صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 21011 1213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 111 إلى 120 من 123
الموضوع:

قطوف أدبية - الصفحة 12

الزوار من محركات البحث: 179 المشاهدات : 1945 الردود: 122
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #111
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: July-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 527 المواضيع: 238
    التقييم: 147
    آخر نشاط: 23/August/2023
    مقالات المدونة: 1
    الرواية

    تعريف الرواية
    تعرّف الرواية بأنّها فن أدبي نثري طويل يعتمد في أساسه على الخيال، وهو نسيج تترابط فيه مجموعة من العناصر فيما بينها وفقاً لعلاقات معيّنة، وتسير ضمن تسلسل أحداث مدروس لوصف تجربة إنسانية ضمن إطار من التشويق والإثارة تعكسه مجموعة من الشخصيات، في بيئة معيّنة.

    عناصر الرواية
    للرواية عدة عناصر نذكر منها:

    موضوع الرواية: يقصد بموضوع الرواية الفكرة التي ستتحدّث عنها هذه الرواية وتجسّدها، ويتم تصوّرها بشكل بسيط وأولي قبل كتابة الرواية مثل: "طبيب شاب يعمل في مشرحة، ويعمد إلى سرقة أعضاء الجثث إلى أن يتم كشفه متلبساً بواسطة امرأة ثلاثينية صدفة".
    الحبكة: هي سير أحداث الرواية تصاعدياً باتجاه الحل.
    الشخصيات: تعتبر الشخصيات هي محرّك أحداث الرواية باتّجاه الأمام، ومحورها.
    الحوار: الحوار هو الصوت المسموع لأفكار الشخصيات، والطريقة التي تتواصل بها مع بعضها البعض.
    السرد: يأتي السرد على لسان راوً يكون هو حلقة الوصل بين القارئ والشخصيات.

    أنواع الروايات
    تتعدّد انواع الروايات تبعاًً لموضوعها وحبكتها، وتشمل ما يأتي:

    روايات الغموض: تتمحور روايات الغموض على الأغلب حول جريمة يجب حلّها على يد محقّق، أو هاوٍ كبطل الرواية مثلاً، وتكون هذه الجريمة جريمة قتل على الأغلب، حيث يستفيد المحقق أو الشخص المعني في حلّ اللغز من الشخصيات الموجودة في الرواية، وبعض التفاصيل لحلّها.
    روايات الرعب والتشويق: يندر ان يجد القارئ نوعاً من روايات الرعب غير المصحوبة بالغموض والإثارة في أغلب الأحيان، وبالخيال العلمي في بعض الأحيان الأخرى، وروايات الرعب وُضعت لخلق جو عام من التوتر والرعب النفسي يعيش فيه القارئ تفاصيلها عبر ما يجري بها من أحداث وتصويرات.
    روايات الخيال العلمي: تُعتبر روايات الخيال، أو الخيال العلمي إحدى أكثر انواع الروايات شيوعاً، وفيها يعمد المؤلف لخلق عالم تخيّلي مليء بالأحداث الغريبة الساحرة، او تلك التي تحوّل العالم إلى عالم آخر مختلف بفعل التكنولوجيا وآلاتها، وقد تدور روايات الخيال العلمي في أعماق المحيطات والبحار، او في الفضاء، أو في اعماق الأرض أحياناً.
    روايات الخيال التاريخي: تعرض روايات الخيال التاريخي قصصاً خيالية بتصوّر حدوثها في وقت تاريخي مضى من تاريخ البشرية، وقد يعمد كاتب هذا النوع من الروايات إلى حبك روايات خيالية حول شخصيات تاريخية قد وُجدت بالفعل، فيما يفضّل البعض الآخر تصوير هذه الشخصيات في منحى واقعي.
    الروايات الرومانسية: تظلّ الروايات الرومانسية التي تحاكي القلب والعاطفة روايات شائعة تلقى رواجاً بين العديد من القرّاء، فيما تتعدّد الحبكات التي يعرضها هذا النوع من الروايات بين حبّ سعيد يتكلّل بلقاء وزواج، وآخر ينتهي بفراق حزين، وثالث ينتهي بفضيحة أو جريمة أو غيرها من النهايات غير المتوقعة.
    روايات الخيال الواقعي: تحتوي روايات الخيال الواقعي على شخصيات مقنعة يمكن تصديقها، وسيناريو واقعي يمكن حدوثه، رغم كونها من خيال المؤلف، وتميل هذه الروايات لأن ترتبط أحداثها بالحاضر القريب والواقع المعاصر، وهي روايات كُتبت لتسلّط الضوء على بعض قضايا الحاضر في بعض الأحيان.

    الفرق بين الرواية والقصة

    مفهوم الرواية والقصة
    الرواية عبارة عن نص أدبي طويل وقصة مكوّنة من سلسلة من الأحداث التي تنقسم إلى عدّة فصول قد تكون مرقّمة، وتحتوي على عدد غير محدّد من الشخصيات الرئيسية وأخرى ثانوية مرتبطة بالرئيسية تظهر وتختفي بين الحين والآخر، ويُطلق على كاتب الرواية اسم "روائيّ"، فهو يستغرق سنوات عدة لإتمام كتابة روايته، ويضيف إليها الشخصيات التي يريدها، ويبني الذروة التي يراها مناسبة، ويستخدم إبداعه في ربط الأحداث التي تبني القصة، ويمكن أن تصنّف الرواية إلى إحدى المواضيع الآتية: التاريخي، والعاطفي، والنفسي، والأخلاقي، والمهني، والرسائلي، والديني، والغموض والإثارة، والخيال، وغيرها الكثير.

    القصة
    يمكن تعريف القصة بأنّها نص أدبي قصير تدور أحداثها حول حدث رئيسي واحد يسرده عدد قليل من الشخصيات، ويستطيع القارئ أن يتذكر كافة شخصيات القصة مقارنةً بالرواية، ومع ذلك فإنّها تحتاج إلى الكثير من الجهد كي يتم إنجازها في فترة قصيرة، ويكون هدف الكاتب من قصته هو إيصال رسالة معينة للقرّاء، ممّا يقيّد أحداث قصته مع عدم الإطالة في سردها كي تصل رسالته إلى الجمهور، بخلاف الرواية التي يحتاج فيها الروائيّ لسنوات عدة كي ينجزها، ومن الجدير بالذكر أنّه يُطلق على كاتب القصة اسم "كاتب قصة قصيرة". تصنّف القصة إلى عدة موضوعات؛ فمنها: الأكشن، والكوميدي، والمغامرة، والملاحم، والخيال، والجرائم، والسيرة الشخصية، والتاريخي، والرعب، والرومانسي، والسياسي، والفلسفي، والديني، والخيال العلمي، والحضاري، وغيرها الكثير.

    الفرق بين الرواية والقصة
    الطول: تُعتبر القصة من ناحية الطول مقارنةً بالرواية هي الأقصر، ويتراوح طول القصة ما بين 1500-30000 كلمة، أمّا الرواية فتبدأ من 50000 كلمة ويمكن أن تزيد عن ذلك.
    الشخصيات: تحتاج الرواية إلى عدد كبير من الشخصيات لسرد أحداثها، على عكس القصة التي لا تحتاج إلى ذلك العدد فتكتفي بعدد قليل من الشخصيات، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الرواية تحتاج إلى أكثر من شخصية رئيسية لتخدم رسالتها، أمّا القصة تكتفي بشخصية رئيسية واحدة لإيصال رسالتها.
    المكان: تٌغطّي أحداث الرواية حقبة زمنية كبيرة تمتد إلى شهور وسنين؛ وبالتالي فإنّ أحداثها تُسرد في أماكن مختلفة، فقد يتنقّل الروائي من شوارع وسط المدينة إلى الريف، ثمّ إلى الضواحي، في حين أنّ القصة تُغطي فترة زمنية تمتد ليوم أو قد تصل إلى أسبوع؛ لذلك يتحتّم على الكاتب أن يسرد قصته في مكان واحد في أغلب الأحيان، فهو محصور بعدد الكلمات المتاحة له وبطول النص.
    الحبكة والذروة: تشتمل الرواية على عدّة حبكات فرعية وحبكة رئيسية واحدة أكثر تعقيداً، في حين أنّ القصة تقتصر على حبكة واحدة رئيسية،[٤] كما يتخلّل أحداث الرواية عدّة انعطافات وتحوّلات في سرد الأحداث يشكّل كلّ جزء منها حبكة قد تصل بالأحداث إلى الذروة؛ بالتالي فإنّ الذروة في الرواية تتعدد وتتنوع، على عكس القصة التي تشتمل على حبكة واحدة تؤدي بها إلى ذروة رئيسية واحدة في القصة،[٥] ويمكن تعريف الذروة بأنها نقطة التحول المركزية في القصة؛ أي ذروة التوتر والصراع التي حدثت كرد فعل على الصراعات السابقة.
    الفصول: تشتمل الرواية على عدة فصول في قصتها، على عكس القصة التي تُسرد أحداثها في عدة صفحات وبالتالي فهي لا تنقسم إلى فصول كما هو الحال في الرواية.

    خصائص الرواية العربية

    مفهوم الرواية
    تعددت أنواع الرواية من حيثُ أجناسها، وما يحيط بها من خصائصَ فنيّةٍ، ورؤى مختلفة في فنِّ كتابتها؛ فلذلك اختلفت الآراء حول وضع مفهوم يجمع خصائصها الفنية، ولعدم وجودِ قواسمَ مشتركةٍ بين مختلف الروايات؛ لذلك قُدمت مجموعةٌ من الآراء التي تكاد تكون جزئيةً لمفهوم الرواية في أبعادها ومقوّماتها، وقد جاءت آراء المعرفين حول مفهوم الرواية بما يتحدث عن عدد كلماتها، وأنّها أطول من القصة القصيرة، ومنهم من ذكر أنّها أكثر من خمسين ألف كلمة، ومنهم من ركّز على الوظيفة التي تقدمها الرواية للقارئ، ومنهم من اهتمّ بمضامينها، وهي بطبيعتها فنّ بحدّ ذاتها تنفرد عن غيرها في جوهرها وخصوصيتها، وهي فنّ أدبيّ نثريّ لا يتقيّد بضوابطَ معينةٍ، ويحتمل كل الاحتمالات، فقد ذكر الكثير من النّقاد أنّه لا يُوجَد تعريف شامل للرواية؛ لأنّها فن أدبي قابل للتطور والاستمرار،[١]وعلى المجمل فإنّ الرواية فنّ أدبي يعتمد على السّرد، ويختلف عن الأسطورة، فكاتبها معروف غير مجهول، وتختلف عن الخبر التاريخيّ، لأنّها وحيّ من الخيال، وتختلف عن الملحمة، لأنّها من الأجناس النثريّة، وتختلف عن الحكاية والأقصوصة، لأنّها عمل أطول منهما، وتختلف عن الخبر، لأنّها ذات بنية سرديّة معقدة.

    خصوصية الرواية العربية
    اتّسمت الدول العربية بقوميتها على أنّها متعددة الأقطار، وكل قطر من هذه الأقطار كافح لكي يستقل بذاته، فهناك اختلاف ثقافيّ، وفكريّ يميز كل قطر عن الآخر، على الرغم من وجود قواسمَ مشتركة بين الأقطار العربية كاللغة، والدين، ممّا أدّى إلى اتّساع مدى الرواية العربية في تصوير واقع الشخصية العربية، من المدينة، إلى الريف، إلى البادية، ومن الفرد في العشيرة، إلى الفرد في الأسرة الواحدة، إلى الفرد المغترب الذي لا تربطه أي صلة بالآخرين، فلذلك وُجِدَت الرواية العربية بأنّها تُجسد الهوية الوطنية، والأحكام الفردية، والإبداع في إبراز عناصر الرومانسية منذ بدايتها، وتصوير الفرد بأنّه ذو شخصيةٍ مستقلة عن بيئته الطبيعية، وأنّها لجأت إلى تصوير البعد الرومانسيّ، والرمزيّ والأسطوريّ.

    خصائص الرواية العربية
    من خلال ما تقدّم عن الرواية العربية، فهي تتّسم بالخصائص، والسمات الآتية:

    الرواية العربية ذات طابع شعبويّ، فهي نماذج من الحكايات الشعبية، لارتباطها بفن المقامة.
    الرواية العربية ذات أسلوب قصصيّ يستند إلى مجموعة من المرجعيات التي تعتمد على المظاهر، والتقنيات اللغوية، لتحقيق غايات، ومقاصد تحت مظلة اتجاه فكري معين.
    الرواية العربية تواكب المتغيرات الحديثة في مختلف المجالات الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية.
    الاهتمام بالنواحي الأخلاقية، والحثّ على مقاومة المحتلّ، والاهتمام بالذاتية الإنسانية، والاهتمام بالقضايا الاجتماعية.
    الرواية العربية بنت الحياة المدنية، والاهتمام بمظاهر الحياة الحديثة، والمدنية الجديدة.
    الاتنتماء إلى الاتجاه القومي، والتراث العربي، فقد غلب عليها أنّها تستمد رموزها من الثراث العربيّ بأسلوب تاريخيّ.
    الأحداث مستلهمة من التقليد العربي، من قصص، وحكايات، وتقديمها في حلة جديدة، لتمنح فنَّ القصص العربية طابعاً، وخصوصيةً.
    تصوير واقع الأرياف، والقرى، والأحياء الشعبية، لتصوير واقع فئة من فئات المجتمع المسحوقة، والكادحة التي تعيش على هامش المجتمع.

    مفهوم الرواية التاريخية

    تعريف الرواية التاريخية
    حاول العديد من النقاد وضع تعريف دقيق للرواية التاريخية، إلّا أنّ التعريفات الدقيقة في الدراسات الإبداعيّة والإنسانية بصفة عامة يُعدّ أمراً صعباً، لذا فقد جرى الاتفاق على أنّ الرواية التاريخيّة عمل فنيّ يتّخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفيّ له؛ حيث تحمل الرواية تصوّر الكاتب عن المرحلة التاريخيّة وتوظيفه لهذا التصوّر في التعبير عن المجتمع أو الإنسان في ذلك العصر، أو التعبير عن المجتمع في العصر الذي يعيشه الروائي ولكنه يتخّذ من التاريخ ذريعة وشكلاً مغايراً للحكي.

    تطور الرواية التاريخية
    يُقبل القرّاء على الرواية التاريخيّة بصفةٍ خاصّة لما يحمله التاريخ من خيال وقدرة على إثارة ذهن ومشاعر القارئ، خاصّة إن كان التاريخ متقاطعاً مع اهتمامات القارئ أو هوّيته الثقافيّة، وقد لاقت الرواية التاريخيّة نجاحاً منذ ظهورها في القرن التاسع عشر في بريطانيا بعد كاتبها الروائي الاسكتلنديّ والتر سكوت العديد من الأعمال الأدبيّة التاريخيّة.

    امتدّ تأثير الروايّة التاريخيّة من اللغة الإنجليزيّة إلى اللغتين الفرنسيّة والروسية؛ حيث كتب في فرنسا كلّ من ألكسندر دوماس الأب، وفيكتور هوغو العديد من الروايات التي تناولت المواضيع التاريخيّة في تلك الفترة المضطربة من تاريخ أوروبا، وفي روسيا وضع ليو تولستوي رواية الحرب والسلام التي مثّلت ملحمة كبرى تتحدّث عن الحرب الفرنسيّة الروسية ومحاولة احتلال نابليون لروسيا، وتُعدّ تلك الرواية من أعظم الروايات التاريخيّة قاطبة حسب أغلب النقاد في العصر الحديث، أما الرواية التاريخيّة العربية فقد ارتبطت بعدة عوامل أثّرت في تطوّرها، أبرزها تيار مقاومة الاحتلال ومحاولة تذكير الروائيين للقراء بأمجاد الأمّة، وقد بدأ جرجي زيدان طريق الرواية التاريخية العربيّة، وبرز فيها من بعده توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وجمال الغيطاني.

  2. #112
    صديق فعال
    من هم الأدباء الروس المفضَّلون عند أبناء شعبهم؟

    عشية الاحتفال بـ"يوم روسيا"، استطلاع رأي أدبي حول الأدباء الروس المفضلون عند مواطنيهم، والقائمة تتضمّن بعض المفاجآت.

    أجرت بوابة "ليتريس" الإلكترونية الأدبية استطلاعاً لرأي المواطنين الروس، حول تصنيفهم للأدباء الروس الكلاسيكيين، وذلك عشية الاحتفال بـ"يوم روسيا"، الذي يصادف في الـ12 من حزيران/يونيو الجاري. وجاء في تقرير صادر عن البوابة أنّ "قائمة المفخرة" يتصدّرها ألكسندر بوشكين بـ78% من آراء المستطلَعين، وأتى في المرتبة الثانية ميخائيل بولغاكوف بـ68%، فيما احتلّ فيودور دوستويفسكي المرتبة الثالثة بـ64%.

    وحلّ أنطون تشيخوف في المرتبة الرابعة بـ62% من الآراء، وفي المرتبة الخامسة ليف تولستوي بـ61%. أما قائمة الأدباء العشرة فتضمّنت أيضاً كلّاً من الشاعر سيرغي يسينين بـ59% من آراء المواطنين الروس، والكاتب نيقولاي غوغول بـ57% منهم، وشاعر القرن الـ19 ميخائيل ليرمونتوف، وشاعرة القرن الـ20 آنا أخماتوفا بـ50% من الآراء. وأتى في ختام القائمة كاتب الأطفال كورناي تشوكوفسكي.

    وكان من المتوقّع أن يتصدّر ألكسندر بوشكين القائمة، لأنّه شاعر وطني يعرفه ويعرف قصائده وحكاياته كل روسي منذ نعومة أظفاره". وأضافت: "لكن فوجئت البوابة بغياب الكاتب المسرحي ألكسندر أوستروفسكي عن القائمة، ووجود الشاعرة آنا أخماتوفا، التي حلّت محل زميلتها الشاعرة مارينا تسفيتايفا.

    وأظهر استطلاع الرأي أن 96% من القراء يفتخرون بالأدباء الكلاسيكيين الروس. وأشار 90% منهم إلى أنّ المؤلفات الكلاسيكية للأدب الروسي لا تزال حيّة في الوقت الراهن. وقال 59% إن القارئ يتعمّق من خلال قراءة مؤلفاتهم في عقلية الشعب الروسي، ويطّلع على نفسية وسلوك الإنسان الروسي.

    يُذكر أنّ الاستطلاع أجرته بوابة "ليتريس" قبل أيام، وشارك فيه 1400 شخص من المتعاملين معها، تتجاوز أعمارهم الـ16 عاماً، ويمثّلون مختلف المدن الروسية.

  3. #113
    صديق فعال


    فيديريكو غارسيا لوركا.. أخٌ وآخٌ لكل البشر
    يوسف م. شرقاوي

    عرف بــ "الشاعر القتيل" وقيل إن مصرعه سيكون سبباً في زوال نظام فرانكو في إسبانيا.. من هو فيديريكو غارسيا لوركا؟
    ما الذي يمكن قوله عن فيديريكو غارسيا لوركا (1898 - 1936) بعد كلّ ما قيل عنه؟ لقد وقعتْ جريمة في غرناطة، تتردّد هذه الكلمات لرفيق لوركا وزميله في الموت أنطونيو ماتشادو. ولا يزال أهالي غرناطة يندبون الشاعر وينشدون أشعاره وأغنياته العميقة في كلّ ذكرى لمولده. وقد خرق لوركا، بموته الأسطوريّ فجر 19 آب/أغسطس عام 1936، قاعدة أن يُكتَب عنه لقول شيء جديد عن شعره أو مسرحه أو محاضراته أو لوحاته أو موسيقاه، من دون ذكر مقتله.

    يقول الفرنسي لويس بارو: "لقد شُيّد نظام فرانكو على قتل لوركا، وإنّ هذه الجريمة هي التي ستكون السبب، يوماً، في مصرع هذا النظام. وإنّ ذكرى الشاعر القتيل، وحدها تعادل، اليوم، جيشاً، بقوتها".
    يُكتَب عن لوركا كأخٍ وآخٍ لكلّ البشر: شاعراً شهيداً، وإنساناً مرهفاً، وأسطورةً من لحم لم ينضج في العالم، ودمٍ متفجّر ولا يزال يتدفّق في إثر الرصاص. إنّ الكتابة عن لوركا، هي محاولة من محاولات كلّ أخوته، لترميم ورتق الفجوات والجراح التي تركها الرصاص في جسده.

    ترك قلبه كلّه
    لوركا الذي قال في تقديمه لديوانه "قصائد متفرقة" إنه يريد أن يترك في الكتاب قلبه كلّه، فعل ذلك ومضى. دواوين الشعر بالنسبة إليه خريفٌ ميت، وكواكب تعبر السكونَ الصامت. الشِعر مرارة، وعسلٌ سماوي، وهو تحويلُ المستحيل إلى ممكن، والقيثار إلى قلوب ونيران. صوتُ القارئ هبوب الريح، الشاعر شجرةٌ ثمارها الحزن وأوراقها جافة، لكي يبكي الأشياء الحبيبة إلى نفسه. وهو وسيطُ الطبيعة، يفهم كل ما لا يُفهم، ويسمّي الأشياء البغيضة بأسماء صديقة حبيبة.

    لوركا الذي كان نابغة وفكهاً، كونياً وريفياً، هو خلاصة أعمار إسبانيا وعهودها، صفوة الازدهار الشعبي، كما يصفه بابلو نيرودا. وفي مكانٍ آخر يصفه: "كان ومضة متجسّدة من الاستنارة. قوة في حركة دائمة، مهرجاناً، روعة. سحراً سوبرمانياً في جملته. وجوده سحري، ذهبي، والسعادة تتدفق منه".

    ما يؤكد أنّ لوركا ترك قلبه كلّه في شعره، ما جاء في رسالة كتبها لصديقه جورج زالاميا عام 1928 يقول فيها: "إني متجه إلى إبداع شعر يتدفق مثل تدفق الدم حين تقطع رسغك، شعر أخذ إجازة من الواقع ومكتوب بشعور يعكس كل حبي للأشياء واستمتاعي بالأشياء حتى الموت، واللعب مع الموت".

    وعن هذا التارك قلبه كلّه، ثمة كتب كثيرة، تتحدث عنه أو عن غرناطته أو شعره، منها كتاب "غرناطة لوركا" لإيان جبسون، وكتاب "فدريكو غارسيا لوركا قيثارة إسبانيا - دراسة في حياته وشعره ومسرحياته" لشاكر الحاج مخلف.

    و"لوركا؛ سيرة الشباب والشعر" لنجاح الجبيلي، و"قيثارة غرناطة فيدريكو غارسيا لوركا؛ خط سير رحلته الإبداعية" لسعد عبد الله الغريبي، إضافة إلى كتاب ماهر البطوطي "لوركا شاعر الأندلس". كذلك فإن المقدّمة التي كتبها علي سعد لترجمته لمسرحية "عرس الدم" عام 1954، تشمل عرضاً وتحليلاً لآثار لوركا. كما ترجم خليفة محمد التليسي، قبل ترجمته لأعمال لوركا الشعرية الكاملة في جزءين، كتاباً بعنوان "لوركا، دراسات نقدية" صدر في الستينيات عن دار نشر أميركية، واشتركت في تأليفه مجموعة من الدارسين والشعراء وأصدقاء لوركا ومن أتيح له أن يكون على صلة أو معرفة شخصية به.

    لوركا الشاعر
    يعالج إدوارد ستانتون في كتابه "لوركا والغناء الأندلسي العميق" (ترجمة حسين مجيد عن "دار أزمنة" 1999) علاقة لوركا بموسيقى التراث الأندلسية المعروفة بالأغنية العميقة، أو الفلامنكو. ويشرح في كتابه منحى لوركا النظري والعملي في الوصول إلى الأغنية العميقة كما جاء في المحاضرات التي ألقاها عن الموضوع خلال مهرجان أقيم عام 1929، كما يبحث عن الأصداء المباشرة وغير المباشرة لهذه الموسيقى في الشعر اللوركي، مثل الحزن الأسود والقيثارة والثور ومصارعة الثيران. ويتوصل ستانتون أخيراً إلى إيجاد الموازي الرئيس بين عمل الشاعر والأغنية العميقة، متمثلاً في ما يسمّيه "الأسطورة المأساوية". كُتِب الكثير عن إنتاج لوركا، على غزارته، إذ ترك 13 ديواناً شعرياً و11 مسرحيّة وعدّة أحاديث ومقابلات ولقاءات صحافية، ومراسلات مع أهم أدباء الفترة التي عاش فيها.

    تؤرّخ رشا علي إسماعيل وتشرح إنتاج لوركا الشعري في مقدمتها للديوان الكامل، في جزءيه الصادرين عن "المركز القومي للترجمة"، بترجمة خليفة التليسي. تنطلق من الأندلس كسمة ورؤية في عوالم لوركا الشعرية، كما تعرض أهم السمات الأخرى، عبر تناولها لكلّ ديوان من دواوين الشاعر على حدة.

    عن الفترة قبل ذهابه إلى نيويورك وكتابته "شاعر في نيويورك" بأسلوب ينحدر جزئياً من السورياليين الفرنسيين، كتب سلفادور دالي في "الحياة السرية" عن صداقته المضطربة مع لوركا: "كان هناك ظلٌّ آخر هو ظل فيدريكو لوركا يعتم عذرية الأصالة في روحي وجسدي. كانت هذه لحظة الذروة في تأثيره الشخصي وهي اللحظة الوحيدة في حياتي التي فكّرت فيها أن ألمح ما يمكن أن يكون عليه عذاب الغيرة [...] وحيث كنت أعرف أنّ لوركا يتألق ويشع مثل ماسة متقدة مجنونة، وفجأة أهرب فلا يراني أحد لثلاثة أيام".

    "إلى أبعد بيت في أبعد قرية"
    يتردد أنّ شعار لوركا المسرحي كان "إلى أبعد بيت في أبعد قرية". إنّ الالتصاق بالبسطاء من الناس في زمنه، شعراً، ظلّ موجوداً، بل وازداد، عند انتقاله إلى المسرح.
    كوّن لوركا فرقته المسرحية الخاصة خلال عامي 1931 و 1932، وسماها "البراكة" أي الكوخ. كان المشروع واضحاً بالنسبة له وللآخرين: تقديم المسرحيات الكلاسيكية للشعب. وقد قدّمت الفرقة عروضها للجماهير الريفية وسط ميادين قرى قشتالة. كان لوركا يدير ويخرج ويمثل ويعتني بالإضاءة. ويبدو أنه تمكّن من تحقيق مشروعه إذ نقل عنه خوان كاباس عام 1933: "أنا الآن حقاً مدير مسرح حقيقي". وفي مكانٍ آخر قال: "المسرح مدرسة الألم والضحك، إذا حار النظارة أمام بعض المشاهد، فلم يعرفوا ما يفعلون، أيبكون أم يضحكون، فذلك هو نجاحي".

    جدير بالذكر وجود مقالة لأنخيل ديل ريو في كتاب "لوركا، دراسات نقدية" بعنوان "مسرح لوركا"، يعرض فيها تأريخاً وتحليلاً لإنتاج لوركا المسرحي، تليها مقالة لسوزان بلاكيرن بعنوان "الهيومير في مسرح لوركا"، ومقالة لفرنسيس فرجسون بعنوان "مسرح لوركا الشعري".

    أغنية الرجل الذي اقتيد إلى الموت
    كتب الروائي جوزيه لويس دي فيلالونغا رواية بعنوان "هيجان، محاكمة وقتل لوركا" يقصّ فيها حقيقة ما جرى، مؤكداً أن التفاصيل التاريخية قُدّمت إليه من قبل شهود للأحداث، كما تأكد من دقتها وصحتها. كذلك، في مقدمة علي سعد لعرس الدم، يفرد فصلاً عن مقتل لوركا، وموعده مع الموت، والتنبّؤ به في شعره. هذا الموت نفسه، وحضور الشاعر وجوهره الإنساني، جعل عدداً من الشعراء العرب يجدون في سيرة لوركا معادلاً فنياً لتطلعاتهم الإنسانية أبرزهم بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش وصلاح عبد الصبور وعبد العزيز المقالح. هذا ما يقف عنده راتب سكر ويوضحه في بحثه عام 2005 بعنوان "استلهام شخصية لوركا وأدبه في الشعر العربي الحديث".

    إنّ لوركا، الذي "كأنه القدر" كما يقول السياب، قُتل في الساعة التي يطلّ فيها الضوء. صحيحٌ أنه قال "لم تنظم بعد القصيدةُ التي تنغرز في القلب كما ينغرز السيف"، لكنّ شعره ينفي ذلك. لوركا، الذي يقول إنه ليس برجل، ولا بشاعرٍ أو ورقة، بل نبضة مجروحة تسبر الطرف الآخر من الأشياء، كان قد توقّف نبضه، في اللحظة التي أطلّ فيها الضوء. ولا يزال أهالي غرناطة (غرناطته) يندبون.

  4. #114
    صديق فعال
    تفرّد المتنبي في تصوير الإرتحال
    ادهم الشبيب

    دروس شعرية مستفادة من رائعته : “كأن الحزن مشغوف بقلبي”
    هل تظن ان المتنبي يتناول مواضيعه ويحقق أغراضه من الشعر كما يفعل الشعراء ممن قبله؟ أو حتى كما حاول أن يقلده من بعده ، لا شك تخطيء ان ظننت ذلك ، أوتي هذا الرجل مقدرة فريدة على اختلاق الصور -أو بالأدق- على ابتكار زوايا أخرى لتناول الصور حتى وان كانت صورة مكررة أو تقليدية أو شائعة ولكنها على يده تصبح مذهلة وكأنها قيلت للمرة الأولى ، وقد أفردت فصلا نقديا كاملا لذلك من قديم كتابتي عنه كان مخصصا لمطالع قصائده ، فلا اتردد بالقول “حتى و إن كانت صورة مكررة أو مطروقة ” بل وحتى منحولة أو مسروقة ، ألم يأخذ المتنبي –دون شك- معنى ابي تمام :
    “لو حار مرتاد المنايا لم يرد ،،،،، إلا الفراق على النفوس دليلا”
    في هذا البيت الرائع الذي لا يحفظه أحد ، فأعاد صياغته في قصيدته :
    أحيا و أيسر ما قاسيت ما قتلا ،،،،، و البين جار على ضعفي فما عدلا
    الوجد يقوى كما تقوى النوى أبدا ،،،، والصبر ينحل في جسمي كما نحلا
    الى أن أدهشنا بالبيت السائر كالأمثال :
    لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ،،،، لها المنايا الى أرواحنا سبلا

    وهو معنى ابي تمام نفسه سواء درى المتنبي ام لم يدر ، ولا أظنه لا يدري ، ولكنه اجمل و أيسر ، فالمتنبي إذن يجدد المعنى و إن كان مطروقا ، ويحييه و إن كان مستهلكا ، هذا إذا احتاج إليه ، و إلا فإن خزائنه ملأى بمعان لم يتطرق اليها أحد قبله ولا يجرؤ على تناولها أحد بعده ، وإلا فمن من الشعراء بل ومن العوام أيضا لم يعان فراق أحبابه ولحظات ترحالهم الأولى وثقلها على النفس ، وكم شاعر تناول هذا الغرض ونسج منه وحوله الصور الرائعة :
    وَقائِلَةٍ لَمّا أَرَدتُ وَداعَها ،،،، حَبيبي أَحَقّاً أَنتَ بِالبَينِ فاجِعي

    للبهاء زهير ، ومنها يقول :
    وَقامَت وَراءَ السَترِ تَبكي حَزينَةً ،،،، وَقَد نَقَبَتهُ بَينَنا بِالأَصابِعِ
    فَلَمّا رَأَت أَنّ الفِراقَ حَقيقَةٌ ،،،،، وَأَنّي عَلَيهِ مُكرَهٌ غَيرُ طائِعِ
    تُسَلِّمُ بِاليُمنى عَلَيَّ إِشارَةً ،،،،، وَتَمسَحُ بِاليُسرى مَجاري المَدامِعِ
    وَما بَرِحَت تَبكي وَأَبكي صَبابَةً ،،،، إلى أَن تَرَكنا الأَرضَ ذاتَ نَقائِعِ

    الصورة معبرة واللقطات محزنة والأبيات استوفت الغرض بأعلى ما يكون ، أو رائعة جرير :
    بانَ الخَليطُ وَلَو طُوِّعتُ ما بانا ،،،، وَقَطَّعوا مِن حِبالِ الوَصلِ أَقرانا

    و “بان الخليط” أي ” بعد الحبيب ورحل” عند جرير ، ومنها يقول في الفراق :
    حَيِّ المَنازِلَ إِذ لا نَبتَغي بَدَلاً ،،،، بِالدارِ داراً وَلا الجيرانِ جيرانا
    قَد كُنتُ في أَثَرِ الأَظعانِ ذا طَرَبٍ ،،،،، مُرَوَّعاً مِن حِذارِ البَينِ مِحزانا
    لَو تَعلَمينَ الَّذي نَلقى أَوَيتِ لَنا ،،،،، أَو تَسمَعينَ إِلى ذي العَرشِ شَكوانا
    يا لَيتَ ذا القَلبَ لاقى مَن يُعَلِّلُهُ ،،،،، أَو ساقِياً فَسَقاهُ اليَومَ سُلوانا
    قالَت أَلِمَّ بِنا إِن كُنتَ مُنطَلِقاً ،،،، وَلا إِخالُكَ بَعدَ اليَومِ تَلقانا
    ما كُنتُ أَوَّلَ مُشتاقٍ أَخا طَرَبٍ ،،،، هاجَت لَهُ غَدَواتُ البَينِ أَحزانا
    كادَ الهَوى يَومَ سَلمانينَ يَقتُلُني ،،،،، وَكادَ يَقتُلُني يَوماً بِبَيدانا
    وَكادَ يَومَ لِوى حَوّاءَ يَقتُلُني ،،،، لَو كُنتُ مِن زَفَراتِ البَينِ قُرحانا

    وغيرهم كثير بأقسى من هذا و أحلى وللوجد أشفى ، ولكنها تبقى صورا في متناول القريحة المتدربة والموهبة المميزة والحافظة الذكية ، ولكنني من دراستي الطويلة بل وتفكري في نتاج هذا الشاعر المتفرد “المتنبي” فانه لا يبدا الكلام ولا يسوقه كما يسوقه هؤلاء الشعراء و إن علت طبقاتهم ، فمن مثل جرير بين شعراء العرب من يغدق على الغرض الفاظه ويبرزه بمعانيه ،
    غير ان المتنبي اذا اراد ان يصف لوعته عند رحيل احبابه فلن يقول “بان خليط الروح” كجرير
    ولا يقول “يوم الفراق لقد خلقت طويلا ،،،، لم تبق لي جلدا ولا معقولا” ،

    كما قال ابو تمام العظيم ، ولا :
    “و إني والشجاعة في طبع ،،،، جبان في منازلة الفراق”

    كما يصور أعظم شعراء العصور المتأخرة عن المتنبي و أقرب ورثته إليه “الجواهري” ،

    فلا يقول شاعرنا مثلهم ، وانما يشرح : ان الذي رحل يوم رحيل أحبتي هو وجودي نفسه –ولاحظ انه لم يستخدم الروح وحدها كما هو المعتاد في موضع كهذا-فما بقي مني شيء في المرابع ، وإن الأحبة امتطوا –ساعة ترحالهم- حسن الصبر الذي كان مطيتي وعوني على التجلد بعدهم إلا إنهم زموه معهم في متاعهم ، في استعارة جميلة إذ إن أصل الزّم للإبل، فلك أن تتخيل كيف يكون حال المفجوع بالفراق ، ولك أن تتحير كيف يمكن لشاعر يفكر بمعنى متشابك كهذا أن يصوغه ببيت يحافظ على حلاوة جرس وانسياب موسيقى وسلاسة سبك ، فيكون:
    بَقَائِي شَاءَ لَيْسَ هُمُ ارْتِحَالَا ،،،، وَحُسْنَ الصَّبْرِ زَمُّوا لَا الْجِمَالَا
    تَوَلَّوْا بَغْتَةً فَكَأَنَّ بَيْنًا ،،،،،،، تَهَيَّبَنِي فَفَاجَأَنِي اغْتِيَالَا

    وانظر -بنائيا- تقديم المفعول “حسن الصبر” جوازا في العجز الأول من المطلع ليكون اول الجملة إسما يوازي به إسم الصدر المبتدا المضاف “بقائي” ، بينما أبقى المعطوف على المفعول ب “لا” النافية “الجمال” ليستحق الفتحة نصبا فيكمل قافية البيت إطلاقا ، أما “ارتحالا” التي تأخرت عن فعلها “شاء” الى مابعد جملة “ليس” ليصوغ منها قافيته المتناغمة لتكمل التصريع المتقن ، فقد كان لها دور قلب الجملة كلها رأسا على عقب ، والتي أصلها (ليس هم الذين شاؤوا الرحيل بل بقائي) ، ولا يمكن لك أن تفصل البيت الثاني عن الأول رغم ان البيتين لا تضمين بينهما ولا تدوير فيهما ولا تخريج ، سوى انه أحد تعليلات المتنبي التي تكاد تكون “مقدمات ونتائج” كما في الفلسفة ، أو “استدلالات وبراهين” كما في علم الرياضيات ، فالذي حصل عنده انهم رحلوا فجأة فكأنما نزل به الموت دون سابق خبر فأذهله كما يذهل من لم يدر بخلده أن سوءا سيحدث ، فيتم اغتياله وارداؤه قتيلا ،

    ولأني اتبع مع شعر المتنبي –على غير ما أفعله عادة مع نتاج أي شاعر آخر- تقديم الشرح على البيت ، وهذا أمر درجت عليه من سنين يوم لحظت ان قارئ أبياته للوهلة الأولى قد لا يدرك المعنى والتركيب البنائي المميز في أغلب أشعاره الى الحد الذي يفقد قراءه من المتذوقين والمختصين أحيانا -فضلا عن العوام- ملاحقة تمام المعنى المراد ، وهذا ما دفع ابن سيده الأندلسي-كما أظن- لتأليف كتابه (مشكل أبيات أبي الطيب) والذي يعنى بتفسير ما يقوله مالئ الدنيا وشاغل الناس ، ولذا فإني أنبه الى انه في البيت التالي والذي يليه ، وبعد ان يستفيق من صدمة قاربت رحيل الروح والجسد معا- بقائي شاء- يصف المتنبي اول لحظات سير العِير او العيس “الإبل” التي تحمل الظعن فيصور في البيت الأول -وعلى طريقته ذاتها في الإنفراد – ويقابل بين سير الإبل الذميل “البطيء” وسير الدمع من عينيه “المنهمل” السريع :
    فَسير العيس إثرهم ذَميل،،،، وَسَيرُ الدَمعِ إِثرَهُمُ اِنهِمالا

    ثم يعلل لم هذا التناقض بين السيرين “الدمع والعيس” فيبين ان العيس هذه على ما يبدو كانت مناخة على جفونه غالقة لمجاري الدمع فيها فلما نهضت فتحت الاجفان وانهمر الدمع ، فيكون البيتان في رواية :
    فَكَانَ مَسِيرُ عِيسِهِمِ ذَمِيلَا ،،،، وَسَيْرُ الدَّمْعِ إِثْرَهُمُ انْهِمَالَا
    كَأَنَّ الْعِيسَ كَانَتْ فَوْقَ جَفْنِي ،،،، مُنَاخَاةٍ فَلَمَّا ثُرْنَ سَالَا

    كذلك يقول في تصوير تباعد أحبابه عن عينيه وهو يتابعهم أن هذه القفار صارت حجابا بيني وبينهن ، وسماهن “الظبيات” ، والى هنا فهو معنى منتظر من الشعراء ولكن غير المنتظر هو ان البراقع والحجال كانت قد حجبت جمالهن من قبل ، فها هو الابتعاد يضيف حجابا آخر ويساعد البراقع وكأنه يعي ويقصد :
    وَحَجَّبَتِ النَّوَى الظَّبْيَاتِ عَنِّي ،،،، فَسَاعَدَتِ الْبَرَاقِعَ وَالْحِجَالَا

    وأولئك الظباء لبسن الوشي وهو الزخرفة اليمانية من الديباج والنمنمة التي كانت تحلى بها السيوف وثياب المرأة المترفة ، فيقول ان النساء في العادة يلبسن الوشي ليتجملن ويتزين ، وهذا ما قد يصفه غيره من الشعراء ، ولكن المتنبي يقول انما لبسن الوشي كي يخفين جمالهن ويخففنه فهن أجمل من الوشي ، وهذا –كما يقول- مثلما تعمد النساء من غيرهن الى ضفر الشعر في جدائل لإظهار الحسن بينما النساء اللاتي يصفهن يضفرنه خوفا من الضياع ببحر الظلام لسواد الشعر وكثافته ، فيكون البيتان :
    لَبِسْنَ الْوَشَى لَا مُتَجَمِّلَاتٍ ،،،،، وَلَكِنْ كَيْ يَصُنَّ بِهِ الْجَمَالَا
    وَضَفَّرْنَ الْغَدَائِرَ لَا لِحُسْنٍ ،،،، وَلَكِنْ خِفْنَ فِي الشَّعَرِ الضَّلَالَا

    و إليك ما يفعله المتنبي عندما يريد أن يصور نحول جسمه من الوجد والضنى بأحبته ، فهو أيضا لا يدخل كما يدخل الشعراء الى معنى كهذا ، فلو قال المتنبي ان جسمي قد نحل من العشق أو الهجر لكان كغيره ولكنه يأتي الى هذا المعنى فيركبه في صورة جديدة تضاف اليها صورة تابعة ثم يشبه كل ذلك تمثيليا ، فيقول في البيت الأول : اني لأفدي محبوبتي بجسمي الذي برته “أنحلته” و أضعفته الى الحد الذي لو كان ثوبي ثقب لؤلؤة لدخل فيه جسمي هذا ، وفي الثاني يكمل انه لولا انه أكيد انه في يقظة لكان ظن انه خيال من نفسه ، ومع هذا فإني أفديها بجسمي المتهالك هذا وبما أبقت لي منه ، فيكون البيتان :
    بِجِسْمِي مَنْ بَرَتْهُ فَلَوْ أَصَارَتْ ،،،، وِشَاحِي ثَقْبَ لُؤْلُؤَةٍ لَجَالَا
    وَلَوْلَا أَنَّنِي فِي غَيْرِ نَوْمٍ ،،،،، لَكُنْتُ أَظُنُّنِي مِنِّي خَيَالَا
    ولا غرابة وللمتنبي مبالغات كثيرة في وصف النحول لا نعلم ان شاعرا سبقه اليها منها:
    أراك ظننت السلك جسمي فعقته ،،،، عليك بدر عن لقاء الترائب
    و
    كفى بجسمي نحولا انني رجل ،،،، لولا مخاطبتي إياك لم ترني

    ثم يشبه المتنبي التشبيه المؤكد -من غير أداة- “بدت قمرا” المترادف المفروق لأكثر من مشبه في أسماء وضعها منصوبة موضع الحال بعد أفعالها و اصلها : بدت كالقمر ومالت كالغصن و فاحت كالعنبر ونظرت كالغزال ، ويعقبه ببيت مقابلة مكتمل الأركان فقد جارت “مالت” في الحكم ولكنها “اعتدلت” في جمال القامة ، فيكون البيتان :
    بَدَتْ قَمَرًا وَمَالَتْ خُوطَ بَانٍ ،،،، وَفَاحَتْ عَنْبَرًا وَرَنَتْ غَزَالَا
    وَجَارَتْ فِي الْحُكُومَةِ ثُمَّ أَبْدَتْ ،،،، لَنَا مِنْ حُسْنِ قَامَتِهَا اعْتِدَالَا

    وبعد أن ينهي المتنبي تصوير الرحيل ووصف محبوبته التي لا يعرفها أحد ولا هو أيضا ، فما عرفت له محبوبة فهو في شغل عن ذلك كما أكدت جميع الروايات إنما يسير على خطى الشعراء -ليسبقهم في لب أغراضهم- كما بينّا في فصلنا النقدي المنشور (المتنبي يتغزل) ، أقول بعد انتهائه من هذا الغرض يشرع المتنبي بتصوير حزنه خاصة ، ولابد للمتنبي أن يأتي بجديد ، فكما عهدته فلن يقول انني والحزن رفيقان كما قال من بعده ولا توأمان و إنما : كأنه “الحزن” مولع بقلبه عاشق ينتظر الوصال حتى إذا هجرته محبوبته –وهنا عودة الى الرحيل- وجد الحزن وصال قلبه وتهيأ له ، ولا ينسى في البيت الذي يليه أن يذكّر بصروف الدهر عامة على من كان قبله فهو لا يدوم على حال ، فيكون البيتان:
    كَأَنَّ الْحُزْنَ مَشْغُوفٌ بِقَلْبِي ،،،، فَسَاعَةَ هَجْرِهَا يَجِدُ الْوِصَالَا
    كَذَا الدُّنْيَا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي ،،،، صُرُوفٌ لَمْ يُدِمْنَ عَلَيْهِ حَالَا

    وتأمل التقابل في “ساعة الهجر يجد الوصال” في الشطر الواحد ، والقلب بين “قلبي وقبلي” في البيتين.

    ولا سرور عند المتنبي ، فهو حكيم يعرف ان السرور زائل ، ومراقبة الزوال تفسد الفرحة فيصبح غما لا سرورا ، وهو من أبيات الحث على الزهد في الدنيا و إن كان المتنبي من طلابها –كما هو ثابت- ، ثم ألف ترحله حتى صار رحاله “قتودي” أرضا له –وهو من القتد أي العود و الأعواد ، فيكون البيتان:
    أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي سُرُورٍ ،،،، تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالَا
    أَلِفْتُ تَرَحُّلِي وَجَعَلْتُ أَرْضِي ،،،، قُتُودِي وَالْغُرَيْرِيَّ الْجُلَالَا

    أما الغريري فهو جمل فحل منسوب الى “بني غرير” وهم قوم من العرب –كما يذكر الواحدي-وهؤلاء توصف إبلهم بالنجابة وتكون مضربا للأمثال ، ولذي الرمة في ذلك قوله من الوافر :
    “نجائب من نتاج بني غريرٍ ،،،، من العيدي قد ضمرت كلالا”

    وضمرت أي أمسكت ، ولأبي تمام بيت يدل على أن غريرا فحل من فحول الإبل وهو قوله من مخلع البسيط:
    “قد ضج من فعلهم جديل ،،،، بنسله واشتكى غرير
    هذا عبيد وذا زياد ،،،، وذا لبيد وذا زهير”

    ذكرهما الآمدي في “الموازنة” ، اما “الجلال” فهو الخيار من كل أمر .

    ثم يختم المتنبي مقدماته قبل الدخول الى غرض المديح الذي أنشئت القصيدة من أجله ، فيأتي ببيتين أحدهما مرتبط بما قبله وقد قال انه يمضي الوقت على مطيته ورحاله فيكمل انه و إذ هو على هذه الحال فلم يحاول المقام بأرض ولا هو بالمزمع رحيلا عن أخرى ، انما هي الريح تحمله أنى شاءت ، ووصف ذلك كأن تحته ريح وليس دابة ، فكان البيتان :
    فَمَا حَاوَلْتُ فِي أَرْضٍ مُقَامًا ،،،، وَلَا أَزْمَعْتُ عَنْ أَرْضٍ زَوَالَا
    عَلَى قَلَقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْتِي ،،،، أُوَجِّهُهَا جَنُوبًا أَوْ شَمَالًا

    لينتقل الى ممدوحه الذي لم يعطه من درته تلك الا أبياتا قليلة بارعات نذكر منها البيتين الأولين لنعرف المحظوظ الذي خلدته هذه الدرة :
    إِلَى الْبَدْرِ بْنِ عَمَّارِ الَّذِي لَمْ ،،،، يَكُنْ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ الْهِلَالَا
    وَلَمْ يَعْظُمْ لِنَقْصٍ كَانَ فِيهِ ،،،،، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمِيرَ وَلَنْ يَزَالَا
    و “لن يزال” هذه واردة عند العرب وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام الصحيح في أحد لفظيه: “لن يزال المؤمن في فسحة ،،،،” والآخر “لا يزال،،،،”.
    لنتوقف بعد ذلك عند بيتيه القاسيين ناقدا شعراء عصره أو حاسديه ، وقال : انه لا يستغرب أن ذموه فمن الذي لا يذم المرض العضال ، فانا لهم كالمرض الذي لاشفاء منه ، ثم يستدل بأن من كان فمه مرا لا يطيب له الماء ولو كان زلالا فيكون البيتان :
    أَرَى الْمُتَشَاعِرِينَ غَرُوا بِذَمِّي ،،،،، وَمَنْ ذَا يَحْمَدُ الدَّاءَ الْعُضَالَا
    وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ ،،،،، يَجِدْ مُرًّا بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالَا

    ولا يخفى عليك تفرد البيت الثاني وتصييره حكمة صارت مثلا ، و لأن المتنبي له في المديح-كما في كل شأن- أسلوب فريد وتصوير لا شبيه له مهما تعدد ممدوحوه وكثرت قصائده وطالت ، فلا بد من وقفة على أبيات “مدح” متفرقة من هذه القصيدة -بعد الغزل والوصف والأطلال والرحيل والحكمة” التي جمعها في اولها ، ولنرى كيف يتفنن هذا الشاعر في ابتكار صوره للممدوح ، يقول:
    جَوَابُ مُسَائِلِي: أَلَهُ نَظِيرٌ؟ ،،،، وَلا لَكَ فِي سُؤَالِكَ لَا أَلَا لَا
    لَقَدْ أَمِنْتَ بِكَ الْإِعْدَامَ نَفْسٌ ،،،، تَعُدُّ رَجَاءَهَا إِيَّاكَ مَالَا

    المتنبي يقول : لما سألني السائل : هل لبدر بن عمار نظير ، قلت : لا . والى هنا لا غرابة ولكن الغرابة انك لم تلحظ في خضم تدوير”اللام” قوله للسائل موبخا كجملة اعتراضية : “و لا لك” ايضا نظير في جهلك إذ سألت عن شيء لا حاجة للسؤال عنه لبديهته في الأفهام” ! كل هذا في شطر “وَلا لَكَ فِي سُؤَالِكَ لَا أَلَا لَا” ثم أكد ال “لا” الأولى ب “ألا لا” ،

    ثم يقول : أنت تسر عندما تسر الناس جميعا ، فإذا استعطوا منك شكرتهم لسؤالهم و إن أمسكوا عن السؤال قلت : اسالوني و اطلبوا مني فتعلمهم الدلال عليك ، ثم تكون أسعد من المستميح “السائل” وتنيله بأن ينال :
    سُرُورُكَ أَنْ تَسُرُّ النَّاسَ طُرًّا ،،،، تُعَلِّمُهُمْ عَلَيْكَ بِهِ الدَّلَالَا
    إِذَا سَأَلُوا شَكَرْتَهُمُ عَلَيْهِ ،،،، وَإِنْ سَكَتُوا سَأَلْتَهُمُ السُّؤَالَا
    وَأَسْعَدُ مَنْ رَأَيْنَا مُسْتَمِيحٌ ،،،، يُنِيلُ الْمُسْتَمَاحَ بِأَنْ يَنَالَا

    وانظر -في التالي- الى وصفه السهم الذي يطلقه ممدوحه فانه يدخل الى جسم الرجل المحارب فيخرقه وكانه لم يلاق رجلا بعد ، فيبحث عن رجل آخر حتى كأن ريش السهم يلحق بالنصال فيطلبه كما يطلب الرجل عدوه ، (قصة يعني) ، إقرأ :
    يُفَارِقُ سَهْمُكَ الرَّجُلَ الْمُلَاقَى ،،،، فِرَاقَ الْقَوْسِ مَا لَاقَى الرِّجَالَا
    فَمَا تَقِفُ السِّهَامُ عَلَى قَرَارٍ ،،،، كَأَنَّ الرِّيشَ يَطَّلِبُ النِّصَالَا

    ويستمر في المبالغة والابتكار حد التمادي ودون كلل أو نضوب ، “سبقت السابقين” ، “جاوزت العلو” ، “لا يصلح” الناس مجتمعين “شمال” ما تصلح انت “يمينه” لوحدك :
    سَبَقْتَ السَّابِقِينَ فَمَا تُجَارَى ،،،، وَجَاوَزْتَ الْعُلُوَّ فَمَا تُعَالَى
    وَأُقْسِمُ لَوْ صَلَحْتَ يَمِينَ شَيْءٍ ،،،، لَمَا صَلَحَ الْعِبَادُ لَهُ شِمَالَا

    وأخيرا يعجب المتنبي من أمر غريب هو كيف قدر هذا الرجل على النشوء في مراحل عمره بينما أعطي الكمال وهو في المهد وإذن فلم تكن له حاجة الى النضوج أكثر ! ، وأنا أعجب كيف قدر المتنبي أن يصنع كل هذه المعاني بل كيف قدر أن يجرؤ على قول بعض منها مما يعد سقطات غير مقبولة عقلا أو دينا ، ولكن ماذا نقول ونحن أمام هذا الابداع:
    وَأَعْجَبُ مِنْكَ كَيْفَ قَدَرْتَ تَنْشَا ،،،، وَقَدْ أُعْطِيتَ فِي الْمَهْدِ الْكَمَالَا

  5. #115
    صديق فعال

    «ضربات»: فيلم هولندي يرصد العنصرية ضد العرب!
    كمال القاضي

    قضية الهجرة من دول الشمال الافريقي إلى أوروبا، كانت وما زالت قضية رئيسية في السينما العربية والعالمية، على حد سواء، فالدول التي تتم الهجرة إليها تسعى جاهدة لوقف تدفق المهاجرين، مُتبعة في ذلك الأساليب السياسية والثقافية والإبداعية، للحد من تضاعف أعداد النازحين إلى أراضيها من كل حدب وصوب، للهروب من قسوة الحياة في بلادهم ووسائل تضييق الخناق عليهم في الرزق والمعيشة والمُشاركة السياسية، خوفاً من التمرد والعصيان.

    أما الدول التي تتم الهجرة منها فبدورها لا تطمئن لفكرة النزوح الجماعي وهجرة الأوطان، وتخشى على مستقبل ومصير البلاد من ابتعاد أبنائها واستقرارهم في أوطان غير أوطانهم، فهي تقبل بوجود خلافات في وجهات النظر حول نمط الحياة، ولا مانع لديها من ممارسة سياسية معارضة من جانب مواطنيها، شريطة الالتزام بالقانون والدستور في الحصول على الحقوق المشروعة لهم، لاسيما أن إقرار مبدأ الهجرة بشكل مُطلق من شأنه أن يُعرض الأوطان والمواطنين لعواقب وخيمة.

    من هنا بقيت قضية الهجرة قضية مُعضلة وطرحها سينمائياً يُعد من الأولويات التي تحتاج للكثير من مُعطيات البحث والتقصي، للوقوف على الحقائق كاملة قبل القطع بفساد فكرة الهجرة ورفضها رفضاً نهائياً، أو قبولها والانحياز لها والدفاع عنها باعتبارها باباً من أبواب الخلاص وطاقة أمل للمُضارين في بلادهم، والعائشين على هامش الهامش في واقع أشد قسوة من واقع الهجرة غير الشرعية في بلاد الغير.

    النماذج التي تعرضت لمشكلة الهجرة كثيرة ومُتنوعة في أفكارها وإطاراتها وطُرق مُعالجتها، فهناك العديد من التجارب العربية والعالمية، اختصت بهذا الطرح وعرضت وجهات نظر مُتباينة حول مفهوم الهجرة وأسبابها وأخطارها. ولعل الفيلم الأشهر في هذا الصدد هو «أمريكا» للمخرجة الفلسطينية شيرين دعبس، التي قدمت نموذجاً لمسيرة الأسرة الفلسطينية الحائرة في أمريكا، وناقشت بجرأة مظاهر العنصرية البادية في سلوكيات بعض الأمريكيين تجاه العرب، رغم أنها عرضت أيضاً لصور التحمل والصمود في سبيل الاستقرار، واستطاعت أن تُعطي ملامح كثيرة للمُعاناة من أجل البقاء والاستمرار، لتجاوز الأزمات المُركبة التي تعرضت لها البطلة هي وأبناؤها وكادت أن تهلكها لولا ثباتها وصلابتها.



    أيضاً كان للسينما المصرية نصيب من الإبداع الخاص بهذا الشأن وربما يأتي فيلم «أمريكا شيكا بيكا» للمخرج خيري بشارة في مقدمة الأفلام التي ناقشت بجدية سراب الحُلم الأمريكي، ورغبة بعض الشباب المصري في أن ينعم بالحرية المزعومة ويحظى بالمكاسب المادية والمعنوية، التي يسمع عنها ولا يراها أو يلمسها.

    وعلى الصعيد العالمي نلحظ اهتماماً خاصاً من مُخرجين لهم وجهة نظر في هذه المسألة كالمخرج الهولندي ألبرت تير هيردت، الذي قدم في عام 2007 فيلمه المهم «ضربات» واصفاً تفاصيل رحلة المُهاجر من وطنه الأم إلى أي وطن آخر بالضربات المُتتالية التي يتلقاها من تدفعه الظروف للهجرة ويئن منها في صمت، كونه لا يستطيع تغيير واقعه الجديد، أو التخفيف من وطأة ما يعانيه على المستويات النفسية والعصبية والإنسانية والاجتماعية والسياسية، والأخيرة لها محل كبير من الإعراب في هذا الخصوص، فهي الأصل في المُعاناة، حيث العنصرية تجاه الآخر والتبرم من وجوده كمهاجر هي من دواعي الألم والقلق وعدم الإحساس بالأمان والراحة.

    لقد طرح المخرج الهولندي في حينه ما يدل على هذه المحنة، إذ عمد إلى تقديم صورة من الصور السلبية للهجرة العربية إلى هولندا، مُعتمداً في حبكته التراجيدية على بعض القصص التي أشار إلى أنها مُستوحاة من الواقع ذاته، ولا صلة للخيال فيها، إلا في حدود التوظيف الدرامي والتعبير السينمائي اللائق بالحكايات وأبطالها العرب، أو المغاربة على وجه التحديد، حيث عرض لمأساة البطلة التي ترتبط بأحد الضباط المغاربة المُلحقين بالجيش الهولندي على خلفية حصولهم على الجنسية واندماجهم في المجتمع واعتبار أنفسهم مواطنين هولنديين. وتأتي المأساة، حسب وجهة نظر الفيلم، من تعارض ثقافة الضابط مع الثقافة السائدة في المجتمع الهولندي، فهو يرفض الزواج من رفيقته العربية بعد اعترافها له بأنها ليست عذراء، فتُصدم في مشاعرها لاعتقادها بأن حبهما يُمكن أن يتجاوز كل الشروط والتقاليد بما فيها شرط العُذرية، خاصة أن ما قالته لحبيبها الضابط الهولندي العربي كان من قبيل الاختبار ليس إلا، فهي بالفعل عذراء لكنها أرادت أن تختبر فيه خصال الشهامة والمروءة، وتتأكد من حبه لها.

    بهذه الافتراضية يُشير المخرج إلى استحالة اندماج المواطن العربي بشكل كامل في المجتمع الهولندي، فلا يُمكنه التخلي عن ميراثه الثقافي والمُجتمعي والقيمي، ومن ثم فلا يصح اعتباره مواطناً هولندياً بمجرد حصوله على الجنسية، وتبديل أوراقه الشخصية وهويته، وبغض النظر عن القصد الصريح للمخرج ألبرت تيرهيردت من هذا الطرح، فإن العبرة في ما أوردة في سياق فيلمه وشدد عليه، حيث أكد أن المُجتمعات الأوروبية لا تسلم بسهولة بفكرة الاندماج العربي، وأن مظاهر التعامل والتعايش الدبلوماسي السلمي، لا تعني إطلاقاً القبول بوجود عرب بنسبة أكبر من المسموح بها وأن فكرة العنصرية التي تتعامل بها أمريكا وإسرائيل مع المواطن العربي هي ذاتها الفكرة المُعتمدة في مُجتمعات أوروبية كثيرة.

  6. #116
    صديق فعال


    6 أسباب تجعل الكتب الورقية أفضل من ألواح القراءة الرقمية

    القراءة هي واحدة من أعظم ملذات الحياة، يمكن أن يكون الضياع في كتاب جيد طريقة رائعة لقضاء فترة ما بعد الظهيرة الهادئة، أو إبقاء عقلك منشغلاً في رحلة، أو الاسترخاء في نهاية يوم طويل، لكن مع تقدم التكنولوجيا أصبح يمكنك القراءة دون وجود كتاب ملموس بين يديك، كل ما تحتاجه هو شاشة، وبإمكانك قراءة كتابك الرقمي وشراء أي كتاب تريده عن طريق الإنترنت وقراءته مباشرة. يعد الاختيار بين الكتب الورقية والرقمية إلى حد كبير مسألة تفضيل شخصي، ولكن بعد أكثر من عقد من البحث العلمي تشير الأدلة إلى أن الكتب الورقية أكثر ملاءمة للتعلم من منصات القراءة الرقمية.

    أيهما أفضل الكتب الورقية أم الرقمية؟
    ظهور القارئ الإلكتروني: في أواخر عام 2007 قدمت أمازون قارءها الإلكتروني الشهير كيندل، ثم تبعه قارئ Barnes & Noble Nook الإلكتروني في عام 2009. في ذلك الوقت كانت هذه مجرد طرق للشركات لبيع المزيد من الكتب ببساطة، تم الترويج لها باعتبارها وسيلة مريحة وغير مكلفة لتحميل عدة كتب على جهاز واحد، في وقت لاحق تم تسويقها كوسيلة لمساعدة الأطفال على القراءة، لكن الأبحاث تظهر أنها قد لا تكون الخيار الأفضل دائماً.

    الفوائد العديدة لقراءة الكتب المطبوعة
    1. سوف تتعلم أكثر عند قراءة كتاب ورقي
    عندما يقترب الطلاب من مرحلة الدراسة الأكاديمية في الجامعات من المفترض أن يركزوا بشكل كبير عند القراءة لكتبهم، وأن يتعلموا منه. لكن وفقاً لأحد الأبحاث التي تمت لأكثر من 400 طالب جامعي بين 2013 و2015، ودراسة أكبر في عام 2018 لأكثر من 10000 طالب جامعي في جامعة كاليفورنيا، ما يحدث هو أننا لا نستطيع التركيز كثيراً عندما نقرأ رقمياً. هناك عدة أنواع من الدراسات التي تُظهر أنه من المحتمل أن تكون عقولنا أكثر شروداً عندما نقرأ رقمياً. يقول بارون إننا لا نسمح فقط لأذهاننا بالشرود، ولكننا نفترض أنه يمكننا قراءة المعلومات المهمة بنفس عقلية القراءة الرقمية التي نطبقها للتحقق من وسائل التواصل الاجتماعي أو قراءة العناوين الرئيسية. أظهرت الدراسات عدم تطابق في الطريقة التي قام بها الطلاب بإجابة أسئلة مقالات اختبار SAT بشكل رقمي عن الطريقة التي أجابوا فيها عندما قدمت لهم مطبوعة، وأن أداءهم في النسخة المطبوعة كان أفضل.

    2. الكتب المطبوعة تحتوي على قدر أقل من المشتتات
    عندما تجلس لقراءة أحدث رواية مطبوعة تريد قراءتها لن تتلقى إشعاراً بأن شخصاً ما قد التقط للتو صورة، أو أن نتيجة المباراة هي التعادل، أو رسالة بريد إلكتروني تخص العمل. ما لم تكن قد قمت بإيقاف جميع الإشعارات فجهازك سيكون عبارة عن قارئ رقمي للمقاطعة. بمجرد مقاطعة جلسة القراءة الخاصة بك عن طريق إشعار وبدأت في القيام بمهام متعددة من الصعب أن تستقر على القراءة مرة أخرى. في الواقع، وجدت إحدى الدراسات أن 67% من الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة القراءة الإلكترونية أو الأجهزة الأخرى لا يمكنهم القراءة لأكثر من 10 دقائق، قبل أن يبدأوا في القيام بمهام متعددة. لذلك من الأفضل إيقاف تشغيل الإنترنت أو وضع جهازك في وضع الطائرة.

    3. الكتب المادية تسبب إجهاداً أقل للعين من الكتب الرقمية
    على الرغم من حقيقة أن الناس يعانون من إجهاد العين من القراءة في كلتا الحالتين، فإن القراءة على الشاشات أسوأ بكثير، القراءة الرقمية لفترات طويلة تتسبب في إجهاد العين والصداع. إن هناك عدة أسباب وراء إجهاد العين، عندما يحدق طفل (أو أي شخص) في الشاشة، فإنهم يرمشون بشكل أقل، ما يقلل الحافز المسيل للدموع بالعينين. وعندما تجف العيون تؤذي العضلات حول العينين، هذا يسبب عدم وضوح الرؤية والألم، أيضاً يمكن أن يكون التباين بين الطباعة والصفحة الرقمية قاسياً جداً أو ساطعاً.
    إليك هذه النصيحة: مارس قاعدة 20-20-20، عند القراءة رقمياً، توقف مؤقتاً كل 20 دقيقة لمدة 20 ثانية بالنظر إلى مسافة 20 قدماً (6 أمتار).

    4. قد يؤدي التعرض للكتب المطبوعة إلى تعزيز التحصيل الأكاديمي لدى الأطفال
    توصلت دراسة نُشرت في يونيو/حزيران 2014 في Oxford Academics، إلى أن "عدد الكتب في منزل الأسرة له تأثير قوي على الأداء الأكاديمي" للطلاب. نظر مؤلفو الدراسة في فحص البيانات
    للأداء الأكاديمي لأكثر من 200.000 طالب في 42 دولة، يأخذون برنامج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لتقييم الطلاب الدوليين في الرياضيات والقراءة والعلوم. لمجرد أن لديك 2000 كتاب، حتى للأطفال، لا يعني أنهم سيقرأونها، علاقة الأطفال بالكتب ترتبط بتعليم الوالدين، وماذا يفعلون مع أطفالهم لقراءتها، والإشراف على الواجبات المنزلية، وما إلى ذلك.

    5. الكتب الحقيقية يمكن أن تؤدي إلى نوم أفضل
    هناك الكثير من الدراسات التي تظهر أن القراءة على الأجهزة الرقمية مثل الهواتف وأجهزة القراءة الإلكترونية ستؤثر سلباً على النوم. في دراسة أجريت عام 2015، وجد الباحثون أن المشاركين في الدراسة الذين يقرأون الكتب الرقمية يستغرقون وقتاً أطول للنوم، وكانوا أقل نعاساً، ويفرزون كمية أقل من الميلاتونين (الهرمون الذي يتحكم في دورة النوم والاستيقاظ)، وقد تغير إيقاع الساعة البيولوجية عندهم، وكانت أقل يقظة في صباح اليوم التالي مما كانت عليه عند قراءة كتاب مطبوع. تقترح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال إيقاف تشغيل أجهزة القراءة الإلكترونية قبل النوم بساعة واحدة، لمنح العينين والعقل وقتاً للاسترخاء.

    6. الكتب تجعلنا نشعر بالسعادة
    الناس يحبون حمل الكتب الحقيقية، إنها تشعرنا بالسعادة!
    الطلاب والناس بشكل عام يحبون رائحة الكتب وملمسها وحتى إمساكها بأيديهم والقدرة على تحديد شيء ما في الكتاب أو تلوينه، وهناك دراسات تم إجراؤها تشير إلى أنه على الرغم من أنك قد تتذكر بعض الحقائق والشخصيات في القصة التي تقرأها سواء كانت مطبوعة أو ورقمية، لكنك إذا سئلت عن حدث معين فأنت تتذكر بشكل أفضل عندما تقرأها مطبوعة. وربما يتعلق ذلك الإحساس الملموس بالقدرة على تحديد موقعه مادياً في الكتاب.

  7. #117
    صديق فعال

    الأدب الدنمركي بين الرومانسية والواقعية

    كان Bakkehuset في "فريديركسبيرغ" في أوائل القرن التاسع عشر مكانًا للقاء الأوساط الأدبية والعلمية في أوائل القرن التاسع عشر. حيث اجتمع العديد من الأدباء والفنانين والعلماء حول صالون الزوجين "كما رابيك" الفنانة الدنمركية وسيدة الصالون، وزوجها المؤرخ الأدبي والناقد "كنود لين رابيك" ، حيث كان المنزل مسكناً لهما. في عام 1925 تم تحويل المنزل إلى متحف للعموم.

    حوالي عام 1750 بدأ التنوير كموجة واسعة في الأدب الدنماركي، حملها وعي ذاتي برجوازي جديد قائم على أسس اقتصادية، وعلى تقدم العلوم التجريبية الجديدة. وضعت مؤسستان إطار العمل للشعر الجديد "المسرح الملكي" الذي تأسس عام 1748 وأصبح المؤسسة التعليمية والثقافية المركزية في الدنمارك حتى النصف الأخير من القرن التاسع عشر. وجمعية النهوض بالعلوم الجميلة والمفيدة بالنرويج تأسست عام 1759 . ضمن هذا الإطار تم تطوير الأفكار الجديدة بشكل أساسي حول العالم المنظم، ومفاهيمه الأخلاقية والمسيحية اللطيفة والإنسانية، وليس أقلها مُثُل التعليم اللغوي التي تطورت في "أكاديمية سورو" التي أعيد بناؤها من قبل وريث "هولبرج" الكاتب الدنمركي وأستاذ العلوم السياسية "ينس شيلديروب سنيدورف" الأديب التنويري مؤيد أسلوب النثر الجديد المستوحى من الفرنسية.

    ظهر الشاعر ورجل الأعمال النرويجي "كريستيان براونمان تولين" باعتباره الشاعر الشهير للمملكة التوأم في ستينيات القرن التاسع عشر. وقد ظهر في ذاك العصر أيضًا شاعر الترنيمة "بيرجيت بوي" والكاتبة المسرحية والمترجمة الدنمركية "شارلوت دوروثيا بيل" مؤلفة المسرحيات وسلسلة من الحكايات الأخلاقية، وكذلك الفكاهي "يوهان هيرمان ويسل" . أصبح منزل Bakkehuset مكانًا للقاء للناس من مختلف التيارات، على الحدود بين التنوير والرومانسية وبداية "العصر الذهبي". وحوالي عام 1800 أدت أفكار التنوير والحماس للثورة الفرنسية إلى نفي الكاتبين "مالثي كونراد برون" ، و "بيتر أندرياس هيبرغ" .

    ما قبل الرومانسية
    التقت العديد من التيارات في كتابات "يوهانس إيوالد" ولكن قبل كل شيء قام بتشكيل وعي ذاتي شعري جديد، حيث أصبح الفن مصدرًا للهوية، بينما تحترق الذات الخاصة للشاعر كوقود يُستخدم لخلق الفن، كما حدث بالفعل لإيوالد نفسه، يصور هذا الأمر في مذكراته بكتابيْ "الحياة" و"الآراء" عام 1774م وما تلاهما. بصفته شاعرًا غنائيًا قام إيوالد بضبط اللغة لجعلها سامية، وبصفته كاتبًا مسرحيًا تطرق إلى الصراعات الذاتية بين الشعور الذاتي والنظام في "آدم وإيوا" عام 1769م. وفي "موت بالدر" عام 1773/75 وحصل على أكبر تقدير في ذلك الوقت من خلال مسرحية "المهرجان الوطني للصيادين" والتي تمجد القوة الأخلاقية للشعب.

    أعطى الشاعر الدنمركي "جينس باجيسين" مرحلة ما قبل الرومانسية لمسة عالمية. كتب كتاب السفر الرائع واعترافات الشاعر "المتاهة" عام 1972م، يتحدث عن الحالة المزاجية لثورة قلب الشاعر والثورة السياسية. كان ثلث كتاباته باللغة الألمانية، بما في ذلك كتاب "بارثينا أو رحلة عبر جبال الألب" عام1802م الذي لاقى نجاحاً أوروبياً واسعاً. وهو عبارة عن مقياس سداسي الشكل امتد بين الشاعر الألماني الشيق "يوهان هاينريش فوس" والحماس الشعري المحموم لما قبل الرومانسية.

    الرومانسية والعصر الذهبي
    تأسس الأدب الرومانسي في الدنمارك بعد عام 1800 مباشرة، وحصل على صدى خاص خلال الحروب النابليونية. سرعان ما التقط الأدب الدنماركي أفكار وموضوعات الرومانسية الألمانية. استوحى الشاعر "شاك فون ستافيلت" الإلهام الرومانسي من إقامته لعدة سنوات في ألمانيا في تسعينيات القرن الثامن عشر جزئياً، حيث أتى عالم الطبيعة والفيلسوف "هنريك ستيفنز" إلى كوبنهاغن عام 1802 ونشر الأفكار في محاضرات في السكن الجامعي .

    أيقظ الشاعر "آدم أولينشلاغر" الشاعرية الرومانسية وأصبح الشخصية الرئيسية الفاعلة للرومانسية الدنماركية المبكرة. تلاه القس والشاعر والفيلسوف الدنمركي "نيكولاي فريدريك سيفيرين غروندفيج" . والأديب الطبيب الدنمركي "كارستن هوش" . في حين أن الروائي والشاعر الدنمركي "برنارد سيفيرين إنجمان" اتبع مساراته الخاصة، التي هي أقرب إلى "ستافيلت" والرومانسية الألمانية الأكثر راديكالية. تطوروا جميعًا في أوقات مختلفة بعيدًا عن الرومانسية الأصلية ونحو النقد الوطني والشعبي والتاريخي والمعاصر في التراتيل، والقصص القصيرة، واليوميات، والروايات.

    كان للرومانسية بطريقتها الخاصة تأثير طويل الأمد في الدنمارك، حيث اختلطت عبادة الشعر كقوة حياة مع المعتقد الديني المسيحي في الأبدية وقدمت المادة الخام لاعترافات لاهوتية للشعراء في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ثم أسست الرومانسية لغة شعرية متأثرةً بلغة الأغنية الشعبية، والتي أصبحت تميز أجزاء كبيرة من الشعر الدنماركي حتى حوالي عام 1900. ولكن في شكلها الحقيقي أصبحت الرومانسية في حد ذاتها فترة فاصلة قصيرة العمر. فالثقافة البرجوازية من نهاية القرن الثامن عشر شكلت النظرة الأساسية للحياة، التي يغديها بشدة التأثير الواسع للأديب الألماني "يوهان فولفغانغ فون غوته" .

    تشكل النزعة الإنسانية والمسيحية، والأخلاق، والرومانسية المخففة لغوته، العناصر الرئيسية لما يسمى "العصر الذهبي" نظرًا للثراء الاستثنائي لجميع الفنون في ذلك الوقت. بينما كان الشاعر الدنمركي "آدم جوتلوب أولينشلاغر" الشخصية الرائدة في الرومانسية الفعلية، كان الكاتب المسرحي والناقد "يوهان لودفيج هيبرغ" الشخصية الرائدة في تحول الرومانسية نحو الحياة اليومية ونحو الموضوعات الأكثر توجهاً في علم النفس المثير للاهتمام حينذاك.

    أصبحت الدائرة حول الزوجين المتزوجين "يوهان لودفيج" و"يوهان لويز هايبرغ" عاملاً ثقافيًا مهيمنًا في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر. ضمت الدائرة والدة يوهان لودفيج هيبرغ "توماسين جيلمبورغ" التي اكتسبت من خلال قصصها اليومية ذات الشعر الأدبي والديني المعتدل والأخلاقي، شعبية كبيرة في ذلك الوقت وأصبحت مثالًا لروح العصر التي كان يُطلق عليه "بيدرمير" ، وهي حقبة في أوروبا الوسطى بين عامي 1815 و1848 نمت خلالها الطبقة الوسطى من حيث العدد وتشاركت الفنون المشاعر المشتركة. بدأت مرحلة بيدرمير مع مؤتمر فيينا في نهاية الحروب النابليونية عام 1815 وانتهى ببداية ثورات عام 1848.

    تأسيس واقع جديد
    شهدت فترة عشرينيات والثلاثينيات القرن التاسع عشر اضطراباً في الأدب، تحت تأثير التيارات الأوروبية وبدعم من الميول الليبرالية في الاقتصاد والفكر السياسي التي فشل الاستبداد الراحل في قمعها. تم ترديد الحداثة في الكلمات المركزية للشعراء الإيروتيكيين مثل "كريستيان وينتر" و"إميل أريستراب" الذي أدخل الحداثة أيضًا في قصائده السياسية. كان ذاك الوقت عبارة عن فترة انتقالية "الفترة السياسية"، شهدها عالم اللاهوت والفيلسوف والشاعر الدنمركي "سورين كيركيغارد" وكان من بين الشخصيات الرئيسية في ذلك الوقت الشاعر الدنمركي "ستين ستينسن بليشر" والشاعر والفيلسوف الدنمركي "نيكولاي فريدريك سيفيرين غروندفيج" ، والأديب الدنمركي الشهير "هانز كريستيان اندرسن" .

    تمكن هؤلاء الأدباء سوياً من تجاوز حدود المجتمع الشمولي البائد، وتم تناول طرق الكتابة والقضايا وتصورات الجمهور التي بشرت بأنماط أدبية جديدة. أصبحت قصص بليشر القصيرة الواقعية أساساً للواقعية في حقبة لاحقة. قام غروندفيج بمزيج من الحماس للتنوير والمسيحية البدائية والإيمان الرومانسي بالروح والكلمة الحية (الله) بإصلاح الكنيسة والجماعة من خلال حركة النهضة التي بدأها. لقد ترك بصمة أساسية في فهم الذات الدنماركية، وتصور المدارس والثقافة العامة من خلال الحركة الجامعية التي انبثقت عنه.

    شكلت الفترة المتبقية من القرن الأساس لتشكيل هوية الفلاحين حتى استيلائهم السياسي على السلطة في عام 1901، وظهر ذلك بشكل أكبر في الثقافة الديمقراطية الاجتماعية في القرن العشرين. اخترق أندرسن في مسار حياته حواجز الحكم الأوتوقراطي الجامد البرجوازي المتأخر في الحكاية الخيالية، وهو نوع شائع في الأصل من الأدب الذي حوله أندرسن إلى نوع واقعي وغريب الأطوار ومعاصر من نوعه. عبّر أندرسن عن التجارب المتنوعة والمعقدة التي جعلته عالمًا نفسيًا حادًا وخبيراً في التفاعل مع الناس، ولكنه أيضًا صاحب روح دينية غير أرثوذكسية.

    وقف أندرسن على حافة عصره من جوانب عديدة، متحمسًا للتقنية الجديدة، مؤمنًا بالتقدم والظروف الأكثر إنسانية. لم يرد كيركيغارد أن يعرف عن "مشهد الظواهر الخارجية" لكنه وقف أيضًا على حدود الفترة، حيث شدد موقفه القائم على اعتبار أن سلوك الفرد مزيج من المثالية المسيحية والواقعية النفسية، وأشار إلى الواقع باعتباره المكان الذي يجب قياس حياة الفرد فيه.

    في السنوات التي تلت إلغاء الحكم المطلق في عام 1849، بدأ تأسيس مجتمع جديد ترك آثاره الواضحة. تمت الدعوة إلى مناقشة أفكار جديدة، وفي مقدمتها النقاش حول تحرير المرأة. فظهرت الأديبة والحقوقية الدنمركية "ماتيلد فيبيجر" التي دافعت عن حقوق المرأة من خلال روايتها الأولى "كلارا رافائيل، اثنا عشر حرفًا" التي نشرت عام 1851. القصة عبارة عن سيرتها الذاتية جزئيًا. ظهر حينذاك أيضاً العديد من الكتّاب والأدباء ساهموا في تشكيل ملامح الهوية الروحية لتلك الفترة، مثل الروائية الدنمركية "مير آرون جولدشميت" . والكاتب والسياسي الدنمركي "هانز إيجيد شاك" .

    الاختراق الحديث
    اندلع أدب جديد وتشكلت جبهة ثقافية وأيديولوجية راديكالية جديدة خلال سبعينيات القرن التاسع عشر لتظهر أخيرًا متطورة تمامًا نحو عام 1880. لقد كانت حركة شمالية مشتركة كان روّادها الأساسيون هم "جورج وإدوارد براندس" ، . كان الاختراق الحديث كما أطلق عليه الناقد والباحث الدنمركي جورج براندس الذي حصل عام 1883، وثيق الصلة بالتصنيع والعلوم الطبيعية الجديدة والاضطرابات السياسية التي أحاطت بتفكيك بقايا المجتمع الاستبدادي.
    بلغت العملية ذروتها في ديكتاتورية الحُكم حتى عام 1901، وهي الفترة المؤقتة التي أصبحت نقطة البداية لكتابات "هنريك بونتوبيدان" المبكرة، وهو الأديب الدنمركي الذي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1917 مع الشاعر والروائي الدنمركي " كارل جيليروب" .

    نظرًا لأن العقود التي سبقت بداية القرن العشرين كانت فترة من الاستيطان وإعادة التنظيم، كان لا بد من أن يتميز الاختراق الحديث في الدنمارك بشكل خاص بمواجهة ثقافية مع الماضي. احتل هذا الأمر مكانة في الأدب الدنمركي أكبر من التطورات الجديدة في المجتمع والصناعة والتكنولوجيا، والتي كان الشعراء غالباً ما يغلقون أعينهم عنها. ظهرت في تلك المرحلة رواية "نيلز لين" للروائي الدنمركي "جينس بيتر جاكوبسن" . وأصدر الأديب الدنمركي "هيرمان يواكيم بانغ" أولى رواياته باسم "أقارب بلا أمل" عام 1880. تعرضت الكنيسة المسيحية التقليدية والأخلاق المدنية، وخاصة الأخلاق الجنسية للهجوم، بينما دُفعت المفاهيم الداروينية إلى الأمام باعتبارها وجهة نظر نموذجية في ذلك الوقت. حدث الاختراق الحديث في المذهب الواقعي، نحو الانغماس الجديد في الحياة الفردية المستوحى جزئيًا من الراديكالي الوجودي "فريدريك نيتشه" الذي قدمه "جورج براندس" في عام 1888.

    براندس الذي اشتهر بنقده المسرح الأوروبي وليس فقط المسرح الدنماركي أو الاسكندنافي، مع ترجمته لكتاب "ستيوارت ميل" حول إخضاع المرأة أعطى دفعة للنقاش حول تحرير المرأة، ولكن الكاتبات من النساء في ذلك الوقت "أمالي سكرام" ، و "إرنا جويل هانسن" -وآخرين، أسسوا بأنفسهم اختراقًا حديثًا بواسطة كتاباتهم. تم توفر الظروف المناسبة في جميع أنحاء الدنمرك من أجل استيلاء الفلاحين على السلطة في عام 1901 من خلال رسائل ما بعد الرومانسية لهذه الطبقة الاجتماعية، والتي كانت تؤسس وعيها الذاتي الثقافي. حيث تم وضع الأساس للأدب الفلاحي المميز والشامل للغاية في الدنمارك من عام 1900 حتى عام 1950. منذ الاختراق الحديث، أصبحت الراديكالية سمة مميزة للحياة الثقافية والسياسية الدنماركية حتى يومنا هذا. وفي الوقت نفسه، كان الاستقطاب الأيديولوجي يعني أنه منذ تفكك الثقافة الوحدوية السلطوية المتأخرة، ظهرت صورة للعديد من الثقافات والآداب جنبًا إلى جنب. إنها سمة ظلت حتى يومنا هذا أيضاً.

    رمزية أدب نهاية القرن
    في مطلع القرن العشرين تطور الارتباط بالواقعية إلى جبهة عريضة لشعر الطبيعة، وهو أكبر اختراق شامل لشعر الطبيعة في الدنمارك. تحقق عن طريق الشعراء "جوهان يورجنسن" ، و"فيجو ستوكينبيرج" ، و"سوفوس كلاوسن" ، و"لودفيج هولشتاين" ، و"ثوجر لارسن" . كانت أيضًا فترة تم فيها تعميق التركيز على الفرد، الذي ميز أدب المذهب الطبيعي/ الواقعي، عبر النظرة ذاتية مرتبطة بالمزاج (غالبًا ما تكون متشائمة) للعالم الخارجي، مرتبطة بإعادة التوجيه الديني، مثل كتابات "ينس يوهانس يورجنسن" الذي اشتهر بكتابة السير الذاتية للقديسين الكاثوليك. وكتابات الناقد "هيلج رود" .

    في مطلع القرن العشرين ظهرت رواية "سقوط الملك" للروائي الدنماركي "يوهانس جنسن" . التي نُشرت في ثلاثة أجزاء من عام 1900 إلى عام 1901. وتروي قصة ميكيل ثورجرسن والتشابك الاجتماعي الذي جعله في خدمة الملك "كريستيان الثاني" ملك الدنمرك . كما ظهرت كتابات الأديب الدنمركي اليساري "مارتن أندرسن نيكسو" مثل مجموعته القصصية "الظلال" التي صدرت عام 1898م. وروايات مثل "بيل الفاتح" ، ورواية "طفلك الإنساني" ، ورواية "رش" . ورواية "طريق المعاناة" للروائي والفيلسوف الدنمركي "إرنستو دالغاس" ، وهي رواية تربوية فلسفية تحاول شخصيتها الرئيسية أن يجد السلام الداخلي مع نفسه، من خلال السلطات وأنظمة الفكر القائمة.

    * باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

  8. #118
    صديق فعال

    بعضها حماسية تشحذ النفوس وأخرى ترثي واقع الحال..
    أشهر القصائد التي كتبها الشعراء عن فلسطين

    لطالما كان للشعراء في الوطن العربي دور هام في الحديث عن حقوق الشعوب الضائعة، فكانت القضية الفلسطينية مصدر إلهامهم الأول، فأصدروا لأجلها العديد من القصائد التي كانت رثائية حزينة على واقع الحال تارة، وحماسيّة تحرض المظلومين على استرجاع حقوقهم تارة أخرى.

    أشهر القصائد التي كُتبت عن فلسطين
    من الشاعر "المُقاتل" عبدالرحيم محمود حتى شاعر "الأرض المحتلة" محمود درويش، إليكم أبرز القصائد التي كتبها الشعراء العرب من أجل فلسطين.

    قصيدة الشهيد "عبدالرحيم محمود"
    عندما اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936، استقال الشاعر عبدالرحيم محمود من وظيفته كمدرس لغة عربية من أجل الانضمام إلى صفوف المناضل عز الدين القسام ضد القوات البريطانية والصهيونيّة.
    وخلال فترة تواجده معهم كتب محمود الذي كان يبلغ من العمر حينها 23 عاماً، واحدة من أشهر قصائده التي صوّر بها الروح الحماسية التي امتاز بها المناضلون الفلسطينيون على جبهات القتال، وأسماها "قصيدة الشهيد":
    سأحمل روحي على راحتي.. وألقي بها في مهاوي الردى
    فإمّا حياة تسرّ الصديق.. وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
    ونفسُ الشريف لها غايتان.. ورود المنايا ونيلُ المنى
    وما العيشُ؟ لا عشتُ إن لم أكن.. مخوف الجناب حرام الحمى
    بقلبي سأرمي وجوه العداة.. فقلبي حديدٌ وناري لظى
    وأحمي حياضي بحدّ الحسام.. فيعلم قومي أنّي الفتى
    يذكر أنّ عبدالرحيم محمود استشهد في عام 1947 عندما انضم إلى "جيش الإنقاذ" وخاض معهم العديد من المعارك.

    فلسطين صبراً إن للفوز موعداً "أحمد محرم"
    لطالما اشتهر الشاعر المصري من أصول شركسية أحمد محرم بقصائده القومية التي لطالما دعا فيها إلى الوحدة الوطنية، وقد كتب عند اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى الأبيات التالية:
    فلسطين صبراً إنّ للفوز موعدَا.. فإلا تفوزي اليوم فانتظري غدَا
    ضمان على الأقدار نصر مجاهد.. يرى الموت أن يحيا ذليلاً معبدَا
    إذا السيف لم يسعفه أسعف نفسه.. ببأس يراه السيف حتماً مجردَا
    يريدون ملكاً في فلسطين باقياً.. على الدهر يحمي شعبهم إن تمردَا
    يديرون في تهويدها كل حيلة.. ويأبى لها إيمانها أن تهودَا
    لهم من فلسطين القبور ولم يكن.. ثراها لأهل الرجس مثوى ومرقدَا
    أقمنا لهم فيها المآثم كلما.. مضى مشهد منهن أحدثن مشهدَا
    فقل لحماة الظلم من حلفائهم.. لنا العهد نحميه ونمضي على هدَى

    فلسطين "محمود طه"
    قبل وفاته بعام واحد، أبى الشاعر المصري محمود طه أن يودّع الحياة، دون أن يقدّم شيئاً للقضية الفلسطينية سيما أنه من الشعراء الذين عاصروا الفترة التي احتل فيها الصهاينة فلسطين.
    فكتب في عام 1948 قصيدته الشهيرة "فلسطين" التي حاول من خلال أبياتها استنهاض روح ووجدان العرب لمساعدة الفلسطينيين لمقاومة الاحتلال.
    وقال في بعض أبياتها:
    أخي جاوز الظالمون المدى.. فحقَّ الجهادُ وحقَّ الفدا
    أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبةَ.. مجد الأبوَّةِ والســـؤددا؟
    أخي أيها العربيُّ الأبيُّ.. أرى اليوم موعدنا لا الغـدا
    أخي أقبل الشرقُ في أمــةٍ.. تردُّ الضلال وتُحيي الهُـدى
    أخي إنّ في القدسِ أختاً لنا.. أعدَّ لها الذابحون المُدى
    أخي قُمْ إلى قبلة المشرقيْن.. لنحمي الكنيسة والمسجـدا
    فلسطين تحميكِ منا الصـدورُ.. فإما الحياة وإما الرَّدى
    يذكر أنّ هذه القصيدة قد حولها الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب إلى أغنية بعد أن لحنها بنفسه في العام ذاته.

    https://youtu.be/h_IyKL708lU

    أريد بندقية "نزار قباني"
    بعد نكسة العرب في حرب الأيام الـ6، أخد الشاعر السوري الكبير نزار قباني على نفسه عاتق الدفاع عن القضية الفلسطينية من خلال أشعاره التي طرحها من خلال منظورين مختلفين الأول: حماسي لشحذ نفوس الشباب، والثاني: رثائي لما وصل الحال بها. ومن أشهر قصائده قصيدة "طريق واحد" التي كان لها أثر كبير في نفوس الناس حتّى إنّ كوكب الشرق أم كلثوم قامت بغنائها بعد تلحينها من قبل الموسيقار محمد عبدالوهاب.

    ويقول في بعض أبياتها:
    أريد بندقية.. خاتم أمي بعته، من أجل بندقية
    محفظتي رهنتها، من أجل بندقية
    اللغة التي بها درسنا، الكتب التي بها قرأنا
    قصائد الشعر التي حفظنا، ليست تساوي درهماً، أمام بندقية
    أصبح عندي الآن بندقية، إلى فلسطين خذوني معكم
    إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدلية
    يا أيها الثوار..
    في القدس، في الخليل، في بيسان، في الأغوار
    في بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار
    تقدموا، تقدموا..
    فقصة السلام مسرحية، والعدل مسرحية
    إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ، يمر من فوهة بندقية.

    https://youtu.be/uei3g1GnFo8

    ومن قصائده الحماسية الأخرى كانت قصيدة "أطفال الحجارة" التي قال فيها:
    بهروا الدنيا، وما في يدهم إلا الحجارة
    أضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشارة
    قاوموا، وانفجروا، واستشهدوا
    وبقينا دبباً قطبية، صفحت أجسادها ضد الحرارة
    قاتلوا عنا إلى أن قتلوا، وبقينا في مقاهينا، كبصاق المحارة
    يا تلاميذ غزة، علّمونا بعض ما عندكم
    فنحن نسينا.. علمونا بأن نكون رجالاً
    فلدينا الرجال صاروا عجيناً

    أما من قصائده الرثائية، فكانت قصيدة "بكيت حتى انتهت الدموع" والتي كتب فيها:
    يا قدسُ، يا مدينةَ الأحزان
    يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان
    من يوقفُ العدوان؟ عليكِ، يا لؤلؤةَ الأديان
    من يغسل الدماءَ عن حجارةِ الجدران؟
    من ينقذُ الإنجيل؟ من ينقذُ القرآن؟
    من ينقذُ المسيحَ ممن قتلوا المسيح؟
    من ينقذُ الإنسان؟

    https://youtu.be/UrQnjJ82MaU

    يا قدس معذرة "أحمد مطر"
    أما الشاعر العراقي أحمد مطر فلم تكفه الآلام التي يعيشها بلده الجريح، فاتجه إلى إبراز القضية الفلسطينية في شعره عن طريق قصيدة "يا قدس معذرة" التي قال في أبياتها:
    يا قدس يا سيدتي .. معذرة
    فليس لي يدان
    وليس لي أسلحة
    وليس لي ميدان
    كل الذي أملكه لسان
    والنطق يا سيدتي أسعاره باهظة
    والموت بالمجان!

    https://youtu.be/-QUR2MTq7ZQ

    كما قال في قصيدة "عائدون":
    هرم الناس وكانوا يرضعون، عندما قال المغني عائدون
    يا فلسطين ومازال المغني يتغنى، وملايين اللحون
    في فضاء الجرح تفنى، واليتامى من يتامى يولدون

    على هذه الأرض "محمود درويش"
    ليس هناك خاتمة أجمل من قصيدة لشاعر "الجرح الفلسطيني" محمود درويش، الذي يعتبر أيقونة الشعب الفلسطيني بعد أن أخذ على عاتقه مهمة نقل مأساتهم من خلال قصائده.

    ولا شكّ أنّ من بين عشرات القصائد التي كتبها لوطنه، فإن لقصيدته "على هذه الأرض" مكانة خاصة عند محبيه:
    "على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد أبريل، رائحة الخبزِ في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ يقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكرياتْ.
    على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ، سيدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن، غيمٌ يُقلِّدُ سِرباً من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
    على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات، كانت تسمى فلسطين، صارتْ تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة".

    https://youtu.be/aqa-vNvbXcc

  9. #119
    صديق فعال

    السؤال الفلسفي في رواية “الإخوة كارامازوف”
    كتب: مانويل دينق

    الإخوة كارامازوف ربما قد تعد من أمتع وأفضل الأعمال الأدبية والفنية على مر تاريخ الرواية، بدهشة إبداعها العميق، وعذوبتها الفكرية والمعرفية، ومعرفتها الحصيفة للروح الإنسانية، بموضوعاتها العظيمة، وأفكارها التي تبدو وكأنها أفكارٍ أختارها الكاتب بعناية لتُخلد للأبد، والأمر ليس بجديد عن أعمال هذا النابغة الروسية، فهو متمرس ودائم المفاجآت بالحياة الإنسانية العميقة، وهذه الرواية التي تتكون من أربع أجزاء استطاع هذا العبقري المجنون وصف النفسية الإنسانية ومزاجية البشر، بكل خفاياها وبواطن طبيعتها بصورة مبسطة واقعية.

    تتناول الرواية حياة أسرة واحدة، بشكل دقيق وأقرب إلى أن تكون حقيقة تمت ترجمتها إلى كلمات وعبارات، من كونها خيالٍ عبٌر عنها الكاتب، وهذه الميزة المدهشة من سِيَم دوستويفسكي في جميع أعماله الروائية، والإشادة التي تلقاه من كِبار العظماء والأدباء والفلاسفة (البرتو اينشتاين، فرويد، هيدغر) باعتبارها من أعظم الأعمال الأدبية، ويبرهن مدى قوة هذا الإنسان في رسم النفس البشرية، ومعرفته بصغائر أمورها، تتضح هذه الصفة جلياً في أول سطر من رواياته، وقد احتار البعض والكثير من الناس تصنيف دوستويفسكي في أي صنف من صنوف الأدباء والفلاسفة فهو إنسان مكتمل بجميع الأمور، بارع في اللاهوت والطب النفسي والفلسفة والسياسة، ويتحول فوق ذلك إلى فلاحٍ أو طالب مهزوم انهشه المصائب المصيرية، إذ أن ليس من السهل عدم التكيف معه، فمثلاً بالنظر إلى روايته ” مذكرات من البيت الميت” أو حتى ” المذلون المهانون” ورواية “الشياطين” فإنه يظهر بوضوح الشمس معرفته البعيدة في العمق الإنساني، (سوف نتناول في قادم الأيام بالتصنيف الدقيق عن إحدى هذه الروايات الثلاثة).

    إن قراءة أي عملٍ أدبي هي بمثابة الإبحار نحوِ اللجج العميقة، من المتاهات التي تركها الكاتب للقارئ، والذهاب إلى الأماكن الحساسة التي لم تظهر على العلن، أو قل البحث عن أسئلة غائبة وتضليلية. والرجوع إلى روايتنا هذه فإننا نتساءل عن طبيعة الكم من الأسئلة الفلسفية التي استحوذ تفكيري خلال المرات الثلاثة التي اطلعتُ على الرواية من خلالها، ولأن سؤال الفلسفة هي من أحب الأسئلة التي تقوم بشحن العقل بالطاقة وتستمد الروح الإنسانية البريئة بالأمل والقوة، فإننا ما أن نلقي الضوء على هذه النوعية من الأعمال فإننا نندهش في أول وهلة من القراءة، إذ إنها تحمل معها صيغ الأسئلة النشطة.

    الرواية كما أسلفتُ سابقاً إنها تتناول حياة أسرة واحدة، الأب (فيدور بتروفيتش) والأبناء الثلاثة (ديميتري بتروفيتش، إيفان بتروفيتش، أليوشا بتروفيتش) وابن رابع غير شرعي (بافيل). اختار دوستويفسكي شخصيات روايته بعناية فائقة، مع إعطاء أدوار مناسبة لكل شخص من شخصياته، خاصة الأبناء الثلاثة الذين يمثلون العقل(إيفان) الدين (أليوشا) الدنيا (ديميتري)، ومن هنا تبدو الحياة طبيعية بالنسبة للقارئ، لكن مع مرور الوقت تظهر رويدا رويدا الأسئلة الشائعة التي تأخذ طابع فلسفي بل أقرب أن تكون تقليب الصورة الحياتية على حقيقته الخفية، وهذا ما جعلني أتساءل لماذا كل هذا الإخفاء العظيم للحياة في وجه نظر هذا الرجل؟.

    حين تقرأ الرواية نفهم من البداية بأنها تدور بشكل صريح عن معرفة أغوار النفس البشرية، ثم تتحول بعدها البحث عن القائل العجيب الذي لم يفصح دوستويفسكي عنه، بل تركه مجهولاً للقارئ لكي ينشد به عقله. مَن الذي قتل الأب؟، هل إيفان الشاب الغامض ذي الأفكار الغريبة؟ أم ديميتري ذلك الجندي الذي أعماه الحب وحوٌله إلى عربيد مجنون؟ أو الابن الغير شرعي ذلك الفتى المريض بالصرع والذي لم يجد في طيلة حياته أي تعاطف أبوي ومجتمعي؟ ولماذا يقوم أحد من هؤلاء الثلاثة بقتل الأب بالرغم من أن الكاتب يكشف بوضوح أن القاتل هو إحدى أبناء المقتول؟ ولماذا لا أحد يهتم الابن الأصغر ذلك الروح البريئة التي عبٌر عنه الكاتب على خصوصية الملائكة؟

    هذه الأسئلة التي أجاب عنها المحكمة بعد أن حكم على ديميتري بتهمة القتل، فإننا حين نقرا جيداً كما لو أننا جزء من حياة شخوص الرواية فإننا سنشعر بالكثير من الإثارة النفسية الصعبة، التي يصعب معها التعاطف مع القرار الذي صدر من المحكمة، وهذا ما كان جلياً بين الأقوال الكثيرة التي طرأت على مسرح الأحداث في الرواية بمجراها التحريري الغريب، فمَن الذي استطاع من القراء فهم ماهية القاتل بشكل صحيح؟ لا أحد؛ لأننا نتوه وسط دهشة التهم التي يوجهها الكاتب لكل متهم بشكل دقيق حتى تظن وكأنما الجميع متورطين في هذا القتل العجيب، ما القصد من هذا الغموض الذي صاغه الكاتب حول الحياة الإنسانية بهذه الشكلية الغامضة؟ هل كان يود القول بأن الحياة الإنسانية لا تظهر على حقيقته كما هي الآن؟ هل الإنسان هذا الكائن الغامض الغريب هو نفس الكائن البسيط الذي يخفيه الضباب عن مسرح الحياة بغموضٍ متصنع؟ فكل حياة إنسانية تخفيه قناع لا يظهر بوضوح ملامح هذا الكائن الغريب.

    السؤال الفلسفي في هذه الرواية الذي أثار فيٌ تشوقاً عظيماً هو، ما الذي جعل دوستويفسكي يقوم بتغيير حياة شخوصه مائه وثمانين درجة عما بدأ بها الرواية؟ لماذا حوٌل حياة ديميتري من جندي ممتاز إلى عربيد مجنون بالحب؟ ولماذا أفقد إيفان عقله، إيفان النشيط بأفكاره وتميزه المفرط؟ ما المغزى من هذا التحوٌل المفاجئ في وتيرة الحياة القاسية أو اللاإنسانية التي برزتْ في العمل؟. وكيف كانت ستكون الرواية إذا انتهت كما بدأت؟ كيف كانت ستقرأ لو أنها لم تتغير كما هي الآن؟ وهل كان الأب الذي موته حتمي سيحمل معه حقيقة القتل البريء الذي أصبح غامض لدرجة التماهي معه؟ أو أننا كنا سنكون على نهاية مختلفة عمٌا هي عليها؟، إنها أسئلة كثيرة لم أجد بصورة جدية ما يروي عطشي إزاء هذه السيمفونية المدهشة من الأصوات الكثيرة والمهمات الصعبة الواقعة على عاتق كل من القارئ والكاتب والشخوص نفسهم، فإنني أتوه بشكل ودي مع الغرائب والطرائف الحياتية الحساسة على شاكلة هذه، وتذوب وسطها حياتي مع هذه الدراما الحياتية الأقرب إلى الحقيقة الواقعية.

    ميزة الكاتب العظيم لا تأتي بالسهل الذي يعتقده البعض، فإن هذه العظمة تأتي من خلال الفتح الأمن لحيز العقل، وفتح معابر بعيدة وعميقة للبحث عن المعرفة والتعقل بسهولة، ليست كما هي عليها عند قرأتها، ولا أحد يستنكر أن هذه الرواية العظيمة تخفي داخلها الكثير من الأشياء والأمور المتعلقة بالحياة الإنسانية الغامضة، وهو ما جعل منها لغز إنساني يصعب حله على وجه التقريب، كما أننا حين نطالعها نقف أمام إنسان هو نفسه يُعد من العظماء الكبار الذين لهم حياة أقرب إلى أن تكون ملحمة روائية إذا تحولت إلى كلمات تقرأ.

    هناك الكثير من الأسئلة الفلسفية في هذا العمل، تحتاج الوقوف حولها، وكما اعتدت القول دائما بأن؛ أي عمل أدبي إذا لم تدهش القارئ بالأسئلة فإنها بحاجة إلى المراجعة والمتابعة، لهذا أننا في هذا الوقت من التاريخ ما زلنا نعاني من الكم الهائل من الكتابات التي لا ترتقي لمستوى الذوق الرفيع، إذ إنها تنال أحقيتها من بعض السفهاء الذين لا علاقة لهم بالأدب والمعرفة بقدر ما يشغلهم الشهرة التي هي آخر الأشياء التي يفكر حولها الكاتب الأدبي. وبالعودة إلى روايتنا هذه فإننا ننوه الجميع بالاطلاع عليها بعقلية مفتوحة، لأن قرأتها تحتاج إلى الرقة والعذوبة العميقتين لكي تصل إلى أعلى درجة من الفهم والإدراك والاستمتاع بها.

  10. #120
    صديق فعال

    وولي سوينكا.. حكّاء أفريقيا الكبير

    أثار الكثير من الجدل داخل بلاده وخارجها، ولم يتوقف عن انتقاد السياسات الظالمة.. ماذا تعرفون عن أدب ونضال الكاتب النيجيري وولي سوينكا؟
    وُصِف وولي سوينكا بالكاتب الأكثر شهرة وإثارة للجدل في نيجيريا، وعرف تجربة المنفى والسجن، ونُعِت بالأديب الأكثر انتقاداً لحُكّام بلده. كما تصدّى للفساد، وكان صاحب رؤيا في مجال الكتابة الأدبية والمسرحية، مكّنته من الحصول على جائزة "نوبل" للأدب عام 1986. فما هي خصوصيات أعماله، ومميزات شخصياته التي تداخل فيها الجانب الفني بالالتزام السياسي؟

    الحكّاء القادم من أساطير "اليوروبا"
    منذ ثمانينات القرن الـ20، بدأ وولي سوينكا، المولود في 13 تموز/يوليو سنة 1934، كتابة سيرته الذاتية، وكان جزؤها الأول بعنوان "إيكي.. سنوات الطفولة"، ثم أتبعه بكتاب "إيبادان.. سنوات الاضطراب"، إلى أن أكمل سيرته بكتاب "يجب أن ترحل في الفجر".
    في رصيد سوينكا أكثر من 40 عملاً أدبياً، تتناول أجناساً متعددة كالشعر والراوية والمسرح والترجمة والمقالات. ورغم أنّه كتب أعماله باللغة الإنكليزية، إلا أنّه ظلّ وفياً لجذوره القبلية وانتمائه إلى منطقة "أبيوكوتا" الواقعة في جنوبي غربي نيجيريا.
    نشأ سوينكا في بيت مسيحي لا يخلو من نزعة توفيقية مع التقاليد المحلية الممتدة إلى قرون بعيدة، إذ كان والده رئيس الكنيسة "الإنغليكانية"، ومديراً للمدرسة المحلية، وكانت والدته ناشطة اجتماعية، وقد أشار إليها في سيرته بكلمة "آكيه"، وذكر بعد سنوات أنّها قرأت ما كتبه عن عائلته، ومن ضمن ذلك ما كتبه عن شخصيتها التي بقيت قريبة من روحه.
    التحق وولي سوينكا بجامعة ليدز، بعد إنهاء دراسته الجامعية في إيبادان، وكان قد تخصّص في الأدبين الإنكليزي واليوناني وفي التاريخ الغربي، وحصل على درجة الدكتوراه في العام 1973.
    أثناء اقامته في لندن، عمل سوينكا مُرَاجَعاً لنصوص المسرحيات في "روايال كورت"، ولم يفتر اهتمامه بثقافته المحلية منذ نضج وعيه الإثني، إذ تضمّ "ميثولوجيا يوروبا" 600 روحاً خارقة، وتعتبر "الأوريكامي"، وهي الآلهة التي نشأت في غربي أفريقيا، عناصر أساسية في تقاليد "اليوروبا"، والتي أدّت إلى ظهور ما سُمّي بمعتقدات العالم الجديد، المتمركز بالأساس في أميركا اللاتنية.
    ظهر ولع سوينكا بهذه الثقافة المحلية في ترجمته لرواية "فانجو" إلى اللغة الإنكليزية تحت عنوان "غابة الألف شيطان"، حيث أشار إلى عالم أسلافه المليء بالأساطير والخوارق التي تجسّدها الألفاظ، حيث تتحوّل الكلمة إلى فعلٍ ملموس في الواقع، وقد أوضح سوينكا أهميتها بالقول: "هذه الكائنات التي تسكن عالم فانجو تتطلّب الحفاظ عليها بأيِّ ثمن".
    وقد أعلن هذا الأديب، بعد تجاوزه سن الـ80، أنّه سيحوّل منزله المليء بالتماثيل والقطع الفنية إلى متحفٍ ومقرٍّ للكُتّاب والفنانين، مما يجعله مع الأرض المحيطة به معلماً سياحياً، يضطلع بوظيفة التعريف بالتراث الغني للمنطقة التي بُنِي فيها، وهو نافذة لمعرفة جزء هام من تصوّر عالم الكتابة والفكر لدى سوينكا.

    مؤسس مفهوم "النّمورة"
    ظهر مفهوم "النّمورة" سنة 1962 في مؤتمر الكُتّاب الأفارقة في كامبالا، وكان بمثابة ردّ فعل من وولي سوينكا على مفهوم "الزنوجة" الذي أسّسه إيمي سيزير وسيدار سنغور. قال سوينكا في ذلك: "النمر لا يعلن نمورته، بل ينقضّ على فريسته"، وأضاف أنّ الزنوجة تمجيد وحنين لماضي الأفريقي الأسود من دون الأخذ بعين الاعتبار العالم الحديث. وقد تحدّث الباحث فريديريك تريفيل عن تعارض المفهومين، إذ بدت الزنوجة أكثر ليونة مع الاستعمار الجديد، وقد نشأ اتجاه منتقد لها. ومن الأسماء التي تبنّته أباندا نادينغي في كتاب "من الزنوجة إلى العبودية"، وباسيل جوليان فوندا في كتابه "العبودية"، وقد اعتُبِر هذا الصراع بمثابة صراع بين الفرنكفونية والأنغلوسكسونية. وبينما ذهب إيمي سيزير إلى أنّ مفهوم "النّمورة" يتماشى مع جيل وولي سوينكا الذي لم يعُد مجبراً على إثبات زنوجته، أي الدفاع عن حضارة العالم الأسود، بينما ردّ سيدار سنغور على هذا المفهوم بقوله إنّ الحمار الوحشي لا يتخلّص من آثار خطوط جلده.

    الولع بالمسرح والأدب
    منذ عودته من إنكلترا، أسّس سوينكا فرقة "أقنعة" عام 1960، ونشر مقاله الذي لخّص فيه رؤيته للفن الرابع ودوره، في العام 1962، وكان عنوانه "نحو مسرح حقيقي". من أعماله المسرحية "رقصة الغابات" و"حصاد كونجي" و"عابدات باخوس" وغيرها، وقد قام ببحوث لتطوير المسرح في نيجيريا.
    حصل سوينكا على كراسي تدريس في جامعات عديدة، مثل كامبردج وهافارد وإيفي وإيبادان، وعمل أستاذاً محاضراً وعميداً لجامعة لاغوس، ومُنِح شهادات دوكتوره فخرية في أكثر من صرح أكاديمي، نظراً لطرحه قضايا الحرية والعدالة في مسرحياته، بالإضافة إلى مكافحته للفساد والانتصار للقيم النبيلة. كما ألّف أيضاً دواوين شعرية وروايتين.
    لاقت مسرحيات هذا الكاتب، التي قاربت الـ20، إقبالاً في كلٍّ من أفريقيا وأوروبا، ومن أشهرها "الطريق"، "الأسد والجوهرة"، و"عابدات باخوس"، المقتبسة من مسرحية الكاتب الإغريقي يوربيدس. ومن مسرحياته الأخرى نذكر "الموت وفارس الملك". وعُرِف عنه استعانته بتقنيات محلية قوامها الفنون والمخزون الفلكلوري، وكذلك التمثيل الصامت واستحضار الشعائر والرموز والاحتفالات القديمة المستمدَّة من روح أفريقيا، والتي كانت ميزتها أنّها خرجت من عالم الأساطير إلى حيّز العقلانية والتفكير، وبذلك اكتسبت صفتها الراهنة.
    شكّلت هذه الميزات توليفة عميقة، لخّصت فكره المسرحي الذي فهم أن الإنسان روح حرة وخالدة، تظلّ تبحث عن خلاصها في مختلف محطات التاريخ، لذلك يُعتبر سوينكا أحد ورثة المسرح الأفريقي التقليدي، الذي بقي مجهولاً بالنسبة للغرب، والذي كان ينهض بهمٍّ حضاري، تجلّى خاصةً باعتماده استحضار طقوس العبور في مسرحياته، كرمز للأمل المقاوم.
    ظهرت شخصية سوينكا الملتزمة بالقضايا التي كتب عنها خلال خطابه بعد الحصول على جائزة "نوبل"، حيث تناول العنصرية الغربية، وضرورة إعادة النظر في العالم القديم، وطرح ما نعته بـ"الشراكة البشرية" على طاولة البحث، معتبراً أنّه من غير العقلاني الدخول إلى القرن الـ21 مع حمل العنصرية المهين.

    سوينكا والالتزام السياسي
    شكّل الالتزام نهج حياة بالنسبة لسوينكا، وهو ما عبّر عنه بالقول: "يموت الإنسان داخل كل من يصمت في وجه الاستبداد". كما لم يتخلَّ عن انتقاده للطغمات العسكرية الحاكمة في جنوب القارة الأفريقية، ما أدّى إلى تعرّضه للسجن والاعتقال والهرب خارج بلاده. وقد حُكِم عليه أكثر من مرة بالموت، لكنّه نجا وما فتئ يقارع النزعة التسلّطية للحُكّام، شمالاً وجنوباً، ففي صحيفة "أتلنتيك"، في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2017، تحدّث عنه الصحفي يوري فريدمان، وذلك بعد خروجه من الولايات المتحدة إثر فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، تنفيذاً لعهد قطعه على نفسه في حال فوز ترامب بأنّ يُتلف "البطاقة الخضراء"، أو بطاقة الإقامة الدائمة، وذلك احتجاجاً على خطاب ترامب المعادي للأجانب.

    وولي سوينكا وتشينوا أتشيبي
    كثيراً ما تمّت المقارنة بين هذين الأديبين الأفريقيين الكبيرين، نظراً لوجود نقاط تشابه كبيرة بينهما، فهما يشتركان في المنشأ والمعتقد والدراسة والنضال السياسي، وفي استخدامهما اللغة الإنكليزية في أعمالهما، التي مكّنتهما من الحصول على شهرة عالمية. ورغم أن أتشيبي عاش أواخر حياته منفياً، إلا أنّ نيجيريا ظلّت حاضرةً في أعماله، وظلّ صاحب رواية "الأشياء تتداعى" يكتسب أهميته الأدبية بتجدُّد ترجمة روايته هذه، التي وصلت إلى 45 لغة، بينما ظلّ وولي سوينكا يؤكّد على أنّ للكاتب سلاح وحيد هو الأدب، رغم نضالاته الطويلة التي توجّه خلالها إلى الأيديولوجيا السياسية وجسّد فيها أفكاره، التي تمثّل على طريقتها تصرفات ثائر ضد نظام قمعي، وهو ما جسّده في حوارٍ مع الصحفي سايمون ستانفورد، في العام 2005، قال فيه: "إنّ الشخصيات الأسطورية هي في الحقيقة إنسانية إلى الوقت الراهن"، وهو ما يضفي على شخصية هذا الدراماتورجي سمة سحرية.
    لكنَّ الطرافة في علاقة سوينكا وأتشيبي هي فيما ذكرته الكاتبة كلارا صوفيا برودي، في كتاب "القصة التي كان علينا سردها"، حيث ذكرت أنّ أتشيبي علّق على فوز سوينكا بجائزة "نوبل" بقوله إنّ هذه الجائزة "لن تجعل منه زعيماً للأدب"، بينما ردّ سوينكا بعد سنوات بالقول إنّ أتشيبي "ليس أب الأدب النيجيري"، كما كان يُعرف.

صفحة 12 من 13 الأولىالأولى ... 21011 1213 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال