التلوّث الإشعاعي في العراق نتيجة حربي 1991 و2003
هناك مئات المواقع العراقية التي تعد شديدة التلوّث بالإشعاعات النووية نتيجة الأسلحة التي استخدمتها أميركا في حربي 1991 و2003.

شهد العراق حربين مدمّرتين في عامي 1991 و2003، استخدمت خلالهما القوات الأميركية والبريطانية مع حلفائهما كميات هائلة من الأسلحة الجديدة والأسلحة النووية التكتيكية (المحرّمة دولياً) مثل اليورانيوم المستنفد ومادة الفوسفور الأبيض.
تركت الحروب، إضافة إلى الدمار الرهيب والضحايا، نفايات ضخمة، معظمها قذائف يورانيوم من الأسلحة والمعدات العسكرية. ومعظم مخلّفات الحرب التي تعرضت للضرب ملوّثة إشعاعياً. على الرغم من مرور ثلاثة عقود على الحرب الأولى، حرب الخليج الثانية "عاصفة الصحراء" عام 1991، وقرابة العقدين من الحرب الثانية، لا تزال هذه المخلّفات مشعّة ويتم العثور على مخلّفات في الحقول الزراعية، على طول الطرق، بالقرب من المناطق السكنية وحتى بعضها داخل مدن بغداد والبصرة والناصرية وميسان والنجف وكربلاء ونينوى وبابل ومدن /*ومحافظات عراقية أخرى.
وإضافة إلى ذلك، نقلت الرياح الغبار المشع الناتج عن انفجار الذخائر إلى جميع أنحاء العراق، وكذلك إلى البلدان المجاورة.
وأفاد مركز الحماية من الإشعاع في عام 2005، أن "هناك 315 موقعاً ملوّثاً"، في حين قدّر خبراء من برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2005 أن "المواقع الملوّثة هي بالآلاف".
كشفت وزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان عام 2009، أن الحكومة العراقية لم تدمج أكثر من 10% من الدبابات والمركبات العسكرية الملوّثة باليورانيوم المنضب، مؤكدة أن الوزارة حدّدت 80% من المواقع الملوثة. وأضافت أن "الحطام المشعّ لا يزال يلوّث العراق بسبب نقص الميزانية وهشاشة الوضع الأمني".

الأسلحة المستخدمة في الحروب ضد العراق
وفقاً لدراسة أجراها الدكتور عصام الحناوي عام 2003 لـ"مجلة البيئة والتنمية" اللبنانية، استخدمت الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية نحو 4000 قذيفة دبابة، تحتوي كل منها على 45 كيلوغراماً من اليورانيوم المستنفد(المنضب)، وأكثر من 800 ألف طلقة من عيار 30 ميليمتراً، تم إطلاق 300 غرام من اليورانيوم المستنفد بطائرة من طراز "A-10" المعروفة باسم "ذبابة الصيد". وبناء على ذلك، بلغت الكمية الإجمالية المستخدمة لليورانيوم المستنفد نحو 300 طن، مما جعل بعض أجزاء المنطقة تجارب ميدانية لأسلحة جديدة.
وأوضح الحناوي أن الولايات المتحدة الأميركية استخدمت اليورانيوم المستنفد لأول مرة في التاريخ في العراق عام 1991، غير مبالية بالآثار الصحية والعواقب البيئية. وأضاف أنه عندما بدأت شكاوى من الجنود الأميركيين من أعراض أمراض مختلفة تُعرف باسم "أعراض الخليج"، سارعت الإدارة الأميركية إلى التشكيك في هذه الأعراض، وقامت بحملة إعلامية واسعة النطاق لإنكار وجود علاقة بين هذه الأعراض والتعرّض للغبار الناجم عن استخدام قذائف اليورانيوم المنضب.
أستاذة علم الأمراض الخبيثة في جامعة بغداد لعام 1999، الدكتورة منى خماس قالت عام 2003، إن "قوات الحلفاء استهلكت نحو 142 طناً من المتفجرات على العراق، وهذا يعادل سبع قنابل ذرية مماثلة لتلك التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي". أطلقت الدبابات 5 آلاف إلى 6 آلاف قنبلة، فيما أطلقت الطائرات 10 آلاف قنبلة، كما استخدموا قنابل النابالم والقنابل العنقودية والوقود. فيما لا يزال هناك أكثر من 300 طن من اليورانيوم المستنفد في المنطقة، مما يتسبّب في تلوّث البيئة ويهدّد صحة الإنسان من خلال الإشعاع.
واستعمل جزء كبير من كل هذا ضد المدنيين والمباني المدنية والملاجئ البعيدة عن ساحة المعركة، إضافة إلى تركهم ما بين 270 ألفاً إلى 680 ألف كيلوغرام من نفايات اليورانيوم المستنفد في المنطقة الواقعة بين العراق والكويت.
في حرب عام 2003، استخدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ذخيرة تحتوي على يورانيوم مستنفد لضرب مجموعة واسعة من الأهداف. وبالرغم من عدم وجود معلومات كافية عن كميات الذخيرة الحقيقية المستخدمة أو المواقع الملوّثة، إلا أنه "يعتقد أن ما بين 1000 إلى 2000 طن متري قد استخدم لضرب الدبابات والعربات المدرعة والمباني والمواقع المأهولة"، وفقاً لمعهد "بحوث السياسات النووية في نيويورك".[4]
وأضاف المصدر أن الولايات المتحدة أطلقت قذائف تحتوي على ما يقدّر بنحو 2000 طن من اليورانيوم المستنفد في العراق، وهي مادة مرتبطة بالسرطان. وحضّ المعهد قادة الولايات المتحدة وبريطانيا على "تنظيف العراق من مستنفد اليورانيوم المسبّب لسرطان الرئة والعظام والدم والكلى".
الخبير في وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية منجد النائب، قال في مقابلة أجريت عام 2008، إن كمية نفايات ذخائر اليورانيوم المستنفد التي استخدمتها القوات الأميركية والبريطانية في حرب الخليج عام 1991، تتراوح بين 350 و800 طن، وأن معظم هذه الذخائر استخدمت في المناطق الجنوبية من العراق.
وأضاف أنه خلال حرب عام 1991، استخدمت قوات التحالف قذائف اليورانيوم المستنفد ضد الدبابات والعجلات الموجودة في ساحة المعركة، والمنتشرة في المناطق المفتوحة والصحراء بين حدود العراق - الكويت - المملكة العربية السعودية، موضحاً أنهم استخدموا النوع نفسه من القذائف على الأماكن المأهولة بالسكان مثل العاصمة بغداد في غزو عام 2003.

اعترافات
وزير الدفاع البريطاني السابق ليام فوكس، صرّح في رسالة مكتوبة إلى مجلس العموم في منتصف عام 2010، أن القوات الأميركية والبريطانية استخدمت اليورانيوم المنضب ضد العراق عام 2003. كما نقلت "وكالة الأنباء الكويتية" عن فوكس قوله إن "القوات البريطانية استخدمت 1.9 طن متري من ذخيرة اليورانيوم المستنفد في الحرب على العراق في عام 2003".
وبحسب صحيفة "القبس" الكويتية عام 2010، فإن الجيش الأميركي أكد أنه تم استخدام أكثر من 13 طناً من النفايات المشعة على أهداف عسكرية في البصرة في منتصف عام 2010. ونتيجة لذلك، تم تدمير أكثر من 10 آلاف طن من الخردة الحديد وبقايا المركبات العسكرية بصواريخ تحتوي على اليورانيوم المستنفد.
وكالة "أصوات العراق" قالت إن "فريق إعادة الإعمار الأميركي بدأ عام 2010 في منطقة البصرة، بإزالة عشرة آلاف طن من الحديد الخردة من منطقة أبو الخصيب، وأربعة آلاف طن من منطقتي الحيانية وعباس، وستة آلاف طن من فندق منطقة حمدان.

اليورانيوم المستنفد كنفايات مشعة
قالت موسوعة البيئة عام 2011، إن "اليورانيوم المستنفد يعتبر نفايات مشعة، وعادة ما يكون نتاج عملية نووية مثل الانشطار النووي الذي يستخدم في المفاعلات والأسلحة النووية والوقود النووي". وأشارت الموسوعة إلى أنه "يحدث التأثير الإشعاعي الكامل لليورانيوم المستنفد بعد 6 أشهر من إنتاجه، عندما يعطي اليورانيوم المستنفد مع اثنين من منتجات الاضمحلال الرئيسية الكمية القصوى من أشعة ألفا وبيتا وبعض أشعة غاما - على الرغم من أن "اليورانيوم 238" (الذي يتكوّن منه اليورانيوم المستنفد بشكل أساسي) - يعطي معظم إشعاع ألفا، ويمكن للميليغرام الواحد من "U238" أن يعطي أكثر من مليون جسيم ألفا في يوم واحد".
العالمة الأميركية روزالي بيرتل أوضحت إلى المجلة الدولية للخدمات الصحية عام 2006، أن "كل جسيم ألفا يطلق أكثر من 4 ميكروفولت (مليون إلكترون فولت) من الطاقة، في اتجاه كروي، والذي يصيب الخلايا بشكل عشوائي حتى 6 خلايا أو نحو ذلك".
وأوضحت أن "هناك حاجة فقط إلى 6-10 eV (إلكترون فولت) لشق خيوط الحمض النووي في الخلية"، مضيفةً أن "المصدر المشع (اليورانيوم) سيستمر لآلاف السنين".
تشكّل نفايات اليورانيوم المستنفد تهديدات كبيرة أو محتملة للصحة العامة أو البيئة، وتظهر عموماً واحدة أو أكثر من الخصائص المختلفة مثل: الاشتعال، والتآكل، والتفاعل أو السمّية.
وتنتج عملية تخصيب اليورانيوم كميات كبيرة من اليورانيوم المستنفد.
أما بالنسبة إلى الأسلحة النووية والوقود النووي، فيوجد نحو سبعة أطنان مترية من اليورانيوم المستنفد لكل طن متري من اليورانيوم المخصّب المنتج. إذ إن إنتاج كيلوغرام واحد من اليورانيوم عالي التخصيب ينتج نحو مئتي كيلوغرام من اليورانيوم المستنفد. والنتيجة هي أن كميات كبيرة جداً من اليورانيوم المستنفد تنتج كمجاري نفايات.
وقدّر إنتاج اليورانيوم المستنفد في جميع العالم عام 1996، من قبل فريق تقييم خيارات العمل والتكنولوجيا (STOA،2001) التابع للبرلمان الأوروبي، بنحو 35000 طن متري.
العالم البريطاني إيان فيرلي، قال عام 2008 إنه "يقدّر أن أكثر من 1.2 مليون طن متري من اليورانيوم المستنفد مخزّنة حالياً في جميع أنحاء العالم، معظمها في الولايات المتحدة". وأضاف أنه على مدى نصف القرن الماضي، تم إنتاج 732000 طن متري من اليورانيوم، أي أكثر من نصف جميع اليورانيوم المستخرج في العالم في ثلاثة مصانع لتخصيب اليورانيوم في أوك ريدج - تينيسي، وبادوكا - كنتاكي، وبورتسموث - أوهايو.
وصرّح مركز العمل الدولي أن "اليورانيوم المستنفد استخدم في الأسلحة حتى تتمكّن من اختراق المركبات المدرعة والدبابات والمخابئ". وأوضح أنه "عند الانفجار تخلق سحابة مشعة سامة من الغبار الناعم يمكن أن تنشر في عشرات الكيلومترات".
الصحافي الاستقصائي الأميركي كريستوفر بولين شدّد عام 2004، على أن "أي جسم يتنفّس هذه الجزيئات ستكون لديه جرعة دائمة ولن تنخفض كثيراً بمرور الوقت، وسيعاني من مشاكل كبيرة".

القياسات الإشعاعية لحرب النفايات
بعد وقف إطلاق النار في عام 1991، أظهرت التحقيقات التي أجراها الطبيب والخبير في الإشعاع النووي سيغوارت هورست غونتر، أن "الجرعة الإشعاعية على سطح قذائف اليورانيوم المستنفد المستخدم في الحرب، كانت 11 ميكروسيفرت في الساعة، بينما الجرعة الإشعاعية المسموح بها في ألمانيا هي 300 ميكروسيفرت سنوياً"، ويشير هذا إلى أن الجرعة السنوية المسموح بها في ألمانيا تُعطى في يوم واحد في العراق.
وأفاد سكوت بيترسون، أحد العلماء الذين زاروا العراق لقياس الإشعاعات عام 2003، أن قراءات عدّاد غايغر في عدة مواقع في بغداد كانت تصل إلى نحو 1900 ضعف مستويات الإشعاع الطبيعي. وكانت القراءة لإحدى الدبابات المدمّرة بالقرب من بغداد بمستوى 1500 ضعف الإشعاع الطبيعي.
وعقب الدراسة الاستقصائية التي أجراها فريق المركز الأوكراني لحقوق الإنسان بشأن المواقع التي تعرّضت للقصف (ساحات القتال والمجتمعات المحلية)، وجدوا في عام 2003 أن "الإشعاع كان في مناطق كثيرة يتراوح بين 1000 و10000 ضعف الحد المسموح به دولياً".
في عام 2005، أجرى خجاك فارتانيان مسحاً واسعاً، في دراسته للتلوّث الإشعاعي لليورانيوم المستنفد لبيئة البصرة والتي قدّمها إلى كلية التربية التابعة لجامعة البصرة. وقام بقياس النشاط الإشعاعي لليورانيوم المستنفد في مناطق مختلفة من محافظة البصرة. وأشار إلى أن "أكثر من 100 موقع وخردة تعرّضت للتلوث في حربي الخليج 1991 وغزو 2003 مع إشعاع عالي المستوى". وأظهرت النتائج تلوّثاً كبيراً لعينات التربة القريبة من الأهداف التي دمّرتها قذائف اليورانيوم المستنفد.
كما أكدت دراسة استقصائية أجراها الخبير الفيزيائي محمد عبد الحليم، من مركز الوقاية من الإشعاع بوزارة البيئة العراقية في عام 2009، أن "زيادة الإشعاع الطبيعي في منطقة حفر الباطن (السعودية) زادت بمقدار 10 مرات عما هي عليه في بغداد"، (Env. & Life Magazine، 2009).

عيّنات من المواقع الملوّثة
وفقاً لصوت العراق عام 2006، لا يوجد تحليل إحصائي دقيق لعدد المواقع الملوّثة بأسلحة اليورانيوم المستنفد في العراق، ولكن هناك أكثر من 200 موقع تعد شديدة التلوّث، استخدم 63 موقعاً منها من قبل إدارة التصنيع العسكرية خلال فترة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وفي عام 2010، نقلت صحيفة "السومرية" العراقية عن وزير البيئة العراقية حينها قوله إن أكثر المواقع العراقية المشعة هي: بغداد، والبصرة، وميسان والمثنى.
مديرة مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة العراقية، مها حميد، قالت إنه "تم تخصيص مناطق في التويثة وحفر الباطن لإلقاء النفايات المشعة من بغداد والبصرة"، وفقاً إلى أخبار "السومرية" عام 2010.
دراسة عراقية رسمية توصّلت إلى أن أكثر من 40 موقعاً في جميع أنحاء العراق، ملوّثة بمستويات عالية من الإشعاع والديوكسينات، وتركت دماراً بيئياً في أجزاء كبيرة من البلاد. وبخصوص هذه المواقع وتأثير التلوث فيها على الناس، قال صحافي في صحيفة "الغارديان" البريطانية، مارتن تشولوف، عام 2010، إن "معدل الإصابات بالسرطان والعيوب الخلقية ارتفع في المواقع الملوّثة والمواقع القريبة منها".
وقال تشولوف إن "مجموعات الدراسة الحكومية صنّفت 42 موقعاً على أنها عالية الخطورة، وتمّ تصنيف 10 من هذه المناطق من قبل هيئة إيقاف التشغيل النووي العراقية على أنها تحتوي على مستويات عالية من الإشعاع، فيما تشمل ثلاثة مواقع مفاعلات نووية سابقة في منشأة التويثة الموجودة في الضواحي الجنوبية الشرقية لبغداد، إضافة إلى مراكز أبحاث سابقة كانت حول العاصمة وتم قصفها وتفكيكها بين الحربين.
تمثل المناطق الأكبر من بلدات ومدن العراق والمناطق القريبة منها، بما في ذلك النجف والبصرة والفلوجة، نحو 25%من المواقع الملوّثة، والتي يبدو أنها تتزامن مع المجتمعات التي شهدت معدلات متزايدة في السرطان والعيوب الخلقية على مدى السنوات الماضية.
وجدت الدراسة المشتركة التي أجرتها وزارات البيئة والصحة والعلوم، أن ساحات الخردة المعدنية في بغداد والبصرة وحولهما تحتوي على مستويات عالية من الإشعاع المؤين، والذي يُعتقد أنه إرث من اليورانيوم المستنفد المستخدم في الذخائر خلال حرب الخليج الثانية وخلال غزو العراق عام 2003.
وأشارت تسريبات من موقع ويكيلكس إلى أن نصف عمر مادة اليورانيوم المنضب في العراق يصل إلى 4.1 مليارات سنة، وجزيئاته لا تتفكك كلياً إلا بعد 25 مليار سنة، أي من عمر الأرض.
إلى يومنا هذا، لا تزال وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تتستر على كمية الأسلحة التي أطلقت على العراق خلال حربي 1991 و2003. قد تكون كمية الأسلحة غير معلومة، ولكن المؤكد أن نتائج تلوّث الماء والهواء والتربة الذي تسبّبت به دول تدّعي الإنسانية والديمقراطية، واضحة إلى العيان من خلال أمراض العراقيين.