السودان: قصف وانفجارات وجوع مع دخول الصراع شهره الثاني
نشرت في: 16/05/2023
نص:فرانس24تابِع
تتواصل المعارك الدامية في السودان وتدخل شهرها الثاني. وشن الجيش غارات جوية الإثنين على الخرطوم، محاولا صد قوات الدعم السريع. واستعرت المعارك في العاصمة ومدينتي بحري وأم درمان، على الرغم من المحادثات التي توسطت فيها السعودية والولايات المتحدة في جدة بين طرفي الصراع، بهدف تأمين وصول المساعدات الإنسانية والتوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار. واقتصاديا أصبحت السيولة نادرة، فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ 15 نيسان/أبريل، فيما سجلت الأسعار ارتفاعا حادا وصل إلى أربعة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية و20 ضعفا بالنسبة للوقود.
هز القصف الجوي والانفجارات السودان مجددا الإثنين بعد شهر من بدء معارك بين قوات الجنرالين المتصارعين على السلطة تهدد بدفع البلاد إلى حافة الانهيار، ما يثير قلق دول الجوار التي تعاني هي نفسها من أزمات.
وأوقعت الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو أكثر من 750 قتيلا وآلاف الجرحى، إضافة إلى قرابة مليون نازح ولاجئ.
في جميع أنحاء السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يعيش 45 مليون مواطن في الخوف، ويعانون من أزمات غذائية تصل إلى حد الجوع.
والإثنين، أفاد شاهد عيان في العاصمة بتعرض منطقة "شرق النيل في شرق الخرطوم لقصف جوي"، فيما أكد آخر في جنوب العاصمة يبلغ 37 عاما أن "قصف الطيران وضرب المضادات له يجري منذ الثامنة والنصف صباحا.. لم يتغير شيء منذ بداية النزاع".
وأضاف: "الأوضاع تتجه إلى الأسوأ، رغم الحديث عن الهدنة، لكن عنف الطرفين ومخاوف الناس تتزايد كل يوم".
وأفاد شاهد عيان آخر بوقوع "اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة" في مدينة أم درمان.
وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية في بيان الإثنين، أن مبنى السفارة الأردنية في الخرطوم تعرض "للاقتحام والتخريب".
وأعربت الوزارة عن "إدانتها واستنكارها للاعتداء" ولـ"كافة أشكال العنف والتخريب، خاصة تلك التي تستهدف المباني الدبلوماسية وتنتهك حرمتها".
إلى ذلك، أدانت وزارة الخارجية السودانية "النهج الإرهابي لمليشيا الدعم السريع المتمردة، وهجومها على البعثات الدبلوماسية، وانتهاكها للأعراف الدولية".
وأشار البيان إلى اعتداءات لقوات الدعم السريع استهدفت الأحد سفارات الأردن وجنوب السودان والصومال وأوغندا، والملحقتين العسكريتين السعودية والكويتية.
وقبل الحرب، كان ثلث سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، واليوم أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الإنسانية نهبت، كما علقت الكثير من هذه المنظمات عملها بعد مقتل 18 من موظفيها.
ارتفاع حاد في الأسعار
وأصبحت السيولة نادرة. فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ 15 نيسان/أبريل، فيما سجلت الأسعار ارتفاعا حادا، وصل إلى 4 أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية، و20 ضعفا بالنسبة للوقود.
ويعيش سكان الخرطوم الخمسة ملايين مختبئين في منازلهم، في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، فيما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة ونيران المدفعية التي تطال حتى المستشفيات والمنازل.
وبحسب الأمم المتحدة، تخطت حصيلة النازحين داخليا هربا من المعارك 700 ألف شخص، واللاجئين إلى بلدان مجاورة 200 ألف شخص.
بالإضافة إلى الخرطوم ودارفور، اتسع نطاق الاشتباكات إلى مناطق أخرى. وأسفرت أعمال عنف عرقية في ولايتي غرب كردفان والنيل الأبيض، عن مقتل أكثر من خمسين شخصا، بحسب الأمم المتحدة.
وفي جدة بالسعودية، يجري الطرفان محادثات حول وقف إطلاق نار "إنساني"، للسماح للمدنيين بالخروج، وإتاحة المجال لدخول المساعدات.
لكنهما لم يتفقا حتى الآن سوى على قواعد إنسانية بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال، وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات.
يقول الباحث علي فرجي: "إذا لم يغير الطرفان طريقة تفكيرهما، فمن الصعب تصور ترجمة حقيقية على الأرض للالتزامات التي يوقعان عليها على الورق".
إفلات من المحاسبة
يرى أليكس روندوس ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الأفريقي، إن "الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام، ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع".
وعرف السودان الكثير من النزاعات. في دارفور، أسفر قمع أقليات عرقية مطلع الألفية في عهد عمر البشير (1989-2019) من قبل قوات الجيش وقوات دقلو المتحالفة آنذاك، عن سقوط 300 ألف قتيل، ونزوح ما يزيد على 2,5 مليون شخص.
ولا تزال المنطقة إلى اليوم غير مستقرة. ومع اندلاع الحرب بين الجنرالين في الخرطوم، بات الجميع يقاتل في الإقليم الغربي في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع والمقاتلون القبليون ومدنيون مسلحون.
وقال محمد عثمان من هيومن رايتس ووتش لوكالة الأنباء الفرنسية: "نتلقى تقارير بأن قناصة يطلقون النار على أي شخص يخرج من بيته".
وأضاف أن "أشخاصا جرحوا في المعارك قبل أسبوعين يموتون في منازلهم"، لأنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وفي مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، أكدت نقابة الأطباء في السودان أنه خلال يومي الجمعة والسبت، "تمكنا من خلال مصادر طبية وقانونية بالمدينة حصر 280 قتيلا وأكثر من 160 جريحا".
وفي السياق نفسه، أفاد مجلس النرويج للاجئين بأن الوضع في الجنينة ألقى "بنحو مئة ألف نازح داخليا تحت رحمة العنف المستمر، مع تحول المخيمات إلى رماد".
وبحسب مدير مجلس النروج للاجئين في السودان وليام كارتر، "بالكاد وقع الطرفان المتحاربان اتفاق جدة ليل الخميس، حتى سادت الفوضى مجددا في الجنينة".
هجرة وانحسار التصنيع
وكل يوم، يدخل آلاف اللاجئين إلى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، وهي الدول الحدودية مع السودان، ما يثير قلق القاهرة التي تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، فيما تخشى الدول الأخرى أن تنتقل عدوى الحرب إلى حركات التمرد فيها.
ولم يعد هناك في الخرطوم لا مطار ولا أجانب، بعدما تم إجلاؤهم جميعا على عجل في الأيام الأولى للقتال، ولا مراكز تجارية، إذ تعرضت كلها للنهب.
كذلك، أغلقت الإدارات الحكومية "حتى إشعار آخر"، ولم يتحدث الجنرالان إلا لتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام.
وانتقلت بقية إدارات الدولة إلى بورتسودان، على بعد 850 كيلومتر شرقا على ساحل البحر الأحمر.
وهناك، يسعى فريق مصغر من الأمم المتحدة للتفاوض على مرور المساعدات الإنسانية، ويعقد بعض الوزراء وكبار المسؤولين مؤتمرات صحافية يومية، يحرصون فيها على توجيه رسائل طمأنة.
فرانس24/ أ ف ب