ما هي التعددية و ما هي أهميتها ؟
تعريف التعددية
تُشير التعدّدية إلى التنوّع في وجهات النظر والمواقف حول نهج أو فكرة معيّنة. يدخل مفهوم التعددية في مختلف المجالات ولها أقسام عديدة، حيث نجد أنّ هناك تعددية سياسية، تعددية اقتصادية، تعددية دينية وتعددية ثقافية. تعبّر كلّ من التعددية السياسية والاقتصادية عن وجود أكثر من نظام سياسي أو اقتصادي في البلد الواحد. في حين تعبّر التعددية الدينية عن وجود عدّة توجهات دينية في المجتمع الواحد مع تقبّلها وتشجيع التعايش السلمي بينها. أمّا التعددية الثقافية، فهي تعبّر عن الجماعات الصغيرة التي تعيش ضمن مجتمع أكبر وتحتفظ بهويّاتها الثقافية، وقيمها وممارساتها حيث يتمّ تقبل هذه الممارسات والقيم من قبل الثقافة السائدة مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ ثقافة الأقلية لا تتعارض مع قانون الدولة ونظامها.
تعتبر الهند والولايات المتحدة من الأمثلة القوية على المجتمع التعددي. ففي الهند نجد تعددية دينية لا مثيل لها، مواطنو الهند يتّبعون ديانات مختلفة مثل الهندوسية، المسيحية، الإسلام، السيخية، اليانية، البوذية، وغيرها إلاّ أنهم مع ذلك يتعايشون معًا في دولة واحدة ويتقبّلون بعضهم البعض. كذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتضن أناسًا من أصول عرقية وثقافية متنوعة يعيشون معا بتناغم. ومن الأمثلة الأخرى على المجتمعات التعدّدية، نجد تركيا التي تمثّل بوتقة لانصهار الثقافات من قارتين مختلفتين تمامًا وهما آسيا وأوروبا.
ما هي أهمية التعددية ؟
تسهم التعددية بأشكالها التي سبق أن ذكرناها في خلق تجربة مميزة وفريدة من نوعها لكلّ فرد. وربّما علينا التوقف للحظة والنظر بتمعن في المجتمع من حولنا… إلى أيّ درجة هناك تعددية من حولنا؟ وهل هناك تعددية في مدارسنا، وبيئة عملنا وحياتنا بشكل عام؟
على الرغم من أنّ المجتمعات التعددية قد تواجه بعض التحدّيات فيما يتعلّق بتنظيم الفئات المختلفة التي تشكّل المجتمع، والتي قد تميل أحيانًا للانعزال عن بعضها البعض لتشكّل وحدات صغيرة بعقليات جامدة ترفض التغيير والتعايش مع الوحدات الأخرى، إلاّ أن أهمية التعددية وإيجابياتها تطغى بلا شكّ عن سلبياتها.
إليك فيما يلي خمسة أمور تؤكد علىأهميةوجود التعددية بأشكالها في مجتمعنا بحسب ما نشرها موقع AMP Global Youth:
1- زيادة الإنتاجية
عندما تتواجد مع أشخاص من خلفيات متعدّدة وتجارب مختلفة، سيصبح بالإمكان خلق أفكار أو وجهات نظر قد لا يستطيع الآخرون التفكير فيها. لكلّ شخص طريقته الخاصة في التعامل مع مشكلة ما، مبنية على تجاربه الشخصية وموروثه الثقافي والديني والاجتماعي. سيكون من الأفضل بلا شكّ أن يتمّ استعراض هذه المشكلة (سواءً في العمل أو المدرسة) من وجهات نظر متعددة بدلاً من محاولة حلها من قبل أشخاص يتشاركون نفس التجارب والأفكار. الأمر الذي سيسهم بشكل فعّال في رفع الإنتاجية وخلق المزيد من الحلول الإبداعية لمختلف المشكلات. ولهذا السبب بالذات تسعى كبرى الشركات مثل جوجل أو مايكروسوفت إلى تقديم فرص التدريب (Internships) في مختلف مدن العالم لتعزّز لدى موظيفها شعور تقبّل الآخرين والتفكير خارج الصندوق.
2- نشر مفهوم المواطنة العالمية
عندما تختبر التعددية في حياتك اليومية، ستتعرّض بشكل يومي لأشخاص، ثقافات، تقاليد وممارسات تختلف كلّ الاختلاف عنك وعمّا تملكه. وستدهشك آثار هذا التفاعل. حيث ستتعلم مهارات التعامل مع مجتمعات ومفاهيم غريبة عنك وستكتسب وجهات نظر عالمية.
العيش في بيئة تعدّدية لن يسهم في تطويرك اجتماعيًا وحسب، لكنه سيزيد من فهمك للعالم، ويهيّؤك لتصبح جزءًا من مجتمع عالمي سواءً كنت ستسافر إلى دولة أخرى، أو ستعمل في مؤسسات عالمية تضمّ موظفين أجانب. أو حتى في حال قرأت عن أحداث أثّرت في شعوب أخرى مختلفة عن ثقافتك. وهنا يأتي دور المؤتمرات العالمية والفعاليات متعدّدة الثقافات في مساعدتك على التعرّف على أشخاص جدد من مختلف أنحاء العالم ومعرفة المزيد عن ثقافاتهم وعاداتهم وبالتالي تعزيز مفهوم المواطنة العالمية في داخلك.
3- خلق منظور جديد
عندما تتعرّف على تجارب الغير، فإنك بذلك تسلّط الضوء على حياة مختلفة تمامًا عن حياتك، الأمر الذي يمنحك منظورًا جديدًا. عندما تقارن صراعاتك، أولوياتك وقيمك مع الآخر، ستبدأ في فهم وجهات نظر الغير وتصرفاتهم وردود أفعالهم. التحدّث مع الآخرين ذووي الخلفيات الثقافية المختلفة قد يغيّر من عقليتك أو على الأقل سيجعلك أكثر تفهّمًا لوجهات نظر الغير ودوافعهم والصعوبات التي تواجههم. ومن الجدير بالذكر أنّ التبادلات الثقافية وفرص التطوع تسهم وبشكل كبير في خلق هذا المنظور. فضلاً عن أنّها تقدّم فرصة للسفر والالتقاء بأشخاص جدد وحتى العمل وكسب المال، فهي تتيح للشباب الإطلاّع على عوالم أخرى مختلفة تمامًا عن عالمهم وتوسيع آفاقهم ومنظورهم للحياة من حولهم.
4- تقبل الآخر والتقليل من العنصرية
تعتبر التعددية الخطوة الأولى ليس فقط للتسامح مع الآخر وإنما لتقبّله تمامًا. من خلال التواصل المتنامي مع أشخاص جدد يحملون أفكارًا مميزة والتعامل المستمر معهم، سيكتشف كلّ فرد أنّ هنالك الكثير من النقاط المشتركة بينه وبين الآخرين، ربما أكثر ممّا كان يتوقع. وفي أحيان أخرى قد يكتشف أن الاختلاف لا يزال كبيرًا ولا مشكلة في ذلك إطلاقًا. التكيف مع هذه الاختلافات يعرّض الفرد لوجهات نظر مختلفة كما سبق أن ذكرنا، الأمر الذي يقلّل من إطلاق الأحكام المسبقة ويصحّح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تغذّي العنصرية. وممّا لا شكّ فيه أنّ المنح الدراسية في الخارج تلعب دورًا فعّالاً في هذا المجال، فأن تلتزم بالدراسة لسنة أو أكثر في بلد مختلف تمامًا عن بلدك، وتتعامل خلال هذه الفترة مع جنسيات وثقافات مختلفة سيدفعك في نهاية المطاف لتقبّل جميع البشر على اختلافهم والتعامل معهم بحيادية بعيدًا عن إطلاق الأحكام المسبقة أو العنصرية. ليس هذا وحسب، بل في الواقع لابدّ من مراعاة مبادئ احترام التعددية عن طريق التقدم لأي منحة دراسية أو فرصة في الخارج والحرص على إظهار هذا الاحترام والاهتمام من خلال رسالة التغطية، الأمر الذي سيسهم بلا شكّ في زيادة نسبة حصولك على هذه الفرصة أيًّا كانت.
5- خلق تجربة ممتعة
يقال: "التعددية ملونة!" وهذا صحيح تمامًا… التعددية تضفي لونًا على المجتمع الذي نعيش فيه. ماذا لو كان كلّ من يحيط بك هو نسخة عنك في كلّ شيء؟… ستكون الحياة مملّة بلا شكّ، إننا بحاجة لأفكار جديدة ووجهات نظر مختلفة وأشخاص مختلفين نتعلّم من تجاربهم ونستلهم منهم حلولاً لمشاكلنا الخاصة. وهنا لابدّ من أن نأتي على ذكر فرص الإقامات الفنية والبحثية التي تتيح للطلاب والباحثين وكلّ من يهتم بالسفر الفرصة للإقامة في بلد آخر والمشاركة في نشاطاته الثقافية المختلفة، الأمر الذي يخلق تجربة ممتعة تجمع بين التعلم والتسلية في نفس الوقت.
كيف يمكننا تعزيز التعددية؟
بعد أن توضّحت لنا أهمية التعددية وآثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، لا بدّ لنا من دعمها والعمل على تعزيزها من حولنا، سواءً كان ذلك في العمل أو في بيئة الدراسة أو غيرها، فمالذي بوسعك فعله كفرد لتدعم التعددية في مجتمعك؟
1- اعمل على زيادة فهمك لثقافات الآخرين من خلال التعامل مع أشخاص من ثقافات أخرى غير ثقافتك بشكل مستمر، فلا يمكن للعلاقات أن تتطور من دون التفاهم.
2- تجنّب محاولة فرض قيمك وآرائك الخاصّة على الآخرين والتي قد لا تتوافق مع ثقافاتهم ومعتقداتهم.
3- عندما تتواصل مع أشخاص آخرين لا يتقنون لغتك، لا تعتبر أن جهلهم بلغتك يعكس مستواهم الثقافي أو التعليمي.
4- ضع دائمًا في عين الاعتبار أنّ المفاهيم ذات العلاقة بالعمل والعائلة والأمور الروحانية تختلف من ثقافة لأخرى وتؤثر بشكل كبير على السلوك.
5- احرص على استخدام أدوات ومواد (محسوسة أو مكتوبة أو غيرها) تتناسب مع مختلف الثقافات ووجهات النظر والخلفيات الاجتماعية. سواء كان ذلك في العمل أو في مكان الدراسة أو الأماكن العامة.
6- تدخّل بطريقة ملائمة في حال لاحظت أنّ الآخرين يظهرون سلوكًا لا يحترم التعددية أو يتسم بالتعصب والتحيّز.
7- كن مبادرًا في الاستماع للأفكار الجديدة المختلفة عن أفكارك الخاصة، وتقبّلها والترحيب بها.
وأخيرًا، اختلافاتنا تسهم في بناء مجتمع عالمي قويّ وجميل، وفي هذا الزمن الذي يشهد الكثير من العنف والتعصب والتمييز في أجزاء واسعة من العالم، لابدّ من العمل بجدّ أكبر للتعريف بأهمية التعددية ونشر فكر التسامح والتعايش والردّ على هذا العنف بالحبّ والاحتفال بالاختلاف.