الوسط الثقافي بين الحوار البنّاء و«الشلَليّة»
  • 10 مايو 2023



الوسط الثقافي بين الحوار البنّاء و«الشلَليّة»
أجواء أدبية مفعمة بالحيوية، في كل بلد، تعلو فيها لغة الحوار والمناقشة والتفاهم مع الآخر؛ ذلك أن الحوار من الأساليب المهمة التي تسد الفجوات بين مثقف وآخر، لكن ماذا إذا تهاوت هذه اللغة، وتحولت إلى مناورات ومناوشات، تضيق فيها دائرة الاحترام، وتكثر فيها الخطط التي تبقى حبراً على ورق، هل تصبح اجتماعات هذا الوسط مضيعة للوقت، وما الانتقادات والمآخذ التي لا تحبها الأديبات اللواتي حاورناهن، وتجبرهنّ على الابتعاد، وإلى أي حد؟ وما المواقف التي تستوجب حضورهن في هذا الوسط؟ هناك من يمتلكهن الرضا الكامل عن الوسط الثقافي في بلدهن، بينما أخريات يجدن أن في البعد غنيمة، كما يقال.



المشهد الثقافي السعودي يعيش عصره الذهبي

سلمى بوخمسين
سلمى بوخمسين: وجدنا فرصاً عديدة للتواصل ولعرض نتاجنا الفكري والأدبي
تشهد السعودية هذه الأيام نشاطاً ثقافياً منقطع النظير، بعد تأسيس وزارة الثقافة عام 2018 هيئة الأدب والنشر والترجمة، كما تقول سلمى بوخمسين، أديبة سعودية، التي تركز على برنامج الشريك الأدبي، الذي جعل الرزنامة الثقافية مزدحمة طوال العام، بين معارض الكتاب المتنقلة، والأمسيات، والندوات، وورش العمل، وبين البرامج المتناثرة تحت رعاية الأندية الأدبية والصالونات الثقافية، تتابع: »تم إعلان هذا العام عاماً للشعر العربي، فتصدرت الأمسيات الشعرية المشهد الثقافي، متمثلة في القوافل المنطلقة التي تجوب مدن السعودية، مثل قافلة النخيل التي جمعت مجموعة من شعراء وشاعرات الأحساء لإقامة الأمسيات الشعرية الجماعية».
أنا راضية جداً
ترى بوخمسين أن المشهد الثقافي السعودي يعيش عصره الذهبي؛ حيث وجد الكتّاب والأدباء فرصاً عديدة للتواصل فيما بينهم، وعرض نتاجهم الفكري والأدبي، والحصول على الدعم والاحتواء والنقد البناء، تستدرك: «بالنسبة إلي شخصياً، كان لدي العديد من المشاركات في هذه المناشط المتفرقة حول السعودية، التي حملتني على أجنحة الأدب، وأغرقتني بشعور البيت الثقافي الواحد الممتد من أقصى البلاد إلى أقصاها. أنا راضية جداً عن نشاطات الوسط الثقافي السعودي، وأحد المستفيدين المباشرين منه، وكلي ثقة أن هذه المشاريع الثقافية المتجددة والموجهة إلى مختلف جوانب الثقافة، كالفنون البصرية والأدائية والسينما والمسرح، ستؤتي أكلها، وتثبت بصمتها وهويتها العربية الخليجية الأصيلة».


من الإمارات
شيخة الحمادي:
جمعنا 197 ثقافة من مختلف دول العالم

شيخة الحمادي

شيخة الحمادي: لا شيء يجبرني على الابتعاد عن بيئة تشربت معنى الأصالة
تهدي شيخة الحمادي، كاتبة إماراتية، نجاحاتها القادمة، إلى كل العثرات السابقة، وقد نشرت رواية بعنوان «هنّ»، تحكي قصة كفاح شابة طموحة، أعادتها المشاكل إلى ما قبل الصفر، تتابع شيخة: «في البداية أحجمت عن نشرها خوفاً من الانتقادات، لكنني فوجئت برسائل القراء الإيجابية التي ما زالت تصلني، لهذا وللكثير من الأسباب أثمّن حالة الوسط الثقافي في الإمارات، نحن نعيش في دولة الثقافة لما تقدمه من مزايا للأدباء والشعراء، كاحتضانهم ومنحهم الإقامة الذهبية، وعلاوة على ذلك، تنظيم فعاليات ثقافية دولية ضخمة مثل إكسبو 2020، الذي ضم 197 ثقافة من مختلف دول العالم، وحقق نجاحاً عالمياً مبهراً على الرغم من جميع العوائق التي واجهها في ظروف كوفيد 19».
مبادرات تجعلني أقترب
تلفت شيخة إلى أن كل إمارة على حدة تسعى إلى تعزيز الأساس الثقافي للإمارة بطابع تثقيفي ترفيهي يستهدف جميع فئات المجتمع، تعلّق قائلة: «لا ننسى أن الشارقة حازت على لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عالمياً، وأنها تضم أكبر مكتبة عامة (بيت الحكمة)، وتنضم أعراساً ثقافية عديدة، منها معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يستقطب جميع الفئات والأعمار والجنسيات، وهناك العديد من المسابقات الثقافية التي تنظمها إمارات عدة، أشهرها تحدي القراءة العربي، وهي إحدى مبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. هذه بعض الأسباب التي تجعلني أقترب أكثر وأكثر من الوسط الثقافي الإماراتي، لا شيء يجبرني على الابتعاد من بيئة تشربت معنى الأصالة العربية الغنية بالاحترام».
من عُمان
وفاء الشامسي:
الشللية تؤدي إلى وضع خطط غير قابلة للتنفيذ

وفاء الشامسي

وفاء الشامسي: على المثقف أن يرتقي بنفسه، وألاّ يكون مسبباً لأي تجمعات أو شللية

يتميز الوسط الثقافي في سلطنة عمان، بالهدوء، وهو مبعث للإنتاجية الحقيقية التي يتم الاحتفاء بها مع معرض مسقط الدولي للكتاب، كما تقول وفاء الشامسي، كاتبة أطفال عُمانية، وتتابع: «التنافسية موجودة، لكنها ليست تلك التي تخلق عداوات، بل تشجع على الإنتاج، لذلك أصبح هناك حضور للشعر، وللرواية والقصة القصيرة العمانية، وأخيراً بدأ أدب الطفل يحتل حيزاً من الاهتمام في الوسط الثقافي العماني؛ لظهور المشتغلين عليه، ولتبنيه من حيث الجانب التأليفي ورعاية الأنشطة. أما بالنسبة إلى الاجتماعات في الوسط الثقافي فأنا مقلة الحضور، لكنني أحضر اللقاءات العملية التي يكون فيها خطة عمل واضحة للاشتغال عليها لاحقاً، وهذا ما نراه أكثر تنظيماً بعد جائحة كورونا، التي نمت التواصل الافتراضي بين المشتغلين في الثقافة، وأصبح هناك توجه لعقد هذه الاجتماعات افتراضياً بدلاً من السفر والانتقال».
مضيعة للوقت
تعترف الكاتبة وفاء بوجود مواقف قد تبعدها عن الوسط الثقافي، فإن وجود الشللية والتنافسية غير المريحة يؤدي إلى وضع خطط غير قابلة للتنفيذ، وتعد مضيعة للوقت، هذه كلها أمور تجبر على الابتعاد، تستدرك وفاء: «مع ذلك أحرص على الحضور مع المهتمين في أدب الطفل الذي أتخصص فيه، أحب أيضاً الاعتماد على لغة الحوار والمناقشة والتفاهم مع الآخر؛ لأنه من الأساليب المهمة التي تسد الفجوات التي تحدث بين مثقف وآخر... أنا مؤمنة بأنه على المثقف أن يرتقي بنفسه، ولا يكون سبباً لأي تجمعات أو أحزاب أو شللية، وعليه أن يتماهى مع مختلف المعتقدات الموجودة في المجتمع». خلصت وفاء إلى أن الوسط الثقافي العماني جيد، بالتواصل الدائم بين الكتاب المحترفين والصاعدين لاحتضانهم، في مجال الكتابة الإبداعية.

من مصر
مي عبد الهادي:
الانخراط في أوساط الثقافية ليس مؤشر نجاح للكاتب
تجد مي عبد الهادي، قاصة مصرية، أن الانخراط في الأوساط الثقافية ليس مؤشر نجاح للكاتب أو المبدع على الإطلاق.. فهناك أدباء ومبدعون بعيدون كل البعد عن الأوساط الثقافية لطبيعتهم المنعزلة.. وهناك آخرون ليسوا على القدر نفسه من الموهبة، ومع ذلك ربما يقودون الأوساط الثقافية.

فالوضع الآن، برأيها مختلف تماماً، والوسط الثقافي من أشد عيوبه الإقصاء والنظرة المتعالية على الآخرين، تتابع: «هناك عيوب قاتلة في الوسط الثقافي المصري الحالي.. ولكنني أريد أن أعرّف من هو الشخص المثقف في البداية، وهل من الضروري أن يكون المثقف صاحب إنتاج أدبي أو معرفي.. هناك قراء جيدون ومطلعون بشكل كبير، ولديهم معرفة واسعة تستطيع أن تطلق عليهم بمنتهى الأريحية لقب مثقفين.. وليس لديهم كتاب واحد!

الآن، هناك من يصدر له عنوان أو اثنان، ويظهر للحديث عن كتابه في البرامج، وربما كان معدوم الثقافة.. الدفع لدور النشر خلق حالة من الفوضى في سوق النشر، وبالتالي أثر في الحياة الثقافية في مصر بشكل كبير.. ومستوى الحوار أيضاً اختلف عن الماضي بشكل كبير».

مي عبد الهادي: من أشد عيوب الوسط الثقافي الإقصاء والنظرة المتعالية على الآخرين

أنا اجتماعية منعزلة
بصفة شخصية لا تميل مي إطلاقاً للانخراط في الوسط الثقافي، ولا ترى أنه أمر صحي ومريح بالنسبة إليها، تتابع: «أنا اجتماعية منعزلة، إن صح التعبير، فلا أجيد المجاملات الكثيرة، وليس لدي الوقت للقاءات في ظاهرها ملتقيات ثقافية.. وفي باطنها حروب باردة ومنافسة على اللاشيء.. أغرد وحيدة براحة وسلام.. وأتمنى أن يركز كل كاتب في مشروعه الأدبي حتى يحقق حلمه بأن يترك أثراً حقيقياً وليس مجرد فقاعة قائمة على دعاية».
من المغرب
نهى الخطيب:
الحقل الثقافي المغربي يعيد الإقلاع من جديد
هي شاعرة وكاتبة عاشقة للثقافة والفن، وتحرص باستمرار على حضور كل الأنشطة، خاصة العاصمة الرباط والمدن المجاورة، انتابها قلق عند انطفاء هكذا أنشطة في زمن الكورونا، وما يزعجها الآن في الوسط الثقافي هو تكرار الأسماء نفسها، وعدم فسح المجال أكثر أمام المبدعين الشباب، وتمركز بعض الأنشطة في مدن دون أخرى، تتابع: «ثمة أجواء سادت بين المثقفين بسبب رئاسة اتحاد كتاب المغرب تسببت بتوتر الأوساط الثقافية إلى حد كبير في فترة سابقة، لكن الحقل الثقافي المغربي يعيد الإقلاع من جديد، سواء بدعم من الوزارة أو الجمعيات المتخصصة في الشأن الثقافي، أو حتى من المبادرات الفردية من مبدعين وفاعلين لهم باع طويل في هذا المجال».
نهى الخطيب: كلّ ما هو معرفي يخدم الوطن، خصوصاً بعد إعلان الرباط عاصمة للثقافة الإسلامية والأفريقية

بناء الإنسان
لا تجد نهى أن حضور الأنشطة الثقافية مضيعة للوقت في المغرب، فكلّ ما هو معرفي يخدم الوطن، خصوصاً بعد إعلان الرباط عاصمة للثقافة الإسلامية والثقافة الأفريقية، تعلّق: «نأمل أن ترصد لفنون الشعر والكتابة والمسرح والرسم والنحت والسينما، إمكانات أكبر لتزداد تألقاً. في تقديري المشروع الثقافي الحداثي برمته، يعرف اليوم نهضة جذرية للتأسيس للفرد، فكرياً وثقافياً وعلمياً، لبنائه كما بني العمران من حولنا».