطر بشكل محرج إلى مساندة هذا الحزب الثانوي.
رغم ذلك، وصف وزير الداخلية التركي سليمان صويلو خلال كلمة له حول استراتيجية الحزب الحاكم، تحالف حزب العدالة والتنمية مع هدى بار بأنه "أهم خطوة اتخذتها الجمهورية التركية والسياسة التركية" خلال السنوات الأخيرة.
وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن تورك" (CNN Türk)، لفت صويلو إلى أن "الأهمية الاستراتيجية" للتحالف ستظهر في ظرف عشر سنوات، حين "سيتم إعادة تنشيط محور المحافظين في سياسات الشرق والجنوب الشرقي بهذه الخطوة".
في هذا السياق، فإن هذا المسار الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية لتوسيع "محور المحافظين" في منطقة الأكراد في الجنوب الشرقي جارٍ بشكل جيد، لمواجهة حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) العلماني التقدمي، والذي لا يزال يحظى بالشعبية الأكثر في تلك المنطقة.
كما لا يزال تأثير حزب الشعوب الديمقراطي على التصويت الكردي، العنصر المهم والمتماسك إلى حد كبير في القاعدة الانتخابية للمعارضة، يحافظ على تأثيره رغم حملة القمع القاسية التي شنّها الرئيس أردوغان على الحزب.
إلا أن معشوق كورت لفت إلى أن حزب أردوغان "حاول جاهدا خلال السنوات الأخيرة كسب دعم الشعب الكردي"، مضيفا بأن "هدى بار يوفر لحزب العدالة والتنمية قاعدة للعمل على هذه السياسات".
استهداف رؤساء البلديات الأكراد ونشطاء حقوق المرأة
قام الرئيس أردوغان منذ الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016 بإقالة وسجن العديد من رؤساء البلديات من حزب الشعوب الديمقراطي، والذين تم انتخابهم ديمقراطيا، واتهمهم بـ"دعم منظمة غير مشروعة"، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة تنظيما إرهابيا. وبالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان، فإن الرئيس التركي راضٍ عن تصنيف كل من يعارضه على أنهم "إرهابيون".
تم اعتقال غولتشيهان سيمسك رئيسة البلدية السابقة لمنطقة بوستانيتشي (مقاطعة فان الجنوبية الشرقية) في أبريل/نيسان 2009. ومن دون توجيه تهم لها، تم سجنها لمدة خمس سنوات، في السجن العسكري رقم 5 سيئ السمعة في ديار بكر، في قلب أكبر مدينة كردية في تركيا.



تقول غولتشيهان سيمسك إن مهاجمة الحركة النسائية الكردية هي جزء هام من استراتيجية حزب العدالة والتنمية لكسب الأصوات الكردية. © سامية ميثيني، فرنسا 24.
وبمجرد فصل رؤساء البلديات، يجري استبدالهم بإداريين يعيّنهم الحزب الحاكم. يشرح معشوق كورت: "من ثمة، يسعى حزب العدالة والتنمية حاليا إلى استبدال حزب الشعوب الديمقراطي بهدى بار كممثل قانوني للسكان الأكراد، وهو يعزز الأخوة الإسلامية لتحويل اهتمام الأكراد عن التطلعات الوطنية". يضيف نفس المتحدث: "تتم الموافقة على الكثير من المساعدات لفائدة أنصار هدى بار ومنظمات المجتمع المدني".
رغم ذلك، يلقى حزب العدالة والتنمية منافسة شرسة على الأصوات الكردية. فمثلا، لم يحاول حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب علماني معارض، الحصول على أصوات الأكراد، تاركا الطريق مفتوحا أمام الأحزاب الكردية. في المقابل، دعمت تلك الأحزاب بقوة حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة.
في ضوء ذلك، فإن استراتيجية الحزب الحاكم في الجنوب الشرقي تكمن في تعزيز الأدوار التقليدية والعائلية للمرأة، في محاولة لتوسيع نطاق الأصوات الكردية المحافظة والاستحواذ عليها. يجري هذا عبر استهداف الحركة النسائية، وفق غولتشيهان سيمسك.
ومنذ الإفراج عنها من سجن ديار بكر في 2014، كانت رئيسة البلدية السابقة تشارك بحيوية في الحركة النسائية الكردية، التي مهّدت الطريق للحركة النسائية التركية. إلا أن هذا لم يوفّر لها حماية من حملة التوقيفات المتكررة، الاعتقالات، والمحاكمات المتواصلة والتي تدوم لفترة طويلة.
تقول غولتشيهان سيمسك: "تقوم هذه الحكومة بتقييد حرياتنا، إنهم يحاولون أن يدفعوا النساء إلى المكوث في المنزل. هذه سياسة دولة هدفها تقسيم الأكراد. يدين أنصار هدى بار للشعب الكردي بالاعتذار عن كل ما ارتكبوه في التسعينيات. الأكراد ساخطون". تضيف سيمسك التي لا تزال تتمسك بالأمل: "فجأة، أصبح هدى بار صديقا لحزب العدالة والتنمية. لكن الشعب الكردي لم ينخدع. سنواصل كفاحنا".