_
دعاني مرّة أحد الأغنياء إلى الركوب معه في سيارته الجديدة . وعندما هممت بفتح الباب انتهر سائقه لأنّه لم يبادر إلى فتحه . ثمّ فتحه هو بيده ــ ولكن على مضض . وفي لمحة الطرف قفز إلى الداخل فجلس إلى اليمين وأجلسني إلى اليسار . فكأنّه عندما هممت بفتح الباب ، خاف أن أسبقه إلى (( مقعد الشرف )) . ما أبهت للأمر في البداية . ولكنه عندما راح يحدّثني عن سيارته وعن ثمنها وعن الحسنات التي تمتاز بها على غيرها من السيارات ، ثمّ راح يحدجني من طرف عينه مخافة أن يلمس حذائي مخمل السيارة ، أو أن تبدر مني حركة تسيء إلى زرّ أو مسكة أو ممسحة ــ عندئذ ندمت على قبولي دعوته وتمنّيتُ لو أُنْتَشَل بغتةً من السيارة بقدرة قادر أو بسحر ساحر .
إنّك لو بحثت عن أيّ خصام يقوم في الأرض ، سواء أكان بين فردين ، أم عصبتين ، أم دولتين ، أم مجموعتين من الدول لوجدته يعود في الأساس إلى صغارة في نفوس المختصمين . فما اختصم اثنان إلّا لأن صدر الواحد ضاق بالآخر . والصدر يضيق أو يتسع على قدر ما تصغر النفس أو تكبر . ففي حين أن النفس الصغيرة تضيق بالكبيرة فتناصبها العداء ، تتسع الكبيرة للصغيرة فتقابلها إمّا بالصفح وإمّا باللامبالاة . لذلك كان صغار النفوس مبعث الفساد والقلق في الأرض . وكان كبار النفوس ملح الأرض وخميرتها ، والواحات النديّة النضرة في صحاريها .
دروب
ميخائيل نعيمة