المادة المظلمة هي قوة غير مرئية توجد في جميع أنحاء الكون بكميات هائلة، ويعتقد العلماء أنها القوة التي تولد قوة الجاذبية التي تحدد كيف يتحرك الكون


العلماء كشفوا عن الخريطة الأكثر تفصيلا للمادة المظلمة الموزعة عبر ربع السماء (ناسا)

نجح باحثون بالتعاون مع "أتاكاما كوزمولوجي تلسكوب" "إيه سي تي" (ACT) في إنشاء صورة جديدة رائدة تكشف عن الخريطة الأكثر تفصيلا للمادة المظلمة الموزعة عبر ربع السماء، والتي تمتد إلى أعماق الكون.
وعلاوة على ذلك فإن الخريطة تؤكد نظرية أينشتاين بشأن كيفية نمو الهياكل الضخمة وانكسار الضوء على مدار 14 مليار سنة من عمر الكون.
ووفقا لـ3 دراسات نشرت في دورية "أستروفيزيكال جورنال" (The Astrophysical Journal) يوم 11 أبريل/نيسان الجاري في مؤتمر مستقبل العلوم بجامعة كيوتو اليابانية، فإن المادة المظلمة تشكل 85% من الكون وتؤثر على تطوره، لكنها لا تتفاعل مع الضوء أو غيره من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي.



المادة المظلمة هي قوة غير مرئية توجد في جميع أنحاء الكون بكميات هائلة (سيمونز فاونديشن)


المادة المظلمة

يقول المؤلف الرئيسي لإحدى هذه الدراسات الثلاث ماثيو مادهافاشيريل الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء وعلم الفلك بجامعة بنسلفانيا إن الخريطة التي قدمها الفريق باستخدام تشوهات الضوء المتبقية من الانفجار العظيم توفر قياسات تظهر أن كلا من كتلة الكون ومعدل نموه بعد 14 مليار سنة من التطور يتوافقان مع ما أثبتته النماذج القياسية المستندة إلى نظرية أينشتاين في الجاذبية.
ويضيف مادهافاشيريل في تصريح للجزيرة نت "تظهر الصورة مكان وجود المادة المظلمة في نفس المكان الذي اقترحته النظريات السابقة، الآن بعد أن أصبحت لدينا خريطة للمادة المظلمة الموجودة في جميع أنحاء كوننا يمكننا أخيرا أن نثبت بشكل نهائي أن نظرية ألبرت أينشتاين كانت صحيحة".
والمادة المظلمة هي قوة غير مرئية توجد في جميع أنحاء الكون بكميات هائلة، ويعتقد العلماء أنها القوة التي تولد قوة الجاذبية التي تحدد كيف يتحرك الكون، لكنهم لم يتمكنوا أبدا من رسم خريطة للمادة المظلمة، على الأقل حتى الآن.
وعلى الرغم من أنها تشكل 85% من مادة الكون كان من الصعب دائما اكتشاف المادة المظلمة مع أنه يمكن رؤية آثارها، لكن إنشاء خريطة لها ورؤية مكان وجودها كانا شيئا شبه مستحيل.




وقبل أن يقترح أينشتاين نظرية النسبية العامة اعتقد العلماء أن الفضاء يكاد يكون خاليا من الملامح ولا يتغير.
وقد اقترح أينشتاين أن كلا من المكان والزمان كانا قوة واحدة سماها "الزمكان"، وأن المادة داخل هذه المرحلة المتغيرة باستمرار يتحكم فيها المسار المنحني الذي تمليه الجاذبية، ولكن لإنشاء الجاذبية لا بد من كتلة أو قوة شديدة جدا يمكنها حرفيا طي "الزمكان" حولها، وهذا هو المكان الذي تدخل فيه المادة المظلمة.



تتبع الفريق كيف يمكن لجاذبية هياكل المادة المظلمة أن تشوه "إشعاع خلفية الكون (سيمونز فاونديشن ومرصد أتاكاما)

رؤية غير المرئي

ويضيف الباحث الرئيسي في الدراسة "إنه لأمر مثير أن تكون قادرا على رؤية غير المرئي والكشف عن المادة المظلمة التي تحمل مجراتنا المرئية المليئة بالنجوم، في هذه الصورة الجديدة يمكننا أن نرى مباشرة الشبكة الكونية غير المرئية للمادة المظلمة التي تحيط بالمجرات وتربطها، وهذا دليل مذهل على أننا نفهم كيفية تشكل بنية كوننا على مدى مليارات السنين بعد الانفجار العظيم مباشرة إلى اليوم".
ووفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع جامعة برينستون الأميركية (إحدى الجامعات المشاركة في الدراسات المقدمة خلال المؤتمر)، فقد أشار المؤلفون إلى أن وجود المادة المظلمة في الكون يشبه إلى حد ما التظليل، لكن بدلا من مجرد وجود اللون الأسود في الصورة الظلية يكون لدينا نسيج وكتل من المادة المظلمة كما لو كان الضوء يتدفق عبر ستارة قماشية فيها الكثير من العقد والنتوءات.
وقد شارك في الدراسات الثلاث أكثر من 160 باحثا جمعوا البيانات من تلسكوب "أتاكاما" لعلم الكونيات التابع لمؤسسة العلوم الوطنية في أعالي جبال الأنديز في تشيلي.
وقد تتبع الفريق كيف يمكن لجاذبية هياكل المادة المظلمة الضخمة أن تشوه "إشعاع خلفية الكون" "سي إم بي" (CMB) في رحلتها التي استمرت 14 مليار سنة إلينا، تماما كما تنثني كتلة من النوافذ الزجاجية وتشوه ما يمكننا رؤيته من خلالها.