رواية "الباشا وفيصل والزعيم" صدرت حديثا للكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي
علي لفتة سعيد ...
في روايته "الباشا وفيصل والزعيم" يَنصب الأديب باسم عبد الحميد حمودي محاكمة الحاضر للزمن الماضي، بحضور مؤرخين؛ عراقي ولبناني، وباستدعاء السفير البريطاني زمن قيام ثورة 14 يوليو/تموز 1958، وهي الانقلاب الذي أطاح بالمملكة العراقية الهاشمية.
عدد من النقاد اعتبروا أن هذه الرواية واحدة من الروايات التي استخدمت الفنتازيا أسلوبا ودمجت الواقعية بالخيال للكشف عن أحداث العراق في العقود الأولى من القرن الماضي أيام تأسيس الدولة في العهد الملكي وما حصل من تغيرات في ما أطلق عليه ثورة عبد الكريم قاسم.
عبد الحميد حمودي: الرواية ليست سيرة بل هي إدانة ومحاكمة لما حصل وتسبب بكل ما نحن فيه في الزمن الراهن
إدانة وكشف
والكاتب حمودي واحد من رواد الحركة الأدبية والصحفية العراقية، من مواليد 1937 في بغداد، حاصل على شهادة قسم التاريخ في كلية التربية عام 1960.
نشر أول مقالة عام 1954، وهو أحد أهم أركان النقدية العراقية التي انبثقت في القرن الماضي، فضلا عن كونه باحثا ومختصا بالتراث والفولكلور.
شغل حمودي منصب رئيس تحرير مجلة التراث الشعبي الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق.
يقول عن روايته إنها محاولة لتقديم "الخفي من تاريخ العراق القريب عن طريق بناء روائي جديد"، ويوضح أن هذا التاريخ الذي عايشه وعاصره "لا بد أن يحتاج إلى طريقة لمزج الخيال بالواقع عن طريق الأسلوب الفنتازي"، مشيرا إلى أنه جعل الخصوم "يتقابلون في الرواية باعثا إياهم من دار الخلود إلى الفكرة".
واعتبر أن هذه الطريقة تأتي "بهدف محاكمتهم عما حصل في تلك الفترة وما قدموه للتاريخ سواء بالسلب أو الإيجاب".
ويقول حمودي إن الرواية "تبدأ محاكمة لقادة العهدين الملكي والجمهوري في قاعة العرش" وتابع أنه جعل "الملك فيصل الثاني يوجّه كلامه للزعيم عبد الكريم قاسم ويقول له "لماذا فعلت ذلك؟ هل نستحق ميتة كالتي حدثت؟".
وأضاف أن فكرة الرواية تقوم كذلك "على إدانة القتل الوحشي للخصوم السياسيين من أجل تغيير مسار الحياة السياسية المدنية بالقوة".
وأشار إلى أنه إضافة إلى الإدانة واستحضار الشخصيات، فإنه قام "بتوظيف المؤرخين أمثال عبد الرزاق الحسني وحنا بطاطو للتدخل بين المتحاورين، وهم الباشا نوري السعيد والملك الشاب والسفير البريطاني، وبحضور مثقفين كبار أمثال عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي"، بمعنى أن الرواية ليست "سيرة عن حياة العائلة المالكة بل هي إدانة ومحاكمة لما حصل، والذي تسبب بكل ما نحن فيه في الزمن الراهن".
متون وحكايات
حمودي ألّف الكثير من الكتب، وخاصة في الأدب الشعبي الذي اختص به، منها "السيرة الشعبية والذات العربية" و"القضاء العرفي عند العرب: معجم المصطلحات" و"الناقد وقصة الحرب: دراسة تحليلية" وكذلك "عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية" و"محمود العبطة فولكلوري عراقي يرحل" و"أنا عاطل وقصص أخرى" و"الوجه الثالث للمرأة".
يقول الناقد مؤيد البصام عن الرواية إنها "تروي بروح الفنتازيا تاريخ ما حدث، ولكن ليس تحليلا أو استنتاجا من حوادث التاريخ فحسب، وإنما من خلال أبطالها الذين شاركوا فعليا في إدارة الحوادث".
مؤيد البصام: رواية "الباشا وفيصل والزعيم" جمعت الأعداء والخصوم لطرح وجهات نظرهم ومحاكمة بعضهم بعضا
ويضيف أنها رواية "جمعت الأعداء والخصوم لطرح وجهات نظرهم بما حدث، ومحاكمة بعضهم بعضا"، ويرى أنه في هذا الأسلوب "تكمن المسألة الأساسية في عملية السرد".
ويقول البصام إن الروائي "أدار المتن الحكائي للقصة سرديا، وجعل المبنى الحكائي يحرّك الحافز ويبقي التواصل غير منقطع لسرد تاريخي"، مؤكدا أن حمودي أدار الحبكة "بحنكة وسيطرة، حين لجأ إلى مخيال تقنية الاجتماع من دون الخصومة للمتخاصمين، في أهم مواقع بغداد التاريخية"، معتبرا ذلك "مهارة إبداعية وجعل الحوار السمة الأساس في العملية السردية".
ويرى أن الروائي "جعل المبنى يشكل بقوة الحافز للمتن الحكائي، من دون أن يفرض علينا آراءه أو النتائج التي وصل إليها، إنما تركها لتحليل المتلقي"، مشيرا إلى إنه تناول مأساة قتل العائلة المالكة كونها "الحكاية التي شغلت الشعب العراقي، وما زالت مدار الحديث في كلّ حدث يحدث".
مفارقات
أصدر الكاتب كذلك "الوجه الثالث للمرآة" و"تغريبة الخفاجي عامر العراقي" و"ديوان الأقلام" و"رحلة مع القصة العراقية" فضلا عن كتب "شارع الرشيد" و"في دراما قصيدة الحرب: تنويع نقدي على قصيدة الفاو" و"في تفاصيل الحدث: الهامش في التاريخ العراقي"، إضافة إلى "سحر الحقيقة: شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي" و"حالة نصف الدائرة" و"ميريل ستريب".
يقول الناقد حسن الموسوي إن هذه الرواية "من الروايات التاريخية التي اعتمدت على جمع شخصيات لعبت دورا بارزا في تاريخ العراق الحديث من أجل إجراء حوارات بينها للوصول إلى الحقيقة التي يريد الروائي الكشف عنها".
الموسوي: الرواية من الروايات التاريخية التي اعتمدت على جمع شخصيات بارزة في تاريخ العراق الحديث
ويرى أن مثل هذا اللقاء "من المستحيل تحقيقه لولا الخيال الخصب للروائي المتسلّح بمقولة يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره".
ويعتبر الموسوي أن هذه "من أصعب أنواع الروايات لأنها تقيد الروائي الذي يتطرق إلى حقبة زمنية معينة بالمكان الحقيقي والزمان وأسماء الشخصيات والعادات والتقاليد التي كانت سائدة دون تجاوزها أو القفز عليها".
لكنه يستدرك أن الثيمة التاريخية وحدها "لا تصنع نصا روائيا"، وأن الروائي "تعامل معها بحنكة وتفرَّد بالأسلوب"، وقال إن الرواية خلصت إلى "الدور المشبوه الذي لعبته بريطانيا عبر سفيرها في بغداد السير همفري تريفليان".