العلماء اكتشفوا ثقبا أسود متوسط الحجم يقع في قلب تجمع نجمي قريب من الأرض (ناسا)

في تطور مذهل لفهمنا للكون وظواهره الفلكية، اكتشف علماء الفلك التابعون لوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، حلقة كانت مفقودة ونادرة في الكون؛ وتحديدا ثقبا أسود متوسط الحجم يقع في قلب تجمع نجمي قريب من الأرض، يبعد عنا 6 آلاف سنة ضوئية.
وقد نشرت الدراسة في دورية "مانثلي نوتيسيز أوف ذا رويال أسترونوميكال سوسايتي" (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society) في 23 مايو/أيار الماضي.
ندرة هائلة

تعد الثقوب السوداء من الظواهر الفلكية الأكثر غموضا وتعقيدا، فهي تتشكل بعد انهيار نجوم ضخمة وتتمتع بجاذبية هائلة لدرجة أنها تجذب أي شيء يقترب منها، حتى الضوء. ويبدو أن جميع الثقوب السوداء المرصودة ذات حجمين؛ إما صغير أو هائل.
ومن المقدر أن مجرتنا وحدها مليئة بـ100 مليون ثقب أسود صغير، ذات كتل تضاعف بعدة مرات كتلة شمسنا. بينما تغمر الكون بشكل عام الثقوب السوداء فائقة الكتلة، والتي يضاعف وزنها ملايين أو مليارات المرات كتلة شمسنا، وتستقر في مراكز المجرات.
لكن هناك سرا يبقى غامضا في ظلام الفضاء العميق، إنها الثقوب السوداء متوسطة الكتلة، والتي يعادل وزنها من 100 ضعف إلى 100 ألف ضعف كتلة شمسنا. إذ تعتبر الثقوب متوسطة الكتلة حلقة مفقودة في نسيج الكون، وكان العلماء يبحثون عنها منذ فترة طويلة. فكيف تتكون، وأين توجد، ولماذا تكون بهذه الندرة؟

ثقوب محتملة متوسطة الحجم

باستخدام مجموعة متنوعة من تقنيات المراقبة، استطاع علماء الفلك تحديد عدد من الثقوب السوداء المحتمل أن تكون ذات كتلة متوسطة. وكان ثقبا (3XMM J215022.4-055108) و(HLX-1) من بين أكثر الثقوب المتوقع أن تكون متوسطة الكتلة.
باستخدام تلسكوب هابل في عام 2020، استطاع العلماء التعرف على الثقب الأسود (3XMM J215022.4-055108). كما تم اكتشاف الثقب الأسود (HLX-1) عام 2009. ويقع هذان الثقبان الأسودان في مجرات أخرى، ولهما كتل تعادل عشرات آلاف كتلة الشمس. ويعتقد أن هذين الثقبين كانا ذات يوم مركزا لمجرة من المجرات القزمة (Dwarf galaxies).
بالمقارنة مع مجرة درب التبانة التي يبلغ عدد نجومها ما بين 200 و400 مليار نجم، تعتبر المجرة القزمة مجرة صغيرة تتكون من حوالي ألف نجم إلى بضعة مليارات من النجوم.
وبالنظر إلى المجرات الأقرب لنا، اكتشف العلماء عددا من الثقوب السوداء المحتملة بأن تكون متوسطة الكتلة، موجودة في التجمعات النجمية الكروية (العناقيد الكروية) التي تدور حول مجرتنا درب التبانة.
ففي عام 2008، أعلن علماء الفلك عن وجود ثقب أسود متوسط الكتلة محتمل في العنقود الكروي "أوميغا سنتوري" (Omega Centauri). غير أنه ما تزال هذه الاكتشافات وغيرها من الثقوب السوداء ذات الكتلة المتوسطة غير قاطعة.





اكتشاف ثقب أسود متوسط الحجم قريب

استخدم العلماء حديثا قدرات مرصد هابل الفريدة لاستكشاف نواة العنقود النجمي الكروي "ميسييه 4" (Messier 4; M4) لاصطياد الثقوب السوداء بشكل أدق مما جرى في بحوث سابقة.
في هذا الصدد، يقول إدواردو فيترال، عالم الفيزياء الفلكية بمعهد مراصد علوم الفضاء في ميريلاند بالولايات المتحدة، والمؤلف الرئيس للدراسة إنه "لا يمكن القيام بهذا النوع من الاكتشافات دون استخدام مرصد هابل".
وقد تمكن فيترال وفريقه من اكتشاف ما يحتمل أن يكون ثقبا أسود متوسط الكتلة، قدرت كتلته بحوالي 800 كتلة شمسية. ولم يتمكن الفريق من رؤية الثقب الأسود المحتمل، ولكن تم تقدير كتلته استنادا إلى دراسة حركة النجوم القابعة في مجال جاذبيته.
وتستغرق مثل تلك الحسابات أوقاتا طويلة وتتطلب دقة رصد عالية، وهذا ما يستطيع تلسكوب هابل إنجازه. وقد راقب الفريق حركة النجوم حول ذاك الثقب الأسود، والتي رصدها تلسكوب هابل طيلة 12 عاما، كما حددوا مواقع هذه النجوم بدقة عالية.
وقد اهتم الباحثون بدراسة هذا الثقب الأسود تحديدا بعد أن لاحظوا تأثيرات غير عادية منه على النجوم والغازات المحيطة به. وتم استخدام مجموعة من المراصد الفلكية المتقدمة لتحليل هذه الظواهر وجمع البيانات الدقيقة التي تدل على وجود شيء غريب في المنطقة المحيطة به.
وعلى الرغم من أن العلماء اكتشفوا العديد من الثقوب السوداء في الكون، فإن هذا الاكتشاف الجديد يعد استثنائيا نظرا لموقعه القريب من الأرض.
ويشير فريق الباحثين إلى أن هذا الثقب الأسود يمكنه أن يكون "حلقة الوصل المفقودة" التي تربط بين الثقوب السوداء الصغيرة والكبيرة. ويعتقد العلماء أن هذا الاكتشاف سيساعد في توسيع معرفتنا عن نشوء الثقوب السوداء. كما سيساعد العلماء على فهم العلاقة بين الثقوب السوداء وتشكيل المجرات وتطورها.