بتعيين الجنرال امير آشيل قائداً جديداً لسلاح الجو الإسرائيلي تكون إسرائيل قد أعطت إشارة واضحة الى أنها على وشك استكمال أضلاع المثلث الذي تستند إليه قراراتها لضرب إيران . وبهذا فإن المؤشرات تؤكد أن إسرائيل استكملت ضلعين من أصل هذه الأضلاع الثلاثة قبل الشروع بضرب المنشآت النووية الإيرانية وما يتفرع عنها من مؤسسات معسكرية قد تعيق تنفيذ أهدافها .
هذه الأضلع الثلاثة هي : الضلع التقني ، والعملياتي ، والذي يشتمل على تأمين المعدات اللازمة للضربة من طائرات مناسبة وطائرات التزود بالوقود من الجو والمعدات الألكترونية والفضائية المكونة لمنظومة الاتصالات والدعم الجوي والأرضي وأجهزة التشويش وفك الشيفرات وأنظمة التمويه الألكتروني وقبلها كلها معطيات استخبارية كافية ومتجددة تسمح بنجاح العملية الخطيرة .
وضمن ذلك يأتي تأمين المسارات الجوية المختارة للطائرات قبل وبعد تأدية الضربة او الضربات . واذا كان تعيين الجنرال امير آشيل بمثابة إيذان بالتأهب الفعلي للضربة فإن المتابع للوضع الإقليمي يرى أن الإقليم الشرق أوسطي ربما منح إسرائيل ما تحتاجه تقنياً وجغرافياً منذ أكثر من عام . هكذا تشير تقارير منشورة عن استعداد دول محددة للسماح بإعطاء السرب الإسرائيلي الإذن بالتسلل عبر أجوائها .
أما الضلع الثاني الذي جرى تأمينه فهو الجبهة السياسية الداخلية في إسرائيل .. حيث نجح بنيامين ناتينياهو أحد أكثر قيادات إسرائيل تطرفاً ويمينية بجذب ايهود باراك ومعه حزب العمل الى جانبه قبل أشهر وأخيرا الجنرال شاؤول موفاز بعد الفوز الساحق الذي حققه مؤخرا في انتخابات قيادة حزب كاديما .
التئام شمل هؤلاء الصقور يعني على المستوى السياسي إغلاق باب الانشقاقات الكبرى في مرحلة ما بعد الضربة العسكرية لإيران . فالتفاهم الذي عمد اليه ناتينياهو يرحل التأزم والإحتقان الحاصلين على الجبهة السياسية الإسرائيلية الداخلية راهناً ، ويقلل الى قدر كبير ، من تأثير الخلل الموجود في العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية الذي يوصف على نطاق واسع بأنه « اشمئزاز اميركي « من سياسة ناتينياهو . ولكن هذا التحالف سيكون بمثابة درع واقية سياسياً في حال أفلت الوضع العسكري من يد الإسرائيليين وتسبب بانتكاسات إقليمية خارج مقدرة تل أبيب . أي في حال تمكنت طهران من امتصاص الضربة واحتمال أضرار المفاجأة العسكرية .
الضلع الغائب حاليا ً او غير المكتمل او الناضج هو البعد الأميركي من المغامرة العسكرية الإسرائيلية . وهنالك اتجاهان يعمل ناتينياهو على سلوكهما وصولا الى توقيعه قرار ضرب المشروع النووي الإيراني . أولهما اتجاه يسعى الى الحصول على ما يمكن ان يكون تطابقاً في المواقف يتيح اطلاق واشنطن الضوء الأخضر للعجلة العسكرية الإسرائيلية ولا سيما سلاح الطيران فيها . وهذا الأمر دونه (خرط القتاد) كما يقال في لسان العرب . أي أنه مستبعد او عسير للغاية بسبب طبيعة العلاقات بين الرئيس الأميركي وناتينياهو ، وهي علاقة غير إيجابية تخللها الكثير من المناكفات والخلل بحيث توصف انها أدنى مستوى في العلاقات مع إسرائيل .
في الوجهة الثانية يعمل ناتينياهو على انتظار التقلبات السياسية والتطورات المرتبطة بالوضع الدولي وموقف الغرب من إيران ، وما قد تتمخض عنه السياسة الإيرانية المتصلبة تجاه الملف النووي . وتبني الحكومة الإسرائيلية خياراتها على تحليل طبيعة القرارات الإيرانية والتوجهات التي اتبعتها طهران طيلة السنوات الخمس الماضية في المفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة النووية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية . وهو موقف يوصف من قبل المؤسسات الغربية واسرائيل بأنه يعمد الى تقطيع الوقت والتملص من الالتزام وكسب المهل واللعب على الخلافات اللفظية واللغوية . ولكن مواقف ناتينياهو تلتقي مع المواقف الأميركية في انهما ملتزمتان بوقف البرنامج النووي الإيراني ما تتضح الرؤية بشكل كامل وتغير طهران من خطابها وسلوكها .
هكذا يبدو المشهد العسكري بوجود الجنرال الطيار امير أشيل القائد الجديد لسلاح الطيران مهيئاً ومستنفراً الى اقصى الحدود حيث استكملت اسرائيل جميع احتياجاتها ومستلزماتها ما اذا كنا سنشهد في هذه المغامرة انتكاسة اقليمية كبرى تعيد خلط اوراق الشرق وملفاته الساخنة بشكل يصعب ترتيبها قبل فترة طويلة او انتصارا اسرائيلياً يطلق يدها في المنطقة ويخرجها من مأزقها الأخلاقي والسياسي.