أول ترجمة عربية لرواية "نار الله"

"منشورات المتوسط" تصدر أول ترجمة عربية لرواية إلياس كانيتي "نار الله"، التي يعدّها النقاد واحدة من الروائع الأدبية النادرة في عصرنا.

صدرت حديثاً عن "منشورات المتوسط - إيطاليا" الترجمة العربية لرواية "نار الله" لصاحب نوبل للآداب (1981) إلياس كانيتي (1905 - 1994)، والتي يعدّها النقَّاد روايته الخالدة، وواحدة من الروائع الأدبية النادرة في عصرنا.
هذه الرواية التي ترجمها كاميران حوج تنقل إلى العربية للمرة الأولى وبترجمة مباشرة عن اللغة الألمانية.

وكتب كانيتي روايته هذه بين عامي 1929 و1931، لكنّه لم ينشرها اقتداءً برأي معلّمه كارل كراوس (1874 – 1936) الذي يرى أن على العمل الفني أن ينضج بعد الانتهاء من كتابته حتى يُنشر. ويقول كانيتي في كتابه "ضمير الكلام" منشورات "المتوسط": "كانت مخطوطة الرواية التي ركّزتُ عليها جهدي وأنهيتها خلال عام واحد تحمل عنوان "كانط يحترق". ظلت المخطوطة عندي 4 أعوام تحت هذا العنوان، وعندما تقرّر نشرها عام 1935 أعطيتها العنوان الذي تحمله مذّاك".

وكان كانيتي قد خطّط لكتابة 8 أعمال ضمن الكوميديا الإنسانية عن المجانين إذ يقول: "فما يفترض به أن يكون كتابي الأول كان واحداً من 8 كتب خطّطت لكتابتها معاً خلال عام واحد بين خريف 1929 لغاية خريف 1930 … قلت سأبني 8 كشّافات أسلّط بها الضوء على العالم من الخارج"، لكنه تخلّى عن هذه الفكرة عام 1930 لأن شخصية دودة الكتب (في رواية نار الله) بهرته جدّاً، فركّز عليها متخلّياً عن كلّ المسوّدات الأخرى.

لم تلفت الرواية الأنظار حين نشرها، ولم تلقَ ما كان كانيتي يتوقعه لها. كان قد أرسلها إلى توماس مان عام 1935 فأعادها إليه من دون أن يقرأها، ما ترك جرحاً عميقاً في نفسه. ورغم إعادة طبعها عدة مرات بعد 1936، فإن النقاد لم يحفلوا بها حتى طبعتها الثالثة 1963، لكن بتردّد، مع أنها كانت قد ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية. لكن، بعد أن حصلت على جائزة نوبل عام 1981، لقيت إقبالاً شديداً وأُلّفت عنها مئات الدراسات. وقد تعدّدت قراءاتها على مستويات مختلفة بين الشكل والمضمون.

وتتمحور الرواية حول الشخصية الغريبة لمَهوُوس القراءة البروفيسور كين، "أعظم علماء الصينيات"، الذي يحتقر الأساتذة الأكاديميِّيْن، ويرى أن التواصل مع العالم لا لزوم له ما دام هناك الكُتُب، لذا يعيش منعزلاً في بيته مع آلاف الكُتُب ولأجلها؛ لكن التفاهة البشرية تتمكَّن من التسلُّل إلى بيته، وإحكام قبضتها عليه، وتقليص وجوده، وحَشْره في غرفة صغيرة مع كُتُبه، ودَفْعه إلى التواصل مع العالم، الذي سرعان ما سينهشه ويُنكِّل به، وكأن الحياة تنتقم منه انتقاماً شرساً، وهو يحاول أن يُراوغَها بالدقَّة والعناية نفسها التي يُفسِّر فيها نصَّاً قديماً.

بُنيت الرواية على 3 أجزاء. وقُسم كل جزء منها إلى فصول فرعية. يبدأ الجزء الأول بحديث بين مثقف متغطرس وصبيّ في التاسعة من العمر، وينتهي الجزء الثالث باحتراق المثقف. تبدأ بسؤال وتنتهي بجواب يجده المثقف حلّاً نهائياً لكل الأسئلة.
في الجزء الأول يعرّفنا المؤلف على شخصية "أعظم علماء الصينيات" في حياته اليومية المحددة بصرامة تضعه في عزلة قاتلة، وتجعله كارهاً للبشر والواقع. في الجزء الثاني تبلغ "الفوضى" ذروتها، حين يختلط المثقف المنعزل ببشر حقيقيين في مدينة حقيقية خارج أسوار رأسه. في الجزء الثالث تصوير حدّي للفشل في محاولة استعادة ذلك العالم في الرأس، بعد أن تبيّن أن الجنون سيطر على البشرية. في دراسة متأخرة للرواية، فسّر أحد النقاد نهاية الشخصية الرئيسية بأنها "تحرير للمثقف من عزلته". 

يذكر أن كانيتي هو كاتب وناقد ومُفكِّر بلغاري يحمل الجنسية البريطانية ويكتب باللغة الألمانية. حصل على العديد من الجوائز العالمية، كان آخرها جائزة نوبل عام 1981 والتي جاء في بيانها: "لكتابة تتميَّز بنظرة واسعة، وثروة من الأفكار، ولقوَّتها الفنِّيَّة".
توزّعت اهتمامات كانيتي بين الأدب وعلم الاجتماع والفلسفة والعلوم وكتب عدداً من الروايات وكتب السيرة الذاتية وأدب الشذرات والمسرحيات، وإن كان أغلب النقاد يرى أن إنجازه الرئيس هو كتابه الضخم "الحشد والسلطة" الذي ظلَّ 15 عاماً لا يفعل شيئاً سوى شحذ أقلامه الرصاص لكتابته وهو دراسة أنثربولوجية عن الجماهير والسلطة، وعن الحشود ومقاومة السلطة للجماهير بالقمع والاستبداد.

من نتاجاته أيضاً كتاب "أصوات مراكش" وهو مجموعة مقالات ونصوص سردية تتحدث عن رحلة قام بها كانيتي إلى المغرب، بصحبة فريق سينمائي إنكليزي عام 1954. وقد انتهزها للتجول في أسواق وأحياء مراكش القديمة، وتابع ما يدور فيها من تفاصيل بعينٍ محبة، وكذلك كتب "شذرات"، و"محاكمة كافكا الأخرى".

ولد كانيتي في مدينة روسه البلغارية ودرس في فيينا قبل الحرب العالمية الثانية، ثمَّ انتقل مع زوجته فيزا إلى إنكلترا، ومكث هناك لفترة طويلة. توزَّعت حياته بين لندن وزيورخ منذ أواخر الستِّينيات وحتَّى أواخر الثمانينيات، حيث أصبحت بعدها مدينة إقامته الأساسية حتى وفاته.