ليس كل من يشعر بالخوف من المهرجين يعاني بالفعل من الرهاب (بيكسلز)
رغم هدفهم الأساسي، وهو إسعاد الناس وإضفاء أجواء البهجة والسرور، يشعر البعض بالخوف الشديد الذي قد يصل إلى الفوبيا من المهرجين، ولا يتحملون رؤيتهم أو الوجود في نفس الأماكن معهم.
وقد يبدو الأمر تافها أو غير منطقي، إلا أن هذا الخوف قد يسيطر على بعض البالغين أيضا وليس الأطفال فقط، وكشفت دراسة أجريت عام 2016 شملت 1160 طفلا أن 1.2% منهم شعروا بالخوف من المهرجين، وتزداد هذه النسبة في دراسة أخرى شملت البالغين وأجرتها جامعة تشابمان في عام 2016، حيث أظهرت أن 7.8% من الأميركيين يخافون من المهرجين.
فما السر الخفي وراء هذا الرعب من أشخاص يرتدون ملابس لطيفة ملونة ويحاولون القيام بحركات بهلوانية لإضحاك الجماهير.
جذور تاريخية
ذكر فرانك ماكندرو، أستاذ علم النفس في كلية نوكس لمجلة "تايم"، أن الخوف من المهرجين له جذور تاريخية، وقال "لطالما كان يُنظر للمهرجين على أنهم أشخاص مشبوهون منذ زمن طويل".
وأرجع مشاعر الخوف منهم إلى تاريخهم في أوروبا في العصور الوسطى، وقال "لقد تم تصميم المهرجين لإخافة الناس، وإذا عدت إلى بداية تاريخ التهريج، فقد كانوا دائما سيئين ومخادعين".
وخلال العصور الوسطى أيضا، تم تشويه وجوه الكثير من المهرجين لجعلهم يبتسمون طوال الوقت، وذلك بقطع بعض العضلات التي تمكن الوجه من العبوس.
السبب في مشاعر الخوف من المهرجين يعود إلى تاريخهم في أوروبا خلال العصور الوسطى (بيكسابي)
تحرر من القيود
وقد ينبع الخوف من المهرجين أيضا من الأقنعة التي يرتدونها وتأثيرها على سلوكهم، وأشار عالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس إلى أن الحرية التي تمنحها الأقنعة لمن يرتديها قد تسبب شعور الآخرين بالخوف.
وقال في كتابه "طريق الأقنعة" (The Way of the Masks) إن "هناك انطباعا بأن الشخص الذي يكون وجهه مغطى يمكنه التصرف دون الالتزام بقيود الأعراف الاجتماعية، ولن يعاني من أي عواقب لأفعاله".
أزمة ثقة
وسبب آخر وراء هذا الخوف هو ما تخفيه الأقنعة من مشاعر وأفكار تدور في رأس المهرج ولا يتمكن الآخرون من معرفتها.
وذكر الطبيب النفسي رامي نادر لمجلة "تايم" (Time)، أن السبب وراء الخوف من المهرجين ينبع من عدم معرفة ما يدور في ذهن الشخص الذي يرتدي القناع الملون.
وقال إن "المهرجين يتنكرون بأزياء ووجوه ملونة ذات ابتسامات عريضة، لكن من يشاهدونهم لا يعرفون حقا ما يشعرون به، وهو ما يسبب شعورا متأصلا بعدم الثقة بهم وأن ما يقدمونه للناس ليس ما يشعرون به بالفعل".
وذكر المهرج "رينكلز" خلال وثائقي يتناول قصته الفريدة بعنوان "رينكلز المهرج" (Wrinkles the Clown) عام 2019 السبب ذاته، وقال "تعلم أن هناك إنسانا تحت هذا القناع، لكن لا تعرف هويته، وهو ما يسبب شعور الناس بالخوف".
أحد أسباب الخوف من المهرجين هو ابتسامتهم التي لا تتغير أبدا (بيكسلز)
و"رينكلز" هو رجل أميركي تجاوز عمره 70 عاما، وقرر أن يشغل وقته بعد التقاعد في العمل كمهرج مرعب، وصنع لنفسه بالفعل زي مهرج وأخفى وجهه بقناع مخيف، وبدأ في التجول في شوارع ولاية فلوريدا بهذه الهيئة التي جعلته حديث الناس والصحافة.
وكرّس رينكلز عمله لإخافة الأطفال المشاغبين مقابل تلقي الأموال من والديهم، أو الحضور للحفلات والقيام بالمقالب والخدع، وفي عام 2015، صرح لصحيفة "واشنطن بوست" بأنه يتلقى مئات المكالمات الهاتفية يوميا لطلب خدماته.
ابتسامة مثيرة للقلق
وذكر ستيفن شلوزمان، الطبيب النفسي بجامعة هارفارد، أن أحد أسباب الخوف من المهرجين هو ابتسامتهم التي لا تتغير أبدا، وقال "نعرف أن الابتسامة هي شيء جيد، ومع ذلك لا يمكننا الابتسام دائما، وإذا كنت تبتسم طوال الوقت، فهذا يعني أن هناك خللا ما، وهو ما قد يجعل المهرجين يبدون مخيفين للغاية".
أعمال فنية مشوهة
ومع تاريخهم المخيف، عزز الاتجاه الحديث في الأعمال الفنية هذه المشاعر السلبية تجاه المهرجين، إذ أظهرتهم العديد من الأفلام والمسلسلات أنهم مهددون وقاتلون، وهو ما زاد في "تلطيخ" سمعتهم.
وقال أستاذ علم النفس ماكندرو "عندما يسمع الناس كلمة مهرج، فإن أول ما يخطر ببالهم هم المهرجون القاتلون في الأفلام، ويتذكر البعض القاتل المتسلسل جون واين جاسي، ومن الصعب تجاوز كل ذلك".
وكان جون واين جاسي سفاحا أميركيا وقاتلا بالتسلسل في سبعينيات القرن الماضي، وأصبح معروفا باسم "المهرج القاتل" لعمله التطوعي في التهريج، ولكن خلف هذا المظهر الخارجي المبهج كان يتخفى قاتل سادي.
حتى يتم تشخيص شخص ما بالفوبيا يجب أن يكون الخوف من المهرجين سببا في تعطيله عن ممارسة حياته (بيكسلز)
رهاب حقيقي
وبجانب هذه الأسباب، هناك من يعانون حقا من رهاب المهرجين الذي يعرف باسم "كولروفوبيا" (Coulrophobia).
ويقول أستاذ علم النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا رونالد دكتور لصحيفة "بيزنس إنسايدر" (Business Insider) إن "منظر المهرج يجذب انتباه الأطفال الصغار بعمر عامين أو أكثر، إذ يبدو بجسد مألوف لكن وجهه غير مألوف، وخلال هذه الفترة يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالرهاب، لذلك قد يؤدي حقا تعرضهم لهذه الوجوه الغريبة لشعورهم لاحقا بالخوف الشديد منهم".
لكن ليس كل من يشعر بالخوف من المهرجين يعاني بالفعل من الرهاب، حيث أوضح الطبيب النفسي نادر أنه "من أجل تشخيص شخص ما بالفوبيا يجب أن يكون الخوف من المهرجين سببا لشعوره بالضغط الشديد ويعطله عن ممارسة حياته".
وأضاف "لحسن الحظ، لا يتجول المهرجون في الشوارع، لذلك من السهل جدا تجنبهم أو على الأقل عدم الاحتكاك بهم بشكل متكرر، ونادرا ما يسبب هذا الخوف في حدوث اضطراب في أسلوب حياة من يعانون منه".