صفحة 13 من 13 الأولىالأولى ... 31112 13
النتائج 121 إلى 123 من 123
الموضوع:

قطوف أدبية - الصفحة 13

الزوار من محركات البحث: 186 المشاهدات : 2043 الردود: 122
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #121
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: July-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 527 المواضيع: 238
    التقييم: 147
    آخر نشاط: 23/August/2023
    مقالات المدونة: 1

    جرجي زيدان صانع الأحذية والأدب..
    الرحلة من القدم إلى الرأس


    من عامل بسيط في مطعم والده، إلى صانع أحذية لمدة عامين.. كيف صنع جرجي زيدان مجده الأدبي؟

    في 14 كانون الأول/ديسمبر 1861، على عتبات الدخول في فصل الشتاء، كان حبيب زيدان يقضي ساعات العمل داخل مطعمه في ساحة البرج في بيروت، منصرف الذهن إلى أمر جلل، تكشّف للجميع حين دخل عليه من يزفّ البشارة بأنّ زوجته مريم مطر وضعت مولودها. استقرّ بال الأب بعد ذلك، وهدأت صرخات الأم، وجاء إلى الدنيا طفل عرفه الناس في ما بعد كاتباً مشهوراً اسمه جرجي زيدان.

    وُلِد لأسرة بسيطة وعَمِل صانع أحذية
    وُلِدَ جرجي حبيب زيدان لأسرة مسيحية بسيطة، تعود أصولها إلى منطقة حوران السورية، انتقلت كغيرها من عائلات حورانية عديدة إلى لبنان، وتحديداً إلى قرية تدعى عين عنوب، لينتهي بها المطاف في وقت لاحق مستقرة في بيروت، بعد أن هاجرت جدته لأبيه إليها مع بنتيها وابنيها، وكان أكبرهم حبيب والد جرجي. كان حبيب، رب الأسرة، رجلاً أمّيّاً، يملك مطعماً صغيراً يتردد عليه عدد من الكتاب والأدباء، يتناولون الطعام ويثرثرون سويّاً في السياسة والفن. غير أنّ الرجل لم ينشغل بغير ما تحويه جيوبهم، لعلّه يجد في آخر الليل ما ينفقه على أسرته.

    حين أتمّ الطفل جرجي سنواته الخمس، أرسله والده إلى مدرسة بسيطة لكي يتعلم الكتابة والحساب، وكان ذلك بغرض الاستفادة منه في تدوين حسابات مطعمه، بدلاً من الاستعانة بشخص آخر من خارج الأسرة. في عمر 9 سنوات، انتقل جرجي زيدان إلى مدرسة الشوام، حيث تعلّم اللغة الفرنسية. لكن هذه المدرسة أغلقت عام 1870، ليتنقل بعدها بين مدارس عدة، تعلّم فيها اللغة الإنجليزية،حتى دفعته الظروف المادية الصعبة للأسرة إلى ترك الدراسة، واستعان به والده في العمل بالطعم.

    كان جرجي يحمل إلى الزبائن الطعام والماء، مع وجود فارق بسيط بينه وبين والده، وهو أنّ رأسه التي فوق كتفيه كانت الأقرب إلى حديث الزبائن من الأدباء والمفكرين، في الوقت الذي كان والده مشغولاً بما يدفعونه من مال. فقد كان الطفل يلتقط من بينهم الأشعار التي يلقونها، مسحوراً بأحاديثهم في السياسة والأدب والفن، مستعيناً بما يعرفه من اللغتين الفرنسية والإنكليزية. لم يدُم هذا الحال طويلاً، إذ سرعان ما اعترضت والدته على عمله مع والده، فقد كانت تطمح أن يكون مستقبله أفضل من ذلك، وأرادت له أن يتعلّم صنعة، فاتّجه إلى تعلم صناعة الأحذية وهو في الـ12 من عمره، وبقي فيها مدة عامين، لكنّه سرعان ما أدرك أنّ راحة أقدام الناس ليست مسعاه، بل جعلهم يحركون ما فوق أكتافهم ودفعهم إلى التفكير، هو ما سيصبح شغله الشاغل طوال سنينه المقبلة، لذلك عاد إلى مطعم والده مرة أخرى، يعمل فيه بين زبائنه من رجال الأدب والفكر.

    اهتمّ بالأدب منذ الطفولة واقترض 6 جنيهات ليسافر إلى مصر
    الانشغال بالأدب لم يكن وليد لحظة بعينها، فقد نشأ الطفل جرجي مهتمّاً بالقراءة والاطلاع، ميّالاً إلى المعرفة، شغوفاً بالأدب. مدفوعاً بذلك، انتظم في حضور حفلات "جمعية شمس الدين بدر الأدبية"، التي أنشئت في بيروت، وكانت فرعاً من فروع "جمعية الشبان المسيحيين" في بريطانيا، التي أصبحت سبيله إلى توثيق صلته برجال الصحافة وأهل اللغة والأدب، أمثال يعقوب صروف وفارس نمر. خلال تلك المرحلة أيضاً، توثّقت علاقته بعدد من طلبة المدرسة الكلية للطب فى بيروت، الذين كان لهم الفضل في تبديل مسار حياته، من خلال دعوته إلى المشاركة في احتفالات الكلية، التي عزم على الالتحاق بها واستكمال دراسته، فترك العمل نهائياً وانكبّ على التحصيل والمطالعة راغباً بالالتحاق بمدرسة الطب. وبالفعل تمكّن من اجتياز الاختبارات، واستمرّ يدرس فيها مدة عامين، حصل خلالهما على شهادة في الكيمياء التحليلية بدرجة امتياز، وأخرى في اللغة اللاتينية. ربما كان الظمأ إلى المعرفة إحدى أبرز سماته الشخصية، فهو لم يكتفِ بما درسه في المدرسة الكلية للطب في بيروت، بل سرعان ما قرّر دراسة الطب البشري في مدرسة قصر العيني في مصر، وقد كان وقتها على حالته من الظروف المعيشية الصعبة، ولم يكن معه من المال ما يكفي نفقات السفر إلى مصر، فاقترض من جار له في بيروت 6 جنيهات، على أن يردّها له حينما تتيسر الأحوال.

    بين الأدب والصحافة
    في تشرين الأول/أكتوبر عام 1883، وصل جرجي زيدان إلى مصر قاصداً الالتحاق بمدرسة الطب، لكنَّ أسباباً كثيرة دفعته إلى العدول عن فكرته، في مقدمتها طول مدة دراستها في ظل ظروفه المادية الصعبة. انصرف بعد ذلك إلى العمل في صحيفة "الزمان" اليومية، التي كان يصدرها علسكان صرافيان، وهي الصحيفة اليومية الوحيدة التي كانت تصدر في القاهرة في ذلك الوقت، بعد أن عطّلت سلطات الاحتلال الصحافة المصرية إثر ثورة أحمد عرابي.

    لم يسِر طريق جرجي زيدان في العمل الصحفي على خط مستقيم، بل كثيراً ما ذهب إلى مناطق أخرى ثم رجع إلى الصحافة. ففي العام التالي لوصوله، 1884، انتقل للعمل كمترجم في مكتب المخابرات البريطانية في القاهرة، ورافق الحملة النيلية التي توجهت إلى السودان لإنقاذ القائد الإنجليزي غوردون من حصار محمد أحمد المهدي له. ولم يستقرّ في مصر بعد عودته، فسافر إلى بيروت وانضمّ إلى "المجمع العلمي الشرقي" الذي أنشئ عام 1882، وقضى فيه 10 أشهر درس خلالها اللغات الشرقية.

    في تلك الفترة، تقاطع المشروعان الأدبي والصحفي لدى جرجي زيدان، ففي العام 1886 تمكّن من تأليف أول كتبه تحت عنوان "الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية"، وقد أصدر منه طبعة جديدة عام 1904 بعنوان "تاريخ اللغة العربية". وقد كان هذا الكتاب نواةً لمشروع أدبي انصبّ على اللغة العربية وأدبها، وبدأ في الوقت ذاته بإرسال مقالات أدبية وبحوث علمية إلى مجلة "المقتطف"، قبل أن يتولّى إدارتها في ما بعد لمدة عامين مقابل 8 جنيهات شهرياً.

    وسرعان ما انتدبته المدرسة العبيدية الكبرى لطائفة الروم الأرثوذوكس في مصر، ليتولّى مهمة إدارة التدريس فيها، ليترك الصحافة متوجّهاً إلى التدريس الذي قضى فيه سنتين. ولم يكن انقطاعه عن الصحافة انقطاعاً عن الكتابة، فخلال تلك الفترة تمكّن من تأليف أولى رواياته التاريخية، وهي "المملوك الشارد"، والتي كانت بداية لمشروعه في كتابة الرواية التاريخية، حيث جاء بعدها العديد من الروايات، نذكر منها "عذراء قريش"، "غادة كربلاء"، "فتح الأندلس".

    ورغم أنّ الكتابة تُعَدّ حلقة مهمة في سيرة جرجي زيدان، إلا أنّه لم يكتفِ بها، بل دفعه انصراف الشوام إلى مجال النشر والصحافة إلى التعاون مع نجيب متري، مؤسس "دار المعارف"، في إنشاء مطبعة، لكنّها شراكة لم تستمرّ طويلاً، حيث دبّ الخلاف بينهما، فاستقلّ زيدان بالمطبعة وراح يعمل على تطويرها، وأطلق عليها اسم "مطبعة التأليف"، وقد صدرت عنها مجلة "الهلال"، التي تُعَدّ درّة مسيرة جرجي زيدان، والصرح الثقافي الذي ضَمِنَ له الخلود لاحقاً.

    المجلة "تظهر كل أول شهر كالهلال"
    تُعَدّ مجلة "الهلال" المجلة الثقافية الأولى والأهم في العالم العربي، وقد أسماها صاحبها بهذا الاسم لأنّها "تظهر كل أول شهر كالهلال"، وأيضاً "تفاؤلاً بنموّها مع الزمن، حتى تكتمل بدراً"، بالإضافة إلى وجود سبب آخر، ربّما غازل به السلطة آنذاك، قائلاً: "تبرّكاً" بالهلال العثماني رفيع الشأن، شعار "دولتنا العليّة أيَّدها الله". صدر العدد الأول من مجلة "الهلال" في أيلول/سبتمبر عام 1892، وخرجت في 22 صفحة عن مطبعة "التأليف"، التي صارت لاحقاً بعد مطبعة "الهلال" الواقعة في شارع الفجالة. وقد اختار زيدان هذا الحي لقربه من مواطنيه السوريين واللبنانيين، وأيضاً لحنكته التجارية، حيث أنّ وقوع هذا الحي وسط القاهرة، في مواجهة محطة قطارات السكة الحديد، سهّل توزيع مجلته إلى جميع الأنحاء من دون تكلفة. وكان جرجي زيدان هو من يحرر مجلته بنفسه في بداية الأمر، ثم بعد سنوات قليلة أصبحت قِبلة المفكرين والكتاب العرب، وتتابع على رئاسة تحريرها أدباء كبار، أمثال أحمد زكي وحسين مؤنس وعلي الراعي والشاعر صلاح جودت.

    عاش جرجي زيدان حياته على طريقة البرق، يخطف النظر ثم سرعان ما يختفي، هكذا اعتاد بدءاً من العمل في مطعم والده، وتعلُّم صناعة الأحذية، وصولاً إلى دوامة الأدباء والمفكرين التي لم يسلم منها، حتى توفّي فجأة بين أوراقه وكتبه، في 21 تموز/يوليو 1914. وكان لموته صدى كبيراً، وقد نعاه كبار الشعراء وقتها، بينهم حافظ إبراهيم وخليل مطران وأحمد شوقي.

  2. #122
    صديق فعال

    كن عراقيًا لتصبح شاعرًا..
    عن بلاد السياب ومتلازمة القصيدة

    أحمد الملاح

    "الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ، فكُنْ عراقيّاً لتصبح شاعراً يا صاحبي!".. هكذا اختصر الشاعر الفلسطيني محمود درويش الحكاية، في قصيدته "أتذكّرُ السيّاب"، ومنح لقب شاعر لكل عراقي، فالشعر يولد على هذه الأرض. لم يبالغ درويش في وصفه كعادة الشعراء، فالعراقي والقصيدة متلازمة متعددة الوجوه ومختلفة الملامح، لكن الثابت فيها هو الريادة لهذا الفن، فقد برع شعراء العراق في الحفاظ على الكلاسيكية الجزلة السحرية في الشعر العربي، وتمكنوا من إضافة الحديث وتطوير القديم وخلق حالة فريدة خاصة بهم. وفي هذا القرير سنحاول أن نضيء على شعر وشعراء العراق الحديث.

    الإضافة العراقية
    لم يعرف العرب القصيدة العمودية إلى أن كسرت الشاعرة العراقية نازك الملائكة أعمدة الشعر التقليدي في قصيدتها المبتكرة "الكوليرا"، بالتزامن مع نشر بدر شاكر السياب قصيدته "هل كان حبًا؟" التي كانت أول قصائده في الشعر الحر، ورغم الصراع الذي نشب بين الإثنين منذ 1947م تاريخ نشر القصائد حيث لم يحسم إلى اليوم بين الباحثين باسم من يسجل هذا التجديد الكبير في الشعر العربي، ومن الذي سبق الآخر بهذا الإنجاز؛ إلا أنه مما لا شك فيه أنه إنجاز عراقي خالص لا ريب فيه إن كان عبر نازك أو السياب الذي يعتبر أحد أشهر الشعراء الذين أرسوا قواعد الشعر الحر. لم يقتصر التجديد في كسر العمود بل في لون الشعر ذاته، فأبدع الشاعر العراقي أحمد مطر لونًا فنيًا جديداً في القصيدة العربية وهو شعر اللافتات الذي نشر أول قصائده "عباس وراء المتراس" في افتتاحية جريدة القبس الكويتية ليكون بذلك مؤسسًا لهذا النمط الأدبي الجديد ورائد مدرسته.

    https://www.youtube.com/shorts/5LE2f...?feature=share
    قصيدة لمن نشكو مآسينا ؟ بصوت أحمد مطر

    إن التركيب الفني للافتات أحمد مطر أقرب لقصائد الهايكو اليابانية التي كانت تجسد فكرة واحدة مركزة، استخدم الشاعر من خلال هذه التقنية الأدبية طريقة لخطاب المتلقي العربي وقد نجح بذلك، فقد بيع ديوانه المطبوع كويتيًا ما يزيد عن مليون ومئتين ألف نسخة في المغرب العربي فقط.

    شعراء بلا ورثة
    "آخر شعراء الكلاسيكية السحرية في الشعر العربي" بهذه الكلمات يوصف شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري (1899-1997م) الذي يعتبر أبرز شعراء القرن العشرين، ويكتب الجواهري الشعر الجزل ولا يظهر فيه تأثر بشيء من التيارات الأدبية الأوروبية، وقد استمر في العطاء الشعري لحين وفاته في العاصمة السورية دمشق ودفن في مقبرة الغرباء وعلى قبرهِ نحتت خارطة العراق من حجر الجرانيت مكتوب عليها «يرقد هنا بعيدًا عن دجلة الخير»، في إشارة إلى قصيدته الشهيرة.

    قصيدة "اخي جعفر" يرثي فيها الجواهري أخاه الأصغر جعفر
    لم يظهر وريثًا للجواهري من الشعراء في الأجيال الحديثة، مما جعل وصفه بأخر شعراء الكلاسيكية الشعرية وصفًا دقيقيًا. ومن الجواهري إلى عبد الرزاق عبد الواحد، الذي يشارك صاحبه غياب الورثة، فالشاعر الملقب بـ "شاعر القرنين" الذي كتب الشعر الحر والعمودي وفضل الأخير وتجاوزت قصائده النطاق العربي فترجمت للانجليزية والفرنسية والروسية والرومانية والألمانية وعدد آخر من اللغات العالمية، لم يجد الشعر العربي رديفًا له بجزالة الشعر وقوة الصورة الشعرية لذلك لقبه البعض بـ "المتنبي الأخير". ويعتبر الجواهري وعبد الواحد من النماذج الصارخة على الريادة العراقية للقصيدة وهذا ما يجعل مهمة الشعراء الشباب في العراق مهمة صعبة للحاق بقامات عملاقة جسدتها ألقاب مثل شاعر العرب الأكبر والمتنبي الأخير.

    https://youtu.be/0wxkveM54xQ


    https://youtu.be/9QlIa_rAl00
    شعر اللهجة العراقية

    لم يقتصر الشعر في العراق على العربية الفصحى بل تسلل إلى العامية العراقية فكتب العراقيون العتابة و الأبوذية والزهيري والدارمي والبدوي والعامودي وكل هذه الوجوه من الشعر الشعبي العراقي كتبت باللهجة المحكية.
    وقد حمل رواد هذا الشعر الشعبي على رأسهم مظفر النواب ثم عريان السيد خلف وكاظم إسماعيل كاطع رسالة المجتمع العراقي عبر شعره الشعبي، وقد عالج الشعر الشعبي الكثير من المواضيع الاجتماعية والسياسية العراقية بشكل عميق وقريب من شخصية العراقية كونه يستخدم المفردة العامية العراقية وكذلك الصور الشعرية من الواقع العراقي فكان وقعه وتأثيره يفوق في الكثير من الأحيان القصيدة الفصحى. وهذا الفن الأدبي المحلي الثري لا يوجد في بلد عربي آخر بهذا التنوع الشامل، فالشعر الشعبي العراقي بألوانه الست يعتبر طيف واسع يضاف للقصيدة الفصحى في بلد صدق فيه وصف درويش "الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ".

  3. #123
    صديق فعال

    محمد الماغوط.. أديب السخرية والخوف والحزن

    "عندما أتعب أضع رأسي على كتف قاسيون ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف من يضع رأسه"، كانت كلمات محمد الماغوط تلك حقيقية، فلم تعد نثرًا أدبيًا أو نظمًا من الشعر، فقاسيون تعب ولم يجد من يسند إليه رأسه وكذا سوريا تعبت دون كتف حانٍ أو أخ مجير، رحل الماغوط وتعب الوطن وما زالت كلماته دليلًا على ما عاش من خوف في ظل الوطن الذي أحب والذي من أجله كان يكتب وينثر ومن أجله يعتقل ويخاف ويُظلم.

    محمد الماغوط الذي "حطمه" سجن الوطن وكتب أنه "سيخونه" ظل حالمًا بالحرية التي "لو كانت ثلجًا لنام في العراء"، تراه يكره الخوف الذي زُرع في قلبه بعد اعتقاله الأول ولم يزل يلازمه حتى الموت وهو القائل: "بعد المسرح كل كتابتي من الشعر والسينما والصحافة كانت لترميم ذلك الكسر الذي ورثته من السجن، لكنني لم أستطع"، ظل الماغوط حتى آخر حياته إذا طُرق بابه ليلًا لا يفتح خوفًا من الاعتقال رغم أن "الدولة تحميني لكنني ما زلت أخاف" كما يقول.

    لم ينس الماغوط السجن طوال حياته ولطالما تمحورت رواياته وكتبه ومؤلفاته حول الزنازين في بلد القمع وأقبية الفروع الأمنية منذ زمن بعيد، وقد خلف الاعتقال في نفس الشاعر الماغوط أسى لا تصفه الكلمات وخوف يستشعره في كل حين وقد لاحقه في كل تفاصيل حياته حتى قال عنه: "السجن مثل الشجرة له شروش (جذور)، شروشه تذهب إلى القصيدة والمسرحية والفيلم حتى إنها تذهب إلى الفم الذي تقبله".

    ذكرى وفاته
    تمر اليوم الذكرى السادسة عشرة لوفاة الأديب والشاعر والكاتب السوري محمد الماغوط الذي غادر سوريا عام 2006، ولد الماغوط في مدينة السلمية بمحافظة حماة عام 1934 لأسرة فقيرة، فأبوه كان يعمل فلاحًا بالأجرة في أراضي الآخرين، وعبّر الماغوط عن قساوة أبيه مرة حيث قال: "كان أبي لا يحبني كثيرًا، يضربني على قفاي كالجارية، ويشتمني في السوق"، وانتقل إلى ريف دمشق ليتلقى تعليمه الثانوي هناك لكنه لم يكمل دراسته.

    يروي الماغوط أنه لم يكن يتخيل بيوم من الأيام أن يصل إلى ما وصل إليه نتيجة حالة الفقر والعوز التي كان يعايشها مع أهله وكانت أحلامه تتجلى بزواجه من إحدى قريباته في ضيعته وإنجاب الأولاد والمعيشة معهم في أرضهم، لكن بعد أن عاد الماغوط إلى السلمية، انتسب إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي منذ شبابه، وفي مدينته كان يوجد حزب البعث أيضًا بالإضافة إلى القومي.

    ويروي الماغوط سبب انتسابه إلى الحزب القومي لا إلى البعث، قائلًا: "دخلت إلى حزب لم أقرأ مبادئه، كانت الدنيا برد وشتوية وكان يوجد حزب البعث والحزب القومي، وحزب البعث كان يوجد في حارة بعيدة والطريق إليه موحلة ويوجد فيها كلاب، وإلى جانب بيتنا كان يوجد الحزب القومي وفي مقره يوجد مدفأة فذهبت إليهم"، ويضيف الماغوط "كان المسؤول في حزب البعث ملاكمًا وأنا أكره العضلات وأخاف أن يضربني".

    عام 1955 اتهم الحزب القومي السوري باغتيال العقيد عدنان المالكي ووضع جميع المنتسبين إليه في السجون، وكان من ضمنهم الماغوط، وهنا يقول الكاتب والصحفي عبد الكريم بدرخان إن سجن الماغوط "لم يكن بسبب اعتناقه لفكر حزبي معارض، ولم يكن بسبب موقف سياسي معارض، ولم يكن بسبب كتاباته المعارضة للسلطة"، مشيرًا إلى أن اعتقاله "كان عشوائيًا ظالمًا، استفاد منه الماغوط في بناء شخصيته المستقبلية، شخصية الشاعر المعارض المُضطَهَد من الاستبداد العربي، الشاعر البسيط والفقير والبائس والمتواضع، وهي شخصية مكّنته من احتلال قلوب الكثيرين، باعتبارها نموذجًا مختلفًا عن شخصية الشاعر العربي الموروثة".

    عمل الماغوط الكثير خلال حياته المهنية، ولعل من أهم المحطات هي مساهمته في تأسيس صحيفة تشرين الحكومية في السبعينيات، وعمل فيها لسنوات طويلة، كما عمل رئيسًا لتحرير "مجلة الشرطة" الحكومية السورية، وعمل في المسرح القومي بالتعاون والشراكة مع دريد لحام أنتجا خلالها الكثير من المسرحيات الناجحة والشهيرة التي أصبحت محط الإعجاب الشعبي الكبير لما فيها من نقد لحالة الحكومات العربية والحكام، خاصة أنها تخرج من سوريا التي تحكمها عائلة الأسد القمعية.

    الوطن والماغوط
    رغم أن الماغوط يعتبر من رواد الأدب السياسي الساخر وهو من الذين داوموا على انتقاد الفساد والفقر وقمع الحريات والظلم، فإنه لم يكن معارضًا للأسد الأب والابن بالمعنى الحرفي، إذ إنه لم يصرّح بذلك، لكن ابنته سلافة قالت: "لو كان أبي على قيد الحياة لوقف ضد نظام أسد"، كما تروى الكثير من القصص والمواقف التي تدل على أن الماغوط كان معارضًا للنظام ولا يأبه به.

    ومن هذه المواقف ما حكاه الإعلامي السوري توفيق الحلاق عنه: "المناسبة هي أول عرض لمسرحية كاسك يا وطن، ويجلس حافظ الأسد في الصف الأول وحوله حاشيته المناسبة للموقف مثل نجاح العطار وزيرة الثقافة، لكن كاتب المسرحية محمد الماغوط الذي أخذه الأعوان من يده ليجلس بجانبه أصّر على أخذ آخر مقعد في الصف بعيدًا عنه بسبعة مقاعد. كنت أنا في الصف الثالث مع الإعلاميين. انتهى العرض وصفق الأسد ووقف فوقف الكل. هرع الممثلون إليه وسلموا وفي مقدمتهم دريد لحام.. انتظر الجميع محمد الماغوط.. محمد الماغوط لم يتحرك من مقعده ما اضطر الأسد لمناداته، اقترب الأسد منه، تحرك الماغوط قليلًا ووقف نصف وقفة وصافحه، قال الأسد: "يعطيك العافية وسوف نعمل على تلافي التقصير"!! قال الماغوط بصوت أجش ساخر: إن شاء الله إن شاء الله وأدار رأسه".

    أحب الماغوط وطنه رغم كل مآسيه، وحينما كان ينتقد الفساد أو الظلم والطغيان لم يكن يتكلم فقط عن بلده سوريا إنما كان يوزع حروفه على كل البلاد العربية، حتى باتت بعض كتبه ممنوعة في كثير من بلاد العرب، وهو الذي يقول: "ثم إنني أحب هذا الوطن من محيطه إلى خليجه، فأينما كنت، ما إن أقرأ اسمه في جريدة أو أسمعه في إذاعة حتى أتجمد كنهر سيبيري، كعريف في حضرة جنرال، إنني أحبه، قدروا ظروفي وعواطفي".
    أعماله

    توفي الماغوط وخلّف إرثًا أدبيًا عظيمًا لا يمكن أن ينسى، فمقولاته عن الوطن باتت هذه الأيام تلامس الجميع كأنها تقرأ واقعًا أليمًا نعايشه جميعًا، فكتب عدة مسرحيات تم تمثيلها مثل ضيعة تشرين وشقائق النعمان وغربة وكاسك يا وطن وخارج السرب، جلّ المسرحيات التي ألفها الماغوط أداها تمثيليًا الممثل السوري دريد لحام، ولعل البون شاسع بين الشخصين، إذ إن الماغوط مات كارهًا للاستبداد والطغيان والظلم، بينما لا يزال دريد لحام يسير خلف نظام الأسد الذي قتل مئات الآلاف وشرد الملايين.

    كما أن الماغوط ألف دواوين شعرية كان أهمها ديوان "حزن في ضوء القمر" وديوان "غرفة بملايين الجدران" وديوانه "الفرح ليس مهنتي"، كما ألف عدّة مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلى أفلام سينمائية مثل فيلم "الحدود" الشهير وفيلم "التقرير".

    ظل يحلم الماغوط بالحرية وفناء السجون، وهو القائل: "طالما في ظلم سيظل يوجد سجون"، وعن أمنياته قال: "أتمنى أن لا يظل أحد في السجون وأن لا يظل جائع على وجه الأرض".. مات الماغوط وتحولت بلاده إلى سجن كبير ومأتم عظيم لشعب جائع.
    https://youtu.be/QLK9_iRAOyA

    https://youtu.be/1iVh6FKwUOM

صفحة 13 من 13 الأولىالأولى ... 31112 13
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال