أزمة الهجرة في المتوسط تتفاقم... ما مسؤولية الاتحاد الأوروبي؟

نشرت في: 19/04/2023

خلال الأيام القليلة الماضية، سجل عداد ضحايا الهجرة في المتوسط أرقاما متزايدة، مع انتشال 32 جثة لمهاجرين قبالة تونس انقلب قاربهم قبل أن يتسنى لهم الوصول إلى الضفة الأوروبية. هذا الأمر دفع بالعديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى مطالبة أوروبا ببذل المزيد من الجهود لمنع تلك المآسي، في ظل ارتفاع منسوب الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون في المتوسط أو على البر، في ليبيا مثلا. ما هي مسؤولية الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار؟ وما هي طبيعة الاتهامات التي يتعرض لها؟


وصل عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الشواطئ الإيطالية، خاصة من تونس، إلى مستويات قياسية جديدة على الرغم من الوفيات المستمرة. أكثر من 26 ألفا وصلوا منذ بداية 2023، من بينهم أكثر من 1700 تونسي، وسط حملة مستمرة تقوم بها السلطات التونسية تستهدف
قوارب المهاجرين المنطلقة من سواحلها.
ووفقا لأرقامها الرسمية، تمكنت تونس من "منع" 14 ألف مهاجر من الوصول إلى الساحل الإيطالي منذ مطلع العام، وهذا رقم يفوق نظيره الذي تم تسجيله خلال الفترة نفسها من العام الماضي بأربعة أضعاف. كما تم إحباط أكثر من 500 محاولة هجرة عبر سواحلها منذ مطلع العام الجاري، واعتقال 63 شخصا بتهم التورط بعمليات تهريب البشر.
وتركزت معظم تلك العمليات قبالة سواحل المهدية وصفاقس، نقطتي الانطلاق الرئيسيتين لقوارب المهاجرين.
في هذا الإطار، قال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية، في بيان أصدره مؤخرا إن أعداد المهاجرين الذين تم اعتراضهم في المتوسط قبل وصولهم إلى السواحل الإيطالية منذ بداية العام وحتى 31 مارس/ آذار الماضي بلغ 14963 مهاجرا من جنسيات مختلفة.

المسؤولية تقع على أوروبا و"سياساتها القمعية"
وشكلت ظاهرة الهجرة من السواحل التونسية قلقا للدول الأوروبية المتواجدة على خط الاستقبال، مثل إيطاليا، التي دعت الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الملف.

وكانت إيطاليا قد تبنت قانونا مطلع شباط/فبراير الماضي يقيد عمل سفن الإنقاذ الإنسانية بمساعدة قوارب المهاجرين المتهالكة في المتوسط.
وعبرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قبل أيام عن "حزنها العميق" لسقوط ضحايا في المتوسط، بدون أن تشير إلى التقليل من صرامة ذلك القانون (حظر السفن الإنسانية من الإبحار لعدة أيام وتنفيذ أعمال إنقاذ متكررة، وإجبارها على الرسو في الموانئ عقب كل عملية إنقاذ والانتظار ريثما يتم السماح لها بالإبحار مجددا).
الإجراءات الإيطالية أثارت عاصفة من الانتقادات، حيث رفض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية تلك الممارسات. ودعت مفوضة المجلس أوروبا دينا مياتوفيتش وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي إلى إلغاء القانون.
بالنسبة للمنتدى التونسي، فإن اللوم الأساسي بشأن تفاقم ظاهرة الهجرة من تونس
يقع على السياسات الأوروبية "القمعية.
حسب علاء الطالبي، المدير التنفيذي للمنتدى، تكمن المسؤولية الأوروبية عن تفاقم الأوضاع في المتوسط في "محاولة تصدير الحدود جنوبا منذ سنوات. يسعى الاتحاد من خلال أدوات كوكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس"، أو عبر عقد اتفاقات مع دول جنوب المتوسط، إلى زيادة الرقابة وعسكرة مياه البحر".
وفقا للطالبي، "منذ 2021، يتم منع ما يقرب من 25 ألف مهاجر من مغادرة السواحل أو المياه الإقليمية التونسية، وهذا رقم يفوق بأضعاف ما كان يتم تسجيله خلال السنوات السابقة. هذا يؤكد على سعي أوروبا لمعالجة هذا الملف أمنيا، من خلال مساعدة دول، مثل ليبيا وتونس، ماديا ولوجستيا على منع القوارب من مغادرة سواحلها".
تصدير أزمة الهجرة جنوبا
في غضون ذلك، تستمر نداءات الاستغاثة في المتوسط بالورود بوتيرة متسارعة، في ظل مواجهة سفن الإنقاذ صعوبات متزايدة لتنفيذ مهماتها في المتوسط، مع بدء إيطاليا تنفيذ "المرسوم" المتعلق بتنظيم عمل تلك السفن بالمتوسط، والذي وضع الكثير من القيود على حركتها وحرية تنقلها.
وحول هذه النقطة، أفاد الرئيس التنفيذي للمنظمة التونسية بأن "إيطاليا تقوم بتلك الممارسات نيابة عن الاتحاد الأوروبي ككل. هذه سياسة لا إنسانية تتعارض تماما مع كل المفاهيم والمبادئ التي ينادي بها الاتحاد، كما أنها لن تحد من الهجرة أو تمنع الأشخاص من السعي للوصول للحلم الأوروبي، لكن تبعاتها ستكون أكثر دموية".

وأورد الطالبي بأن هناك مفاوضات تجري حاليا مع تونس لضمها ضمن اتفاقية "SAR" (منطقة البحث والإنقاذ في وسط المتوسط) التي تشمل إيطاليا ومالطا وليبيا. "إذا تم ذلك فسيتم اعتبار تونس بلدا آمنا وستتم إعادة المهاجرين الذين يتم اعتراضهم إليه. وبالتالي، ستكون أوروبا قد صدرت جزءا كبيرا من الأزمة (الهجرة) جنوبا، ورمتها على كاهل دول الجنوب".
تواطؤ أوروبي؟
في هذا الإطار، وجد التقرير الأخير الصادر عن
بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في ليبيا، أسبابا للاعتقاد بأن القوات النظامية والميليشيات المسلحة "ارتكبت مجموعة واسعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية" بحق المهاجرين. ووفقا للتقرير "استُهدف المهاجرون على وجه الخصوص"، مشيرا إلى "أدلة دامغة" تثبت تعرضهم للتعذيب المنهجي والاستغلال الجنسي والعمل بالسخرة والسجن والاستعباد.
وغمز التقرير من قناة الاتحاد الأوروبي بشأن تلك الحقائق، مشيرا إلى أن جزءا من هذه الانتهاكات مرتكبة من قبل كيانات تابعة للدولة في ليبيا تحظى بدعم فني ولوجستي ومالي من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.
في غضون ذلك، أصرت المفوضية الأوروبية على أن تعاونها مع ليبيا "ضروري"، مشددة على أنها تأخذ مثل هذه المزاعم (نتائج التقرير) "على محمل الجد". ورفض المتحدث باسم المفوضية، بيتر ستانو، اتهام الاتحاد الأوروبي بدفع الأموال مقابل إبقاء المهاجرين في ليبيا، وقال "نحن لا نمول أي كيان ليبي". وأضاف "نحن لا نعطي أموالا لشركائنا في ليبيا... ما نقوم به هو تخصيص الأموال لدعم شركائنا الدوليين. والكثير من تلك الأموال يمر عبر قنوات الأمم المتحدة...".
ويشير
تحقيق آخر أجرته شركة IrpiMedia إلى زيادة عمليات الاعتراض والإعادة والاحتجاز من قبل القوات البحرية الليبية، وهذا لم يكن ليتحقق "بدون مساهمات من إيطاليا ودول أوروبية أخرى" (إيطاليا زودت خفر السواحل الليبي بما لا يقل عن 12 قاربا، ووفرت معدات خاصة ودربت أطقم).
إضافة إلى كل ما سبق، سجلت عدة منظمات إنسانية وحقوقية اعتداءات متكررة من قبل خفر السواحل الليبي ضد سفن منظمات الإنقاذ في المتوسط. ففي 27 آذار/ مارس، تعرضت "أوشن فايكنغ" التابعة لمنظمة أس أو أس ميديتيرانيه" غير الحكومية لإطلاق نار من قبل خفر السواحل، أثناء محاولتها إنقاذ مهاجرين كانوا على متن زورق يعاني صعوبات ملاحية.
وأدانت المنظمة في بيان صحفي "التصعيد في العنف وتعريض حياة الطاقم وسلامة الناجين للخطر، من قبل خفر السواحل الليبي الذي يرعاه الاتحاد الأوروبي".
ووفقا لإحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، تم اعتراض وإعادة 4241 مهاجرا منذ مطلع العام الجاري. وكانت المنظمة الأممية قد أعلنت عن اعتراض وإعادة أكثر من 24 ألفا من قبل خفر السواحل الليبي خلال 2022، بالإضافة إلى تسجيل سقوط 529 غريق و848 شخصا في عداد المفقودين.