"الدلالة".. وسطاء مثيرون للشكوك في السعودية يزعمون إنقاذ خادمات البيوت الأفريقيات
نشرت في: 28/02/2023
تعمل خادمات البيوت من أفريقيا بأعداد كبيرة في المملكة السعودية في ظروف قاسية. وقررت بعضهن الهروب من مشغلهن القانوني أملا في الحصول على حياة أفضل. ولكن الواقع كان مختلفا تماما حيث يجدن أنفسهن في وضع إقامة غير قانونية ويقعن بين يدي "الدلالة" وهم عبارة عن وسطاء يزعمون أنهم يقدمون المساعدة لهن.. لكنهن يتعرضن للاستغلال من جديد.
يظهر مقطع فيديو نشر في نهاية 2022 حوالى عشرة نساء محجبات متجمعات في غرفة وقد طلبن المساعدة وتتحدث معظمهن باللغة السواحيلية. وحسب إحدى النساء اللاتي ظهرن في الصور، فقد كن عالقات في جدة غرب المملكة بعد أنه هربن من مشغليهم الذين كن يعملن خادمات بيوت لديهم.
يعاني عدد منهن من المرض ولا يستطعن معالجة أنفسهن لوحدهن. هناك من منا أصبحت مجنونة ولا نتلق أية مساعدة هنا. إذا مرضت واحدة منا، لا تتلقى أية مساعدة… بعض النساء دون عمل منذ ستة أشهر، لقد انتظرنا طويلا والآن نحن متعبات.'
وتشترك تلك النسوة، اللاتي غادرن المملكة السعودية بعد تصوير الفيديو، في أنهن عاملات 'كيمبوا" أي خادمت بيوت هربن من مشغلهن القانوني وأصبحن يعملن بطريقة غير قانونية في دولة خليجية. ويشير التعبير الكيني "كيمبوا kemboi" إلى عداء الماراثون الكيني إيزيكيل كيمبوا الذي حصل أربع مرات على الميدالية الذهبية في سباق ثلاثة آلاف متر موانع في بطولة العالم لألعاب القوى.
ويمكن أن تكون الظروف التي تعمل فيها خادمات البيوت الأفريقيات في دول الخليج سيئة. ويعد نظام "الكفالة" المعمول به في المنطقة نظاما للإشراف على عمال أجانب من طرف مشغل محلي. ويتولى هذا المشغل مصادرة جواز سفر العامل ويحصل بالتالي على سيطرة شبه كلية عليه. وفي آذار/ مارس 2021، أجرت السعودية إصلاحات تفسح من خلالها إنهاء نظام الكفالة لبعض العمال الأجانب في المملكة. ولكن حسب منظمة "مايغرانتس رايتس Migrants Rights" غير الحكومية التي تتولى الدفاع عن حقوق العمال الأجانب دول الخليج العربية، فإن هذا الإصلاح لم يشمل أوضاع خادمات البيوت رغم أن ظروف عملهم هي الأصعب.
ويبقى أمام اللاتي قررن البقاء في المملكة خياران، إما مواصلة العمل حتى نهاية عقد عملها القانوني مع المشغل أو الهرب. ولكن حياة "كيبموا" مليئة بالعقبات.
"إذا قررت الهرب، فإنك ستبقين دون وثائق إقامة"
ديبرا نيانشوكا كانت خادمة بيوت في السعودية لمدة عامين، بين شهرين شباط/ فبراير 2020 وآّذار/ مارس 2022. ومنذ عودتها إلى كينيا، قررت تحسيس النساء الشابات عبر الإنترنت بخصوص مخاطر هذا القرار.
في هذا المقطع المصور، تحذر ديبرا نيانشوكا وهي كينية علمت سابقا خادمة بيوت في السعودية لمدة سنتين، خادمات البيوت من مغبة الهرب من مشغلهن. فيديو لديبرا نيانشوكا.
يتم مصادرة جواز سفرك من قبل المشغل ويحتفظ بكل الوثائق الرسمية إلى غاية نهاية عقد العمل. وبالتالي إذا قررت الهرب، فستبقين دون وثائق إقامة ولا يمكن لكن دخول أي مؤسسة صحية. والنتيجة هي أنك تخسرين الحماية الدنيا التي توفرها سلطات البلد الذين تتواجدين فيه وذلك لأنه تعتبرين منذ تلك في حالة فرار.
"يقولون إنهم سينقذونك لأنك 'سلعة' مطلوبة بشدة"
يبقى أمل هؤلاء العمال الهاربين، ومعظمهن من النساء معلقا إذا في الحصول على ظروف عمل أفضل. لكن الواقع مغاير تماما في معظم الأحيان، وفي بعض الحالات، تجد عاملات البيوت الهاربين أنفسهن يشتغلن لصالح وسطاء مثيرين للريبة ويطلق عليه اسم "الدلالة" باللغة السواحيلية. وهم عبارة عن وسطاء غير قانونيين يقومون باستغلال عاملات البيوت هؤلاء بسبب أوضاعهن الهشة.
وفي مقطع فيديو آخر نشر على قناتها في يوتيوب، تتحدث ديبرا نيانشوكا عن هؤلاء الوسطاء وعن دوافعهم:
عندما تقوم إحداكن بالتشكي من وضعها على شبكة الإنترنت، يمكن أن يرسل لك وسيط الدلالة رسالة إليك في محاولة للتواصل معك. يقولون أنهم سيقومون بإنقاذك لأنك "سلعة" مطلوبة بكثرة بالنسبة إلى وسيط عندما تقررين الفرار.سيقومون بمساعدتك في البداية على الهرب من المشغل القانوني. ومن ثم سيقومون بإرسال سيارة أجرة لنقلك من مكان عملك إلى مقرك الجديد.
في تلك اللحظة، ستتحولين إلى تجارة مربحة لهؤلاء الوسطاء. سيعلمون فيما بعد على العثور على عمل غير مصرح به. ويجنون عمولات من عرض خدماتكن على مشغلين لا يملكون الإمكانات المادية لجلب يد عاملة من خارج المملكة... دون عاملات "كيبموا" لا يملك الدلالة شيئا. وبالتالي عندما يشجعكم أحدهم على الهرب من مشغلكم، اسألوا أنفسكم: لماذا يحاول هذا الشخص أن أغادر مقر عملي؟
ولأجل تحقيق أهدافهم، يمكن أن نرى وسطاء دلالة يعرضون خدماتهم على مجموعات في فيسبوك. وبعد تقديم وعود بتوفير الأمن ورواتب أفضل وظروف عمل أحسن، يأتي الوسطاء مقابل مبلغ مالي للبحث عن العاملة المنزلية التي تريد الفرار ويقومون بنقلها إلى مكان آمن، وهو ما تكشفه هذه المنشورات على فيسبوك:
"سنتولى التكفل بإقامة في الرياض بسعر مقبول. إذا مار أدرت العمل كـ"كيمبوا" نرجو منكن بعث رسالة خاصة للحصول على مزيد من التفاصيل.
إذا ما كنت في جدة، الطائف، بيشة، المدينة المنورة، الرياض، أو ينبع [مدن في السعودية] وكنت مستعدة للعمل كـ"كيمبوا" أرسلي مكان تواجدك. نوفر لكم رحلة آمنة إلى وجهتك، تنويه: يجب أن تملك سيولة معك.
تعانين من العمل مع مشغلك الحالي وتريدين العمل كـ"كيمبوا"؟ قومي ببعث رسالة خاصة.
تحت هذا المنشور الأخير، تقدم إحداهن شهادتها بأسف عن وضعها كـ"كيبموا" حيث كتبت:
أعمل ك"كيبموا" ولا يمكن لي أن أنصح أحدا بالقيام بنفس الشيء. السعودية تغيرت كثيرا…يمكن لك العمل شهرا كاملا ويقرر المشغل عدم دفع أي أموال. وبعد ذلك، لا يمكن حتى مجرد الشكوى، لا يوجد أي أمان هنا، يمكن أن يقرر مؤجر بيتك أن يرمي بك في الشارع في أية لحظة في حال تأخرت عن دفع الإيجار… في بعض الأحيان، لدي رغبة كبيرة في العودة إلى مشغلي القانون لكنني أعلم أنه يمكنه التنكيل بي.
استخدام عاملة بيوت سابقة كـ"لعبة جنسية"
قبلت ماري (اسم مستعار) بالتحدث عن مأساتها لفريق تحرير مراقبون فرانس24 وانتهى الأمر بالخادمة الكينية بهروبها من مشغلها القانوني بالوقوع بين براثن "الدلالة".
وتقول إنها كانت تعيش حياة قاسية لدى مشغلها وقد وصل بها الحال إلى "الجوع" حيث تعمل كثيرا مع أكل قليل وفترة نوم قصيرة". وهو ما جعلها تقرر التحدث عن مشاكلها على الإنترنت في بعض الصفحات على فيس بوك وقد رأت "سيدة" منشورها وعرضت عليها تقديم "المساعدة". وحسب ماري، فقد وعدتها المرأة بحياة "أكثر أريحية بساعات عمل أقل وحرية أكبر".
وتوضح أنها اقتنعت بالهرب من مشغلها بعد هذا الوعود حيث تقول: "قررت إذا مشاركة مكان وجودي وأرسلت لي المرأة سيارة لتنقلني عندما أخرج إلى الشارع لرمي الفضلات". وتضيف ماري "مقابل 3500 ريال سعودي (أي ما يعادل 885 يورو)، قام السائق بوضعي في بيت المرأة المعنية، أو وسيطة الدلالة".
المشكل هو أن ماري لم تكن تملك المالي الكافي لدفع المبلغ في الإبان. وهو ما جعل وسيطة الدلالة تقول لها أنه "يجب عليها قبول أي عمل متوفر لكي تحصل على بعض المال ودفع ثمن أتعاب السائق" وأن "تكون مستعدة لأي شيء". بعد ذلك، رأت ماري رجلين اثنين يدخلان البيت. وتؤكد أنهما قاما باستعمالها كـ"لعبة جنسية". وبالتالي تمكنت من تحصيل المبلغ المطلوب من وسيطة الدلالة.
ولم تشأ هذه المرأة توضيح الطريقة التي سمحت لها بالهرب والعودة إلى بلدها كينيا.
"مصدر المشكلة هو غياب حماية للعمل بالنسبة إلى خادمات البيوت"
وحسب منظمة "مايغرانت رايتس"، فإن هؤلاء الوسطاء هن خادمات بيوت سابقات هربن أنفسهن سابقا من مشغليهم. في حالات، أخرى هم مواطنون من نفس البلاد ويبقون في المملكة ويقدمون أنفسهن في بعض الأحيان كمشرفين على "وكالات مزيفة لتشغيل خادمات
البيوت". وتوضح ريما قالوش الناطقة باسم هذه المنظمة قائلة:
يمكن لهم ممارسة استغلال فاحش على مواطناتهن. لكنهم موجودون لتلبية خدمات لا توفرها الدولة. إذ أن خادمات البيوت اللاتي يردن تغيير المشغل بسبب تجاوزات أو عدم دفع الرواتب أو لأي سبب آخر، لا يجدن أي شخص يتوجهن إليه، ففي إطار نظام الكفالة، فإن كل العمال المهاجرين يمكن أن يواجهوا مشاكل في تغيير المشغل ولكن خادمات البيوت يواجهن القيود الأكثر صرامة.
وهو ما يجعل الوسطاء يستغلون هذا الوضع الهش. لكن مصدر المشكلة الرئيسية ينبع من غياب حماية للعمل بالنسبة إلى خادمات البيوت. وفي وسائل الإعلام، ترون في معظم الأحيان مسؤولين حكوميين يوجهون اللوم إلى النساء بسبب الهرب من مشغلهم القانوني ويتم استدراجهن من قبل وسطاء الدلالة دون معرفة سبب رغبة هؤلاء العاملات في المغادرة.
وتعي منظمة الهجرة الدولية جيدا بوجود هذه الظاهرة. وتوجد آليات لمغادرة طواعية للمملكة منذ عدة عقود، تسمح للمهاجرين الموجودين في وضع هش بالعودة إلى بلدانهم الأصلية دون أي تهديد. ولكن يكون من الصعب في معظم الأحيان التكفل بعمال في وضع إقامة غير قانونية في السعودية: حيث توضح المتحدثة الرسمية باسم منظمة الهجرة الدولية في منطقة شرق أفريقيا إيفون نديج لفريق تحرير مراقبون: "من الصعب على حكومة كينيا معرفة مكان تواجد المهاجرين، لأن الهاربين من مشغليهم لا يتواصلون مع السفارة لإعلامها بتغيير وضعهم المهني".
ورغم اتصال فريق تحرير مراقبون بخصوص موضوع العاملات المنزليات الكينيات اللاتي يقمن بطريقة غير قانونية في السعودية، رفضت سفارة كينيا الرد عن أسئلتنا.