شيِّدت غالبيتها في عهد حكومة ياسين الهاشمي الحصون والمخافر التراثيّة في السماوة
سبعُ بنايات تراثية هي حصون ومخافر أمنيّة تعود إلى العام 1935، أخذت أسماءها من مناطقها: (الغليظة)، و(الصافي)، و(دبيس)، و(الحجامة)، و(الزريجيّة)، و(العارضيّات)، و(الخافورة)، أضيفت إلى مخافر وحصون سبقتها مثل (الهلال)، و(السلمان)، ومخفر (الخنّاق)، وسط مدينة السماوة، المستخدم كسجن إلى الوقت الحاضر، ومخفر (سراي الرميثة)، الذي شهد الشرارة الأولى لثورة العشرين.
حصون بُني البعض منها على أنقاض حصون وقلاع شيدتها قبائل بني حجيم برئاسة سعدون المحسن في القرن التاسع عشر، بحسب ما ينقله الدكتور (عمار ياسر العامري) في كتابه (الزريجية.. ماضيها وحاضرها 1829– 2015)، مثّلتْ مرتكزات فرض سلطة وهيمنة ووجود الدولة في المدن والمناطق العشائريّة التي اعتادت الثورة والتمرّد ضد السلطة المركزيّة لأسباب ترتبط بسوء الخدمات وتردي الواقع الصحي. كما أشار إلى ذلك الباحثان (علي عبيد شلغم)، وهو مدير دائرة التحريات والتنقيبات في الهيئة العامة للآثار والتراث في وزارة الثقافة، والباحث (مصطفى كاظم سهل)، ومن خلال نتائج الدراسة والمسح الميداني اللذين نشرا في المجلد السابع من مجلة الرافدين، يستخلص الباحثان أنَّ (القبائل العراقية دأبت على تشييد قلاعها الخاصة في نزعة استقلالية واضحة، وكتثبيت لسلطان قبلي معين، أو حيازة إقطاعيات واسعة.”
حصون بنتها حكومة ياسين الهاشمي
في العام 1935 صدرت الأوامر من حكومة ياسين الهاشمي لبناء المخافر السبعة لذات الأغراض التي بُنيت لأجلها الحصون والقلاع والمخافر السابقة، طريقة البناء غلبت عليها العمارتان القديمة والإسلامية، بوابات فخمة وأسوار عالية وأبراج حماية احتوت على مزاغل عمودية وأفقية بهدف المراقبة والرماية، بما يمنحها المنعة والقدرة على صد الهجمات. تقول معاونة مفتشية آثار المثنى (حنين كريم عيدان) إن “البنايات التراثية هي مقار أمنية تشترك في نوعية المواد المستخدمة، وهي السمنت والآجر والجص والروافد الحديدية (الشيلمان)، وقد احتوت على غرف وفنارات داخلية غالباً ما تكون ساحة لتجميع العسكر أو العسس، إضافة إلى وجود بئر في وسط الفناء للتزود بالمياه، وهو ما لم يتوفر في مخفر الصافي مع كونه بالقرب من نهر الفرات.”
تضيف حنين، وهي باحثة آثار وتنقيبات منذ العام 2012، سبق لها العمل مع البعثات الأجنبية إلى آثار محافظة المثنى: “وضعنا إشارة عدم التصرف على هذه المباني التراثية، لأن بعضها تعرض للتهديم بسبب العبث أو التقادم أو الظروف الجوية، وبعضها الآخر مازال جيداً نسبياً بفعل جهود الأهالي المحيطين بتلك المباني، خذ مثلاً سراي الرميثة الذي حصلت عليه إضافات لكونه شغل من قبل الجهات العدلية بمساحة 2400م مع 38 غرفة بطابقين، مع تطابق الجانبين، فيما وضِع إسطبل الخيول والمعالف خارج المبنى، لكن غياب الإمكانيات والتخصيصات يحول دون المضي قدماً في الإفادة من هذه الشواخص الحضارية التي تعكس جزءاً مهماً وحيوياً من تاريخ العراق.”
هويّة عمرانية متفردة
أسوار عالية من الطابوق وأبراج حماية ومراقبة وتحصينات، أسبغت على المشيدات هيبة ماتزال ملامحها باقية، سُمْك الجدار في مخفر الغليظة (22كم شرقي الرميثة) كان كافياً لسير الخيول عليه، كما تقول الحكاية الشعبية. تضيف الباحثة حنين كريم أن “الأجنحة الإدارية والخدمية والإسطبل توزعت على الجهات الثلاث للمخافر، فيما وضع سلّم من الآجر المؤطر بالحديد، يؤدي إلى سطح المبنى، مع سُلَّم من الحديد داخل أبراج الحماية، ومصاطب من الكونكريت داخل هذه الأبراج، كانت تستخدم للجلوس أثناء المراقبة أو تناول الطعام من قبل أفراد الحماية.”
من جانب آخر.. يقول (رحيم عبد غويزي الربايع)، وهو خمسيني يسكن بالقرب من مخفر الحجامة، إلى الشمال من مدينة السماوة، إن “المبنى متروك منذ عقود”، وعلى حد وصفه “وعيت عله الدنيا وهذا حاله”، مضيفاً أنه سمِع من كبار رجال القرية ومعمّريها الراحلين أنه استُخدِم كمركز أمني قبل تسعين عاماً، وكانت العربات التي تجرها الخيول تدخل من البوابة الرئيسة حاملة الأشخاص المُلقى القبض عليهم، وهو ما يدعم الاعتقاد السائد بأن الثورات التي قامت بها العشائر العراقية في منطقة الفرات الأوسط، مثل ثورة العشرين، وثورة آل خوام، وثورة عبد الواحد سكر، التي كانت ضد قانون التجنيد الإجباري وقوانين أخرى، سارعت في وتيرة بناء هذه المخافر وآليات تحصينها التي سَعت إلى أن تكون صفتا البقاء والاستمرارية ماثلتين، وهو ما كان عاملاً مهماً في بقاء هذه البنايات والحصون كشواهد على حقبة تاريخية أنبتت حراكاً سياسياً واجتماعياً ليكون مصدراً للتحصين وعوناً على الظروف الجوية القاسية، وشاهداً على هوية عمرانية في البناء والتعامل مع الطابوق والآجر.