مهارات التفكير الاستراتيجي
يعد التفكير الاستراتيجي واحدًا من أهمّ المهارات اللينة التي يسعى كل قيادي لاكتسابها وتطويرها. حيث أنّها عملية مستمرّة ومتطوّرة تحدّد الطريقة التي تخلص بها للاستنتاجات وتتخذ بها القرارات.
إنها القدرة على التفكير خارج الصندوق، وتصوّر حلول جديدة للمشكلات القديمة، فضلاً عن أنّها تمكّنك من رؤية الفرص التي قد لا يلحظها الآخرون. امتلاك مهارات التفكير الاستراتيجي سيكون بلا شكّ سلاحًا مميّزًا بين يديك في سوق العمل التنافسي هذا.
في مقال اليوم، سنتعرّف على هذه المهارات، أهميتها، وكيفية اكتسابها وتطبيقها في حياتك العملية لتحقيق النجاح الذي تطمح إليه.
ما هو التفكير الاستراتيجي؟
يُعرّف التفكير الاستراتيجي بأنّه عملية ذهنية يقوم بها الفرد في سبيل تحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المحدّدة في لعبة معيّنة أو أيّ مسعى آخر، حيث أنّه نشاط معرفي يولّد أفكارًا جديدة.
يمكن ممارسة التفكير الاستراتيجي بشكل فردي أو تعاوني، حيث أثبت هذا التفكير الاستراتيجي الجماعي فعاليته في تمكين الحوار الاستباقي والإبداعي وإيجاد الحلول المناسبة والمتجدّدة للمشكلات المختلفة التي تواجه المؤسسات والشركات.
ما هي أهمية مهارات التفكير الاستراتيجي؟
يعدّ تبني عقلية التفكير الاستراتيجي أمرًا مهمّا للمدراء التنفيذيين المكلّفين بزيادة الأرباح وإرضاء العملاء، والحفاظ على المواهب في الشركات والمؤسسات. وحتى تحافظ هذه الشركات على مكانها في سوق العمل التنافسي لابدّ لها من رسم مسارٍ واضح لأعمالها مع الوضع في عين الاعتبار احتمالية تغييره إن لزم الأمر، علمًا أن هذا التغيير قد يحدث في غضون وقت قصير جدًّا.
وبالإضافة إلى أهميتها في الإبقاء على شركتك على المسار الصحيح للنجاح، فإنّ إتقان فنّ التفكير الاستراتيجي يرفع كفاءتك وقوّتك كشخص قيادي، حيث تساعدك هذه المهارات على التفكير المنطقي واختيار الطريق الأسرع نحو تحقيق أهدافك.
فيما يلي بعض من أهمّ فوائد اكتساب مهارات التفكير الاستراتيجي وتطويرها:
تطوير عقلية منفتحة
غالبًا ما ينتهج الأشخاص في تعاملهم مع المشكلات التي تواجههم عقلية منغلقة، بمعنى أنّهم يتطرّقون للمشكلة واضعين حلولاً مسبقة في الحسبان. والسبب في ذلك يعود لاعتقادهم بأنّ نجاح هذا الحلّ سابقًا يعني نجاحه هذه المرّة أيضًا.
ما لا يدركه الكثيرون هو أنّنا نعيش في عالم متغيّر، وما كان يعتبر حلاًّ ناجعًا بالأمس، قد لا يكون ذا نفع اليوم. لذا فإن تبني عقلية التفكير الاستراتيجي ستجعلك أكثر انفتاحًا، وبالتالي أكثر قدرة على الخروج بحلول متجدّدة أكثر فعالية.
التساؤل باستمرار
حينما تبدأ بالتفكير على نحو استراتيجي، ستتوقّف عن أخذ الأمور على أنّها مسلّمات. وستبدأ بالتساؤل عن كلّ شيء قبل القيام بأيّ خطوة. الأمر الذي يجعل منك شخصًا أكثر مرونة وأكثر قدرة على مواكبة التغيّرات من حولك.
الفهم الشامل
يُجبرك التفكير الاستراتيجي على النظر لمشكلة معيّنة أو موقف ما من جوانب مختلفة، سعيًا للعثور على الحلّ الأمثل الذي يعود عليك بالنتائج الأفضل. وهو ما يكسبك وعيًا أعمق، ونظرة أشمل لكّل ما حولك. ويتيح لك تقييم الحلول المطروحة أمامك ومعرفة سلبيات وإيجابيات تطبيق كلّ منها.
عندما تخرج عن الطرق التقليدية في التفكير وحلّ المشكلات، ستكون النتيجة مكافآت ونجاحات ما كان يسعُك تحقيقها سابقًا نظرًا للطريقة المحدودة التي كنت تنفّذ بها الأمور. عندما تفكّر بشكل استراتيجي فأنت تتحدّى الافتراضات المطروحة أمامك وتركّز على إيجاد المصادر وتطوير الفرص وإضفاء قيمة على كلّ ما تقوم به.
خطوات التفكير الاستراتيجي
تتضمّن عملية التفكير الاستراتيجي 3 خطوات أساسية كالتالي:
الخطوة الأولى: بناء الفكرة Ideation
تعتبر الأفكارُ روحَ التفكير الاستراتيجي، فكلّ ما نراه أو نلمسه أو نسمعه أو نتذوّقه منبعه من الأفكار. ويُقصد بمفهوم "بناء الفكرة" عملية العصف الذهني للخروج بأفكار جديدة والاطّلاع على الأفكار ذات التأثير المحتمل الأكبر على نجاح الأعمال.
وحتى تتمكّن من بناء أفكار فعّالة ذات تأثير قوي، احرص على تقييم كلّ فكرة تخرج بها مستخدمًا مقياس PIES، وهي كلمة من أربعة أحرف يرمز كلّ حرف منها إلى سمة معيّنة كالتالي:
- حرف P اختصار لـ Potential: أيّ قوّة الفكرة المحتملة وإمكانيتها في إحداث تغيير إيجابي.
- حرف I اختصار لـ Importance: أيّ مدى أهمية هذه الفكرة لعملك أو حياتك.
- حرف E اختصار لـ Ease: أيّ مدى سهولة أو صعوبة تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع.
- حرف S اختصار لـ Score: أيّ الدرجة التي تمنحها لفكرتك هذه من 10.
امنح لكلّ فكرة من أفكارك علامة من 10 عن كلّ سمة من السمات الأربعة السابقة، ثمّ اجمعها معًا لتحصل على درجة PIES.
بعد ذلك يمكنك ترتيب أفكارك حسب أولويتها اعتمادًا على درجتها. حيث أنّه كلما كانت درجتها أعلى كانت لها الأولوية قبل غيرها، لأنّ نسبة نجاحها أعلى من غيرها، وحتى لو لم تنجح تمامًا، ستكون حينها قد قيّمتَ الفكرة جيّدًا قبل الاستثمار في تنفيذها واستهلاك الموارد لذلك.
الخطوة الثانية: التخطيط الاستراتيجي Strategic Planning
بعد أنّ خرجت بالأفكار الجديدة، ورتبّتها حسب أولويتها ودرجتها، حان الوقت الآن لتحوّل هذه الأفكار إلى خطط واستراتيجيات. وهنا لابدّ من أخذ العوامل الخارجية أو الداخلية التي قد تؤثّر على نجاح الأفكار بعين الاعتبار.
قد تشمل العوامل الخارجية الأوضاع الاقتصادية والسياسية السائدة أو التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية. في حين تتضمّن العوامل الداخلية احتياجات العملاء وهيكلة المنظمة...الخ.
يمكنك اللجوء إلى أيّ من إطارات العمل التالية لتقييم هذه العوامل:
1- تحليل الـ PEST
وهو عبارة عن أداة عمل استراتيجية تستخدمها المنظمات عادة لتقييم عوامل الاقتصاد الكلي التي قد تؤثر على الأعمال. حيث يتمّ من خلالها الفرص أو التهديدات التي قد تنجم عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية السائدة.
استخدام هذا المقياس يسلّحك بالمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة.
2- تحليل SWAT
بعكس التحليل السابق، فإن هذا الأخير يساعد المؤسسات على تحديد نقاط قوّتها وضعفها بالإضافة إلى الفرص والتهديدات التي تقف أمامها. إنّه باختصار يتيح للمؤسسات تقييم الوضع الراهن.
وعلى الرغم من اختلافهما، فإنّ هذين التحليلين يكمّلان بعضهما البعض ولابدّ من إجرائهما بانتظام قبل البدء بأي عملية تخطيط.
الخطوة الثالثة: التخطيط العملي Operational Planning
وهي الخطوة التي يتمّ فيها تحويل الاستراتيجيات إلى خطط عمل يمكن تنفيذها على أرض الواقع. لقد تمّ وضع الأهداف والغايات، وتحديد المعايير المهمّة لقياس كلّ منها. وهنا لابدّ من التأكيد أنّ هذه الخطط لابدّ أن تكون مفصّلة توضّح الهدف المنشود بالضبط والوقت اللازم لتحقيقه، ووسائل قياس التقدّم الذي يتمّ إحرازه.
هل أنت مفكر استراتيجي؟
كيف يمكنك معرفة ما إذا كنت مفكّرًا استراتيجيًا أم لا؟ الأمر في الواقع ليس بهذه الصعوبة فالنقاط التالية تبيّن صفات المفكّر الاستراتيجي وغير الاستراتيجي، يمكنك المقارنة بينها لتحديد نمط تفكيرك ونوعه.
سمات المفكّرين الاستراتيجيين:
- النظر إلى الأمام وتقبّل المستقبل بغضّ النظر عمّا يحمله.
- الاستعداد للعمل بجدّ اليوم من أجل حصد المنافع في الغد.
- عدم التقيّد بمبدأ "المُجرّب" و "الحلّ الأفضل" في القيام بالأمور.
- إعطاء الأهمية الأعظم للأفكار الأكثر تأثيرًا والتي يُحتمل أن تعود بالنتائج الأفضل والمكاسب الأعلى.
- تغيير منهجية التعامل مع موقف أو مشكلة معيّنة وفقًا للظروف الراهنة.
- الاستعداد الدائم لتعلّم أمور جديدة ومشاركتها مع الآخرين.
- غالبًا ما يتمّ وصفهم بالأفراد المبدعين الذين يفكّرون خارج الصندوق.
سمات المفكّرين غير الاستراتيجيين:
- غالبًا ما ينتظرون أنّ يتمّ إرشادهم ونادرًا ما يقدّمون أفكارًا جديدة.
- يركّزون على الوضع الراهن ولا يفكّرون بالأهداف طويلة الأمد.
- يتعاملون مع جميع المواقف بالطريقة ذاتها دون أن يتأثروا باختلاف المشاكل ومدى استعجال حلّها.
- يتردّدون في تغيير استراتيجيتهم على الرغم من علمهم أنّ فعل ذلك قد يعود عليهم بنتائج أفضل.
- يشعرون بالرضا عن قدراتهم ولا يمتلكون أيّ حافزّ لتعلّم المزيد.
- يسهل توقّع تصرّفاتهم نظرًا لأنهم يتبعون طريقة ثابتة في التعامل مع الأمور.
نصائح لتطوير مهارات التفكير الاستراتيجي
يعتبر التفكير الاستراتيجي مهارة كغيره من المهارات، يمكن اكتسابها وتطويرها بالتدريب والممارسة. لذا، إن وجدت نفسك تفتقر للقدرة على التفكير الاستراتيجي، فلا تتردّد في
تجربة أيّ من النصائح التالية لتطويرها وتعزيزها:
1- خصص بعض الوقت لإحراز التقدم
من الجميل حقًا أن تحرص على حلّ المشكلات التي تواجهك أوّلاً بأوّل وتركّز على المهام اليومية التي يتعيّن عليك إتمامها، لكن لابدّ لك أيضًا من تخصيص بعض الوقت للتفكير في المستقبل من أجل إحراز التقدم على الصعيد الشخصي أو المهني.
كيف ذلك؟
إليك الإجابة:
- عليك أن تعي بداية أنّ أخذ وقت مستقطع من أجل التخطيط لمستقبلك هو أمر إيجابي جدًّا ويصبّ في صالحك. إنّك بهذه الطريقة تستثمر في عملية تطوير نفسك وشركتك على المدى البعيد.
- رتّب أولوياتك وحدّد المهام التي يمكن إيقافها أو تأجيلها لبعض الوقت.
- إجلس مع نفسك وحدّد أيّ مشكلات أو معيقات شخصية تقف في طريق تطوّرك على الصعيد المهني والوظيفي.
2- كن على دراية بالتحيزات الخاصة بك
تتمثّل أهمّ جوانب كونك مفكّرًا عقلانيًا في امتلاك ما يكفي من الوعي الذاتي لمراقبة أفكارك واستجوابها. ماذا يعني أن تفكّر بشكل استراتيجي؟ يعني ذلك أن تكون مسؤولاً عن وعيك وتعترف بأنّ بعض أفكارك قد لا تكون صحيحة تمامًا.
هذا لا يعني بالضرورة أنّك تقلّل من مصداقية نفسك، بل على العكس، التفكير على هذا النحو سيساعدك في التأكد من الحقائق والتفكير خارج الصندوق لإيجاد أفكار جديدة متميّزة.
اطرح على نفسك الأسئلة التالية لمساعدتك على تحديد صحّة أفكارك:
- هل المنظور الذي أرى به الأمور من حولي واقعي؟
- ما هي الجوانب الأخرى التي يجب عليّ أخذها بعين الاعتبار ولم أفعل؟
- ما الذي تنطوي عليه وجهة نظري؟ ما الذي أسعى لقوله أو توضيحه حقًا؟
3- طور مهارات الاستماع لديك
يتقبّل المفكر الاستراتيجي حقيقة أنّ أفكاره قد تنطوي على ثغرات، ونتيجة لذلك، فهو يستمع للآخرين وينصت إليهم طمعًا في تعلّم المزيد منهم ومن وجهات نظرهم.
إن كنت ممّن يتحدثون أكثر من ممّا ينصتون، فقد حان الوقت لتغيّر هذه العادة، وتسعى لتطوير مهارات الاستماع للآخرين من خلال ما يلي:
- كن ذا عقلية منفتحة وابتعد عن التحيّز.
- تقبّل انتقادات الآخرين وتغذيتهم الراجعة الموجهة إليك.
- أصغِ بانتباه لما يُقال أمامك وحاول تعلّم شيء واحد على الأقلّ ممّا تسمعه.
- قيّم ما سمعته وحدّد أهمّ النقاط التي تعلّمتها من الآخرين.
4- طور مهاراتك في طرح الأسئلة
يحتاج منك التفكير الاستراتيجي إلى التشكيك في كلّ شيء. ليس من وجهة نظر ساخرة وإنما بطريقة بنّاءة تتيح لك رؤية الأفكار بموضوعية. لمجرّد أنّ فكرة معيّنة أو نظام تفكير ما شائع الانتشار ومقبول كمعيار لا يعني بالضرورة أنّه لا يجب التشكيك فيه.
حينما تخصّص الوقت للتساؤل حول موضوع معيّن يتيح لك المجال للتحسين والتطوير. إليك بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها خلال لتطوير هذه المهارة:
- هل هذه الفكرة معقولة؟
- هل مصدر الفكرة/ المعلومة موثوق؟ هل تمّ الحصول عليها من قبل خبير، أم من خلال إشاعات شفوية؟
- ما هي الأدلّة التي تثبت هذه الفكرة وتدعمها؟
5- افهم العواقب المترتبة على كل قرار تتخذه
لكلّ خيار أو قرار تتخذه عواقب محدّدة إيجابية أو سلبية. بعد أن تستفهم وتطرح الأسئلة وتتأكّد من مختلف مصادر وجهات النظر التي أمامك، فكّر في تداعيات كلّ خيار أمامك. حيث تلعب هذه الخطوة دورًا مهّمًا في اتخاذ القرار النهائي، ومع التدريب المستمر ستصبح أمرًا سهلاً.
من المهمّ التفكير في نتائج مختلف السيناريوهات المترتبة على قراراتك حتى تستطيع اتخاذ القرار الصحيح. وفيما يلي بعض الأسئلة التي يمكنك أن تطرحها لمعرفة المخرجات الأفضل التي تتوافق مع هدفك ورؤيتك:
- ما هي إيجابيات وسلبيات كلّ قرار/ خيار؟
- أيّ هذه الخيارات سيخدم أهدافي النهائية بشكل أفضل؟
- هل يوجد من بين هذه الخيارات ما يتيح لي فرصًا على المدى البعيد؟
ختامًا لابدّ من التأكيد أنّ مهارات التفكير الاستراتيجي ليست سوى أسلوب تفكير وطريقة لاختبار أشياء مختلفة والربط بينها بشكل منطقي يضمن إضفاء قيمة على الفرد والمؤسسة. لذا من المهمّ التدرب عليها والتمرّن بشكل مستمرّ حتى تتحوّل إلى عادة تحقّق لك النجاح وتفتح أمامك آفاق التطوّر والتميّز.