الزيودي: الإمارات موطن تجارة الأرض لـ"رُبع" سكان العالم
الثلاثاء 2023/4/25
الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي
قال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي، إن الشراكات الاقتصادية الشاملة، هي لب انطلاقة الدولة للعالم.
أضاف أن برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، الذي يسعى إلى تطوير علاقات أعمق وأقوى مع حلفاء مهمين استراتيجيًا حول العالم، يعد حجر الزاوية في تنمية التجارة العالمية للإمارات ورفع المعدل السنوي الحالي الى الضعف بحلول عام 2031 .
جاءت تصريحات الوزير خلال مقابلة نشرتها دورية مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث في العاصمة الأمريكية واشنطن، فى عددها ربع الفصلي الصادر لهذا الربيع.
أجرى هذه المقابلة أفشين مولوي، زميل معهد السياسة الخارجية بكلية جونز هوبكينز للدراسات الدولية وزميل سابق بمركز وودرو ويسلون.
أشار الوزير إلى اتفاقيات وقعتها دولة الإمارات مع الهند وإسرائيل وإندونيسيا وتركيا، وإلى تفاهمات بهذا الشأن واتفاقات مبدئية مع كل من جورجيا وكمبوديا، بحيث يصل حجم السوق لحوالي 1.8 مليار شخص قرابة ربع سكان العالم.
وأكد الوزير أن هذه الصفقات ستساعد في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كميسر للتجارة العالمية ومركز رئيسي في سلاسل التوريد بين الشرق والغرب، كما ستساهم في حقبة جديدة من الاستقرار في المنطقة، والأهم من ذلك، إظهار فوائد تقديم الاقتصاد على السياسة.
نموذج فريد
استهلت المقابلة بالحديث عن النموذج الفريد الذي تضربه دولة الإمارات للتدليل على استمرار سريان منظومة العولمة الاقتصادية رغم كل التحديات. ففي وقت سابق على جائحة كورونا، تعاملت مطارات دولة الإمارات العربية المتحدة مع عدد من المسافرين جواً دولياً أكثر من مطار هيثرو بلندن وجون كينيدي في نيويورك مجتمعين.
كذلك في عام 2014 ، تجاوز مطار دبي الدولي مطار هيثرو باعتباره أكثر المطارات الدولية ازدحامًا في العالم وظل في القمة - حتى وسط اضطرابات الوباء.
وفي الوقت نفسه، تتعامل موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة مع حوالي 2.4% من حركة الحاويات البحرية في العالم، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، وأصبحت نقطة ارتباط رئيسية لتدفقات التجارة بين الشرق والغرب.
وإلى جانب التجارة والسفر، برزت الشركات الإماراتية وصناديق الثروة السيادية من بين أكبر المستثمرين في العالم، حيث تمثل ما يقرب من 40% من جميع الاستثمارات الصادرة من غرب آسيا في الفترة من 2016 إلى 21، وفقًا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة.
ومع الاستثمارات العالمية التي تتراوح من الأسهم العامة إلى العقارات إلى التكنولوجيا وما وراءها، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كمشارك رئيسي في الاقتصاد العالمي. وكانت الشركات والصناديق الإماراتية أيضًا من المستثمرين الرئيسيين في الأسواق من إفريقيا إلى الشرق الأوسط.
ورغم عدد سكان لا يتجاوز 10 ملايين شخص، تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في التجارة الدولية بحصة أكثر من البرازيل أو إندونيسيا، ولدى كلا البلدين أكثر من 200 مليون شخص. ويرجع ذلك جزئيًا إلى سنوات من بناء البنية التحتية والسياسات التي تدعم التجارة بنشاط.
وتسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق هدفها الطموح المتمثل في مضاعفة حجم اقتصادها بحلول عام 2030، وهنا ستلعب التجارة دورًا مهمًا.
تنمية التجارة الخارجية للإمارات
وحول حجم التجارة الخارجية الكلي لدولة الإمارات قال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي إنها بلغت 607 مليارات دولار في عام 2022، وهو رقم قياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام واحد للتجارة غير النفطية.
وقال: "الطموح الآن هو دفع تجارتنا الخارجية غير النفطية إلى 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2031 ، وهو ما يعكس مدى أهمية التجارة بالنسبة لطموحاتنا الاقتصادية.. وفي هذا الإطار، فإن برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، الذي يسعى إلى تطوير علاقات أعمق وأقوى مع حلفاء مهمين استراتيجيًا حول العالم، هو حجر الزاوية في هذه المهمة.
أهم التحديات
وعن أكثر التحديات إلحاحًا بالنسبة لتنمية التجارة الخارجية في عالم من المنافسة المتزايدة باستمرار، وسلاسل التوريد المعقدة، والحمائية المتزايدة، قال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي إن المجتمع التجاري العالمي يواجه بالفعل العديد من القضايا، ليس أقلها عودة ظهور الحمائية، كما توجد أيضا مشكلات ناشئة عن آليات تسوية المنازعات غير الملائمة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتدفقات الدعم التي تشوش الأسواق، والتحدي المستمر المتمثل في تمويل التجارة، والذي يمنع الوصول إليه الشركات الصغيرة ولا سيما تلك الموجودة في البلدان النامية من المشاركة الكاملة في نظام التجارة العالمي.
وأضاف الوزير أن دولة الإمارات تلعب دورًا صريحًا بشكل متزايد في هذه القضايا، "ونتطلع إلى تعزيز النتائج الإيجابية في هذا المجال عندما نستضيف المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في فبراير/شباط 2024".
وأوضح أن ذلك المؤتمر سيكون فرصة لمناصرة التعددية كوسيلة تحفيز النمو الشامل وتعزيز التنمية في الأسواق الناشئة، لتعزيز التجارة القائمة على القواعد، ووضع قواعد جديدة للتجارة الرقمية، وكذلك لدمج التكنولوجيا في سلاسل التوريد العالمية.
كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد أطلقت في يناير/ كانون الثاني مبادرة التجارة التقنية بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي. وقد تم تصميمه للجمع بين الدول وأصحاب الأعمال في قطاع الخدمات اللوجستية، للانتقال إلى الجمارك القائمة على التكنولوجيا، وسلاسل التوريد القائمة على البيانات، والتمويل التجاري الرقمي. وقال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي إن هذه الأدوات يمكن أن تغير نظام التجارة العالمي - وتحفز حقبة جديدة من النمو التجاري.
وحول اتفاقيات التجارة الحرة مع عدة دول في وقت قياسي، قال: "عندما خرجنا من الوباء، واستعرضنا تأثيره على النمو، وعلى سلاسل التوريد، وعلى التصنيع، كان هناك إدراك من العديد من البلدان أن الشراكات أفضل من الحمائية، واختتمت مفاوضاتنا مع الهند في أقل من أربعة أشهر، وهو ما كان انعكاسًا واضحًا للإمكانية التي سيفتحها تكامل اقتصادي أكبر، سواء من حيث الوصول إلى الأسواق ولكن أيضًا في تعزيز سلاسل التوريد الإقليمية وشبكات الاستثمار."
وانتقل الحديث إلى مناطق النمو للتجارة الإماراتية، وقال الوزير إن الصادرات هي أحد المجالات التي تتطلع البلاد إلى التوسع فيها في السنوات القادمة. ففي عام 2022، بلغت قيمة الصادرات غير النفطية حوالي 100 مليار دولار ، وهو رقم قياسي جديد للبلاد وقد زاد بنسبة 52 في المائة عن عام 2019. ويرجع ذلك إلى التوسع الطموح للقطاع الصناعي، "ونتطلع إلى توسيع الفرص في منتجات الحديد والصلب والألمنيوم والبوليمرات والمواد البلاستيكية الأخرى."
وأضاف الوزير أنه توجد مساحات كبيرة من الفرص لتصدير الخدمات أيضا. اذ تخلق اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة فرصًا جديدة هائلة لقطاعات مثل الخدمات المالية والمهنية، والبناء والمقاولات، والخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والسفر والسياحة.
وأشار الوزير أيضا إلى رغبة في توسيع النطاق الجغرافي لتلك الشراكات، وأوضح أنه بحلول نهاية العام ستكون دولة الإمارات قد وقعت اتفاقيات مع دول في جنوب شرق آسيا، وشبه القارة، وشرق أفريقيا، وأوروبا الشرقية، وأمريكا الجنوبية.
الاتفاقيات الإبراهيمية وI2U2
وسئل الوزير عن تعزيز الاتفاقيات الإبراهيمية للمحفظة التجارية لدولة الإمارات، وقال إنها كانت مفيدة للغاية. ففي عام 2022، وصلت التجارة غير النفطية مع إسرائيل إلى 2.5 مليار دولار -بزيادة 90% عن عام 2021- بينما نمت إعادة الصادرات إلى إسرائيل بنسبة 71.2%. وأوضح الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي أن دولة الإمارات نقوم أيضًا ببناء شراكات البحث والتطوير في قطاعات رئيسية مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية والأمن المائي والغذائي والتكنولوجيا المتقدمة واستكشاف الفضاء ، مع دعم الشركات الناشئة بالحاضنات وصناديق الاستثمار.
وكانت هناك فوائد أخرى للمنطقة أيضًا، مثل مشروع الطاقة الثلاثي الرائد بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والأردن والذي سيشهد استخدام الطاقة الشمسية المنتجة في الأردن مقابل المياه العذبة مع إسرائيل. ويمكن أن يساهم ذلك في حقبة جديدة من الاستقرار في المنطقة، والأهم من ذلك، إظهار فوائد تقديم الاقتصاد على السياسة.
وفيما يتعلق بمبادرة I2U2 (مبادرة الهند وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة المتعددة الأطراف) في سياق التجارة الخارجية لدولة الإمارات مع تلك الدول الأعضاء، ومع العالم الأوسع، قال الوزير إن هذه المبادرة تجمع بين المعرفة والموارد الخاصة بالبلدان الأربع وتوجهها نحو أهداف التنمية الإقليمية.
وأكد الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي أن هذه الشراكة تخلق بالفعل رابطة من الفرص الاقتصادية والتميز، مع التركيز بشكل خاص على التعاون الاقتصادي والاستثمارات المشتركة في المياه والطاقة المتجددة والأمن الغذائي والرعاية الصحية والنقل والفضاء.
السعودية مركز تجاري إقليمي
وسئل الوزير عن جهود المملكة العربية السعودية لتنمية دورها كمركز تجاري إقليمي رئيسي وقال إن المملكة العربية السعودية لديها استراتيجية نمو طموحة، وذلك محل ترحيب من دولة الإمارات. والمملكة واحدة من أهم الاقتصادات في المنطقة، ويساعد تطورها على خلق الفرص في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، وجلب المزيد من الاستثمار، والمزيد من السياحة، والمزيد من التجارة والمزيد من التركيز على القدرات العديدة للمنطقة.
العلاقات التجارية مع أمريكا
وحول العلاقة التجارية الإماراتية الأمريكية وما هي التحديات والفرص الرئيسية فيها، أكد الوزير أن الولايات المتحدة شريك تجاري مهم للغاية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتتفهم القيادة الإماراتية قيمة العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة. وأمريكا هي رابع أكبر شريك تجاري للإمارات، حيث بلغت التجارة الثنائية غير النفطية 30 مليار دولار في عام 2022 - بزيادة قدرها 22% عن عام 2021. كما تظل الولايات المتحدة رائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا والتمويل ، لذلك ستكون الشراكة بين البلدين ذات قيمة كبيرة "لا سيما ونحن نحتضن الثورة الصناعية الرابعة ونضع التكنولوجيا المتقدمة كحجر زاوية لتنميتنا الاقتصادية."
وقال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي: "نحن نرى الولايات المتحدة رائدة في مجال التكنولوجيا الزراعية وإنتاج الغذاء وانتقال الطاقة، وكما نرى في تحالف I2U2 ، يمكن أن يكون لقدراتنا المشتركة تأثير بعيد المدى. وسنواصل العمل معًا بروح من التعاون والمصالح المشتركة".
الحمائية المتزايدة
وتحدث الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي عن الحمائية بين الاقتصادات الكبرى، وقال إنها كانت إحدى النتائج الواضحة للوباء العالمي. لكن العولمة تعود من جديد بثقلها في جميع أنحاء العالم مع مجموعة كبيرة من الشراكات والاتفاقيات الاقتصادية الجديدة - خاصة في البلدان النامية - التي تقود حقبة جديدة من التعاون.
وقال الوزير إنه لطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة دولة تتطلع إلى الخارج، "وسيستمر اقتصادنا في استمداد قوته من المجتمع الدولي.. والهدف لا يزال واضحًا وهو بناء علاقات أقوى وأكثر جدوى مع الشركاء والحلفاء العالميين لتعزيز السلام والاستقرار والازدهار." وأضاف إنه مع خروجنا من "الصدمات الثلاثية" لعام 2022 ، تدرك العديد من البلدان الحاجة إلى العمل معًا لمواجهة أهم تحدياتنا، من تغير المناخ إلى الأمن الغذائي."
واختتمت المقابلة بسؤال عن أكثر ما يشغل الوزير ثاني بن أحمد الزيودي ويقلقه، فقال "أعتقد أننا رأينا في السنوات القليلة الماضية أن الأوبئة والصراعات يمكن أن تلحق أضرارًا كبيرة بالاقتصاد العالمي، ويجب على المجتمع الدولي مواصلة العمل معًا لتوفير حلول عملية وسلمية للقضايا العالمية.
وأشار إلى أن "تغير المناخ يمثل تهديدًا آخر مستمرًا يجب علينا جميعًا العمل بجد أكبر للتخفيف منه - وسيكون هذا هو محور تركيز مؤتمر COP28، الذي سنستضيفه دولة الإمارات في وقت لاحق من هذا العام.. ومع ذلك، فقد تعلمنا الكثير من الدروس القيمة من العامين الماضيين، لدرجة أنني أعتقد أننا أكثر مرونة بكثير وأكثر استعدادًا للتعامل مع أي احتمال".