مشاكل الحصول على اللغة العربية لغير الناطقين بها في الهند: أسبابها وحلولها
دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ سجاد حسين بن داود القاسمي


الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، ونزل القرآن بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على النبي العربي سيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد!

اللغة:
اللّغة هي فكر الإنسان المترجم لكلماتٍ ومعانٍ وصياغته ضمن قوالب لغوية أدبية، وتصوير الفكر العاطفي بصور وكلمات ترصعها المحسنات البديعية، وهي من أرقى أدوات التواصل بين البشر على مر العصور، وبها تنهض الأمة ويعلو شأنها، ويتحد صفها، ويرسخ تاريخها، اللغة هي صورة الأمة ومعرض لإنجازاتها وثقافاتها ووعيها ورقيّها، وهي رابطٌ قوي يربط بين الذهن والجسد تنقل كل ما يزخر به العقل من أفكار وترجمة لأحرف وكلماتٍ، وتعبر عن كل ما يختلج بالصدر والقلب من فرحٍ أو حزن، وتنقله بصورٍ تشبيهية فيها الكثير من الفن والإبداع، اللغة هي التعبير عن الذات وهي الوطن. و تعد اللغة أداة للإفصاح عن أفراح البشر وأتراحه، ونبضات القلب وخفقاته، وخواطر الضمير وهمساته وللإدلاء بما يتلاطم في الفؤاد من مشاعرجياشة، و عواطف رقراقة، وللإعراب عما ينتج العقل من نتاج علمي وثقافي وتربوي، ولإبانة أحاسيس رقيقة وأخيلة بديعة ووصف لصور مشرقة من الحياة الاجتماعية والدينية.

اللغة العـربية:
هي من أحلى اللغات وأنداها، وأجملها وأذكاها، و لها مكانة مرموقة بين لغات العالم جمعاء، ويكفيها عزةً وفخرًا أنّها معجزة الله تعالى التي أنزلها للعالم أجمع في كتابه الخالد، وبها نزل الوحي برسالة خالدة لآخر الزمان فهي واسطة عقد بين اللغــات العالمية لتكاتفه مع الزمن وطواعيتها للنمو والازدهار، وقدرتهـا الفطــرية على التعبيرعن الذات والموجــودات، واحتضانها لينا ومرونة يمكنانها من التكيف وفقًا لمقتضيات العصر. وفوق مــا تتصف أنها لغة رسالة الله الخالدة، ووعاء سنـة نبيه المطهرة، ومعلم في طريق العلم، ومفتاح التـفقّه في الدين وأداة كبيرة لقرع باب التراث الإسلامي الحافل بالخيرات والبركات والمعارف والحكم.
إن العربية أكثر اللغات السامية تداولًا وأكثرها شيوعًا واستخدامًا، وذلك لاحتـفاظها بمقومات اللغة السامية الأم أكثر من أي لغة سامية أخرى؛ فالعربية لغة نابضة متدفقة يتحدثها عشرات الملايين كلغة رسمية وكذلك مئات الملايين كلغة دينية، وقد تمتعت هذه اللغة بخصائصها العجيبة ومعجزاتها الفريدة منها: الخصائص الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، ومنها: خصائص حروفها وإعرابها، وتعدد أبنيتها وصيغها، ووفرة مصادرها وجموعها وجودة مفرداتها واشـتـقاقها والدقة في تعابيرهــا وتراكيبها، وفي ذلك يقول «أرنست رينان» العالم الفـرنسي: «إن هذه اللغة قد بلغت حد الكمال في قلب الصحراء عند أمــة من الرحل ففاقت اللغـات بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظـام مبانيها»، كما يقول عبد الرزاق السعدي أحد أعلام اللغة والأدب: «العربية لغة كاملة معجبة تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطـوات النـفوس، وتكاد تنجلي معــانيها في أجـراس الألفاظ، كأنمــا كلماتها خطوات الضمير، ونبضات القلوب، و نبرات الحياة»(1).

هل لغة القرآن الكريم صعبة؟
من الحقائق الواضحة وضوح الشمس في رائعة النهارأن جميع اللغات التي يستخدمها البشر ويعالجها نطقًا وكتابة وصحافة في أقصى العالم وأدناه عربية كانت أوفرنسية، عبرانية أو سريانية لا يجمل بأحد رزق عقلًا سليمًا، وذوقًا طيبًا، وعلمًا غزيرًا، واطلاعًا واسعًا، وتجربة شاملة لعلوم اللسانيات واللغويات أن يصف أي لغة من اللغات في العالم بأنها صعبة الحصول وبعيدة المنال، وعزيزة الجانب وبالغة من التعقيد مبلغا سحيقا يخرج عن طوق الإنسان دراستها، و نيلها وإتقانها، ولا يليق بمن يعرف طبيعة اللسان أن يقول عن لغة ما بغاية من البساطة: إن هذه اللغة سهلة غاية السهولة، وميسورة نهاية اليسر، أو سائغة يسوغها كل من هب ودب، أوفكهة مستساغة يلتذ بها مرتاح البال طيب العيش، أو سلسة منقادة يقودها كل من حرم الموهبة الربانية؛ بل الأمر السديد الصائب في ذلك أنه لا يمكن أن يُقال: إنها صعبة أو سهلة بطبيعتها؛ لأن اللغة وليدة مجتمعها، واتفاق أبنائها الذين يفكرون بها، ويتفاهمون بها. فما من طفل وُلد إلا ومعه استعداد فطري لاكتساب لغة بيئته. واللغة بكونها إنتاجًا بشريًّا لا تنحصر قابليتها للاكتساب والتعلم في أبنائها فقط، وإنما يمكن تعلمها أيضا خارج بيئتها ولغير أبنائها من الناطقين بلغات أخرى. إذن، فالاتجاه الذي يقول: إن اللغة العربية لغة صعبة ومعقدة وإن تعلمها وإجادتها على غاية من الصعوبة لم يصدر من طبيعة اللغة العربية بحد ذاتها، وإنما نتج من طريقة المعاملة معها عند تعليمها وتعلمها، ودراستها وممارستها، وكيف يكون ذلك؟ إن تعليم اللغة العربية للأجانب هو في الحقيقة عملية تعرفهم عليها فإن نجحت تركت فيهم انطباعًا إيجابيًّا، وإن فشلت قَادَتْهم إلى انطباع سلبي عنها. قد عالج معلمو اللغة العربية لغير الناطقين بها عدة اتجاهات تعليمية، أو إستراتيجيات تعليمية في سبيل تعليم اللغة العربية، وتعريف الأجانب على العربية من خلال طريقة صعبة معوجة جعلت محبي اللغة وعشاقها متنكرين لها، ومتقززين منها، ومحتقرين لمنجزات العقل العربي أكثرمن حبهم لها ورغبتهم فيها وتهافتهم عليها تعلمًا ودراسةً.

لونظرنا نظرة إنصاف وقلبنا الموضوع وجها لوجه لقلنا بدون تردد و ارتباك: إن اللغة العربية من أسهل اللغات منالًا، وأيسرها حصولًا، وأكثرها حلاوة، وأوسعها نطاقًا، وأجملها رونقًا، فكيف يجد الصعوبة وأصنافها طريقًا إلى اللغة العربية؟ وقد قال القرآن الكريم: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً﴾، يخبر تعالى عن نعمته، وأنه يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد -ﷺ- يسر ألفاظه ومعانيه ليحصل المقصود منه والانتفاع به؛ لتبشر به المتقين بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل، وذكر الأسباب الموجبة للبشارة، وتنذر به قوما لدا، أي: شديدين في باطلهم، أقوياء في كفرهم، فتنذرهم، فتقوم عليهم الحجة، وتتبين لهم المحجة، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيىٰ من حي عن بينة(2).

وكيف يتجرأ التعقيد وأخواته أن يجدا السبيل إلى حماها، وقد قال القرآن العظيم: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ﴾، القرآن بلسانك أي: سهلناه بلسانك الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها؛ فتيسر به لفظه وتيسر معناه لعلهم يتذكرون ما فيه نفعهم فيفعلونه وما فيه ضررهم فيتركونه(3). وكيف يشرئب العسر وأخواته أعناقها إلى ساحتها، وقد قال الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾، أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم؛ لأنه أحسن الكلام لفظًا، وأصدقه معنى، وأبينه تفسيرًا، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه؛ ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرًا أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق. فتبين مما أسلفت من الكلام أن الدعاية التافهة الفارغة التي ما زالت ولا تزال تهتف بها أعداء الإسلام والمسلمين و معادو الوحيين الغنيين. القرآن الكريم والسنة الغراء. عن وعاء المصدرين الحافلين بالتشريع الإسلامي، والقانون الباقي ما دامت الخضراء والغبراء قائلين: إن اللغة العربية صعبة المنال ومعقدة المسائل ومستحيلة الحصول؛ حتى وقع أبناء الإسلام في أحبولتهم الماكرة الغاشمة لتدعيمهم فيما ينشرون من الخزعبلات التي لا أصل لها ولمساندتهم فيما يذيعون من الأباطيل لاقوام لها عن أجمل اللغات تحت قبة السماء عبرالعصور، وما ظهرت فكرة شرسة مستغربة عن صعوبة العربية و تعسرها إلا لطمس معالم الإسلام ومحو مآثر الأبطال والقضاء على أمجاد الإسلام وإبعاد الجيل الحديث عن التراث العلمي الغني الذي خلفه سلفنا الصالح وطرزه كُتَّاب الإسلام في صفحات بيضاء بمداد الروح والقلب.

مشاكل اللغة العربية:
من الحقائق الثابتة أن معظم أبناء المدارس الأهلية والجامعات الرسمية الهندية وغيرها يعانون مشكلة مريرة تتفاوت من طالب لآخر حسب عدة ظروف تكمن في حب المادة، وتفاعل الطالب، وقدرة المدرس على الإيصال، وكذلك موضوعات المادة نفسها كمًا ونوعًا، ولقد أقلقت هذه الظاهرة العديد من الباحثين من أكاديميين وطلبة، وجذبتهم إلى دراستها لمعرفة أسبابها، والحلول التي يمكن أن تزيلها شيئا فشيئًا حتى تعود اللغة العربية لتتبوأ مكانتها الطبيعية كلغة للقرآن. فلو تحدثنا عن اللغة العربية بصفة عامة ثم تطرقنا إلى مادتين أخرييين هما مادتا الأدب والإنشاء لوجدنا أن هناك أسبابًا لهذه الظاهرة أو المشكلة، ونتوصل بعدها لإيجاد الحلول المناسبة، هيا بنا نستعرض الأسباب التي تعرقل تعلم اللغة العربية السهلة العذبة بالدقة والجدية البالغتين، وننعم النظر في الأمورالتي تشكل عائقًا كبيرًا للمغرمين بتعلمها، والمولعين بدراستها، ونتناول القضايا التي تعترض سبل إتقانها، وإجادتها كعقبات هائلة مع إيجاد الحلول المناسبة المجدية التي تأخذ بيد الناشئين، وترشدهم إلى أنجع الطرق، وأليقها، وتقلل من خوفهم نحو العربية الطرية، وتدفع عنهم الهزيمة النفسية وتشحنهم بثقة النفس.

ترجع مشاكل الحصول على اللغة العربية إلى أمور تالية:
(1)المقرر الدراسي (2) البيئة المدرسية (3)الدارس (4) المعلم ( 5) التركيز العشوائي على القواعد أكثر من تطبيقها: أي التدريس النظري دون التطبيقي (6) عدم الاكتراث بالمهارات اللغوية: الاستماع وفهم المسموع والقراءة والكتابة والتحدث.

(1) المقرر الدراسي:
أما المقرر الدراسي الذي تتبعه وتسلكه المدارس الإسلامية العربية في ديارنا فيخلو مما يهيج شوق الطلاب ونهامتهم في القراءة، ويحرضهم على الاستزادة من المطالعة، ويبعثهم على الحرص والرغبة في دراستها، و يرسخ في أذهانهم سهولتها وعذوبتها، ويحبب إليهم تصفح أوراق النصوص المفروضة، ويوقظ مواهبهم اللغوية، ويفجر قدراتهم المخبوءة، ويستهوي أفئدتهم، ويسحر عيونهم، وتأخذ بمجامع قلوبهم من أجل احتوائه على النثر المتفكك اليابس غير اللائق بذوق النشء الجديد، ومما يزيد الأمر مرارة وخطورة أن كتب النصوص المتداولة في ديارنا تجمع بين رداءة الطباعة وسماجتها وما إلى ذلك من سقطات وغلطات وزلات لا تعد ولا تحصى، ولا يتميز بالجمال والوضوح، ودقة التصوير والطباعة، وروعة الإخراج الفني، وجودة التصميم اللتي تخلب حواس القارئ، وتزيد من القناعة بجدوى اقتناء الكتب اللغوية والأدبية؛ لكن مع الأسف البالغ ما زالت الكتب تشكو ضعفَ الطباعة، والتصميم في زمن الرقي والتطور؛ فالطالب لا يعجبه إلا كتاب منمق بخطوط أنيقة فاتنة موشاة بكلام مطرب شيق يضم في أضلاعه مادة رقيقة أنيسة تلائم مستواه، وتترجم نفسيته وهواه، و تتناغم مع عقليته وطبيعته، وتستهوي اهتمامه، وتلفت انتباهه حتى يكون أسيرما يدرس وتبعا لما يطالع.

مما لا غموض فيه ولا التواء أن هذا القرن الذي نعيشه يتميز بالعلم والبحوث، والاكتشافات والمستجدات في شتى مجالات الحياة، اجتماعية كانت أم سياسية، فضائية أم طبية، ويتوجب على اللغة أن تتلاءم مع روح العصر ومتطلباته. لا بد أن يكون في مقرراتنا المدرسية قسم المهارات الأربع: الاستماع، والقراءة، والكتابة، والحوار؛ ويُدرب الطلابُ في الحصص على الاستماع، والحوار، والحديث، واستخدام اللغة عمليًّا. حقًّا، إن مادة الحوارمفقودة تمامًا في المناهج المدرسية؛ حتى طلابنا المتخصصين باللغة العربية يتخرجون في الجامعة دون أن يُدرَّبوا على المحادثة، ولو لساعة واحدة! في حين إذا انتسب أحدنا إلى أيِّ معهد لتعليم اللغات الأجنبية فإنه سيجد مادة المحادثة مقرَّرة جنبًا إلى جنب مع مادة القواعد؛ فلا بد أن يكون مقررنا الدراسي منطويًا على كل من النظم والنثر المتسمين باللذة والمتعة والمنسجمين مع مستوى الناشئين ولا بد أن يركز المقرر الدراسي على الاهتمام الأكبر بالنطق الصحيح والإعراب الصحيح والتساؤلات والأمثلة والإبداعات الشخصية وتطويرالذوات والتفكير والإبداع يتلوهما النقاش حول الحياة الاجتماعية التي يستطيع الطالب إحاطتها بتعبيرات وجمل من لدنه.

(2) البيئة المدرسية:
تعتبر البيئة أكبرعامل يلعب دورًا كبيرًا فعالا في انتشار اللغة، وشيوعها بين المجتمع البشري، وتشكل أمرًا مهما في ازدهارها، وترعرعها بين الكتلة الإنسانية، وتمثل عمودًا فقريًا في نموها، و رقيها بين المولعين بها، وتعد ماء الحياة لنهضتها، ورفعتها بين الراغبين فيها، وبالرغم من ذلك إن المدارس الإسلامية وأبناءها لا يهتمون باستخدام اللغة العربية في فصولهم الدراسية، ودروسهم اللغوية والعربية فضلًا عن معالجتها خارج الفصول، وداخل الرحاب، ومما هو أدهى وأمرأن اللغة العربية تعتبر لغة ثانية؛ لأن الطالب لاتسنح له فرصة في حياته اليومية للنطق بها ولا تسمعها في حجرته؛ وإنها تدرّس في الفصول فحسب؛ بل يندر وجودها في معظم المدارس؛ لأن معظم المعلمين يتحدثون باللغة المحلية في الحصص العربية ويتناولون المواضيع التي يعلمونها لإحكامها وتعزيزها بلغة لا قيمة لها ولا وزن فتبقى المسكينة أسيرة الكتب. والمسكين الأكبر في هذه الحالة هو الطالب؛ لأن المعلم يطلب منه ما لا يستطيع فعله. يطلب منه التعبير شفويًا وكتابيًا باللغة الفصحى، ويستخدم أستاذ اللغة العربية اللغةَ المحلية في شرح الدروس وحلها، بحجة أن مراعاة أحوال الطلاب أمرلا مناص منه، وأرى هذه حجة فارغة؛ لأن الطلاب الذين يدخلون روضة الأطفال الإنجليزية – مثلًا – تلقى عليهم الدروس كلها من أول يوم باللغة الإنجليزية، ومعظمهم لا يؤهله مستواه فيها لفهم كل ما يسمعه؛ ولكنه يعمل على رفع مستواه، نجده يفهم ما يسمع شيئًا فشيئًا. ولا يعنينا لو وجدنا منهم صعوبة في الفهم، ستكون مؤقتة وسرعان ما تزول، بإذن الله تبارك وتعالى. لما كانت حالنا هذه تجاه العربية؛ فأنى للناشئين المناخ الملائم الذي يتجلجل بصدى العربية ويتزخرف بجمالها ويتحلى بطلاوتها؟ ومما يؤسفنا ويقلقنا كثيرًا حينما نرى بعضًا ممن تفتخر بهم الأمة وتعتز بانتماها إليهم يثبطون الناطقين بها مدربين الجيل الجديد عليها بدل التشجيع على عملهم المشكور.

المهمّ أن نبدأ، دون تباطؤ أو تكاسل شق الطريق الأمثل لتكوين البيئة العربية العطرة يشعر عبيقها كل زائر يزور، فإذن، من أهم واجبات المدارس أن تفرض على المعلمين والدراسين للغة العربية على السواء استخدامها فى فصول الجامعة ورحابها وما إلى ذالك من عقد برامج المدرسة، وندواتها ومؤتمراتها، وحفلاتها وجلساتها بنفس اللغة وتعتني المدارس بتعيلق اللافتات، والإعلانات على جدرانها بها فحسب، أضف إلى ذلك إعداد البطاقات المحفزة على تكوين الجو العربي الماتع السار، ويشجع المدرسون الدارسين على كتابة المقالات القصيرة، والملاحظات الوجيزة، و الرسائل العلمية، وطلبات الإجازة والعفو، والمعذرة، ولا يسمح القائمون على المدرسة الناشئين بتقديم طلب في لغة سواها مما يزيد البئية استقرارًا وتماسكًا، وقوة وثباتًا قيام الجامعة بجميع الشؤون التعليمية، والتربوية والثقافية كالشهادات والتوصيات، والورقات اللازمة المعنية حتى الاستمارات ودليلها، بالإضافةِ إلى نشر البرامج الصوتية والمرئية لمختلف الأعمار وبطرقٍ سهلة ومبسطة في رحاب المدرسة، ومن اللازم أن تسعى المدرسة جاهدة في تشجيع القراءة بالجوائـــز والمكافآت، وتشجيع الكتابات الأدبية بكافة أنواعها.

(3) الدارس:
المشاكل التي يتعرض لها طالب اللغة العربية الحديث العهد بروضتها الغناء النضرة ذات الجمال الفاتن والحسن الباهر فيما يلي:
(1) إن أكبرمشكلة يواجهها الطالب حين دراسة اللغة العربية هو عدم حبه لتعلمها، والشوق إلى إتقانها، والرغبة الجامحة في إجادتها، وإنما يختار هذه المادة بإجبار من أعضاء الأسرة، وإرغامهم على تعلمها ودراستها؛ فيضيع وقته، ويرجع إلى بيته كما كان من قبل، فلا نتغلب على هذه المشكلة إلا أن نغرس حب اللغة والغيرة عليها ببيان فضلها وفوائدها، وجعلها سبب الافتخار والاعتزاز به، أونيل المكانة العليا في الدارين جميعا.
(2) الهزيمة النفسية المزدوجة بالدعاية الزائفة السائدة بين طبقة الطلاب في عصرنا هذا، أن اللغة العربية من أصعب اللغات وأعوجها؛ بل عاجزة عن استيعاب المعاني والمصطلحات العلمية الحديثة؛ فالعهدة في ذلك علينا أن نقدم العربية بينهم كالوردة الأنيقة الرائقة التي تعجب الناظرين، وتستهوي قلوبهم، وتستأسركيانهم بشكل شيق يلمس الطالب متعة وتسلية في تعلمها ودراستها.
(3) تقصير الطلاب في المواظبة على الحضور في الحصص، وعدم متابعتهم دروسهم، وانشغالهم في اللعب واللهو في أحيان كثيرة، وقضاء معظم أوقاتهم في الشوارع والحدائق، والهروب بذلك عن أداء واجباتهم المدرسية، والعكوف على أمور تافهة أخرى غير دراسية تصرفهم عن العناية التامة بها، وتفوت عليهم الفرصة الغالية، وتختطف منهم زهرة الحياة التي يتوقع فيها النجاح الباهر الممتاز.
على كل حال، فلا يعود أمرالطلاب إلى السداد والخير إلا بنصح فيه شفقة ومحبة، وحب وحنان يدفعهم إلى التهافت على ما يريدون نيلها، وتنبههم على ضياع العمرالعزيز الذي لا يعود أبدًا، وتحذيرهم من الخسائر الفادحة التي سيعانونها من أجل إفلات الفرصة من أصابعهم الناعمة، وتشويقهم إلى المستقبل الزاهر إن نحجوا فيما يرومون.
(4) الشعوربالتقيد المطلق المتزايد في الحصص كلها عامة، وفي الحصة العربية خاصة، وهذا لا يصلح إلا أن يسمح بقدر من الحرية للتلاميذ للتحدث مع أقرانهم، ومناقشتهم فيما يعملون لكي لايشعروا بالضغط، ووطأة الرقابة الشديدة ويدرسوا الكتاب؛ وهم في لذة وسرور.
(5) فقدان المشاركة الجماعية النشيطة بين الطلاب والأستاذ ثم بين الأقران بعضهم بعضًا في حل الدروس وتسهيلها؛ فالأستاذ يُعد الدرس ويلقيه والطلاب ينظرون إليه ولا يصغون إليه بآذانهم بتاتًا كأنهم تماثيل تنظرإليها وتنظرإليك، ولكن بدون جدوى، والجهود الجماعية تأتي بثمار يانعة مثمرة دومًا في جميع الأعمال التي يديرها الإنسان في الدنيا؛ لأن الطالب ربما يستحيي من أن يطرح سؤالًا أمام الأستاذ خوفًا من البيئة التعليمية، أوهيبة المعلم، أوخجلًا من أن يجعله أصدقاؤه أضحوكة يضحكون ويستهزؤن به بعد انتهاء الحصة، فمن الضروري أن يكرس المعلمون قدرًا أكبر في تفاعلهم مع التلاميذ وتشجيع الطلاب الأذكياء على المساعدة العلمية لرفاقهم الآخرين الضعفاء؛ لكي تكون جهودهم المبذولة في هذا السبيل ذخرًا لهم، وسلما للرقى في العلم والعمل.
(6) تراكم النصوص و تكديسها بشكل ممل منفِّر يفرض على الطالب حفظها دون مراعاة ميوله، و مستواه فيحفظ كشريط مسجل، ولا مراء في أن لحفظ النصوص الأدبية نثرًا ونظمًا يدًا غراء، وأثرًا كبيرًا في إثراء المهارات اللغوية، وتنمية الكفاءات اللسانية؛ لكن حفظ الكلمات والتعبيرات الأدبية لا تغني عنهم شيئًا في سبيل الارتقاء بهم، والنهوض بهم نحو الأمام ما لم توجد المرانة المتواصلة المستمرة على طريقة منهجية واقعية تفاعلية لتظهر النتائج الملموسة المتوخاة في أقرب وقت ممكن.
(7) ضعف الطالب في القراءة والاستماع والكتابة والنطق، وأما مشكلة القراءة فهي أصبحت قضية صعبة في أوساط المدرسة؛ لذا نرى طالبًا يقرأ العبارة صحية سليمة من الأخطاء النحوية والصرفية؛ لكن لا تكون قراءته مشجعة، ولهجته عربية ويكون أداؤه متهجنا تمجه الآذان وكثيرًا ما يحدث أن الطالب يختار اللهجة المحلية البعيدة عن أصول التجويد، والنحووالصرف معًا، فالتركيز على تصحيح القراءة مع مراعاة قوانين التجويد، والنحو والصرف أمرلا يستهان به لتعويد الطالب على تحسين القراءة ليكون لها أثر جميل، وموقع طيب من النفس، والتغلب على هذه المشكلة بصورتين ممتعتين: إحداهما: قراءة الأستاذ بلهجة بديعة فيها صوت الهدير وخرير الماء وغناء البلبل، وطلبه من الطلاب محاكاته فيما يسمعون من نبراته ورناته مراعين خفض الصوت وارتفاعه، وواقفين عند الوقف باعتبار قصره وامتداده.
وثانيهما: تشغيل الأقراص المدمجة التي فيها خطب وأناشيد، ومحاضرات ودروس للخطباء المعروفين بصفاء صوتهم وروعة بيانهم، ووضوح لهجتهم، وتركيز اهتمام الطلاب على الشاشة الطويلة العريضة، وإصغاء أسماعهم بكل معاني الوعي، واستحضار الحواس إلى الجهاز؛ لكي يستطيعوا محاكاة المحاضر، أو الخطيب، أوكائنا من كان بشكل صائب وصحيح، وبعد انتهاء المسموعة يطلب الأستاذ نقل كلام الخطيب بأسلوب عربي جميل رائق، وينبه على أخطائه، وإن التوى على الطالب فهم كلمة غامضة من المحاضرة؛ فالمدرس يعيدها بصوت واضح؛ والبشر يرقص على قسمات وجهه.
(8) يشكو الطالب مرارة كبر حجم المقرر الدراسي مع خفض دقائق الحصص المقررة لمادة اللغة العربية مع التركيزالبالغ على إنهاء الجزء المقرر في إطارمن الوقت المحدد دونما اهتمام كبير بالجودة والإتقان والإجادة؛ بل يسعى الأستاذ لإكمال الجزء المقتطع سعيًا حثيثًا، والطالب المسكين يحاول أن يجوب المسيرة الهائلة التي قطعها الأستاذ بوثبة عملاقة لإرضاء المدير، أو المشرف تاركًا تلميذه وراءه يلهث وترتعد فرائصه، وحل هذه المشكلة من تخفيف حجم المقرر التقليدي بمشورة من الأكاديميين ذوي الخبرات الواسعة، والتجارب المحنكة.

(4) المعلم:
يعتبر المعلم حجر الزاوية في العملية التعليمية؛ لأنه هو العامل المباشر الذي يعمل على تحقيق الأهداف العامة والرئيسة للتربية والتعليم، وبالتالي كان لابد للأستاذ أن يتصف بمجموعة من المهارات اللازمة المقرونة بالخبرات الواسعة لتنفيذ التدريس بشكل صائب وناجح، ولا تعني المهارات إلا الميزات التعليمية والممارسات التدريبية التي يستخدمها المعلم في نشاطه التعليمي ويتفاعل مع المتعلم والمادة التعليمة في داخل الفصل بهدف تحقيق أهداف معينة.

المشاكل التي تمثِّل عقبة كبيرة في سبيل تعلم اللغة العربية من جهة الأستاذ لغير الناطقين بها تأتي في نقاط تالية:
(1) عدم كون الأستاذ ماهرًا في مادة اللغة مع أنه يعتبر قطب الرحى لتمكين الطلاب من المادة التي يقرؤونها عليه، وترسيخها في أذهانهم، فلا بد أن يكون معطاء يقدرعلى العطاء، وكريمًا يفيض ما عنده من الثروة العلمية، والخزانة اللغوية على من يحرصون علي تعلمها بطريقة ساحرة سائغة، وهذا لا يمكن إلا أن يكون الأستاذ ماهرًا في اللغة والأدب متسما بالتأهيل التربوي الكافي قبل الخدمة وأثنائها، ومتفانيًا في سبيل تنمية مهاراتهم، وإكسابهم الذوق الصحيح الذي يدفعهم إلى التهافت على اللغة بشكل مدهش.
(2) المدرس يعوزه تخطيط الدرس، وإعداده باختيار الوسيلة المناسبـــــة المواتيــة مع طبيعة الدرس وأغراضه، ومحتواه ليمكن الطالب من نيل الغايات المنشودة للدرس، وهناك العديد من الوسائل التعليميـــة التي يمكن المعلم أن يستخدمها في تخطيطه للدرس، وتنفيذه مثل النماذج والعينات، واللوحات، والسبورات، والخرائط، والشرائح، والتوضيحات التي يتضمنها الكتاب المدرسي والتسجيلات والإذاعة بالإضافة إلى الوسائل والتكنولوجيا الخاصـة باستخدام المواد التعليمية.
(3) حرمان الأستاذ من الإلقاء النشيط الفعال الذي يبعث الطالب على التوقد والتركيز على الموضوع والاهتمام به، ولا يجبر هذا القصور إلا أن يأتي المدرس بتغيير كبير في أسلوبه ولهجته ونبرات صوته رفعًا وخفضًا حتى يمتلك الطالب إحساسه وشعوره، ومن أهم ما يجب على الأستاذ للتغلب عليه أن يقوم بالتدريب على عملية الإلقاء لكونه وسيلة قويمة لنقل المعارف، والمعلومات إلى عقول التلاميذ مع عدم الاقتصار عليها في عملية التدريس.
(4) اعتماد الأستاذ على الكتاب المدرسي بشكل لا يترك له مجالًا للتحرر منه، أو البعد عن أغلاله حتى يصبح الكتاب المدرسي هو مصدره الوحيد للتعليم، وهذا هو الخطر الأكبر؛ لأن الكتاب يستخدم كمرجع للمعلم والتلاميذ في إعداد الدروس فلا بد له أن يتحرر من قيوده وسلاسله، ويطلق سراح الفكر يعمل بكل حرية في استنتاج المعاني واستخراج المفاهيم، وابتكار المعلومات لكي يكون أكثر إلماما بكلمات جديدة، وأوسع اطلاعًا على تعبيرات خلابة؛ لأن اللغة تتطور مع تطور الزمان ويتبدل مع تبدله؛ ليكون في وسعه تلبية متطلبات الطلاب واحتياجاتهم المتنوعة وإروائهم الغلة العلمية وإقناعهم.
(5) هذه المشكلة قد باتت عميقة الجذور في مجتمع المدرسين وهي طريقة التلقين، فهي طريقة تقوم على طرف يُلْقِي، أما الآخر فلا يفعل سوى أن يتلقى، وبهذا يفقد الطالب التفاعل مع لغته، ويبقى دون عمل مع أن اللغة تستدعي أن تكون المشاركة النشيطة من كلا الجانبين على السواء مع طرح الأسئلة، والنقاش والحوار، أو إثارة الدافعة لدى الطالب خلال الدرس لئلا ينقطع عنه الطالب؛ حتى لبرهة قليلة.
(6) تركيز الأستاذ على الأذكياء دونما بذل العناية بالضعفاء مع تثبيطهم، فلا بد للأستاذ أن يكون كالغيث يسقي الأراضي الخصبة والجدباء معًا أو كالورد تتضوع منها رائحة طيبة تنعش النفوس الطيبة والخبيثة على السواء، وبالجملة لا بد للأستاذ أن يقيس مدى تقدم كل طالب بمقارنة أدائه الواجبات التي حددها لنفسه، وليس بمقارنته بأداء غيره من التلاميذ.
(7) الغلظة والجفوة من المدرسين إزاء الطلاب كأن بينهم عداوة تليدة ساقتهم إلى معركة دامية يشفي فيها بعضهم بعضا غليل صدورهم، فلا يمرن الأساتذة أيديهم على الطلاب ظنا منهم أنهم كرة يدوية للاستجمام والاستمتاع لهم؛ بل يجب عليهم أن يبالغوا في حسن معاملتهم مع الطلاب، وفتح صدورهم لهم ومشاركتهم في الحديث كأب شفوق لابنه؛ لكي لا تموت مواهبهم وقدراتهم في صدورهم؛ بل تظهر بالحب و الحنان، والرحمة والرأفة، ولا بد أن يكون هناك بعض من الانفتاح والحرية بين الطلاب والأساتذة مع مراعة الرزانة والوقار، وآداب العلم لئلا يخاف الطالب طرح الأسئلة أمام مربيهم.
(8) استخدام الأستاذ في الفصول لغته المحلية أداة لشرح الدروس وتفهيمها، فلا يتكلم سوى اللغة العربية خلالها ليكون قدوة في ذلك ليقتدي به الطلاب، وأسوة يتأسون بــه، ويحذون حذوه حتى تجري اللغة منهم مجرى الدم في عروقهم وشرائينهم.
(9) الغرور العلمي المزعوم الذي يعوق الأستاذ عن الاستعانة بجهود الآخرين في صياغة الخطة، والمساعدة في تنفيذها، من إخصائي اجتماعي وخبير في اللغة و التربية؛ حتى يكون وجه المدرس عبوسًا قمطريرًا حينما يقدم المهرة باللغة العربية توجيهات وإضاءات وإرشادات بدل أن يكون فرحًا مسرورًا.
(10) تخلف الأستاذ عن التقدم العلمي المعاصر بعدم تحديث استراتيجيات التعليم وتطويرها باستعمال أحدث التقنيات، واستخدام أدوات الإنترنت في التعليم، فالمطلوب هو إعداد الخطة الناجحة لتذوب العقبات، ومحو الأمية المعلوماتية؛ لأن غرفة الصف في هذا العصر هي غرفة بلا جدران؛ فلا بد من العودة إلى أصول نقررها بما يتجاوز الماضي إلى الحاضر والمستقبل دون انقطاع عن تراثنا لمسيرة العربية قُدُمًا، كي لا يبقون في كهوف التاريخ.

(5) التركيزالعشوائي على القواعد أكثر من تطبيقها، أي: التدريس النظري دون التطبيقي:
مما لا يتطرق إليه الشك أن قواعد اللغة كالنحو والصرف والبلاغة والعروض تعدّ من أكبر دعائم اللغة تبتني عليها، وتعتبر مقياسًا يعتمد عليه للتمييز بين الصواب والخطأ، والعامي والفصيح؛ فاللازم دراستها بهدف تمكين الطالب من إجادتها وإتقانها شفويًا وكتابة وخطابة؛ ولكن ليست دراسة القواعد والأصول هي المقصود بذاتها كما هو المعتاد في ديارنا؛ بل إن إلمام الطالب بالقواعد لا يضمن له الإتقان في اللغة، لذا نشاهد أغلبية ساحقة من الطلاب يجتازون مراحل الابتدائية والثانوية وينفقون سنوات طويلة في التمكن منها لكن بدون جدوى؛ لأنهم سجلوا القواعد وحفظوها عن ظهر القلب، ولم يجدوا فرصة ليمارسوا ما تعلموا نطقًا وكتابة، فتمثلت القواعد عراقيل في اللغة وازدهارها بدل أن تشق الطريق للدارسين لها إلى الرقي والتطور فيها، وتحولت عقبات في سبيل النهوض بهم إلى انطلاق ألسنتهم، وتفتيق قرائحهم وشحنهم بالثقة بالنفس بدل أن تكون علاجًا لمشاكلهم التي يواجهونها في مشوارهم اللغوي، وكيف لا؟! عندما يلتحق الطالب في الصف الأول والثاني ليتعلم القراءة والكتابة تنهال عليه تمارين في القواعد، والنحو والصرف من كل صوب وحدب، فعليه أن يميز الفعل من الحرف ومن الاسم، ثم عليه أن يتعرف على أسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، والحروف الشمسية والقمرية، والتاء المربوطة والمفتوحة، والمفرد و الجمع والمثنى، والمذكر والمؤنث، وأدوات الاستفهام، وإضافة الاسم للضمير وعلامات الترقيم…. منهاج يزج ويذخر بقوانين يتوجب على الطالب معرفتها، قال الأديب المفكرالإسلامي صاحب الفضيلة الشيخ نورعالم خليل الأميني حفظه الله رئيس التحرير لمجلة الداعي الصادرة عن الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند خلال الدرس مؤكدًا: ومن الممكن أن يكون الرجل نحويًا، أوصرفيًّا، أوبلاغيًّا من غير أن يكون له ذوق أدبي ولغوي؛ لأن حفظ القواعد له أثربالغ لايجحد؛ لكن اللغة لا يكون الدارس فيها متقنًا إلا بالمرانة والدربة المتواصلتين بجد واجتهاد وشوق ولهفة.

توجيهات لإتقان اللغة العربية وإنماء الثروة اللفظية:
(1) اليقين الكامل بأهمية اللغة العربية، والاستمتاع بالممارسات اللغوية.
(2) إثراء معجمك اللغوي والفكري بمطالعة الكتب ذات الأساليب المشرقة حول الموضوعات المختلفة ذات أسلوب بديع، والمضبوطة ضبطًا تامًّا سليمًا، والزاخرة بالكلمات المتنوعة لتسعفك وقت الحاجة، واجعل الكتاب صديقًا لك دائمًا، واقتطع وقتًا ثابتًا يوميًّا يخصَّص للقراءة، وانتق من الكتب أفضلها، ومن القصص أحسنها. ومن الكتب التي أقترحها عليك: صور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، كلاهما لعبد الرحمن رأفت الباشا. والنظرات والعبرات لمصطفى لطفي، والقصص الأدبية لعطية الأبرشي، والقصص العربية لكامل الكيلاني، ونصوص الأدب في الكتب المدرسيَّة تفي بالغرض أيضًا.
(3) التفكيرفي اللغة العربية حتى تتناغم فكرتك مع اللغة وتتلاحم بشكل يصير دمك ولحمك.
(4) المران على الترجمة الذهنية الفورية لما يطرأ في الذهن من أفكار ورؤى إلى اللغة الفصحى.
(5) اكتب حوارا متخيلًا بالعربية بينك وبين آخر، ثم قف أمام مرآتك وردده مرارًا حتى تستقر الكلمات، والألفاظ في ذهنك.
(6) التزم الاستماع إلى مجموعة من الخطب والأحاديث من خلال جهاز الكاسيت، أو الكمبيوتر، أو مشغل MP3. استمع إلى خطبة سياسية يتحدث فيها الخطيب إلى الجمهور بلغة عربية فصحى، واستمع إلى خطبة دينية ينصح فيها الإمام الآخرين بلغة فصحى، كذلك استمع إلى نشرات الأخبار التي تذاع باللغة العربية، وركز على مخارج الحروف التي ينطق بها المتحدث والخطيب والمذيع، واهتم بنبراته الصوتية، وتغيرات انفعالاته مع كل حدث أو خبر يقوله، واجعل انتباهك في كيفية تقليد ما تستمع إليه بنفس اللغة العربية التي ينطقها، وبذلك تكون قد دربت أذنيك على حب الاستماع للهجة الفصحى.
(7) التزم بمشاهدة الحوار بين رجلين سوف يساعدك على تكوينك أكثر فصاحة في التحدث، فعندما تسمع حوارًا يدور بين أكثر من شخص بأسلوب فصيح، تتمكّن من إتقان الطريقة السليمة لنطق الكلمات، ومعرفة أصواتها بشكل جيد، ومن الممكن الاستفادة من متابعة نشرات الأخبار المتنوعة، والتركيز على أسلوب مذيع الأخبار في التكلم؛ لكن لابد أن تكون المذكرة في متناول يديك ليسهل عليك تسجيل الكلمات الجديدة.

* * *
الهوامش:
(1) عبد الرزاق السعدي، مقومات العالمية في اللغة العربية وتحدياتها في عصر العولمة، بحث منشور في مجلة آفاق الثـقافة والتراث،العدد الثالث والستون،1429، ص/47.
2 الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن، سورة مريم /الآية: 97-98.
3 الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن، سورة الدخان /الآية: 59.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1439 هـ = مايو – يوليو 2018م ، العـدد : 9-10 ، السنة : 42