ما هو الشعر الجاهلي؟
لطالما احتل الشعر الجاهلي مكانة رفيعة لدى العرب، فقد كان ديوان العرب، ومنبع فخرهم، وأيقونة عزتهم وعُلا شأنهم، وموطن قوتهم ومرعب أعدائهم، وقد ترك لنا إرثاً كبيراً من تاريخ الأمم والقبائل، يطلعنا على أحوال الجزيرة العربية وطبيعتها وعلى أخلاق ساكنيها وعاداتهم، فالشاعر كان معظّماً في قبيلته وتقدم له الهدايا والعطايا، فهو لسانها المدافع عنها أمام القبائل، وأبيات شعره يكون وقعها أشد من السيف. اللقاء بالشاعر محمود علم الدين عضو اتحاد الكتاب، ليحدثك عن الشعر الجاهلي ومكانته عند العرب.
يقول علم الدين لسيدتي الشعر الجاهلي له الفضل في توثيق حياة العرب قديماً، وتقاليدهم، ومعاركهم، ووصف طبيعة حياة البيئة الجاهليّة، وهذا الشعر يدل على رفعة الإحساس العربي القديم وجمال الذوق، والصدق في التعبير والمعاني والتصوير الفني، والنضج اللغوي والموسيقي فقد كان ديوان العرب، ويحتل مكانة عالية لا تضاهيها أي مكانة.
• الشعر الجاهلي سجل يوثق حياة العرب قديماً
كلمة المديرة العامة لليونسكو في جمال اللغة العربية - الصورة من الصفحة الرسمية لليونسكو عبر الفيس بوك
يقول علم الدين: كان الشعر الجاهليّ مرآة حياة العرب والصورة الصادقة لعاداتهم وتقاليدهم، وهو شعر العرب قبل الإسلام بما يقارب مئة وخمسين عاماً، وهو الذي وصف لنا بالأدلة حياة الجاهليّة، وأفكارها، وعاداتها وتقاليدها الحقيقية دون تزييف، أو تشويه، فقد وثَّق الشعر الجاهلي حياة العرب قديماً، وتقاليدهم، ومعاركهم، ووصف طبيعة حياة البيئة الجاهليّة، وما تحتويه من جماد، وحيوان، إضافة إلى ذكر أسماء فرسانهم، وآبارهم، وغيرها من الأحداث، كما اشتمل هذا الشِّعر على العديد من الشعراء ذوي الدهاء والفطنة، والبلاغة اللغويّة.
أهمّ الشعراء في تلك المرحلة كانوا شعراء المُعلَّقات، من أمثال: امرئ القيس، وعنترة العبسيّ، وزهير بن أبي سُلمى، وغيرهم الكثيرون حيث تعتبر المعلقات سِجلّاً مُهمّاً لحياة العرب قَبل الإسلام.
يُعد الشعر الجاهلي مصدراً موثقاً للمعلومات، حيث اعتمد علماء اللغة على هذا الشِّعر في وضع قواعد النحو، والتأكُّد من صحّتها، ولجأ علماء الفقه، ومُفسِّرو القرآن الكريم، إليه لبيان معاني الكلمات، في اللغة، وقد نشأ هذا الشّعر في بوادي نجد والحجاز وما حولها من شماليّ الجزيرة العربيّة.
وإذا كان الشعر الجاهلي سجلاً وثقّ حياة العرب في هذه المرحلة، فما رأيك بالتعرف على مراحل أخرى بحياة العرب من خلال معرفة مراحل تطور الشعر العربي
• أنواع الشعر الجاهلي
احتل الشعر مكانة رفيعة لدى العرب
يقول علم الدين الشعر الجاهلي له مجالات كثيرة وخصائص متعددة، ولكل نوع سمات مميزة ومنه:
- شعر الوصف
والوصف يعتبر عمود الشعر، وهو يسير في مسلكين اثنين. فهو إما أن يكون ممتزجاً مع غيره من الموضوعات الأخرى كالمدح والرثاء والفخر وإما أن يكون غرضاً مستقلاً بذاته، وقد قام شعراء الجاهلية بوصف مظاهر البيئة المختلفة، فعملوا على وصف كل ما تراه أعينهم من مظاهر بيئية جمالية، أي أنه عبارة عن تصوير الظواهر الطبيعية بصور واضحة الملامح، والتقاسيم، وإضفاء الألوان على الآثار الإنسانية من أجل إبراز الجمال.
- شعر الغزل
أقدم الفنون الشعرية عند العرب وأكثرها شيوعاً لأنه متصل بطبيعة الإنسان وبتجاربه الذاتية خاصة والغزل، هو التغنّي بالجمال، وإظهار الشوق إليه، والشكوى من فراقه، والغزل فنُّ شعريٌ يهدف إلى التّشبّب بالحبيبة ووصفها عبر إبراز محاسنها ومفاتنها، وأيضاً من شعراء الغزل لجأوا إلى الغزل الذي يحترم المرأة ويرفع من شأنها وقيمتها، وذلك من خلال التغزل بأدبها وأخلاقها.
- شعر الرثاء
ويعرف شعر الرثاء بأنه صوت الكلام على الميت، وإحياء ذِكره للتخفيف على أهله وأحبابه من فاجعة موته، ولم يقتصر الرثاء على الأشخاص فقط، بل انتقل لرثاء الحيوانات، كما فعل أبو نواس عندما رثى كلبه، وهو الشعر الذي كان يعبر فيه الشاعر عن حزنه وبكائه وعويله اتجاه موت شخص قريب له وعزيز عليه
- شعر الفخر
الفخر فن من فنون الشعر الغنائي يتغنى فيه الشاعر بنفسه أو بقومه
الفخر فن من فنون الشعر الغنائي يتغنى فيه الشاعر بنفسه أو بقومه انطلاقاً من حب الذات كنزعة إنسانية طبيعية، تغنى الكثير من الشعراء بعشيرته العريقة الأصل وقبيلته القوية، وأصوله الكريمة فيفخر بأجداده ويعتز بدمائه وشرفه، ونظموا الشعر الذي يعبرون فيه عن فخرهم بعودة نسبهم وانتمائهم لهذه العشائر، ومن أشهرها أشعار عمرو بن كلثوم.
- شعر المدح:
اختلف الشعراء في أسلوب المدح الذي اتبعوه، فمنهم من مدح من يستحق مدحه دون رياء أو طمعاً في العطاء مثل زهير بن أبي سلمى، ومنهم من ركز على مدح الملوك والأغنياء طمعاً في العطاء مثل الأعشى. المدح: كان الشاعر رمز قبيلته ولسانها، وبالتالي سخّر هذا اللسان في مدح زعماء قبيلته وساداتها وفرسانها، وتعدى ذلك لكل من كان يحمل صفات النبل والكرم والإباء.
- شعر الهجاء
وهذا الأسلوب قام على التهديد والوعيد للأعداء بما يلحق في قلوبهم الرهبة والخوف أكثر مما تفعله السيوف والحروب، فالقبائل المتحاربة كانت تتقاتل لسانياً بشعرائها، كل شاعر يسقي القبيلة العدو سماً من الكلمات المخزية، والمتمكن صاحب النفس الطويل هو من كان يصمد حتى ينتصر لقبيلته.
- شعر المعلقات
وقد قيل لها مُعَلَّقَاتٌ لأنها مثلُ العقود النفيسة تَعْلَقُ بالأذهان، وقد تميز بها الشعراء الجاهليون العظماء، حيث كانت تمتاز بطولها وألفاظها الجزلة وأفكارها المتماسكة، أما تسميتها بهذا الاسم فجاءت بسبب تعليقها على جدار الكعبة قبل مجيء الإسلام.
كانت هذه أنواع من الشعر القديم، حيث كانت القافية هي لُب البيت الشعري وأساسه وقد اختلف وضع القافية في الشعر الحر في الزمن المعاصر.
• شعراء العصر الجاهلي
مكانة الشعراء في الجاهلية كانت مكانة رفيعة في المجتمع
يؤكد علم الدين أن مكانة الشعراء في الجاهلية كانت مكانةٌ رفيعة في المجتمع، فكما كان للقبيلة قائدها كان لها شاعرها، وكانتْ قصائد الشعر الجاهلي تستعمل كوسيلة للاسترضاء والمدح، وكانت أيضاً تثير الحروبَ، وكان من شعراء العصر الجاهلي:
- عنترة العبسي:
هو: عنترة بن شدّاد بن قراد العبسيّ، ويُعد الأشهر من شعراء الشعر الجاهلي العرب الفرسان، وُلِد من أبٍ عربيّ وأمٍّ حبشيّة، وله قصائد كثيرة في غزل محبوبته عبلة، وقد كان غزله بها عفيفاً جميلاً، اشترك عنترة في حرب داحس والغبراء، وقد ذاق حياة الحرمان من أبيه شداد قبل أن يعترف به ابناً وينسبه إليه.
ومن أشعاره:
إني أنا ليث العرين ومن له
قلب الجبان محير مدهوش
إني لأعجب كيف ينظر صورتي
يوم القتال مبارز ، ويعيش
- النابغة الذبياني:
هو: زياد بن معاوية من ذبيان، وقيل عنه النابغة لأنّه كتبَ الشعر الجاهلي في سنٍّ متأخرةٍ، ولكنَّه أبدع به دفعةً واحدة، كان من السادة في قومه، وقد توسّط لقومِه عند الغساسنة لمنع الحرب بينهم، كانت علاقته وطيدة بالمناذرة وأولهم المنذر بن ماء السماء، وعمرو بن هند، ولكن علاقته بهم انقطعت بعد ذلك، وهو من شعراء المعلقات.
ومن أشعاره:
نبئتُ نعماً ، على الهجرانِ ، عاتبة
ً ؛ سَقياً ورَعياً لذاك العاتِبِ الزّاري
رأيتُ نعماً وأصحابي على عجلٍ ،
والعِيسُ، للبَينِ، قد شُدّتْ بأكوارِ
فريعَ قلبي ، وكانتْ نظرة ٌ عرضتْ
حيناً ، وتوفيقَ أقدارٍ لأقدارِ
بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها
، لم تُؤذِ أهلاً، ولم تُفحِشْ على جارِ
تلوثُ بعدَ افتضالِ البردِ مئزرها
، لوثاً ، على مثلِ دِعصِ الرملة الهاري
و الطيبُ يزدادُ طيباً أن يكونَ بها
، في جِيدِ واضِحة ِ الخَدّينِ مِعطارِ
- طرفة بن العبد:
هو: عمرو بن العبد وطرفة هو لقب أُطلقَ عليه، يعدُّ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، عاش بداية حياته في اللهو والعبث والمجون؛ وذلك بسبب موت أبيه، فقد أساء أعمامه تربيته وسلبوا أمَّه حقوقها فنشأ هذه النشأة البائسة، لم يكن له قصائد من الشعر الجاهلي كثيرة لأنّه عاش حياة قصيرة، إلا أنه يُعد من أهم شعراء المعلقات.
ومن أشعاره:
أَتَعرِفُ رَسمَ الدارِ قَفراً مَنازِلُه
كَجَفنِ اليَمانِ زَخرَفَ الوَشيَ ماثِلُه
بِتَثليثَ أَو نَجرانَ أَو حَيثُ تَلتَقي
مِنَ النَجدِ في قَيعانِ جَأشٍ مَسائِلُه
دِيارٌ لِسَلمى إِذ تَصيدُكَ بِالمُنى
وَإِذ حَبلُ سَلمى مِنكَ دانٍ تُواصُلُه
وَإِذ هِيَ مِثلُ الرَئمِ صيدَ غَزالُها
لَها نَظَرٌ ساجٍ إِلَيكَ تُواغِلُه