صفحة 9 من 13 الأولىالأولى ... 78 91011 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 90 من 123
الموضوع:

قطوف أدبية - الصفحة 9

الزوار من محركات البحث: 179 المشاهدات : 1955 الردود: 122
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #81
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: July-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 527 المواضيع: 238
    التقييم: 147
    آخر نشاط: 23/August/2023
    مقالات المدونة: 1
    أمجاد وأحلام الأدب الصيني في السنوات السبعين الماضية

    في غرة أكتوبر عام تسعة عشر وألفين، احتفلت جمهورية الصين الشعبية بعيد ميلادها السبعين. بالتزامن مع تطور الأمة الصينية، دوّن الأدب الصيني المعاصر فصلا رائعا ومجيدا، إذ أنه يضم بين دفتيه روايات أدبية حية عن الأحداث الشاقة والكفاح في العصر الثوري وانتقال الصين إلى الحقبة الجديدة من الإصلاح والانفتاح والنمو المتعدد للمد التجاري المتزايد والتحول السوقي في تسعينات القرن الماضي. منذ فجر الألفية الجديدة، يواكب الأدب الصيني المعاصر العصر وسعي الأمة الصينية إلى تحقيق حلم النهضة العظيمة للأمة الصينية. مع التركيز على الحياة الحقيقية والسعي الروحي للشعب، يوثق الأدب الصيني المعاصر فنيا هذه الحقبة الصينية المهيبة.

    طوال تاريخ الصين الجديدة الممتد سبعين عاما، ظل الأدب الصيني المعاصر يمثل القوة الروحية الداخلية للأمة الصينية، وهو وجه ثقافي رئيسي، قد دفع زخمه أيضا تقدم البلاد. وسواء بالاستلهام من التقاليد الواقعية الأصيلة للأعمال الكلاسيكية الصينية أو النهج الواقعي الجديد في سياق تاريخي محدد، فإن الإبداع والنقد الأدبيين الصينيين يرتبطان بالأمة والدولة والسياسة الاجتماعية أكثر مما هو عليه في البلدان الأخرى. لذلك، ينبغي اعتبار التنمية الاجتماعية لجمهورية الصين الشعبية خلفية لفهم الخصائص الروحية للأدب الصيني، كما ينبغي استكشاف تطور الأدب الصيني على مدى السنوات السبعين الماضية لفهم التحولات الإيديولوجية الصينية في العصر المعاصر.

    الثلاثون سنة الأولى: التحول من لهيب الحرب إلى الحقول الخضراء
    شهدت الصين الحديثة في أربعينات القرن الماضي تغيرات اجتماعية غير مسبوقة، وفي عام 1949، بدأ بر الصين الرئيسي رسميا صفحة جديدة من تاريخه. بعد أن وصل الأدب الاشتراكي في البلاد إلى عتبة حقبة جديدة، بدأ عصر جديد للأدب. إن أبناء الشعب الصيني، بشغفهم الثوري الذي أطلقه انتصارهم في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني وحرب التحرير، ولجوا إلى حقبة من السلام والأمل.

    تتجسد السمات الجديدة التي تميز الأدب والفن في الصين الجديدة في اتخاذ الثورة والبناء كموضوعاته الرئيسية، مع روح القتال العنيدة والبطولة الرفيعة. بعد المؤتمر الأول للاتحاد الصيني للأوساط الأدبية والفنية في عام 1949، تقدم الأدب الصيني المعاصر على طريق الأدب الثوري الاشتراكي الذي قدمه الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ عام 1942 في "أحاديث في مؤتمر يانآن حول الأدب والفن". بعد ذلك، حملت الدوائر الأدبية في الصين في خمسينات وستينات القرن الماضي بصمة حية للواقعية الاشتراكية التي كان تركيزها الأساسي على الحياة الريفية والحرب الثورية. هذا التاريخ الجديد من الأدب والفن الذي يركز على الناس حل محل الأعمال الكلاسيكية التي كان لها حتى الآن تأثير كبير على قلوب الناس وعقولهم، وشكل نقطة تاريخية ومعيارا أدبيا في تطور الأدب الصيني الجديد. الأمثلة الشائعة هي الروايات الملحمية التي كثيرا ما يُقتبس منها، مثل الروايات المشهورة "حافظ على العلم الأحمر محلقا" و"الشمس الحمراء" و"الصخرة الحمراء" و"بناة حياة جديدة" و"الدفاع عن يانآن" و"المسارات في الغابة الثلجية" و"أنشودة الشباب" و"التغييرات الكبرى في قرية جبلية"، التي خلقت شخصيات أدبية مثل ليانغ شنغ باو وتشو لاو تشونغ ويانغ تسى رونغ ولين داو جينغ وجيانغ تشو جيون ودنغ شيو مي وشن تشن شين وتشو دا يونغ، وكلها معروفة على نطاق واسع وتحظى بشعبية كبيرة بين الشعب الصيني.

    كما ظهر أدباء مشهورون من الأجناس الأدبية الأخرى، بمن فيهم كتاب النثر يانغ شوه وليو باي يوى وتشين مو والشعراء فنغ تشي وآي تشينغ وتسانغ كه جيا. وغني عن القول، أن عزم وشدة الروح الثورية أنتجت ملامح أدبية بسيطة وضيقة نسبيا في هذه المرحلة، وقد توغلت أيضا في حدود ومقاييس النقد الأدبي.

    بداية الإصلاح والانفتاح: العودة إلى الشخصية وإدخال التعددية
    في عام 1978، أخذت الصين تنفذ سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي. إن الاتجاهات الاجتماعية اللاحقة التي تدعو إلى تحرير العقل وعودة الشخصية الأدبية والفنية، قد خلقت موجة أدبية متصاعدة. وقد جلب تدفق التجارب الأدبية واتجاهات الفكر الطليعية مساحة واسعة للفكر والفن من المدارس الأدبية الرائدة المتعددة. وشملت هذه المدارس الأدبية "أدب البحث عن الجذور الأصلية" و"أدب الندوب" و"الأدب التأملي" و"أدب الإصلاح"، جنبا إلى جنب مع ازدهار مدارس الحداثة والطليعية والنسوية والتاريخية الحديثة. ظهرت مجموعة كبيرة من الكتاب والأعمال الأدبية، من بينها "ملك الشطرنج" و"الرهبان" و"أسرة الذرة الحمراء"، التي تفسر وعي البقاء على قيد الحياة لعامة الصينيين بالأسلوب الفني؛ و"مدير المدرسة" و"بلدة فورونغ" و"الحياة" وما إلى ذلك، والتي تدمج القوة الإنسانية في تأملات واختبارات الحياة؛ و"حكاية منغولية" و"نهر الشمال" و"تشينغبينغوان البعيدة" التي تمجد الذكريات السعيدة لموطن الكاتب؛ و"الأجنحة الثقيلة" و"العالم العادي"، التي تعرض تضارب العلاقات الإنسانية في عملية الإصلاح؛ و"الاختلاق" و"ارفعوا الفانوس الأحمر"، التي تفكك اليوتوبيا الجلية في العالم الحديث؛ و"الحب الذي لا ينسى" و"باب الوردة" و"أنثى (مجموعة قصائد)"، التي تركز على العواطف الخفية ونداءات الروح في العالم الداخلي للمرأة؛ و"إغواء قانغديسي" و"ليس لديك اختيار"، التي تفكر في حقائق الحياة وتدمج هذا التفكير مع بنية سردية لما بعد الحداثة؛ و"قرية باو الصغيرة" و"با با با" و"السفينة القديمة"، التي تعكس التغييرات التاريخية الوطنية والعادات الشعبية بشكل متعمق. يمكن القول إنه فقط بفضل ظهور هؤلاء الكتاب وهذه الأعمال المليئة بالوعي الابتكاري والحيوية الإبداعية في الساحة الأدبية الصينية اليوم، يتمتع الأدب الصيني بقوة واتجاه إحياء شامل.

    فجر الألفية الجديدة: عبور الحدود المتعددة مع التمسك بالثبات بالوطني
    أدى التحرر التدريجي منذ تسعينات القرن الماضي، والذي ظهر بوضوح في الآلية الثقافية، والبيئة الثقافية، والمفهوم الأدبي، والكتابة الأدبية، إلى رفع تنوع الأدب الصيني المعاصر إلى آفاق جديدة أبواب الصين على نطاق أوسع بتأثير من العولمة الاقتصادية وتعددية الأقطاب وغيرها من العوامل. ونتيجة لذلك، تدفقت النظريات والفكر الغربي بسرعة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى بر الصين الرئيسي، وبالطبع تتأثر بها كثيرا المفاهيم الأدبية والفنية. فقد أظهر عدد كبير من العلماء في العالم الأكاديمي حماسة بحثية كبيرة واهتماما أكاديميا بمصطلحات الحداثة، وأصبحوا من الناشطين في الترويج لنظرية الثقافية "لما بعد الحداثة".

    في سياق نظرية أدبية أكثر انفتاحا وحداثة، ظهر أيضا عدد من الأعمال الأدبية ذات العناصر المتعددة والعابرة للحدود. تضمنت كتابات طليعية مثل "وقائع تاجر دم" و"للعيش" و"صرخات في الرذاذ"، والرواية التاريخية الجديدة "سهل الأيل الأبيض"، وأعمال الواقعية الجديدة "أرض مغطاة بريش الدجاج"، وأعمال الكتابة الفردية الجديدة للمرأة "حرب رجل واحد" و"الحياة الخاصة" و"الاختيار" و"كل شيء تم حله"، وكل هذه الأعمال الرائعة تشكل مشاهد أدبية جديدة وجذابة.

    هذا التدفق من الأعمال الأدبية الممتازة دفع صعود الثقافة البصرية والأدب الشعبي. فتح المد التجاري الواسع وتكنولوجيا الشبكات المبتكرة قنوات أدبية وفنية وفيرة للناس العاديين من خلال ترويج الأدب والفن بين عامة الناس. أدى هذا إلى تحول السمات الشكلية للأدب المعاصر. كانت العلمنة السمة المميزة للأعمال الأدبية في فترة التناوب في القرنين العشرين والواحد والعشرين وما بعدها. كان لهذا تأثير كبير على السمة السردية والروحية للأدب التقليدي، إلى حد الاستعاضة عنه بالترفيه والثقافة الترفيهية الشعبية. ومع الولادة الحتمية لأدب الإنترنت، تبوأ هذا الأدب الربوة الأدبية العالية وانتشر سريعا. تشير الإحصاءات غير المكتملة إلى أن ما يصل إلى 400 مليون شخص في الصين يقومون بتسجيل الدخول إلى المواقع الإلكترونية والمدونات الأدبية، وأن هناك أكثر من 14 مليون مؤلف مسجل على الإنترنت، وأن عدد كلمات التحديث اليومي للأعمال الأدبية على الإنترنت يصل إلى أكثر من 200 مليون.

    وهكذا أصبح أدب الشبكات قوة أدبية جديدة اكتسبت اعترافا في الأوساط الأكاديمية. على سبيل المثال، فاز عمل بعنوان "الازدهار"، للمؤلف جين يوى تشنغ، بجائزة ماو دون الأدبية في عام 2015. وقد نُشر هذا الكتاب لأول مرة في منتدى على الإنترنت. في السنوات الأخيرة، ظهرت أعمال أكثر تحديا بالمقارنة مع أدب الإنترنت، وهي أدب الخيال والذكاء الاصطناعي، مثل عمل "مشكلات الجسم الثلاث"، الذي كتبه ليو تسي شين، و"بكين القابلة للطي"، للمؤلف هاو جينغ فانغ، فازا بجائزة هوغو وهي مجموعة من الجوائز تمنح سنويا لأفضل إنجازات قصص الخيال العلمي والفنتازيا. إن تأثير خيال علم الذكاء الاصطناعي على الطبيعة البشرية وعلم الجمال قد أحدث تغييرا في الاتجاه الأدبي.

    ومع ذلك، ظل الأدب الصيني السائد في موقفه الثابت منذ مطلع الألفية. مثل "ثلاثية جيانغنان"، للمؤلف قه فيّْ، و"زهرة غبية"، للكاتب تيه نينغ، و"الضفة اليمنى من نهر أرغون Argun"، للمؤلف تشي تسي جيان، و"عالم الإنسان"، للسيد ليانغ شياو شنغ، و"قصة سحب الريح"، للكاتب شيوى هواى تشونغ، و"اتجه شمالا" للأديب شيوى تسه تشن، هذه الأعمال مأخوذة من موضوعات واقعية وتستخدم المنطق الثقافي المحلي في السرد. في عام 2012، فاز الأديب الصيني موه يان بجائزة نوبل للأدب، حيث نال الأدب الصيني اهتمام العالم، تماشيا مع الإصلاح والانفتاح، تمت ترجمة العديد من أعمال الكتاب الصينيين إلى اللغات الأجنبية وحصلت على ردود فعل إيجابية. في الوقت الحاضر، وصل عدد أعضاء رابطة الكتاب الصينيين على المستوى الوطني إلى أكثر من عشرة آلاف شخص، ويتكلم عدد متزايد منهم ببلاغة بتعبيرات فنية حول المواضيع العامة العالمية ويستكشفون بعمق بقاء البشر وأهمية.

    الأدب الصيني، كوسيط اتصال، يتطور من خلال التقاء الثقافات الصينية والغربية، بحيث يجسد التكامل الثقافي. إنه يشكل تطورا منطقيا محددا، بعد أن تطور من صيغة واحدة إلى صيغة تعددية. ووسط عملية الانفتاح والتنمية، ورث الأدب الصيني أصول الثقافة الصينية. وفي منهجه المتميز للتعبير عن الحياة في العالم اليوم، بحث الأدب الصيني عن طرق للاندماج والازدهار لتبادل الخبرات الإنسانية المشتركة، سعيا إلى بناء رابطة المصير المشترك للبشرية.
    --------------
    الصين اليوم

    تيان مي ليان، باحث بمعهد الأدب التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
    شي جيا، طالب دكتوراه في معهد الماركسية بكلية الدراسات العليا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

  2. #82
    صديق فعال
    الأدب الروائي الصيني.. رؤية من الداخل

    «أعمال تمزج بين الهلوسة الواقعية والحكايات الشعبية والتاريخ والمعاصرة» بهذه العبارة لخصت لجنة نوبل للآداب رؤيتها لروايات غوان مويان، وهي تمنحه الجائزة الأدبية الكبرى في عام 2012م عن روايته «الذرة الحمراء الرفيعة» التي ترصد كثيرًا من التفاصيل اليومية للمجتمع الزراعي الصيني في أثناء الاحتلال الياباني للصين. وبالاقتراب أكثر مما ينتجه حكّاؤو بلاد التنين، نجد أننا بصدد السياحة في عالمٍ لا نهائي الصور والابتكارات والموضوعات والاتجاهات، إلا أننا نمسك بعاملين مشتركين يومضان بداخل أغلبية الأعمال الروائية الصينية المعاصرة، هذان العاملان هما: الصدى الكلاسيكي ومأزق الحياة المعاصرة.

    يتمثل العامل الأول في حضور الأعمال الكلاسيكية الكبيرة عبر الاستشهادات أو الإشارات أو حتى الاقتباسات التي تصل أحيانًا حد التناص في استخدام الألفاظ والشخصيات، وفي هذا العامل تحديدًا تحضر بقوة: التحف الأربع، وهذا المصطلح يشار به هنا إلى أهم الأعمال الكلاسيكية الصينية المتمثلة بأربعة أعمال هي: «رجال المستنقعات» للكاتب شي ناي آن التي ترصد الحياة في عهد أسرة سونغ، وتحكي سيرة ثلة من المتمردين عسكروا عند قمة جبل ليانغ، وتصعلكوا كالشعراء الصعاليك العرب تمامًا؛ إذ أسسوا جيشًا لمقاومة الظلم، ومساعدة المحتاجين.

    والتحفة الثانية «الرحلة إلى الغرب» لـ«وو تشنغ آن»، وفيها يصف الكاتب رحلة حج دراماتيكية من الصين إلى الهند قام بها الكاهن آنغ برفقة طالبيه، القرد والخنزير، حتى إن هذه الرواية قد تُرجِمت إلى عناوين عديدة أشهرها «الملك القرد». وثالثًا تأتي رائعة «حلم الغرفة الحمراء» لـ«ساو تشين» التي تُعَدّ معزوفة متفردة؛ لكونها عملًا موسوعيًّا بالغ الوفرة في تتبعها لتفاصيل الحياة وفي كثرة شخصياتها أيضًا، وتناولها الفريد والعميق للمرأة من حيث عالم المشاعر الخاص بها، وتطلعاتها للحب والتقدير، وعلى الرغم من أن الكاتب رحل قبل إتمامه للرواية، فإنها تُعَدّ تراثًا روائيًّا عظيمًا.

    التحفة الرابعة يعتبرها الصينيون المعادل الموضوعي الصيني لتراث شكسبير وهي «رومانسية الممالك الثلاث» التي كتبها لو تسونغ، وترصد بأسلوب حكائي مفرط التفاصيل نهاية حكم سلالة الهان الشهيرة، وتتناول بقالب درامي رومانسي حياة الأرستقراطيين والأتباع. أما ما يتعلق بالعامل الثاني المتمثل في مأزق الحياة المعاصرة، فيمكنك ملاحظة أن أغلب الأعمال الروائية هنا تحرص على إظهار شيء من المأزق الحقيقي الذي يعيشه الكائن الإنساني في حقبتنا الحالية (حقبة شرائح السيليكون) فتظهر بجلاء أو على استحياء إيحاءات أن الحياة المعاصرة تُخفِي خلف الصخب الظاهري واقعًا هشًّا إلى درجة مرعبة، وقد أثبت عام 2020م وما بعده صدق هذه النبوءة السردية؛ إذ رأينا كم أن كل هذا الصخب واهن بما يكفي ليتمكن فيروس صغير من اعتقال البشرية جمعاء.

    روايات الداخل والمنفى
    وإذا أردنا تناول الرواية الصينية بمستوى أعمق قليلًا من المستوى العام، فإن ثمة تقسيمًا لا يمكننا تجاوزه، هذا التقسيم لم أجد له أي ذكر أو إشارة –على الأقل في المراجع التي لجأت إليها– إلا أنني أجازف بخلق هذا التقسيم الذي أستطيع إثباته إن لزم الأمر من خلال الروايات التي اطلعت عليها بطريقة منهجية، وعلى الرغم من محدودية هذه الروايات، فإن هذا التقسيم يكاد يكون ظاهرًا بما يكفي، ويتمثل هذا التقسيم في: روايات أنتجها كُتّاب المنفى، وهذا النوع من الأعمال تكاد تتلاشى أمامه كل الثوابت؛ إذ لا تابوهات، ولا أفواه مكممة، بل أعمالًا تضع القارئ أمام مخزون من الأسئلة التي تُحاكِم فيه العقل، وتضعه أمام أخيلة وحقائق أيضًا، لم يكن ليصل إليها لو لم يمر بتجربة قراءة مثل هذه الأعمال.

    ويمكننا وضع أعمال غوان مويان ووانغ شياو يو، على رأس مبتكري هذا النوع من الأعمال، وإذا كنا قد عرفنا غوان من خلال جائزة نوبل، فإن وانغ شياو المتوفى -شابًّا- عام 2017م لا يزال أكثر الكُتّاب الصينيين تأثيرًا في أوساط الشباب والطلاب حتى اللحظة، وقد علّق أحد القراء الصينيين على منشور كُتب في أثناء رثاء وانغ، بعبارة جزلة تستحق تضمينها هنا؛ إذ كتب: «إنه خارق للعادة بالفعل! فقد مزج الواقعية بالفانتازيا، والحب بالثورة، والفكاهة بالنقد الساخر، والجنس بالعمل السياسي، والتاريخ بالمعاصرة».

    وينظر الجيل الحالي إلى هذا القسم من الإنتاج الروائي بشيء من التقدير، ويرون في كُتّابه نماذج تستحق الاحترام، فيكتب أحدهم تقديمًا لرواية يُضمِّنه هذا النص: «إن هذا النوع من الكُتّاب يشبهنا نحن العامة، لكننا لا نشبههم، يشبهوننا لأنهم صعاليك مثلنا، ولا نشبههم لأننا لا نستطيع فلسفة الحياة عبر أعمال عظيمة كما يفعلون».

    والقسم الآخر يتمثل في: روايات أنتجها كُتّاب الداخل، وفي هذا النوع من الأعمال تصل العناية باللفظ والأسلوب حدًّا مرتفعًا، ليجد فيها القارئ تعويضًا ولو نسبيًّا عن انخفاض سقف الحرية المتاح لكتابها، فتجد الكاتب هنا يبني الرواية بدقة نسّاج، وبأصابع عازف، ويطارد التفاصيل ويلجأ إلى الاستعارات والكنايات مفتوحة التأويل، حتى يهرب عبر أحد هذه المخارج إذا ما اضطر إلى ذلك.

    وفي القِسمين يمكنك ملاحظة متلازمة (القص والقنص) التي تعدّ عبارة نقدية مستهلكة هنا، لكنها تلخِّص السرد القصصي اللذيذ حد شعورك بنشوة حبكاته ودقة تفاصيله، واقتناصه للحظة المناسبة تمامًا للتصريح أو التلميح أو الإسهاب أو الانعطاف.

    أساليب ثورية
    وكأحد أهم الأساليب الثورية، تعمل الرواية على كنس كثير من المفاهيم التي يثور عليها الكاتب، لنقرأ هذا المقطع الذي ضمنه يانغ رونغ ضمن رائعته «رمز الذئب» التي تعد عملًا ينتقد بحدة وذكاء ما أقدمت عليه السلطات الصينية منذ الثورة الثقافية حتى اللحظة، ففي هذا النص يمكننا ملاحظة عدد التساؤلات التي يطرحها يانغ على لسان الحكيم العجوز بلغي: «صمت بلغي لوهلة لكنه لم يعد قادرًا على أن يسيطر على غضبه، ينبغي لك ألا تفعل ذلك حتى إن صدر لك الأمر من الفيلق». يرتفع صوته أكثر ليتساءل: «ما الذي سيستخدمه الرعاة لصنع المواد الجلدية إذا قتلتم جميع حيوانات المرموط؟ من الذي سيكون مسؤولًا إذا انقطع سير عنان حصان شخص ما؛ مما يؤدي إلى فزع الحصان وجرح راكبه؟ أنتم تخربون عملية الإنتاج ولا تصلحونها كما تدّعون».

    هكذا يختبئ الكاتب خلف شخصياته، لينتقد وضعًا قائمًا، ويعلن عن رأي مخالف لما تراه السلطة.

    وهنا يمكننا قراءة مقطع من رواية «حب الجبل العاري» للكاتبة وانغ آن لي على لسان إحدى شخصيات الرواية (فتاة تبيع الفواكه المجففة): «ما بهم الأباطرة أيضًا؟ أليسوا بشرًا مثلنا؟ ما الفرق بيننا وبينهم؟ سيموتون كما نموت، الإمبراطور يمرض كما نمرض نحن أيضًا، الإمبراطور يضعف أمام المرأة كما يفعل الفقير وأكثر، ألم تتلاعب محظية بسيطة بإمبراطور أسرة تانغ حتى كاد يفقد دولته؟ جميعنا متشابهون، وأكثر من ذلك يمكنني أن أفشي لكم سرًّا: إنني أحتقر الأرستقراطيين بالوراثة؛ لأنني أشعر أنهم مجرد أشخاص عاديين عديمي المسؤولية، تمامًا مثل الديك الذي تعلّم الصياح للتوّ فيما ريش ذيله لم يكتمل بعد. أنظرُ باحترام وحب لأولئك الرجال الكبار الذين عاشوا عمرًا، وعلى وجوههم التجاعيد؛ لأنهم قد مروا بكثير من المتاعب، وتحملوا المعاناة، هذا هو الشيء الذي يشبه الرجال، إني أراهم في زيّ أنيقٍ جدًّا».

    في هذا المقطع من كلام فتاة الرواية، يمكننا ملاحظة عدد الرسائل التي أرادت الروائية أن توصلها للقارئ ومن ورائه المجتمع. وعلى ذكر الكاتبة وانغ آن فإن الرواية الصينية غنية بكثير من الحبر الوردي، أي أن هناك كثيرًا من الروائيات اللاتي أضاءت أسماؤهن فضاء السرد الصيني، على عكس الشعر الصيني الذي يتسم بالهيمنة الذكورية، وهذا يعود في الأساس إلى مبدأ أن الشعر الصيني قائم على الإيجاز فيما الرواية مغرمة بالتفاصيل، وهذا مجال يمكن للمرأة التفوق فيه.

    عزلة روائية
    حتى مع كونه من أكثر الآداب الإنسانية ثراءً وعمقًا إلا أن الأدب الروائي الصيني يعاني عزلة جعلت منه أدبًا محليًّا أكثر منه عالميًّا، وعلى الرغم من وصول عدد من الروايات إلى العالمية، فإن نسبة ما يُترجَم لا يتعدى 3% مما يستحق الترجمة، هكذا يقول البروفيسور دين تشغو لاو الأستاذ المساعد في معهد الدراسات الأجنبية في قويتشو، وبالنظر إلى الأسباب التي أدّت إلى هذا العقم في الترجمة فإننا نلحظ سببين:

    السبب الأول صعوبة اللغة الصينية، فاللغة الصينية بطبعها لغة رسومية في كتابتها وشاعرية جدًّا في معانيها، ويزداد الأمر تعقيدًا كلما اتجهنا نحو اللغة الأدبية التي عادة ما تكون مشحونة بالرموز ومسكونة بالإشارات والأمثال القادمة من الأساطير العتيقة؛ وهو ما يلزم المترجم أن يكون على قدر عالٍ من الإحاطة الثقافية لبلاد التنين، وعلى اطلاع جيد على التاريخ والجغرافيا الصينية، إضافة إلى ضرورة إتقانه لغة الماندرين العالية.

    أما السبب الثاني -وإن كان أقل تأثيرًا من السبب الأول– فيتمثل في اتساع الحيّز الثقافي الداخلي الناشئ من الكثافة السكانية والامتداد الجغرافي والتنوع الداخلي للرقعة الصينية؛ إذ يتشكل بناءً على كل هذه المعطيات مسرحٌ ثقافي واسع وكافٍ لأي كاتب ولأي عمل، وهو ما يجعل الكاتب أو الناشر في غنًى عن البحث عن مساحات أكثر اتساعًا.

    ومع كل هذه المعطيات فإنها تظل صحيحة في اتجاه واحد فقط، أي أنها صحيحة في اتجاه الترجمة من الصينية إلى اللغات الأخرى أما ما يتعلق بالترجمة الروائية من اللغات الأخرى إلى الصينية فلا يمكننا الحكم بندرة هذا الأمر؛ لأننا نلحظ نشاطًا ترجماتيًّا روائيًّا من مختلف اللغات إلى لغة الماندرين عبر التبني المؤسساتي لنقل الآداب العالمية إلى اللغة الصينية.

    هذا الترجيح الواضح في ميزان الترجمة الروائية لصالح النقل إلى الصينية يزيد من الثراء الفكري واللغوي -أيضًا- لروائيي الصين مما يمكنهم من إنتاج أعمال أكثر شمولية وأوسع تأثيرًا، ويعجّل في اطراد النمو الديناميكي والتفاعلي للرواية الصينية. وقد سرّني أن أرى كثيرًا من أدبنا الروائي العربي سواء القديم منه أو المعاصر مترجمًا إلى اللغة الصينية، ترجمات رائعة تجمع بين الحفاظ على أصالة العمل الأصلي مع تقديمه بلغة أدبية جزلة.

    هنا يمكننا أن نقرأ «ألف ليلة وليلة» باللغة الصينية، حيث ترجم هذا العمل أكثر من مرة، وفي الإنتاجات المعاصرة تحدثت مع البروفيسور شوي تشينغ قوه، وهو عميد كلية اللغة العربية في جامعة بكين، ورئيس مركز الشيخ زايد للترجمة في بكين أيضًا عن الترجمة للأدب الروائي المعاصر فأخبرني أن ثمة حركة نشطة جدًّا لترجمة الأدب العربي وبخاصة الروائي منه، وقد أذهلني بقدرته الفائقة على التقاط الصور الجمالية في أدبنا الجميل، وكان قد ترجم العديد من الأعمال إلى الصينية منها ثلاثية «بين القصرين» للأديب العربي المصري نجيب محفوظ.

    ثمة أمران يمكنهما أن يعبرا باللغة الصينية خندق الصعوبة اللغوية ليصل الأدب الصيني إلى الناطقين بغير الصينية وهما: تبسيط اللغة الصينية وأفلمة الروايات. تبسيط اللغة الصينية أمر لم يعد نظريًّا أو مجرد تكهن، بل أصبح واقعًا عشته وأنا أدرس هذه اللغة، ويعيشه كل من يدرس الصينية في المعاهد أو الجامعات إذ يتمثل الأمر في القراءة والكتابة بما يسمى (البينين) وهي أحرف لاتينية تعمل بدلًا من الخنزات الصينية، وقد ظهرت هذه الآلية وانتشرت مع بدء التقنية واستخدام الحواسيب والهواتف الخلوية؛ إذ لا يمكن لأي لوحة مفاتيح أن تحوي خمسة آلاف زر، وخمسة الآلاف هذه هي عدد الخنزات الصينية في حدها الأعلى؛ إذ لكل خنزة شكل مختلف، عملية التبسيط هذه ستقود إلى جعل اللغة الصينية أكثر قابلية للتعلم، وهذا أمر يخدم اللغة الصينية ولا يضرها كما يروج بعضٌ.

    أفلمة الرواية الصينية
    إذا كانت الترجمة قد خذلت الرواية الصينية كما أسلفنا فإن الأفلمة تعد أحد الحلول لتجاوز أزمة الترجمة هذه، فالإنتاج السينمائي في العقد الأخير قد وفّر كثيرًا من متطلبات إحياء الروايات عبر أفلمتها، وهنا تجدر الإشارة إلى قرية صغيرة تدعى هنغديان، التي يمكننا أن نعدّها (هوليود الشرق)؛ لغزارة إنتاجها فيما يتعلق بتحويل كثير من الروايات إلى أفلام.

    كنت في هنغديان وتوافر لي اللقاء بأكثر من منتج ومخرج وكل من سألته عن مصادر هذه الأفلام يحيلني إلى رواية؛ وبالإطلالة على مواقع الإنترنت المتخصصة في الحجز السينمائي في أوربا والولايات المتحدة يمكننا ملاحظة حضور واضح للأفلام الصينية على قائمة هذه المواقع، وهذا مؤشر يمكننا البناء عليه والحكم بأن الأفلمة قد أسهمت في تجسير الهوة بين الرواية الصينية والجمهور العالمي. حتى على المستوى العربي فإن إقامة أسابيع الأفلام الصينية قد طافت أغلبية الحواضر العربية.

    وفي نهاية عام 2019م، وقبيل جائحة كوفيد -19 كان هناك حدث مهم تمثل في إطلاق أول منصة صينية عربية للتوزيع السينمائي والتلفزيوني الذي تم خلال (أسبوع الأفلام الصينية في دبي في سبتمبر 2019م)، وعلى الرغم من أن الجائحة قد حدت من العروض السينمائية المعتمدة على الرواية، فإنها الآن عادت وبوهج واضح لاستكمال مهمتها في التعريف بالأدب الروائي الصيني ولو سينمائيًّا. وبالقليل من الجهد يمكننا ملاحظة كيف أن السينما الصينية إضافة إلى غزارة إنتاجها قد تحولت إلى صائدة جوائز على المستوى العالمي خلال العقد الأخير، وهذا يدل على أن ثمة احترافية مواكبة للغزارة الإنتاجية أيضًا.

    إطلالتنا هذه على الرواية الصينية كشفت لنا أيضًا كم أن أدبنا العربي في حاجة للاتجاه شرقًا، هذا الاحتياج المُلِحّ لا يمكن للجهود الفردية أن تقوم به، لكن يلزمه جهود مؤسسية تؤمن بأن الاقتراب أكثر من الأدب الصيني سيسهم في ثراء أدبنا العربي، ويوفر مساحة أكثر ثراءً للإنسان العربي عامة.

  3. #83
    راسم الابتسامة
    محمد القطيفي
    تاريخ التسجيل: August-2013
    الدولة: No where
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 15,450 المواضيع: 637
    صوتيات: 5 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 5157
    مزاجي: رادلي خلك
    المهنة: An English teacher
    أكلتي المفضلة: الدولمة
    موبايلي: مال طاگين
    آخر نشاط: 3/July/2024
    الاتصال:
    مقالات المدونة: 26
    معلومات قيمة واثراء للعقل

  4. #84
    صديق فعال

    نماذج من كتب صينية مترجمة إلى العربية

    4 روايات تكشف أسرار الأدب الصيني المعاصر.. بالعربية
    من الصعب تحديد أهم الأعمال الأدبية المعاصرة في الأدب الصيني بسبب غزارة الإنتاج التي تجعل من المستحيل اختصاره في أسماء معينة

    الأدب الصيني من أشهر وأعرق الآداب في العالم، فقد قدّم الكُتّاب الصينيون أعمالاً مهمة على مدى 3000 عام تقريبًا. وكان من حظ قراء العربية أن عددا من المترجمين العرب انتبهوا إلى أهمية هذه الساحة الثرية، فراحوا ينقلونها من اللغة الصينية إلى العربية، كي يكشفوا أسرار الأدب الصيني. وكان الدكتور أحمد ظريف القاضي، مدرس اللغة الصينية وآدابها بكلية الألسن جامعة المنيا في مصر، من بين هؤلاء المترجمين الذين عملوا على نقل أيقونات الأدب الصيني المعاصر إلى اللغة العربية، حتى أنه يرشح 4 أعمال ترجمها إلى العربية تساعد على فهم الصين وتاريخها. ومن الصعب تحديد أهم الأعمال الأدبية المعاصرة في الأدب الصيني بسبب غزارة الإنتاج التي تجعل من المستحيل اختصاره في أسماء معينة.وترجم ظريف من الصينية إلى العربية عدة أعمال منها رواية "الربع الأخير من القمر"، وهي للكاتبة تشيه تزيه جيان، الحاصلة على جائزة ماو دوين الأدبية، وهي أعلى جائزة أدبية في الصين.



    وحسب رأيه، فإن هذه الرواية توصف بكونها تعادل تأثير رواية جارسيا ماركيز الشهيرة "مائة عام من العزلة"، لأنها تنتمي للواقعية السحرية، إذ يختلط الواقع بالخيال في تسلسل زمني يمتد لعشرات السنين.
    وتحكي بسلاسة قصة إحدى القبائل المنعزلة داخل الغابات وما مر بها من أفراح ومصائب، وهذا كله بأسلوب ساحر يكاد يجعلك تشعر كأنك جالس على ظهر واحدة من الغزلان المدربة التي يتنقل بها أفراد القبيلة، لتشم رائحة الصنوبر وتسمع خرير الماء في نهر أرجون، الذي يعد في الرواية حدا فاصلا بين عالمين، حتى أن الاسم الأصلي للرواية في اللغة الصينية هو "الضفة اليمنى لنهر أرجون" ولكن ارتأينا تغيير الاسم في النسخة العربية ليكون أكثر وضوحا وجاذبية.

    أما الرواية الثانية فهي أيضا رواية طويلة تحمل اسما غريبا ألا وهو "إنجليش"، (إنجليزي)، وهي للكاتب وانغ جانغ، الذي تعمد أن يكتب كلمة English برموز صينية كترجمة صوتية، بالضبط كما نكتب نحن اللغة العربية بحروف إنجليزية فيما يعرف بـ"الفرانكو"، فاللغة الإنجليزية هي بطل الرواية الخفي، هي التي تتحكم في مصائر الأبطال الآخرين.

    وتدور أحداث الرواية في فترة زمنية مهمة بالتاريخ الصيني الحديث، فترة "الثورة الثقافية الكبرى"، وتحكي كيف تعلق بطل الرواية باللغة الإنجليزية وارتبط مصيره بها، لكنه في بداية تعرفه عليها كان يكتبها باستخدام الرموز الصينية، لتصير "إنجليش" رمزا لما هو غربي في فترة معاداة الغرب، ورمزا لمحاولة التعلم من الغرب على استحياء، ومحاولة أبطال الرواية الهروب من واقعهم إلى ما هو أفضل.
    وتكمن أهمية الرواية كما يقول مترجمها في أنها ترسل للقارئ إشارات غير مباشرة عن الوضع السياسي والاجتماعي والتعليمي في تلك الفترة من تاريخ الصين، وأعتقد أن معرفة فترة الثورة الثقافية الكبرى في الصين هي واحدة من المفاتيح التي تتيح لنا فهم حاضر الصين، فهي الفترة التي سبقت مرحلة الإصلاح والانفتاح، بل وربما تكون واحدة من أسبابه، ولا يخفى على أحد أن تلك السياسة هي سبب نهضة الصين ومعجزتها الاقتصادية الحالية.



    ويشير ظريف إلى أن هذه الرواية مفتاحية تنير للقارئ جزءا من تاريخ الصين الحديث، وهي ليست رواية تاريخية.

    أما العمل الثالث الذي يرشحه ظريف فهو "مشانق من فضة" وهو قصة متوسطة الحجم، ورغم حجمها المتوسط إلا أنها مفعمة بالمفاجآت، وهي من أعمال الكاتب تشو دا شينغ، وهذا الكاتب ترجم له إلى اللغة العربية عملين من قبل، الأول هو "ترانيم الموت"، والثاني هو "رحلة الانتقام"، وقصة "مشانق من فضة" رغم كونها من الأدب المعاصر إلا أن أحداثها تدور في عصر قديم لم يحدده الكاتب بدقة، وتروي لنا عن الحب الذي كان ابتلاء لأبطال العمل، حتى يترك القارئ في النهاية وفي عقله أسئلة كثيرة: من الجاني، ومن الضحية؟ وهل استحق أبطال العمل مصائرهم حقا؟ فالعمل يحكي لنا عن البطلة الجميلة بيلان زوجة ابن الحاكم التي تعاني من طبائع زوجها الغريبة، ويحكي لنا عن علاقتها بالصائغ الشاب صانع الفضة، الذي وقع في حبائل جمالها حتى أحبته هي أيضا في النهاية وصار الحب لعنة عليهما، ويحكي لنا كذلك عن ابن الحاكم ذي الطباع الغريبة الذي يتعذب كل يوم برغباته ورغبات زوجته الشابة الجميلة. وإجمالا هي من نوعية القصص التي ما أن تبدأها حتى تعجز عن التوقف عن القراءة دون أن تنهيها.



    وأخيرا يرشح المدرس بكلية الالسن جامعة المنيا متتالية قصصية للكاتبة الصينية المعاصرة تانغ يينغ. وهي متتالية قصصية مكونة من 18 فصل أحداثها متصلة ومنفصلة في نفس الوقت. تدور أحداثها حول يانغ يانغ التي تخرجت في جامعة المعلمين، وتخلت عن فرصة العمل في المدينة، واختارت العمل كمعلمة في قرية جبلية بعيدة نائية لم تتصل بالطرق السريعة حتى يومنا هذا تقع في الجنوب؛ وذلك من أجل البحث عن "بولوتو" تلك الشخصية الأسطورية التي أثرت فيها منذ أن كانت تلميذة في المرحلة الابتدائية. وفي طريقها إلى القرية الجبلية تعرفت على وي شيانغ، الذي اصطحبها كي تبقى في منزله مع عمته وابنتها، ونشأت فيما بعد قصة حب بينه وبين يانغ يانغ. ومن خلال المتتالية تسرد الكاتبة عادات وتقاليد القرى الجنوبية، وتعكس صورة كاملة عن الحياة في الجنوب. ولقد ترجمت هذه المتتالية إلى اللغة العربية تحت اسم " أساطير شرقية".

  5. #85
    صديق فعال

    حينما تبدع حضارة المليار مواطن: لمحة عن الأدب الصيني

    بدأت الأزمة الأمنية نهاية سنة 2012على مر الزمان، كان الخيال أساس التشكيل الفني الجمالي في رؤى الإبداع الصيني، وكان كُتاب الرواية الصينية القديمة يبدعون أعمالهم بذائقة جمالية تتجه صوب إبراز الانسجام بين الإنساني والسماوي، فعلى عكس الثقافة الغربية التي تضع قابيلة بين الإنسان والطبيعة فإن الثقافة والفلسفة الصينية القديمة اهتمت بالدمج بين الإنسان والطبيعة. وخلال عام 1985 ظهر تيارأدبي جديد في الصين عُرف آنذاك باسم "الفترة الجديدة" وقد حلق هذا التيار بعيدًا عن سرب الالتزام بالوعي الجمالي في الإبداع الروائي وركز على الرؤى الفلسفية الحديثة والتلون الأسطوري مبتعدًا عن القالب الوعظي إلى الخلق الإبداعي المستقل، وكان أشهر رواد هذا التيار هم: ليو سولا وشيو شينغ ومايوان ومو يان، إذ تأثر هؤلاء بالثقافة الغربية وكان ينهلون من معين الدمج بين الوعي الحداثي واستدعاءات الموروث الثقافي القومي.

    مراحل تطور الأدب الصيني من كونفوشيوس إلى جائزة نوبل
    بدأت بواكير الأدب الصيني منذ أكثر من 3000 عام حيث تجلت حينها في كتابات كونفوشيوس الذي عاش في الفترة الزمنية ما بين عامي 551 و479 قبل الميلاد وأسس الفلسفة الكونفوشية، أما نشأة الرواية الصينية فترجع إلى كتاب مجهولين سطروا الحكايات التاريخية التقليدية وصاغوها في قالب قصصي.
    حينما سيطر الحزب الشيوعي الصيني على مقاليد الأمور بقيادة ماوتسي تونج عام 1949م طالب الشيوعيون كتاب الرواية الصينيين بالتركيز على المثل الشيوعية بحيث تكون جميع الآداب في خدمة الدولة الجديدة
    بدأت فيما بعد تتضح عوالم الكتابة القصصية في الأدب الصيني وارتكزت على التصورات الخيالية والتيمات الشعبية التقليدية ودمج العيني بالباطني والمادي بالروحي، إذ انتشرت قصص الخوارق والمعجزات في زمن الدويلات الستة (220-589) وروايات العجائبيات في عصر تانغ (618-907) وروايات الوعي الجمالي في عصر تشينغ (1644-1911).
    وحينما سيطر الحزب الشيوعي الصيني على مقاليد الأمور بقيادة ماوتسي تونج عام 1949 طالب الشيوعيون كتاب الرواية الصينيين بالتركيز على المثل الشيوعية بحيث تكون جميع الآداب في خدمة الدولة الجديدة، إذ ألزمت السلطة السياسية جميع الأدباء بكتابة أعمال روائية يسهل على الفلاحين والعمال فهمها، كما كان لزامًا أن تجسد هذه الطبقة من العمال والفلاحين بطولة كل الأعمال الروائية، وظل الأدب الصيني يعيش حالة من الانفصال عن العالم وذلك حتى فاز الكاتب الصيني جاو كسينيانج بجائزة نوبل للآداب عام 2000 ثم حصدها الأدب الصيني مرة أخرى عام 2012 وذلك على يد الكاتب مو يان.

    أشهر روايات الأدب الصيني
    إذا كان هناك ثمة رابط يضم روايات الأدب الصيني فهو البحث عن الجذور متجليًا في ألوان واتجاهات شتى وهو ما حدا بالروائيين في أثناء بحثهم عن قيمة أدبية في أعمالهم أن يصبوا جل اهتمامهم على ما لم تطمسه الأيدولوجيا من الثقافة التقليدية، وهكذا تفتحت آفاق المبدعين على حدود عوالم خيالية أتاحت لهم البحث في جذورهم الموروثة ومع تنامي البحث في أعماق الثقافة التقليدية انفتحت آفاق تأمل الموروثات الثقافية أمام عوالم الكتابة الروائية في الأدب الصيني، وفيما يلي أشهر روايات الأدب الصيني:

    روايات بجعات برية: الصين في حكايات نسائه
    في أكثر من ستمئة صفحة تحكي لنا الكاتبة الصينية يونغ تشانغ في روايتها الأقرب للسيرة الذاتية قصة حياة ثلاث نساء: يونغ تشانغ جدة الكاتبة التي بيعت لجنرال عسكري لتكون خليلته، حيث مكثت معه أيامًا قليلة قبل أن يذهب ليتابع معاركه العسكري فيما بقيت هي طوال ست سنوات ممنوع عليها الخروج من الشارع وذلك تحت رقابة صارمة من حراس زوجها.
    في مقطع من الرواية تقول الكاتبة عن شكل المجتمع تحت الحكم الشيوعي: "أصبح الناس يقومون بتمثيلية يتشابه جميع أفرادها في السلوك والتفكير وكل من يخرج عن هذا التفكير يُعد خائنًا ويستحق التعذيب"
    تنتقل الكاتبة بعد ذلك إلى قصة والدتها التي ترعرعت في منشوريا وحين اندلعت الحرب الأهلية بين الكومنتانغ والشيوعيين انضمت للمقاومة السرية وشاركت في حرب الاستقلال إلى جوار مساعدة الذين جاءوا ليقضوا على الظلم والمجاعات التي تسبب بها الرأسماليين الكومنتانغ، ولينشروا قيم العدالة والمساواة، وبعد ذلك تزوجت والدة الكاتبة بشيوعي مثلها وصار الاثنان من علية موظفي النظام الكبار وأنجبوا ابنتهم - كاتبة الرواية - التي أطلقوا عليها اسم يونغ تشانغ تيمنًا باسم جدتها وربوها على تعاليم الثورة الثقافية للقائد الشيوعي ماوتسي تونغ.
    ولكن بعد أن وصلت الكاتبة إلى سن المدرسة المتوسطة أدركت أن هناك خطأ ما، ففي الوقت الذي كان فيه أترابها ينضمون للحرس الأحمر ويطبقون تعليمات ماو كانت هي تتساءل لماذا يحرق النظام كتب الأدب الكلاسيكي الصيني ولماذا يحرمون الدراما والمسرح ولماذا ينظرون إلى المقهى على أنه نمط من الحياة البرجوازية السابقة ويجب أن يُمحى.
    وفي مقطع من الرواية تقول الكاتبة عن شكل المجتمع تحت الحكم الشيوعي: "أصبح الناس يقومون بتمثيلية يتشابه جميع أفرادها في السلوك والتفكير وكل من يخرج عن هذا التفكير يُعد خائنًا ويستحق التعذيب، أصبح الناس يتجاهلون العقل ويعيشون مع التمثيل".

    رواية حلم الغرفة الحمراء: أفضل الروايات الكلاسيكية الصينية بلا منازع

    تعد رواية حلم الغرفة الحمراء للكاتب الصيني تساو شيويه تشين واحدة من الأعمال التي حققت أعلى نسبة مبيعات في تاريخ البشرية، كما أنها تؤرخ وتوثق حياة الصينين خلال فترة أواخر القرن الثامن عشر، وقد نُشرت الرواية عدة مرات ما بين العامين 1754-1791 وباعت أكثر من 100 مليون نسخة حول العالم.
    على مدار أكثر من ألف صفحة يغوص القارئ في قصة حب بين البطل باو يو المقبل على الحياة والمحب للهو والصخب وابنة خاله تاي يو التي تعيش معه في نفس الدار وتكبره بعام واحد
    وتدور أحداث الرواية بمدينة بكين خلال الفترة الزمنية بين 1729 و1737 في أثناء عهد الأسرة المالكة شينغ وترتكز الرواية على رصد تفاصيل الحياة اليومية لجميع طوائف المجتمع الصيني بداية من الإمبراطور وعائلته والمسؤولين ومرورًا بالأمراء والتجار ورجال الدين وانتهاءً بالفلاحين والخدم، وتستعرض الرواية جميع مراسم الاحتفالات وطقوس الزواج وممارسات العمل وغرس الأزهار وفنون الرقص والغناء.
    وعلى مدار أكثر من ألف صفحة يغوص القارئ في قصة حب بين البطل باو يو المقبل على الحياة والمحب للهو والصخب وابنة خاله تاي يو التي تعيش معه في نفس الدار وتكبره بعام واحد، ولكن مثل كل قصص الحب الملحمية تظهر معوقات عدة لقصة الحب وهو ما تجلى في ظهور الفتاة الجميلة باو تشاي الثرية القادمة من بكين مع أقربائها الأثرياء، وفي هذا الوقت تواجه عائلة باو يو عدة كوارث متتالية تقلص من ثروتها المادية وقربها من الإمبراطور ولذلك يجب على باو يو الزواج من الفتاة الثرية لإنقاذ عائلته ولكنه يرفض بشدة ويصمم على الزواج من حبيبته.
    وفي يوم الزفاف يكتشف باو يو أن عائلته خدعته، فبعد إتمام إجراءات الزفاف وحينما رفع باو يو الغلالة عن وجه العروس تبين له أنها باو تشاي وعليه فقد حزن حزنًا شديد وسقط مغشيًا عليه وذلك في نفس الوقت الذي ماتت فيه حبيبته تاي يو حزنًا على زواجه من أخرى، وقد كان لمثل تلك الرواية الرائعة أن تنتشر على غرار جميع كلاسيكيات قصص الحب العالمية لولا أنها مغرقة في صينيتها وخاصة فيما يخص علاقات الأسياد بالخدم.

    رواية الذرة الرفيعة الحمراء: رائعة نوبل الموغلة في تفاصيل المهمشين
    قبل الحديث عن رواية الذرة الرفيعة الحمراء يجب أن نعرج قليلًا على كاتبها العبقري مو يان الذي فاز بجائزة نوبل، كما يجب أن نذكر أن ميراث مو يان من العبقرية يعود إلى طبيعة زمنه وخصوصية مجتمعه حيث كان زمانه يشهد تغييرات عميقة طالت كل شيء في الصين: المجتمع والناس والموروثات الثقافية التي ظلت تتشبث ببقائها وتنبت من جديد في كل يوم، وعلى صفحات روايته الذرة الرفيعة الحمراء ينثر لنا مو يان عوالم الصين على لسان مهمشيها وبسطائها الذين خرجوا من عبودية الإقطاع الفردي إلى عبودية الشيوعية الجماعية وعاشوا حياة بائسة كلما نجوا من مطب وجدوا أنفسهم في منزلق.
    يمسك الأب بتلابيب الذاكرة ويحكي عن محاصرة القوات اليابانية لقريتهم وهو بعد طفل في الخامسة من عمره
    وتحكي رواية الذرة الرفيعة الحمراء عن عائلة صينية ريفية تملك فرنًا لصناعة النبيذ في قرية دونغ بيي الواقعة في مقاطعة شان دونغ شمال شرق الصين، ومن خلال هذه العائلة نتمكن من التعرف على حكايات وقصص من التاريخ الصيني تمتد عبر ثلاثة أجيال: الجد والأب والطفل، من خلال سرد الجد نطوف عن تاريخ الصين منذ منتصف الثلاثينيات وحتى عام 1945 إذ ترصد صفحات الرواية الغزو الياباني للصين ويحكي لنا الجد عن تاريخ المقاومة والنضال ومشاعر الشعب الصيني التي انتابته وهو يواجه الغزاة اليابانيين.
    ثم يمسك الأب بتلابيب الذاكرة ويحكي عن محاصرة القوات اليابانية لقريتهم وهو بعد طفل في الخامسة من عمره ثم يرسم لنا صورة مقربة لعادات وتقاليد القرية وممارساتهم الغرائبية ومن خلال تناول السرد ينتقل الحكي إلى الابن الذي يرى أن مجتمعه لم يتقدم خطوة واحدة إذا ما زال هناك الكثيرون من بني وطنه الذين يعيشون معاناة الجوع والفقر والظلم.

  6. #86
    صديق فعال

    الأدب الياباني... المفهوم والتاريخ والخصائص وأشهر الأدباء

    عُرف الأدب الياباني بتاريخه الطويل والغني المشتمل على النثر والشعر والمسرح والمتميز باتساع نطاقه وموضوعاته وأسلوبه والذي أنتج أول رواية عالمية قبل ألف عام بعنوان حكاية جينجي للكاتبة والروائية موراساكي شيكيبو، ويشار إلى أن اليابان من الدول العالمية التي تتميز بثقافة أدبية خاصة نابضة بالحياة والحاصلة على العديد من جوائز نوبل في الآداب من خلال كتابها المعاصرين. ومن الجدير ذكره أن الأدب الياباني تأثر بالأدب الصيني بدرجة كبيرة إذ اعتمد على نظام الكتابة الصيني (الأحرف الصينية) وظهرت الأعمال المبكرة في الأدب الياباني متأثرة بالأدب والثقافة الصينية، وعلى الرغم من استيراد اللغة اليابانية من الصينية، لا ترتبط اللغتان ببعضهما.

    مفهوم الأدب الياباني
    الأدب الياباني هو مجموع الأعمال الأدبية المنتجة من قبل الأدباء اليابانيين باللغة اليابانية في الوقت الحالي، وهو الأدب الذي أنتج من قبل المؤلفين اليابانيين باللغة الصينية الكلاسكية قبل تطور اللغة اليابانية بصورة مكتوبة، إذ استخدمت الأحرف الصينية لتمثيل الأصوات اليابانية في الأدب الياباني القديم. ويمكن تعريف الأدب الياباني على أنه أحد أنواع الأدب الرئيسية في العالم والذي يمكن مقارنته من حيث العمر والثراء والحجم بالأدب الإنجليزي، وهو الإرث الأدبي الممتد من القرن السابع ميلادي حتى يومنا الحالي دون انقطاع.

    تاريخ الأدب الياباني
    طور الأدب الياباني وخلال 2000 عام أسلوبه الخاص وتميز عن غيره من الآداب وفيما يأتي أهم المراحل التاريخية التي مر بها الأدب الياباني وساعدت على تشكيله وبروزه كأحد أهم الآداب الرئيسية العالمية:

    الأدب الياباني القديم (ما قبل القرن الثامن ميلادي): تُعدّ فترة ما قبل القرن الثامن ميلادي مرحلة نشوء الأدب الياباني وغالبا ما يشار إلى أن كوجيكي (Kojiki) ونيهونجي (Nihongi) من أقدم السجلات الأدبية في التاريخ الأسطوري الياباني، وأهم ما يميز هذه الفترة افتقارها للنظام الكتابي إذ استُخدمت الأحرف الصينية ضمن قواعد نحوية يابانية بحيث كُتب الأدب الياباني بلغة صينية كلاسيكية إلا أنه قُرأ كلغة يابانية حيث تشابهت أصوات الحروف اليابانية مع الأحرف الصينية، ويشار إلى أن هذه الفترة الأدبية ضمت الأساطير اليابانية والتاريخ الأسطوري والشعر والأغاني.
    الأدب الكلاسيكي الياباني (القرن 12-8 ميلادي): غالبًا ما يُعرف أدب الفترة الكلاسيكية في الأدب الياباني بأدب هييان أو أدب الفترة الذهبية التي ازدهر خلالها الإنتاج الأدبي والفني على حد سواء، ومن أشهر ما كُتب في هذه الفترة جينجي (Genji) وكوكين واكاشو(Kokin Wakashu) وكتاب الوسادة (The Pillow Book). وتجدر الإشارة إلى أن البلاط الإمبراطوري رعى الشعراء آنذاك إذ كان تحرير الشعر إحدى الهوايات الوطنية، إضافة إلى اتخاذه وسيلة تعكس الجو الأرستقراطي الأنيق والمتطور.
    الأدب الياباني في القرون الوسطى (القرن 16-13 ميلادي): تميز الأدب الياباني في هذه الفترة بالتأثر الكبير بالفلسفة البوذية وبالحروب الأهلية إذ ظهرت الروايات التي تتناول موضوع الحروب وتاريخها والموت والحياة والفداء، وبرز الشعر والمسرح في منتصف القرن 14 عشر خلال فترة موروماتشي.
    الأدب الياباني الحديث المبكر (القرن 17 وحتى منتصف القرن 19): أنتجت العديد من الأشكال الأدبية خلال هذه الفترة وساعد على ذلك ارتفاع نسبة القراءة والكتابة والتي بلغ نسبتها 90% في اليابان، إضافة إلى تطور المكتبات التي تتيح الكتب المُعارة للعامة، ويشار إلى أن أشكال الدراما الشعبية تطورت ولا سيما خلال نهاية القرن السابع عشر ميلادي، وأهم ما يميز الأدب الياباني الحديث المبكر التأثر بالثقافة الصينية وخاصة الروايات وتناول موضوعات الرومانسية والجريمة والأخلاق والكوميديا.
    الأدب الياباني الحديث (1945-1868م): تأثر الأدب الياباني الحديث بالمفاهيم الغربية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ميلادي، إذ نشأ أدب التنوير وظهرت المدرسة الواقعية والرومانسية والطبيعية في الأدب، وظهر أيضًا الأدب الراديكالي السياسي آنذاك، ومن أبرز الأدباء خلال هذه الفترة فوكوزاوا يوكيتشي وناكاي تشومين وموري أوجاي وشيمازاكي.
    الأدب الياباني ما بعد الحرب العالمية الثانية: كان لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية أثر كبير في الأدب إذ برزت موضوعات الهزيمة والسخط والفقدان بشكل أساسي في أدب هذه الفترة، إضافة إلى العديد من القضايا الفكرية والأخلاقية بهدف رفع المستوى السياسي والاجتماعي العام لدى العامة، ومن الجدير ذكره أن أدب الأطفال الخيالي والواقعي ازدهر في الثمانينيات من القرن العشرين، وأُدخل فن المانجا (الكتب المصورة) على الأدب الحديث مما أكسبه طابعًا معاصرًا بدرجة كبيرة.

    خصائص الأدب الياباني
    تميز الأدب الياباني بالعديد من الخصائص التي ميزته عن غيره من الآداب وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

    نظام الكتابة: أهم ما يميز نظام الكتابة الأدبية في اليابان استخدام الكانجي وهو نظام أجنبي يعتمد على الأحرف الصينية والذي تطورت عنه اللغة اليابانية الخاصة، والجدير ذكره أن الكانجي استُخدم في أول الأمر لكتابة الأسماء والجذور والصفات والكلمات الأخرى، والتي تطورت فيما بعد إلى خط الهيراغانا.
    التقاليد الشفوية: انتشر الأدب الشفوي في اليابان لما له من أهمية ووزن في ثقافتهم الخاصة والذي عكس العديد من الممارسات الثقافية والفلكلورية والدينية بصورة عامة.
    التنوع الفني: نتج عن الأدب الياباني العديد من التعبيرات الفنية الأدبية إذ ضم الأدب الياباني المسرح والروايات والشعر والمقالات والرقصات الشعبية والعادات اليومة والتقاليد.
    الكتاريب: يطلق مصطلح كتاريب على الشخص المسؤول عن السرد القصصي للروايات الأدبية الشفوية في اليابان، إذ ارتبط الأدب الشفوي الياباني بشكل وثيق بالكتاريب إشارة لأهميته في الحفاظ على الرواية الشفوية والهوية الثقافية اليابانية.
    الحفاظ على الهوية: على الرغم من أن الأدب الياباني تأثر بالعديد من الثقافات الأجنبية، حافظ على هويته الشخصية إذ برزت العديد من الإنتاجات الأدبية التي تُعد أهم المرجعيات الأدبية على المستوى العالمي والتي عكست عادات السكان والسلوكيات والتقاليد.
    الجانب العاطفي: ارتبط الأدب الياباني بالجانب العاطفي بصورة كبيرة إذ عبر عن المحتوى الأدبي بمختلف أشكاله بصورة عاطفية تظهر الحنين إلى الماضي والكآبة والحزن.
    مشاركة المرأة: كان للمرأة اليابانية دورًا بارزًا في تطوير الإنتاجات الأدبية في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات، إذ اعتُرف بالعديد من الأعمال الأدبية للأديبات والكاتبات بما حقق لهن التقدير باعتبارهن جزء لا يتجزأ من المحافظين والمروجين لثقافة الشعب الياباني وتقاليده.

    أشهر أدباء الأدب الياباني
    ضم الأدب الياباني العديد من الأدباء العالميين وفيما يأتي أبرز الأسماء والتعريف بها:

    موراساكي شيكيبو ( Murasaki Shikibu ): تُعد موراسكي شيكيبو من الأدباء الأشهر في اليابان وصاحبة أعظم عمل على المستوى المحلي في اليابان وأقدم عمل أدبي كامل في العالم، وتجدر الإشارة إلى أن المعلومات حول الحياة الشخصية لهذه الأديبة قليلة جدًا، بجانب أن اسمها الحقيقي غير معلوم وأطلق عليها اسم موراساكي نسبة لاسم بطلة الرواية.
    هاروكي موراكامي (Haruki Murakami): يُعدّ هاروكي مواركامي من أشهر الأدباء اليابانيين المعاصرين الذي تُرجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم الرئيسة، ومن أهم أعماله الأدبية الخراف الجامحة ورواية رقص رقص رقص.
    كينجي ميازاوا (Kenji Miyazawa): عرف ميازاوا روائي وشاعر وكاتب للقصة القصيرة التي تستهدف الأطفال بصورة خاصة، وتميز بأسلوبه الساحر وعاطفته الفياضة التي يمكن الاستشعار بها في أثناء قراءة العمل الأدبي، واستخدم ميازاوا الأسلوب الخيالي والحركي الذي يجعل القارئ قادر على عيش التفاصيل وتجربتها ذهنيًا، ومن أشهر أعماله الأدبية (طريق درب التبانة).
    ياسوناري كواباتا (Yasunari Kawabata): عُرف ياسوناري كواباتا أول روائي ياباني يحصل على جائزة نوبل في الآداب إذ تميزت كتاباته الأدبية بالجمال ووصفت العديد من المواضيع مثل الموت والحياة والصمت، ومن أهم أعماله الأدبية صوت الجبل.
    كنزابورو أوي (Kenzaburo Oe): تميز كنزابورو أوي بأسلوبه الكتابي إذ تطرق إلى العديد من الموضوعات الاجتماعية والسياسية والفلسفية، وهو أحد الأدباء الذين حصلوا على جائزة نوبل لمساهمته في الأدب، ومن أهم أعماله الأدبية الجنس البشري ومسألة شخصية واللافيش هم الأموات.

  7. #87
    صديق فعال
    افضل روايات الادب الياباني

    قد تكون اللغة اليابانية لها اثر كبير في ابتعاد الكثيرون عن الثقافة اليابانية ومعرفة ما بها من علوم وثقافة لها مميزات كثيرة لتأهيل الإنسان بشكل عام ، ومع ظهور الكتب المترجمة في الآونة الأخيرة بدأ الكثيرون يعرفون ما تنتجه اليابان من ثقافات أدبية وفكرية وعلمية في غاية الأهمية ، ولهذا فقد اختارنا لحضراتكم أفضل الكتب اليابانية من أجل التعرف عليها وهذا من خلال عرضها في السطور القادمة

    ضجيج الجبل : رواية يابانية رائعة تعني صوت الجبل وكتبها الكاتب الياباني باسناري كواباتا وتم ترجمتها للغة العربية من خلال الأستاذ صبحي الحديدي ، المميز في هذه الرواية أنها تميزت بالنص الأدبي الرائع فإنها عرضت قصيدة مديح لكل من هوا إنساني في هذا الكون واهتمت بالإنسانية في المشاعر والتعاملات ، حقا رواية رائعة تستحق أن تكون ضمن أفضل الكتب اليابانية.



    كافكا على الشاطئ : رواية يابانية تم إصداراها عام 2002 من تأليف الكاتب الياباني هاروكي موراكامي ، الرواية تتحدث عن صبي في الخامسة عشر من عمره يعيش حياته في عالمه الخاص مع العجوز ناكاتا ، بعد أن ترك بيته ووالديه واختار أن يعيش كما يريد هو بنفسه ، القصة ممتعه للغاية وقد تم ترجمتها على يد الاستاذه إيمان زرق الله وروجعت من قبل سامر أبو هواش وهذا من خلال هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث.


    إيتشي كيو هاتشي يون : رواية رائعة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي وهذه الرواية حققت أعلى معدل مبيعات للروايات والكتب في اليابان في الآونة الأخيرة وتحديدا في عام 2009 وقد تم ترجمتها الى اللغة الانجليزية في عام 2011 ثم بعد ذلك تم ترجمتها إلى العربية ، تحدثت الرواية عن عام 1984 والتي تناولت عدة تساؤلات كبيرة فالمعنى العام للقصة هو عبارة عن تساؤلات طرحت بطريقة رائعة وبسرد قصصي رائع من قبل الكاتب ، الراوية تجذب القارئ للغاية وهذا ما أكده من قرأها ضع لنفسك الوقت لقراءة هذه الرواية فهي بالفعل رائعة.



    سرب طيور بيضاء : رواية يابانية للكاتب باسناري كواباتا وتم ترجمتها على يد الأستاذ بسام حجار وقد أكد العديد من النقاد أن هذه الرواية قد تعد من أفضل الروايات العلمية لما بها من أساليب أدبية رائعة وتجذب القارئ بشكل فريد ، تم إصدار هذه الرواية عام 1952 وتم ترجمتها عام 1991 م اعتمد الكاتب على سرد القصة بحوارات إنسانية اعتاد عليها ونسج نسيجا ما بين الشخصية الطيبة وطيور الكركي الألف.



    بوتشان : رواية يابانية كتبتها المبدعة ناتسومة سوسيكي في عام 1906 ولو ذهبت إلى اليابان وتحدثت انك قد قرأت هذه الرواية سوف تجد ا الكثير هناك يعرفها عن ظهر قلب فهي رواية لها شعبية جارفة في اليابان بالرغم من قدم كتابتها فهي محببة لدى كثير من الشباب على مر الأجيال السابقة إذ تتحدث عن الأخلاق وما هو الدور الايجابي الذي تصنعه الأخلاق في بناء الشعوب والأوطان ، الترجمة من قبل دانيال صالح.



    الغابة النروجية : وهي رواية يابانية مشهورة للغاية في اليابان وصدرت عام 1987 وهي للكاتب هاروكي موراكامي وتدور هذه الرواية حول الرومانسية الرائعة وهي حقا نقلت لنا بشكل كبير عن الرومانسية اليابانية مدى روعتها وجمالها ، بفضل لمحبي الرومانسية أن يقرؤوا هذه الرواية فسوف يتمتعوا منها جيدا ، قام بترجمة الرواية الأستاذ سعيد الغانمي.



    هذا كل ما تستحقه : هي رواية بوليسية رائعة للكاتب الياباني ميوكي ميابي وقد تم إصدارها في عام 1992 ، وقد أبدع الكاتب بشكل كبير في نقل الفكرة بشكل يتمتع بأدب الجريمة ونقلها بشكل حيوي وهذا ما أبدع فيه المترجم في نقل الصورة كما لو أنها حقيقية وقد تم ترجمتها إلى العربية في عام 2011 علي يد الاستاذه كنانة خليل الخطيب.



    سيد الغو : رواية يابانية رائعة تم إصدارها في حقبة الخمسينات من القرن الماضي وقام بترجمتها الأستاذ صبحي حديدي وهي للكاتب المميز باسناري كواباتا وهي رواية شبه خيالية فهي تميل إلى الخيال أكثر منها للواقعية ولكنها حققت شعبية جارفة في اليابان ومن بعد ذلك في العالم بشكل عام بعد ترجمتها لأكثر من لغة وتم ترجمتها للعربية في عام 1984 م.



    المكتبة الغريبة : وهي أحد أعمال الكاتب الياباني هاروكي موراكامي والتي تم ترجمتها على الكاتب والمترجم الجزائري يونس بن عمارة في عام 2014 تحدث فيها الكاتب عن مكتبة غريبة تمتلئ بالغرائبية ولاذعة السخرية وبها شيء من روح شريرة شدت القارئ طوال الرواية لدرجة أن هناك من شعر بالخوف من قراءتها ولم يتمكن من تكملتها.



    ذراع واحدة : رواية تم كتابتها عام 1964 على يد الكاتب الياباني باسناري كواباتا وترجمها للعربية يوسف كامل حسين وهذه الرواية مثلت مثال رئيسي لتيار الواقعية السحرية بالأدب الياباني.

  8. #88
    صديق فعال
    الأدب الياباني وتاريخ تطوره مع بعض أشهر الأعمال الأدبية!

    هل لديكم اهتمام بالأدب الياباني وتاريخ تطوره؟ هل لديكم اهتمام بأحد مجالات الأدب الياباني من أعمال أدبية مثيرة وعميقة كالروايات والشعر؟ لكل دولة أعمال أدبية مشهورة ومميزة من خلالها نتعلم تاريخ البلد وحضارته وقصصه المثيرة للاهتمام والمؤثرة، يمكن أن نقول أن الأدب هو جزء من هوية البلاد، بتعلمه والتعمق به يفتح أمامنا أبواب عديدة من خلالها نتعلم الكثير من الأشياء المفيدة.

    وفي هذه المقالة، سأقدم لكم نبذة عن الأدب الياباني وسنتتبع تاريخ تطوره تدريجياً حتى عصرنا الحالي، لنبدأ جولتنا في الأدب الياباني!

    الأدب الياباني
    يمكن التعرف على دولة اليابان من خلال تتبع أنواع مختلفة من أعمال الأدب الذي نشأ في اليابان. حيث يوجد في اليابان العديد من أعمال الأدب المميزة مثل، القصص وشعر “التانكا” وشعر “الواكا” والروايات والمسرحيات. وتُعتبر هذه الأعمال الأدبية المتعددة هي بمثابة تراث ثقافي قيم، وقد يتطلب فهمها وفك تشفير معانيها قدر من المعرفة والعمق. وهذه المعرفة قد تحتاج إلى دراسة بعض الفلسفة وتاريخ الأدب، واللغة اليابانية والتعمق في بعض مجالاتها مثل علم الأصوات والقواعد والمفردات. بدراسة وفهم الأعمال الأدبية يمكننا فهم العقل الياباني وطرق تكفيرهم، والشخصية الوطنية وأحداث ومشاعر عميقة.

    تاريخ الأدب الياباني
    للأدب الياباني تاريخ طويل جداً ترجع بدايته إلى التقاليد الشفوية التي تم تسجيلها لأول مرة في شكل مجلدات مكتوبة في أوائل القرن السابع بعد إدخال نظام الكتابة “رموز الكانجي” من الصين. حيث تم كتابة مجلدين مهمان في التاريخ وهما “كوجيكي” و “نيهون شوكي” في عامي 712 و720 على التوالي. المجلد الأول عبارة عن أساطير وأمور عريقة تم تجميعها فيه، بينما المجلد الثاني يحتوي على سجل زمني للتاريخ الياباني.
    كما يوجد مجلد أثري يُدعى “فودوكي” (سجل الرياح والأرض) صُدر أمر بتجميعه بداية في عام 713 تم توضيح فيه التاريخ والجغرافيا والمنتجات والفولكلور للمقاطعات المختلفة. ومن أكثر الأعمال الأدبية تألقاً في تلك الفترة هي مانيوشو “مجموعة من عشرة آلاف ورقة” وهي عبارة عن مختارات أكثر من 4500 قصيدة ألفها أشخاص من العامة غير معروفين وأشخاص من مكانة مرتفعة كالأباطرة، كانت تحتوي بشكل أساسي على شعر يُدعى تانكا وهو يتألف من 31 مقطع لفظي (5-7-5-7-7). وفي عام 905 تم نشر “كوكين واكاشو” وهي “مجموعة من الأشعار القديمة والجديدة” كأول مختارات شعرية بتكليف من الإمبراطور وقد أشادت مقدمتها بالإمكانيات الهائلة للأدب.

    فترة هييان (794-1185 م)
    خلال فترة هييان أثرت الثقافة الصينية باليابانية في عدة مجالات مثل تقليد بعض أنواع الملابس وتصاميمها، وتعلم بعض العادات الصينية في الفنون والطعام والخ. وقد كان من المتوقع أن يكون النبلاء وأصحاب المكانة العالية على دراية جيدة بالأدب والشعر والرسم والرقص والخط وغير ذلك.

    وفي نفس الفترة لم يُسمح للمرأة باستخدام الكانجي، وكانت عادةً في طبقة الأرستقراطيين تجلس وراء ستائر من قماش تفصل بين الغرف عند التحدث مع رجل. وهذا يمكن ملاحظته من خلال “قصة غينجي” المشهورة التي تظهر مدى الاختلاف بين الجنسين من خلال جعل الشخصيات في القصة تقع في حب بعضهما البعض بناءً على خط يدهم. ويعتبر البعض أن فترة هييان هي فترة ذهبية للفن والأدب. إذ تُعتبر قصة غينجي “أوائل القرن الحادي عشر” للمؤلفة “موراساكي شيكيبو”، التحفة البارزة في روايات فترة هييان ومثال مبكر لعمل روائي في شكل رواية نموذجية. ومن الأعمال الأخرى والمهمة لهذه الفترة هي “كوكين واكشو” وهي عبارة عن مجموعة من الأشعار اليابانية الإمبراطورية “واكا” تم تجميعها في فترة هييان،أمر بتجميعها الإمبراطور “دايغو” حوالي عام 905. أما “كتاب الوسادة” الذي كتبته الكاتبة والشاعرة “سي شوناجون” وانتهت منه عام 1001، هو عبارة عن مجموعة من المقالات والحكايات والأشعار والمقاطع الوصفية الغير متصلة ببعضها البعض باستثناء أنها تعبر عن أفكار ورغبات سي شوناجون مدفوعة بلحظات من حياتها اليومية. فيضم الكتاب أفكاراً شخصية وأحداثاً شيقة في المحكمة وأشعار وبعض الآراء حول معاصريها. وعلى الرغم من أنه عمل يغلب عليه الطابع الشخصي إلا أن مهارة سي شوناجون في الكتابة والشعر تجعله مثيراً للاهتمام كعمل أدبي وهو ذو قيمة كبيرة كوثيقة تاريخية.

    ولا ننسى أيضاً الرواية اليابانية المشهورة “حكاية الأميرة كاغويا” التي تُعد مثال نموذجي مبكر للخيال العلمي الأولي، والتي ظهرت في القرن التاسع الميلادي. بطلة القصة هي الأميرة كاغويا، وهي أميرة من القمر تم إرسالها إلى الأرض للتكفير عن ذنوب القمر، فيعثر عليها قاطع خيزران عجوز فيقوم بتربيتها مع زوجته. تجري العديد من الأحداث المثيرة والمقلقة وفي النهاية تعود الأميرة إلى القمر. قام فنانون آخرين بعدها بتصوير الرواية في رسم التوضيحي للمخطوطات القديمة من خلال رسم جسماً طائراً على شكل قرص مشابه لصحن طائر ينقل الأميرة كاغويا وهذا الخيال أدهش الكثير من الأدباء. تتميز فترة هييان بأن البلاط الإمبراطوري كان يرعى الشعراء والكتاب، وكان معظمهم من الحاشية أو السيدات، وقد كان تحرير مختارات الشعر هواية أرستقراطية. وكان الشعر الذي يعكس الجو الأرستقراطي مذهل ومتطور ويعبر عن المشاعر بأسلوب بلاغي.

    فترة كاماكورا – موروماتشي (1185-1600م)
    في النصف الأخير من القرن الثاني عشر استولى محاربو قبيلة “تايرا” على السلطة السياسية في البلاط الإمبراطوري، وشكلوا أرستقراطية جديدة. وبعدها تم كتابة (قصة هايكه) وهي تصور الصراع بين عشيرة تايرا وعشيرة “ميناموتو غينجي”. إنها ملحمة عظيمة متجذرة بعمق ومليئة بالحزن لأولئك الذين لقوا حتفهم، مليئة بالأوصاف الملونة لشخصياتها المتعددة، ومشاهد المعارك المثيرة. وفي الماضي كان يتم رواية القصة مع صوت العود الياباني لتقريب الأحداث للواقع ولإضافة المؤثرات لخيال المستمعين.

    في هذه الفترة ظهرت “شين كوكين واكاشو” وتعني حرفياً “المجموعة الجديدة من الأشعار القديمة والجديدة” وهي ثامن سلسلة تتألف من 21 مجموعة من أشعار واكا الإمبراطورية اليابانية واكتملت عام 1205. يمكن القول أنها أشعار مكرسة للسعي وراء جمال خفي وعميق بعيداً عن الواقع الدنياوي للنزاع الأهلي. كما أنتجت هذه الفترة أعمال أدبية مميزة من قبل كتاب منعزلين، أشهرها “هوجوكي” للكاتب “كامونو تشومي”، وهو عمل يعكس عدم اليقين في الوجود. ويوجد كتاب آخر مشهور يُدعى “كتاب تسوري زوري غوسا” للكاهن “يوشيدا كينكو”، وهو عمل يتميز بتغلغل الانعكاسات في الحياة. هنا نجد أن كلا الكتابين يركزان على مسألة الخلاص الروحي.

    وفي الوقت نفسه تُعد الأفكار العميقة لشوبوجينزو أو “خزينة عين دارما الحقيقية” التي ترجع لعام 1237 هي أحد أوائل النصوص البوذية المكتوبة باللغة اليابانية بدلاً من الصينية، وهي تمثل تطوراً كبيراً في فكر الزن.
    ويُعد كتاب تايهيكي “تاريخ السلام العظيم” الذي يصور ملحمة دامت خمسين عاماً من 1318 إلى 1367 عندما تنافست الإمبراطوريتان من أجل السلطة، بمثابة سجل تاريخي قيم ولاسيما أنه يوجد أربعون كتاباً للتايهيكي وهو آخر اللوحات الملحمية الكبرى في الأدب الياباني. في حين أن مسرحيات “نوه” التي أتقنها “كانامي” وابنه “زيامي” لها قيمة أدبية كبيرة. وقد كتب زيمي “فوشي كادن” مقالات تُعرف باسم (انتقال زهرة نمط التمثيل) عام 1402 وهو عمل مثير للاهتمام عن الفن الدرامي وأساسياته وحيله.

    بشكل عام يبدو أن الأدب الياباني في العصور الوسطى تأثر بشكل كبير بالزن والبوذية، فغالبية الكُتاب والشعراء كانوا كهنة أو مسافرين أو شعراء منعزلين. وخلال هذه الفترة أيضاً شهدت اليابان العديد من الحروب الأهلية التي أدت إلى ظهور طبقة الساموراي وما تلاها من حكايات وأحداث وقصص ذات صلة. وبشكل أساسي تتميز الأعمال الأدبية في هذه الفترة بالأفكار الحياة والموت وأنماط الحياة البسيطة والدفاع من خلال المعارك.

    فترة إيدو (1603-1868م)
    أصبح الأدب كوسيلة مشهورة في التواصل الاجتماعي، وأصبح تأليف شعر رينغا “وهو عبارة عن شعر طويل يتكون من أبيات متعاقبة من تأليف عدة أشخاص” هواية مفضلة، وهذا أدى إلى ظهور شعر “هايكاي” في القرن السادس عشر وهو “نوع من شعر رينغا كوميدي”. وفي القرن السابع عشر أتقن الشاعر المشهور “ماتسو باشو” شكلاً شعرياً جديداً مكثفاً مكوناً من 17 مقطعاً (5-7-5) يُعرف باسم “هايكو”، يتميز بألفاظه البسيطة والتعبير العفوي والسلس. وفي فترة ما بين (1688-1704) أصبح الحرفيون والتجار هم المؤيدين الرئيسيين للأدب وبدأ الفنانون المحترفون في الظهور. وهنا ظهر كاتبان مذهلان في مجال النثر: وهما “إيهارا سايكاكو” الذي صور حياة تجار “أوساكا” بشكل واقعي، و”تشيكاماتسو مونزايمون” الذي كتب “جوروري” وهي شكل من أشكال موسيقى السرد اليابانية التقليدية حيث يغني المؤدي بمرافقة أداة الشاميسين الموسيقية، وكشكل من أشكال سرد القصص ينصب التركيز على الكلمات والسرد بدلاً من الموسيقى نفسها. هذه الأعمال ساهمت في ازدهار كبير للأدب، وبعدها قام “يوسا بوسون” بتأليف شعر هايكو يصور الطبيعة، بينما أنتج الكاتب الروائي “أويدا أكيناري” مجموعة من القصص تُسمى أوغيتسو “حكايات ضوء القمر والمطر”.

    وخلال فترة إيدو تم إنتاج العديد من الأعمال الأدبية، هذا إلى جانب ظهور أنواع من الأدب لأول مرة. كما وتطورت أشكال الدراما الشعبية مثل فن المسارح الذي تحول إلى “كابوكي”. وهذا يرجع إلى:
    ظهور الطبقة العاملة والطبقة الوسطى في العاصمة إيدو “طوكيو”.
    ارتفاع معدل القراءة والكتابة بين سكان المدن.
    تطوير وانتشار مكتبات التي تسمح بإعارة الكتب .
    وصول تأثير غربي طفيف من المستوطنة الهولندية في “ناغاساكي”.
    الروايات الصينية العامية التي وصلت اليابان، كان لها تأثير كبير في تطور الروايات اليابانية.

    يُقال إن الكاتب والشاعر إيهارا سايكاكو قد ولّد الوعي الحديث للرواية في اليابان، حيث مزج الحوار العامي في حكاياته الفكاهية والتحذيرية عن أماكن المتعة. ومن أشهر الأعمال رواية “توكاي دوتشُو هيزاكوريغي” للكاتب “جيبينشا إيكو” وهي عبارة عن مزيج من أحداث رحلات وكوميديا. بينما ساهم كلاً من “تسوغا تيشو” و”تاكيبي أياتاري” و”أوكاجيما كانزان” دوراً كبيراً في تطوير ما يُعرف باسم “يوميهون” وهي عبارة عن رومانسيات تاريخية في النثر، متأثرة بالروايات الصينية العامية مثل “الممالك الثلاث” و”شوي هو زوان”. ومن أشهر أعمال يوميهون التي كتبها الكاتب أويدا إكيناري “قصة هاروسامي” و”قصة أوغيتسو”، بينما كتب “كيوكوتي باكين” روايات فانتازيا وتاريخية شهيرة للغاية مثل “نانسو ساتومي هاكيندين” إلى جانب روايات يوميهون كثيرة. ومع ذلك استمر نشر الأعمال العلمية باللغة الصينية في فترة “توكوغاوا” كغيرها من الفترات السابقة، حيث كانت تُعتبر الصينية لغة المتعلمين.

    فترة مييجي (1868- 1945 م)
    في فترة مييجي وصلت الثقافة الغربية إلى اليابان ووصل معها الأدب الأوروبي كالشعر الحر وأصبح يُستعمل في أعمال أدبية طويلة تتضمن أفكار جديدة. ومع ذلك عانى كتاب النثر والدراما اليابانيون الشباب من الأفكار الجديدة والمدارس الفنية المتأثرة بالثقافة الغربية، ولكن الروائيين كانوا أول من استوعب بعض هذه الأفكار الجديدة بنجاح. وفي أوائل فترة مييجي قام الكاتب الياباني “فوكوزاوا يوكيتشي” بتأليف أدب التنوير، بينما صورت الكتب الشعبية تغير البلاد السريع.

    وصل مذهب الواقعية إلى الأدب الياباني بواسطة “تسوبوتشي شويو” و”فوتاباتي شيمي” في منتصف مييجي، بينما اكتسب مذهب الكلاسيكية للكتاب “أوزاكي كويو” و”يامادا بيميو” و”كودا روهان” شعبية كبيرة. أما الكاتبة “هيغوتشي إيتشيو” وهي كاتبة نادرة ومميزة في فترة مييجي تميزت بقصصها القصيرة عن النساء الضعيفات في هذه الفترة بأسلوب بسيط بين الأدبية والعامية. أما مذهب الرومانسية فقد أدخله الكاتب “موري أوجاي” مع مختاراته من القصائد المترجمة (1889)، كما كتب موري أيضاً بعض الروايات الحديثة مثل “الفتاة الراقصة”، ثم كتب لاحقًا روايات تاريخية. بينما قام “ناتسومي سوسيكي” الذي غالباً ما يُقارن مع موري أوجاي، بكتابة رواية “أنا قط” يغلب عليها طابع الدعابة والهجاء، ثم صور الشباب والنقاء في رواية “بوتشان” و “سانشيرو”. سعى في النهاية إلى تجاوز المشاعر الإنسانية والأنانية في أعماله اللاحقة مثل رواية “كوكورو” وروايته الأخيرة والغير المكتملة النور والظلام عام (1916).

    ظهر مذهب الطبيعة في رواية “أنا رواية” التي تصف المؤلفين أنفسهم وتصور حالاتهم العقلية الخاصة. ومن هنا خرجت الرومانسية الجديدة من معاداة الطبيعة. بينما أسس “موشانوكوجي سانياتسو” و”شيغا ناويا” وآخرون مجلة “شيراكابا” في عام 1910. وجميع هؤلاء الكتاب يتشاركون في سمة مشتركة وهو مذهب الإنسانية. بينما كتب “أكوتاغاوا ريونوسوكي” قصصاً قصيرة بما في ذلك “راشومون” بطابع فكري وتحليلي، ومَثل الواقعية الجديدة في منتصف العقد الأول من القرن العشرين. كما أنتجت الحركة الأدبية البروليتارية خلال العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي أدباً راديكالياً سياسياً يصور الحياة القاسية للعمال والفلاحين والنساء وغيرهم من أفراد المجتمع المضطهدين، وكيفية كفاحهم من أجل التغيير. وفي وقت الحرب شهدت اليابان ظهور العديد من المؤلفين الذين اشتهروا بجمال لغتهم وحكاياتهم عن الحب والإثارة، ولا سيما الكاتب الأدبي المعاصر “تانيزاكي جونيتشيرو”، و”كاواباتا ياسوناري” أستاذ الخيال النفسي الفائز الأول في اليابان بجائزة نوبل للآداب.

    فترة ما بعد الحرب العالمية 1945 حتى الآن
    كان للحرب الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان أثر كبير على الأدب الياباني. حيث كتب العديد من المؤلفين قصصاً وروايات عن السخط وفقدان الهدف والتعامل مع الهزيمة. فمثلاً قام الكاتب “دازاي أوسامو” بكتابة رواية “غروب الشمس” التي تتحدث عن جندي عائد من مانشوكو. وقد كانت تشتهر كتابات “ميشيما يوكيو” بأفكار العدمية وتعبر عن اهتماماته بالانتحار بواسطة “سيبوكو”. بينا الكاتب “كوجيما نوبو” كتب قصة قصيرة تُدعى “المدرسة الأمريكية” تُعبر عن مجموعة من المعلمين اليابانيين للغة الإنجليزية الذين تعاملوا مع الاحتلال الأمريكي بطرق مختلفة خلال الحرب العالمية. كما نرى يشترك الكتاب البارزين في السبعينيات والثمانينيات بالقضايا الفكرية والأخلاقية في محاولاتهم لرفع الوعي الاجتماعي والسياسي.

    وعلى الرغم من أن الكتاب اليابانيين المعاصرين غطوا مجموعة واسعة من الموضوعات، إلا أن أحد الكتاب اليابانيين شدد على الحياة الداخلية لموضوعاتهم مما أدى إلى زيادة انغماس الروايات العصرية بوعي وأفكار الراوي الداخلية. ويجب أن ننتبه أنه في الخيال الياباني غالباً ما كان تطوير الحبكة ذا أهمية ثانوية للقضايا العاطفية ولم تكن رئيسية. كما كان هناك تركيز متزايد في الأدب على أدوار المرأة، وعلى الشخصية اليابانية في العالم الحديث، وضيق عامة الناس الضائعين في تعقيدات الثقافة الحضرية. وقد ازدهر الأدب الخيالي والواقعي وأدب الأطفال في المناطق الحضرية في اليابان في الثمانينيات. وقد كانت تقع العديد من الأعمال الشعبية في “الأدب النقي” بما في ذلك جميع أنواع المسلسلات التاريخية والدراما الوثائقية المليئة بالمعلومات، والخيال العلمي، والألغاز، والخيال البوليسي، والقصص التجارية، والمجلات الحربية، وقصص الحيوانات والخ.

    كما غطت الأعمال غير الخيالية كل شيء من الجريمة إلى السياسة، وعلى الرغم من سيطرة الصحافة الواقعية، إلا أن العديد من هذه الأعمال كانت تفسيرية وملهمة للناس. وفي الآونة الأخيرة، إلى جانب الروايات والشعر، ظهرت المانغا اليابانية “القصص المصورة” واشتهرت بشكل كبير في جميع قطاعات الأسواق الشعبية في الأدب والقراءة، ولعل هذا يرجع إلى مميزاتها في أنها تشمل جميع مجالات الاهتمام البشري، مثل التاريخ والعلوم، والواقع، والخيال، والطبيعة، والسياسة، والخ.

    الخلاصة:
    في هذه المقالة لخصت لكم تغييرات وتطورات واضحة في الأدب الياباني بالتركيز على فترة هييان حتى عصرنا الحالي دون التعمق في مجال محدد. في الواقع إن تاريخ الأدب عنوان واسع وشامل لا نهاية له، حيث يوجد في الأدب نفسه مجالات وأعمال كثيرة لكلاً منها تاريخ طويل في التطور والتغير. ولكن مع التركيز على أحداث معينة في التاريخ الياباني وطرق تفكير الناس، يمكننا أخذ فكرة عامة ومفيدة تشمل تاريخ الأدب الياباني. أتمنى أن هذه المقالة كانت مفيدة، وسأحاول أن أقدم لكم مقالة أخرى متخصصة بأحد مجالات الأدب الياباني. وأشكركم على القراءة.

  9. #89
    صديق فعال


    هيغوتشي إيتشييو: رائدة الأدب الياباني الحديث

    رواد الأدب الخيالي الياباني الحديث على الرغم من ظروف الفقر والمرض. كتبت قصصا رسخت من خلالها مكانتها في عالم الأدب الياباني قبل رحيلها عن عمر ناهز 24 عاما. ويوافق عام 2022 الذكرى المئة والخمسين لولادتها.

    وُلدت الكاتبة هيغوتشي إيتشييو باسم هيغوتشي ناتسو فيما يُعرف الآن بحي تشييودا في طوكيو قبل 150 عاما وذلك في 2 مايو/أيار عام 1872. تقلبت في حياتها من الثروة النسبية إلى الفقر، ومن الغموض إلى الشهرة في حياة مفعمة بالدراما باعتبارها أول كاتبة يابانية محترفة قبل رحيلها عن عمر ناهز 24 عاما. من أشهر أعمالها ’’تاكيكورابي (مسرحية طفلة)‘‘ و’’نيغوريي (مياه مضطربة)‘‘ و’’جوسانيا (الليلة الثالثة عشرة)‘‘. لم تتمكن إلا من إكمال 24 قصة بسبب وفاتها المبكرة. وفي حين أن مذكراتها أيضا تحمل أهمية أدبية وخلفت إنتاجا غزيرا من قصائد شعر ’’واكا‘‘، إلا أن عدد قصصها القصيرة المتاحة بسهولة اليوم ضئيل. وعلى الرغم من أن أسلوبها الأدبي الكلاسيكي يجعلها تبدو وكأنه من الصعب فهمها، إلا أنها تحظى بتقدير كبير والبحوث التي تتناول أعمالها من زوايا مختلفة لا تزال متواصلة في القرن الحادي والعشرين. منذ عام 2004 بدأت طباعة صورتها على الورقة النقدية من فئة 5 آلاف ين ، وترجمت أعمالها الرئيسية إلى اليابانية المعاصرة من قبل كتاب مثل ماتسوؤرا رييكو وكاواكامي ميكو.


    تحتوي الورقة النقدية من فئة 5 آلاف ين الصادرة من عام 2004 صورة هيغوتشي إيتشييو .

    مؤشرات مبكرة على نبوغ أدبي
    كان والدا إيتشييو مزارعين من منطقة تُعرف الآن بمحافظة ياماناشي وفرّا إلى إيدو (طوكيو الآن). وقد عملا بجد وتمكن والدها نورييوشي من اكتساب صفة تابع للحكومة الشوغونية، على الرغم من سقوط الشوغونية في العام التالي من عام 1868 لينطلق عصر نهضة ميجي. ولكن لأن نورييوشي أصبح يعتبر محارب ساموري سابقا، فقد تمكن من الحصول على منصب في ظل حكومة طوكيو، ما سمح له ببناء منزل مزدهر نسبيا. ولدت هيغوتشي إيتشييو بعد فتاة وصبيين في عام 1872 وتبعتها ابنة أخرى بعد ذلك بعامين.

    لم تكن والدتها تاكي تعتقد أن التعليم ضروري للفتيات. كانت إيتشييو قارئة نهمة ومجدة منذ نعومة أظفارها، لكن والدتها جعلتها تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة في سن 11 عاما للمساعدة في الأعمال المنزلية. عارض والدها هذا القرار وأراد منها أن تواصل الدراسة، لكن إيتشييو كانت فتاة هادئة وغير قادرة على التعبير عن رغباتها. وكتبت في مذكراتها عن ترك دراستها بأنهار من الدموع. بعد ذلك، أخذت دورات بالمراسلة في شعر واكا وواصلت التعلم بمفردها على مكتبها. كان نظرها ضعيفا، لذلك لم تكن تحب الخياطة والأعمال اليدوية الأخرى.

    وبعد أن لاحظ والدها إصرارها الصامت على الدراسة، أرسلها لحضور دروس واكا في أكاديمية هاغينويا التي يديرها ناكاجيما أوتاكو. كان الكثير من أطفال الطبقة العليا يلتحقون بهذه المدرسة ليتعلموا عن شعر واكا والخط ويكتبوا قصائد عن مواضيع محددة. أظهرت إيتشييو موهبة فذة، حيث تميزت بقصائدها من شعر واكا. ومن بين الطلاب الآخرين تانابي كاهو، التي تزوجت لاحقا من الفيلسوف ميياكي سيتسوري. بدأت تانابي ظهورها الأدبي في عام 1888 بقصة ’’طائر مغرد في البستان‘‘ والتي تركت انطباعا رائعا عند إيتشييو ذات السادسة عشر ربيعا.

    كاتبة محترفة
    في صيف عام 1889 كانت إيتشييو قد بلغت السابعة عشرة من عمرها، وهي الفترة التي شكلت نقطة تحول رئيسية في حياتها. فقد توفي والدها بسبب المرض تاركا وراءه ديونا من مشروع تجاري فاشل. كان والدها قد جمع رأس ماله من خلال الإقراض وأعمال عقارية إلى جانب وظيفته الحكومية، لكن محاولته لتأسيس جمعية مقاولات عربات النقل تعثرت، وتسببت مخاوفه في تدهور نهائي في صحته الجسدية. لاحقا تعرضت إيتشييو لضغوط من أجل سداد الديون، بعد أن توفي شقيقها الأكبر وتزوجت أختها الكبرى، ولم تكن تستطع الاعتماد على أخيها الثاني الأكبر الذي كان حِرفيا. عملت لعدة أشهر في أكاديمية هاغينويا كخادمة، بينما اضطلعت والدتها وأختها الصغرى في أعمال مثل الغسيل والتطريز، حيث واجهت الأسرة صعوبات اقتصادية. وبسبب الفقر المدقع زارت متجرا للرهن عدة مرات وهو ما شجعها على تحقيق هدفها في أن تصبح كاتبة.

    وأصبحت في ربيع عام 1891 (عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها) من أتباع ناكاراي توسوي وذلك عبر أحد المعارف، حيث كان توسوي قد كتب قصصا لصحيفة طوكيو أساهي شيمبون. في هذا الوقت تقريبا في اليابان، كان لدى الصحف كتّاب قصص خيالية ضمن طواقم عملها، بمن فيهم أوزاكي كويو ولاحقا ناتسومي سوسيكي. تعلمت إيتشييو من معلمها أساسيات كتابة الروايات الشعبية التي تروق للجمهور. وتشير يومياتها إلى أنها شعرت أيضا ببعض الاهتمام العاطفي فيما يبدو تجاه توسوي الذي كان يكبرها بعقد من الزمن. في مارس/آذار عام 1892، ظهر عملها الأول ’’زهور عند الغسق‘‘ في مجلة أدبية أسسها توسوي. يصور العمل لحظات بين شاب وفتاة عرف كل منهما الآخر منذ الطفولة المبكرة، وموت الفتاة بعد ذبولها وتدهور صحتها بسبب الحب من طرف واحد. استمرت إيتشييو في نشر قصص جديدة، كان العديد منها قصص حب مأساوية تقليدية.

    لم يستمر توسوي في العمل كمعلم لإيتشييو طويلا. فبعد أن كشفت عن مشاعرها تجاهه، قطع مدرسوها وأصدقاؤها في هاغينويا التواصل معها بسبب قلقهم من استقامتها. واصلت البحث عن فرص للنشر، على سبيل المثال من خلال المجلات التي عرّفتها عليها تانابي كاهو، لكنها لم تحظ باهتمام خاص، واستمرت معاناة الأسرة المالية. قررت أسرة هيغوتشي محاولة حل المشكلة عن طريق بدء عمل تجاري. وانطلاقا من شعور العزة بالنفس لديهم نظرا لانحدارهم من أسرة ساموراي سابقة، بحثوا عن متجر على بقعة من الأرض من غير المرجح أن يراهم فيها أي شخص يعرفونه.

    الكتابة بدافع الحاجة للمال
    نظرا لافتقار الأسرة لرأس المال، عمدت لاختيار موقع في ما يُعرف الآن باسم تايتو بطوكيو، إلى جانب حي يوشيوارا الترفيهي. وقد أصبح هذا الحي لاحقا المكان الذي تدور فيه أحداث قصتها ’’مسرحية طفلة‘‘. وجد الأسرة منزلا صغيرا منخفض الإيجار، كان بمثابة سكن ومتجر لبيع السلع المنزلية والحلويات الرخيصة. كانت منطقة موبوءة بالبعوض وسوء الصرف الصحي والكثير من السكان غارقون في براثن الفقر. كان يعيش في الجوار سائق عربة ’’ريكشا‘‘ يجرها الإنسان. وهناك واجهت إيتشييو أنواعا مختلفة من الأشخاص لم تتعرف على مثلهم من قبل. فمن اعتقدت أنه متسول يرتدي ملابس رثة ويقف خارج المتجر تبين أنه زبون. وفوجئت بعدد عربات الريكشا التي رأتها تتجه إلى أماكن الترفيه، كما علمت أن هناك الكثير من المتفرجين الذين يصطحبون النساء معهم، وبالتالي فإن عدد الزوار الكبير لحي الترفيه لا يعني بالضرورة أرباحا كبيرة لبيوت الدعارة. كان متجر الأسرة يفتقر إلى التمويل، ولم يُترجم التركيز على الحلويات الرخيصة للأطفال إلى دخل كبير. وبينما بذلت النساء الثلاث قصارى جهدهن لإتقان عملهن الجديد، تراكمت الديون عليهن وانتهى أمر المتجر بعد 10 أشهر فقط.

    انتقلت الأسرة إلى ما يُعرف الآن باسم حي بونكيو في مايو/أيار عام 1894. كان هناك العديد من المتاجر المشبوهة في الحي، وكان في الجوار متجر يبيع الساكي من نوع المتاجر التي قد تظهر في القصة اللاحقة ’’مياه مضطربة‘‘. أصبحت إيتشييو صديقة للعاملات هناك اللواتي كن يطلبن منها أن تكتب لهن رسائل للعملاء أو تخبرنها عن حياتهن. بينما استمرت والدتها وأختها في كسب المال عن طريق الحياكة في المنزل في بونكيو، كتبت إيتشييو بدافع الحاجة الماسة للمال، محققة الشهرة من خلال عدد من الأعمال الفريدة التي أكملت فيما أصبح يُعرف بـ’’الأشهر الأربعة عشر الإعجازية‘‘.

    قصص عن المستضعفين
    حتى بعد أن بدأت العائلة نشاطها التجاري بجانب يوشيوارا، لم تتخلَّ إيتشييو عن كتابة الروايات حيث طُلب منها تقديم مساهمات من قبل أشخاص على علاقة بمجلة ’’بونغاكوكاي‘‘. كانت في بعض الأحيان تترك أختها مسؤولة عن المتجر بينما تذهب هي إلى المكتبة. أدى انغماسها في بيئة مختلفة تماما إلى التفكير في الأشخاص الذين يواجهون مواقف محفوفة بالمخاطر وهو ما عزز التغيير في مواضيع قصصها.

    شهدت الروايات الخيالية اليابانية المعاصرة انطلاقتها مع تأكيد تسوبوؤتشي شويو، الذي درس الأدب الإنجليزي والدراما، على أن مهمة الأدب هي إعادة إنتاج علم النفس البشري. ومع ذلك فإن عمل شويو بعنوان ’’صور طلاب معاصرين‘‘ وعمل فوتاباتيي شيميي بعنوان ’’أوكيغومو‘‘ وعمل موري أوغاي بعنوان ’’الفتاة الراقصة‘‘، كلها تركز على مفكري الطبقة المتوسطة. في وقت قريب من الحرب الصينية اليابانية في 1894-1895، وبينما كانت الانقسامات والتوترات الاقتصادية تتنامى، كان هناك ازدهار في القصص الخيالية تركز على الأشخاص الضعفاء الذين يشكلون معظم السكان. نشرت الصحف والمجلات مقالات على شكل سلاسل تعرف بحياة سكان الأحياء الفقيرة في المدن وتستنكر ظروفهم البائسة وتزيد من الاهتمام الاجتماعي بهم. يمكن للمرء القول إن هيغوتشي إيتشييو كانت جزءا من هذه الحركة. كما أنها تأثرت بشكل كبير بالشباب التقدميين الذين التفوا حول بونغاكوكاي.

    الدعارة والمطاردة والعنف الأسري
    تدور تحفة أعمال إيتشييو وهي بعنوان ’’مسرحية طفلة‘‘ حول قصة تحول فتاة جميلة تبلغ من العمر 14 عاما إلى عاهرة في يوشيوارا وتروي كيف تواجه هذا المصير. دخلت معظم الفتيات تجارة الجنس بعد أن تم بيعهن من قبل والديهن. القصة خيالية مفعمة بالمشاعر لكنها تصور بهدوء كيف يدوس أطفال الحي الآخرون بقسوة على الوقت القليل المتبقي لبطلة القصة ميدوري التي تنبض بالحياة. فقد تعرضت للأذى مرتين من قبل زملائها في المدرسة مثل تشوكيتشي وشينّيو (يعرف أيضا باسم نوبويوكي) في مواجهة الإذلال وألم الرفض من قبل شخص وقعت في حبه. أخيرا وفي يوم معرض المعبد، أدركت أن وقت حرية طفولتها قد انتهى وهو ما غير طريقة تصرفها بشكل كبير. نال العمل إعجاب موري أغاي وغيره من عمالقة الأدب في ذلك الوقت، وضمن مكانة إيتشييو في عالم الأدب.


    بيعت مخطوطة ’’مسرحية طفلة‘‘ التي كتبتها إيتشييو بخط يدها مقابل 21 مليون ين في مزاد عام 2019 .

    بينما تسرد ’’مياه مضطربة‘‘ حكاية أوريكي وهي نادلة شهيرة في متجر لبيع الخمور تقيم علاقة مع رجل متزوج يُدعى غينشيتشي حتى عام واحد من القصة وذلك عندما أفلس. الآن بدأت في رؤية زبون ثري آخر ولكن بعد أن علم القراء بوحدتها ونشأتها الفقيرة، تعرضت للطعن من قبل غينشيتشي الذي كان يطاردها. تدور أحداث ’’الليلة الثالثة عشرة‘‘ حول امرأة تزوجت من بيروقراطي أُسر بجمالها، ومنذ ذلك الحين عانت سبع سنوات من العنف الأسري. تظهر القصة الألم والمعاناة في حياة امرأة عاجزة لأنها ترغب في تركه، لكنها لا ترى أي سبيل للإفلات منه.

    بمجرد سرد تلك الموجزات لأشهر قصصها، يمكن للمرء أن يرى كيف سبرت إيتشييو بعمق للكشف عن الواقع المرير الذي عاشته المرأة في عصر ميجي (1868-1912). كما تصور الأعمال بوضوح انقطاع التواصل بين الرجال والنساء. إن الوحدة الغامرة لبطلات القصص تحرك قلوب القراء، والمواضيع المأساوية لها صدى عالمي لا تزال تؤثر حتى يومنا هذا. رحلت إيتشييو بسبب إصابتها بمرض السل في 23 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1896 عن عمر ناهز 24 عاما. تترك قصصها العديد من النقاط بلا شرح ويتعين على القراء استخدام خيالهم لإضفاء تفاصيل على الحبكة ومشاعر الشخصيات من خلال مصادمات متعددة مع النص. وهذا عامل جذب رئيسي آخر لقصص إيتشييو.

    (المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 2 مايو/أيار عام 2022. الترجمة من الإنجليزية.

  10. #90
    صديق فعال


    موري أوغاي.. تعرف على أحد أبرز الأدباء في التاريخ الياباني

    بينما ارتقى موري أوغاي إلى أعلى منصب كطبيب عسكري، فقد شق الطريق للأدب الياباني متجاوزا فروعه المختلفة كالروايات، والشعر، والمسرحيات، والترجمات، والنقد. وفي هذه المقالة سنقوم بالتعريف بحياة الأديب البارز في عصري ميجي وتايشو، وسحر أعماله الأدبية، في ذكرى مرور مئة عام على رحيله. يشتهر موري أوغاي الأديب البارز في عصري ميجي وتايشو بأعماله الأدبية مثل روايات ”مايهيمي (الفتاة الراقصة)“، و”سانشودايو (المأمور سانشو)“، و”تاكاسيبوني (القارب على نهر تاكاسي)“. ويصادف عام 2022 ذكرى مرور مئة عام على رحيله. فكيف كانت حياة أوغاي الذي كان أديبا، وعالم طب، وطبيبا عسكريا، وحتى موظفا حكوميا يا ترى؟

    جمع بين العلوم اليابانية والصينية والغربية، وتعلم لغات متعددة
    وُلد موري أوغاي، والذي اسمه الحقيقي موري رينتارو، في عام 1862 لعائلة طبيب من مقاطعة تسووانو (بلدة تسووانو في محافظة شيماني حاليا). وكان من المتوقع أن يصبح أوغاي أيضا طبيبا، وتلقى تعليما خاصا بالموهوبين من مرحلة مبكرة. وتعلم أولا الكونفوشيوسية. والتحق بمعلمه في سن الخامسة، وفي سن السابعة التحق بمدرسة يوروكان التابعة للمقاطعة، وتعلم الكتب الأربعة والكلاسيكيات الخمسة (كتب الكونفشيوسية الأساسية). وبالإضافة إلى ذلك درس العلوم الغربية. وبدأ تعلم اللغة الهولندية بعد تلقيه الأساسيات الأولى لها من والده شيزوأو الذي تعلم الطب الغربي.

    وفي عام 1872 انتقل أوغاي مع والده إلى طوكيو في سن العاشرة. ثم انتقلت العائلة بأكملها من تسووانو إلى طوكيو. ونظرا لتغير الاتجاه السائد للطب الغربي الذي يدرسه الأطباء من الطب الهولندي إلى الطب الألماني، درس أوغاي اللغة الألمانية في مدرسة خاصة، والتحق بالمدرسة الطبية في المنطقة الجامعية الأولى في سن الحادية عشرة. وفي العام التالي تم تغيير اسم المدرسة إلى مدرسة طوكيو الطبية، وأصبح اسمها كلية الطب في جامعة طوكيو في عام 1877. وتم إجراء التعليم الطبي في جامعة طوكيو باللغة الألمانية من قبل أساتذة ألمان، ولكن في نفس الوقت، درس أوغاي الشعر الصيني على يد أحد علماء العلوم الصينية خارج الجامعة، وقرأ كتب الطب التقليدي الصيني، والتحق بأستاذ للعلوم اليابانية الوطنية وتعلم الشعر الياباني التقليدي. وهكذا تعلم أوغاي من الصغر وحتى المراهقة العلوم اليابانية والصينية والغربية، وتعلم لغات متعددة.

    نظرة نسبية على اليابان وأوروبا
    قبل تخرجه من الجامعة في عام 1881 كان لدى أوغاي رغبة شديدة بالسفر للدراسة في الخارج. ولكن بسبب ظروف مؤسفة مثل احتراق دفاتر المحاضرات بسبب الحريق، فإن نتائج امتحان التخرج لم تكن جيدة، ولم يتم اختياره للخضوع لامتحان الطلاب الدوليين الحكوميين الذين تقوم بإيفادهم وزارة التعليم والثقافة (وزارة التعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا حاليا). وبعد معاناته في اختيار طريقه المستقبلي، أصبح أوغاي طبيبا عسكريا في القوات البرية، واختار طريق السفر للدراسة في الخارج من خلال إيفاده من قبل القوات البرية. حيث أصبح طبيبا عسكريا في سن التاسعة عشرة، وفي عام 1884 قرر السفر للدراسة في ألمانيا وهو في سن الثانية والعشرين، وحقق أمنيته التي طال انتظارها.

    وخلال سنوات الدراسة الأربع في الخارج، قرأ أوغاي الكتب الأدبية والكتب الفلسفية الألمانية بحماس، وزار المسارح والمتاحف الفنية وتشرَّب الفن والثقافة الأوروبية بنهم، إلى جانب مهمته الرئيسية المتمثلة بالقيام بأبحاث ومسوحات حول علم النظافة وأنظمتها. وحتى بعد عودته إلى اليابان محملا بكمية كبيرة من الكتب الغربية في عام 1888، استمر في طلب كتب وصحف ومجلات جديدة من ألمانيا، وواصل متابعة أحدث الاتجاهات في الثقافة الأوروبية. ومن خلال الدراسة في الخارج، قام أوغاي بصب كل تركيزه على اليابان وأوروبا، واكتسب وجهة نظر ”العالم ذي البصيرتين“ (من مقالة أوغاي ”العالم تيكين (عالم اقتصادي في عصر ميجي)“) التي مكنته من النظر بنسبية على كل من اليابان وأوروبا. وقام بالاستفادة من هذا بشكل كبير في الإبداعات والأنشطة الاجتماعية اللاحقة.


    قاعة موري أوغاي التذكارية في ألمانيا، حيث تمت كتابة اسم ”أوغاي“ بالحبر على الجدار الخارجي. وهو أول مكان يبيت فيه أوغاي في برلين بعد سفره للدراسة في الخارج (جيجي برس)

    بعد عودته إلى اليابان، اقتحم أوغاي عالم الأدب مع عمله كطبيب عسكري، وقام بنشر إبداعاته وترجماته الواحدة تلو الأخرى، بدءا بمجموعة شعرية مترجمة تحت عنوان ”أوموكاغي“ (ترجمة مشتركة، عام 1889)، ورواية ”مايهيمي (الفتاة الراقصة)“ (عام 1890). وبالإضافة إلى ذلك، انتقل بقلمه إلى النقد في مجلة ”شيغارامي زوشي“ التي أسسها بنفسه في عام 1889، وخاض عددا من المناظرات الأدبية متسلحا بمعرفته بالأدب الألماني وعلم فلسفة الجمال. ومن خلال أنشطة التنوير الثورية هذه، قاد أوغاي فجر الأدب الياباني الحديث.

    وبعثت ترجمات أوغاي أيضا روحا جديدة في عالم الأدب الياباني. ومن بينها ترجماته إلى اللغة اليابانية لأشعار غوته (شاعر وأديب ألماني) ”قصائد مينيون“ (جُمعت في المجموعة الشعرية ”أوموكاغي“)، ورواية ”المرتجل (Improvisatoren)“ لأندرسن (شاعر وأديب دنماركي)، والمسرحية التراجيدية ”فاوست“ لغوته وغيرها من الأعمال الأدبية الأخرى، والتي كان لها تأثير كبير على الشعراء والكتاب اللاحقين.

    وبطل العمل الأدبي الرئيسي رواية ”مايهيمي“ في بداية حياته الأدبية هو أوتا تويوتارو، وهو موظف حكومي ياباني تم إيفاده إلى ألمانيا. وفتح تويوتارو عينيه على وعي الفرد الحر خلال حياته في برلين، ووقع في حب فتاة راقصة فقيرة تُسمى إليس. ولكنه كان في وضع لا يمكنُّه من التوفيق بين حياته العاطفية مع إليس ومستقبله والنجاح في حياته بعد عودته إلى اليابان. وبعد المعاناة، تخلى عن إليس الحامل وعاد إلى اليابان. وهذه الرواية التي تصور المواجهات والصراعات بين الثقافات المختلفة، مكتوبة بأسلوب أدبي هجين من الأساليب اليابانية والصينية والغربية، يمزج بين أسلوب كانبون كوندوكو (أسلوب يمزج بين اليابانية الأصلية والصينية التقليدية)، وأسلوب كابونتاي (أسلوب الكتابة بلغة يابانية كلاسيكية خاصة بالنبلاء)، وأسلوب ترجمة الأدب الأوروبي.


    مسودة لرواية ”مايهيمي“ بخط أوغاي، تم عرضها للبيع في سوق للكتب القديمة في عام 2015 وأصبحت حديث الشارع.

    وفي العام التالي لعودته إلى اليابان، قام أوغاي أيضا بتأسيس مجلتين هما ”المجلة الجديدة للنظافة“ و”النظرية الجديدة للشؤون الطبية“، وقام بتوسيع أنشطة التنوير الثورية في مجال الطب أيضا، وذلك بهدف بناء أساس لتطوير الطب الحديث في اليابان. وفي عام 1897 شارك في نشر كتاب ”الكتاب الجديد للنظافة“ مع كوئيكي ماساناو. ويُعد هذا أول كتاب مدرسي للنظافة كتبه اليابانيون.

    نشر الأعمال الأدبية واحدا تلو الآخر مع قيامه بعمله الشاق كمدير لمكتب الشؤون الطبية
    اختار أوغاي كطبيب عسكري السير في طريق العمل الحكومي الذي سيؤدي به ليصبح قائدا. وخدم في الحرب اليابانية الصينية الأولى (1894) والحرب الروسية اليابانية (1904-1905) كمدير قسم الأطباء العسكريين، وتولى منصب مدير قسم الأطباء العسكريين التابع للفرقة الثانية عشرة من عام 1899 وحتى عام 1902، وتم تعيينه في مدينة كوكورا في منطقة كيتاكيوشو. إلا أن أوغاي فسر أمر نقله إلى كوكورا بأنه خفض في رتبته، وكان غير راضٍ عن ذلك. وعندما كان في منصبه في كوكورا امتنع عن الأنشطة الأدبية، معتقدا أن القيادة العليا كانت تنظر إليه باحتقار لقيامه بالعمل في مهنتين غير متوافقتين كطبيب عسكري وأديب. وبدلا من ذلك، أتقن اللغة الفرنسية على يد كاهن فرنسي كان يقيم في تلك المدينة، وصاحب رهبان الزن وتعلم منهم معتقدات وأفكار الزن والأفكار البوذية. حيث كانت تلك فترة قام فيها بتجميع المعرفة وتنمية الوعي الذاتي لخوض غمار الحياة.

    وفي عام 1902، عاد أوغاي البالغ من العمر 40 عاما إلى طوكيو بعد أن أصبح مدير قسم الأطباء العسكريين في الفرقة الأولى. وفي عام 1907، تولى منصب المفتش العام للأطباء العسكريين في القوات البرية والذي يمثل أعلى منصب للأطباء العسكريين في القوات البرية، ومنصب مدير مكتب الشؤون الطبية في وزارة القوات البرية وهو في سن الخامسة والأربعين. وقام أوغاي الذي لم يعد عليه أن يقلق بشأن أفكار رئيسه بنشر أعماله الأدبية واحدا تلو الآخر مع قيامه بمهام عمله الشاق. حيث قام بنشر رواية ”الحياة الجنسية (Vita Sexualis باللاتينية)“ (عام 1909) التي تصور ذكريات تجربة البطل الجنسية والتأمل الذاتي في الحياة الجنسية، وتم حظر بيعها من قبل السلطات. ورواية ”برج الصمت“ (عام 1910) التي انتقد فيها سيطرة الحكومة على العلوم والآداب، والتي تعززت في أعقاب محاولة اغتيال الإمبراطور ميجي في عام 1910. وخلال هذه الفترة، كتب أوغاي العديد من الروايات الحديثة التي تحتوي على نقد حضاري حاد للمجتمع في ذلك الوقت.

    وفي عام 1912 رحل الإمبراطور ميجي، وبدأ عصر تايشو. وخلال هذه الفترة الانتقالية قام الجندي البارز نوغي ماريسيكي بقتل نفسه حزنا على رحيل الإمبراطور ميجي، وفاجأ العالم بقيامه بذلك. وصُدم أوغاي أيضا بهذا الحادث، وقام بكتابة رواية ”وصايا أوكيتسو ياغوئيمون“ (عام 1912)، والتي تمثل مقابلات مع ساموراي حقيقي قتل نفسه في أوائل فترة إيدو. ومثَّل هذا حافزا لأوغاي لبدء كتابة الروايات التاريخية بناء على المواد التاريخية، تاركا وراءه أعمالا أدبية يتم إدراجها في كتب اللغة اليابانية المدرسية في هذه الأيام مثل رواية ”العبارة الأخيرة“ (عام 1915) و ”“ (عام 1916) وغيرها.


    موري أوغاي بالزي العسكري (يمين) وحصانه المحبب. تصوير في عام 1912 (قاعة موري أوغاي التذكارية في حي بونكيو في طوكيو)

    في عام 1916 استقال أوغاي من القوات البرية وهو في سن الرابعة والخمسين. وفي هذا الوقت تقريبا، أصبحت الرغبة لديه في البحث في التاريخ أقوى، وبدأ في البحث حول حيوات وإنجازات المحققين التاريخيين الذين عاشوا في أواخر عصر إيدو، وكتابة سيرهم الذاتية. وكانت رواية السيرة الذاتية لـ ”شيبوئي تشوساي“ (عام 1916)، و”هوجو كاتي“ (عام 1917-1920) وغيرها عبارة عن أعمال أدبية ذات نمط جديد قامت بكسر المفاهيم التقليدية للروايات حتى ذلك الوقت، ودمجت بين البحث التاريخي التجريبي والأدب. وكان كل من تشوساي وكاتي عالما، وطبيبا، وموظفا حكوميا عاما، وكان منخرطا في الأدب والفن. بعبارة أخرى، كتب أوغاي عن الأشخاص الذين لديهم أسلوب حياة يشبه أسلوبه.

    وفي عام 1917، أصبح أوغاي موظفا في وزارة القصر الإمبراطوري وهو في سن الخامسة والخمسين، وشغل في الوقت نفسه منصب رئيس متحف القصر الإمبراطوري ومنصب أمين المكتبة. وبصفته مسؤولا رفيع المستوى في وزارة القصر الإمبراطوري، كرس أوغاي نفسه للبحث التاريخي استعدادا لتولي الإمبراطور التالي للعرش والذي كان يتوقع حدوثه في وقت قريب. وكان أوغاي يعتقد أنه يجب تحديد أسماء العصور الجديدة وأسماء الأباطرة بعد وفاتهم بناء على بيانات موضحة علميا. وبعد الانتهاء من كتاب ”تيشيكو (أفكار عن أسماء الأباطرة بعد وفاتهم)“ (عام 1921)، والذي حقق وشرح فيه مصادر أسماء الأباطرة المتعاقبين بعد وفاتهم، بدأ بكتابة ”غينغوكو (أفكار عن أسماء العصور)“، ولكنه لم يكتمل بسبب تدهور حالته الصحية. وفي التاسع من شهر يوليو/تموز من عام 1922، رحل أوغاي عن عمر ناهز الستين عاما بسبب مرض قصور الكلى ومرض السل.

    عملاق المعرفة متعدد التخصصات أب محب للأطفال في المنزل
    كان موري أوغاي عملاق معرفة متعدد التخصصات. حيث جمع بين العلوم اليابانية والصينية والغربية. وبالإضافة إلى تخصصه في الطب، خاض في علوم في مجالات متعددة مثل فلسفة الجمال والبحث التاريخي وغيرها، وعمل كطبيب عسكري وكموظف حكومي. وفي مجال الأدب، كتب جميع أنواع الأعمال الأدبية مثل الروايات، والنقد، والمسرحيات، والشعر، وقصائد التانكا (قصائد شعرية تتكون من 31 مقطعا، ومقسمة إلى 5، 7، 5، 7، 7 مقاطع)، وقصائد الهايكو (قصائد شعرية تتكون من 17 مقطعا، ومقسمة إلى 5، 7، 5 مقاطع)، والشعر الصيني، وترك العديد من الأعمال المتقدمة والمثيرة للمشاكل.

    فكيف كان أوغاي في منزله يا ترى؟ كان أوغاي أبا محبا للأطفال في المنزل، أعطى حبه بسخاء لأطفاله. وبعد وفاة أوغاي، أصبح جميع أطفاله الأربعة الذين ولدوا لزوجته الأولى توشيكو، وزوجته الثانية شيغي كُتَّابا، وعبَّر كل واحد منهم عن ذكريات الحب الذي تلقوه من والدهم، وحبهم العميق له في كتاباتهم. ففي رواية ”قبعة أبي“ (عام 1957) التي كتبتها ابنته الكبرى الروائية موري ماري، ورواية ”أبي في أواخر عمره“ (عام 1936) التي كتبتها ابنته الثانية كاتبة المقالات كوبوري أنُّو وغيرها، تظهر بحيوية ملامح بابا أوغاي الذي كان يناديه أطفاله بـ ”بابّا“.

    (النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي: صورة لموري أوغاي. تصوير في عام 1912 قاعة موري أوغاي التذكارية في حي بونكيو في طوكيو)

صفحة 9 من 13 الأولىالأولى ... 78 91011 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال