إسبانيا: برشلونة وريال مدريد يوقدان حرب الذاكرة وسط اتهامات متبادلة بالولاء لفرانكو

نشرت في: 20/04/2023

نشر نادي ريال مدريد الاثنين شريط فيديو يحتوي صورا من الأرشيف يزعم إظهارها وجود قرابة بين نادي برشلونة والديكتاتور الإسباني السابق فرانثيسكو فرانكو الذي حكم البلاد بقبضة حديدية من 1939 لغاية 1975 بعد أن قاد انقلابا في 1936 وأطاح بالجمهورية الثانية. وجاء نشر هذا الفيديو كرد على رئيس برشلونة، خوان لابورتا، الذي وصف خصمه بـ"نادي النظام" الفاشي. هذه الاتهامات المتبادلة تعيد فتح صفحة مظلمة من تاريخ إسبانيا، وقد تضر في النهاية بسمعة الفريقين.


يتهم كلا الفريقين الأكثر شعبية في الدوري الإسباني لكرة القدم، وهما ريال مدريد وبرشلونة، منافسه بأنه "نادي النظام"، نظام الجنرال الديكتاتور فرانثيسكو فرانكو الذي حكم إسبانيا بقبضة فاشية من 1939 إلى 1975.
"جدل الذاكرة" هذا يستمد جذوره من "فضيحة نغريرا"، وهو المسؤول الثاني في
الهيئة التحكيمية الإسبانية خوزيه ماريا أنريكيز نغريرا.
وكشفت تقارير صحفية إسبانية بداية شباط/فبراير الماضي أن نادي برشلونة يمر بمرحلة صعبة بسبب الاتهامات الموجهة له والتي تتعلق بدفعات مالية مشبوهة لصالح شركات يملكها نغريرا.
وأدان القضاء الإسباني على خلفية هذه المعلومات الرئيسين السابقين لبرشلونة، وهما جوزيب ماريا بارتومو (2014-2020) وساندرو رويسل (2010-2014) بتهم "الفساد بين الخواص في القطاع الرياضي" و"خيانة الأمانة" و"التزوير في السجلات التجارية".

ووفق
النيابة الإسبانية، فلقد دفع نادي برشلونة أكثر من 7,3 مليون يورو لخوزيه ماريا أنريكيز نغريرا بين 2001 و2018 مقابل نصائح في مجال التحكيم.
ويبدو أن عمليات الدفع توقفت عندما ترك خوزيه ماريا أنريكيز نغريراوو منصبه في اللجنة التحكيمية الإسبانية.
لكن رئيس برشلونة الحالي خوان لابورتا نفى خلال ندوة صحفية وجود أي محاولة غش من قبل ناديه، منددا "بحملة مدروسة هدفها إهدار سمعة النادي"، كما انتقد لابورتا ريال مدريد علنا واصفا إياه بـ"النادي الموالي لنظام" الجنرال الفاشي السابق فرانكو.
وغالبا ما يروج معادو فريق ريال مدريد اتهامات مشابهة تظهر النادي تابعا تاريخيا للسلطة والمال وفرانكو، فيبدو أمامه برشلونة بمثابة النادي الشعبي لانفصالي كاتالونيا.
وردا على ذلك، نشر فريق ريال مدريد بداية الأسبوع الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو يجمع مادة من الأرشيف، ومدته أربع دقائق، يوجه فيه أصابع الاتهام إلى برشلونة كفريق كان منخرطا سياسيا خلال عهد فرانكو.
بل ويؤكد مسؤولو ريال أن ملعب برشلونة الـ"كامب نو" كان قد "دشنه الوزير العام لفرانكو خوزيه سوليس رويز" وأنه منح فراكنو "وسامه" وعينه "عضو شرف في العام 1965" و"كرمه ثلاث مرات".
"قرابة" مع نظام فرانكو
وقال جان باتيست غيغان، وهو مستشار وأستاذ في الجغرافيا السياسية للرياضة "لا يمكن في الحقيقة اتهام أي فريق بالموالاة لفرانكو، لأن نظامه كان استبداديا يقمع أيا كان لا يحترم الإطار الذي تم وضعه. ولم يكن نظاما ديمقراطيا يمكن فيه أن يكون صوتك مسموعا بشكل حر".
وأضاف أن الفريقين كان لهما "قرابة" مع نظام فرانكو، موضحا أن "كل ما نشره ريال مدريد في شريط الفيدو حقيقي لكن النادي لا يؤكد أي شيء. اكتفى فقط بتقديم تقارير عبر صور لم يسبق أن شاهدناها في السابق".
وتجدر الإشارة إلى أن فريق ريال مدريد لم يدل بتصريحات، بل استخدم فقط صورا تظهر مراسم تدشين ملعب برشلونة "كامب نو" في 1957 ومقالات وصورا أخرى نشرتها جرائد إسبانية، إحداها تظهر لاعبي برشلونة وهم يؤدون التحية الفاشية، فضلا عن بعض الكتابات التي تذكر بالمراحل العديدة التي تعاملت فيها برشلونة مع نظام فرانكو.
كما تطرق أيضا منتخب ريال مدريد إلى الألقاب العديدة التي حصل عليها فريق برشلونة في عهد فرانكو، مظهرا أن خصمه عرف ازدهارا استثنائيا يتجاوز ما عرفه ريال مدريد في عهد فرانكو. والدليل على ذلك كما ذكر ريال مدريد "فوز برشلونة بالبطولة ثماني مرات وبكأس إسبانيا تسع مرات بين 1939 و1975." وأضاف بأنه (أي ريال مدريد) انتظر "15 عاما لكي يفوز بدوري إسبانيا".
لكن وفق جان باتيست غيغان "ريال مدريد نسي القول بأنه "فاز هو الآخر
بالدوري الإسباني 14 مرة وبست كؤوس إسبانيا خلال نفس الفترة".
من ناحيتها، تشير ماريا لومبير هويسكا، وهي مؤرخة ومختصة في شؤون منطقة كتالونيا ومحاضرة بارزة في جامعة باريس 8 "برشلونة لم يكن نادي نظام فرانكو"، واصفة شريط الفيديو الذي بثه ريال مدريد بـ"المضحك لأن الجميع يعرف أن النادي الذي كان يرتكز عليه فرانكو هو ريال مدريد".
وأضافت أيضا أن سان تياغو برنابيو (رئيس نادي ريال مدريد بين 1943 و1978) والذي يحمل ملعب النادي لقبه، كان "لديه علاقات صداقة مع العسكر ومسؤولين في النظام" الديكتاتوري.
موقع "سو فوت" المتخصص في كرة القدم أشار إلى "قرابة بين نظام فرانكو وسان تياغو برنابيو"، موضحا أن هذا الأخير "شارك في الصراع في صفوف جيش فرانكو" خلال الحرب الإسبانية (1936-1939).
برشلونة يسجل "هدفا في مرماه" على مستوى الاتصال
كما تطرقت أيضا ماريا لومبير هويسكا إلى "تدخل نظام فرانكو" في عملية انتقال اللاعب الأرجنتيني الأشهر ألفريدو دي ستيفانو إلى صفوف ريال مدريد في 1953. فقد كان مقررا أن يتعاقد مع برشلونة لكن في نهاية المطاف التحق بريال مدريد في ختام وضعية مالية معقدة. ويعد دي ستيفانو من أبرز الاعبين في تاريخ ريال مدريد إذ سجل 418 هدفا خلال 510 مقابلات رسمية مع فريقه مدريد.
وكتبت مجلة "دفاتر كرة القدم" أن "الإحباط والخيبة التي انتابت نادي برشلونة" بسبب عدم انضمام اللاعب الأرجنتيني إلى صفوفه "أولدت لديه فانتازما بأن سلطات فرانكو تدخلت لصالح ريال مدريد".
تاريخيا من الثابت أن الناديان برشلونة وريال مدريد، كان لهما "قرابة" مع
نظام فرانكو الديكتاتوري في إطار سياق يقمع المعارضين.
هذا، ولا يمكن اعتبار عودة هذه الحقبة المظلمة من تاريخ إسبانيا إلى الساحة الإعلامية على أنها معركة بين ناديين عريقين فقط، بل يبدو أنها استراتيجية وضعها رئيس نادي برشلونة من أجل صرف الأنظار عن قضايا الفساد المتهم بها".
فيقول جون باتست غيغان "برشلونة يستخدم ريال مدريد كسلاح مضاد لصرف الأنظار عن قضايا الفساد المفترضة وإخضاع الحكام _قضية نيغريرا، ملاحظة المحرر_ المتورط فيها. فعندما يتعلق الأمر بإشهار فزاعة فرانكو في علاقته بريال مدريد لا يمكن أن يكون ذلك سوى استراتيجية اتصال".
وأنهى قائلا بأن اختيار هذه الاستراتيجية خطأ فإضافة إلى المسائل القضائية نادي برشلونة وقع في شباك جدال "قد يدوم أسابيع طويلة ويسيء إلى سمعة الناديين". لذا يمكن القول بأن برشلونة "سجل هدفا في مرماه".