هل نستطيع أن نحمي مواقع التراث الإنساني على سطح القمر؟


المصدر: د ب أ

قرر الانسان أن هناك بعض الأماكن على سطح الأرض جديرة بالمحافظة عليها، سواء إن كانت أهرامات الجيزة أو ساحات معارك جيتسبرج التي يعود تاريخها إلى الحرب الأهلية الأمريكية أو غيرها، باعتبارها مواقع ترسخ تاريخ الحضارة البشرية، وتستحق الحماية من خلال الأطر القانونية المتخصصة.
ولكن تاريخ البشر في حقيقة الأمر يتجاوز حدود كوكب الأرض. ففي عام 1969 على سبيل المثال، كان رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونج أول انسان يخطو على سطح القمر ويترك أثرا لقدمه. ويعتبر البعض أن هذا الأثر يرقى في أهميته إلى المواقع الأثرية الأخرى على سطح الأرض، وإن كان لا يحظى بنفس القدر من الحماية.
وإذا ما ترك هذا الأثر دون تدخل من الانسان، فقد يظل في مكانه لملايين السنين، غير أن تجدد اهتمام البشر بالقمر ينذر بأن سطحه قد يصبح في القريب أكثر ازدحاما من أي وقت مضى، علماً بأنه لا توجد قوانين محددة لحماية تلك البقعة التي خطا عليها أرمسترونج أو أي مواقع فضائية مماثلة من أن يمر فوقها مسبار فضائي أو يعبرها رائد فضائي آخر دون معرفة بأهميتها التاريخية.
وتقول ميشيل هانلون، وهي محامية متخصصة في شؤون الفضاء وواحدة من مؤسسي منظمة For All MoonKind أي "من أجل القمر" غير الربحية المعنية بحماية الفضاء: "لدينا هذا العام فقط أربع أو خمس بعثات فضائية مقررة". وأضافت في تصريحات للموقع الإلكتروني "بوبيولار ساينس" المتخصص في الأبحاث العلمية أن هذه الرحلات "لا تقتصر على البعثات التي تطلقها الدول، بل تنظمها أيضا شركات خاصة".
وأوضحت هانلون أنه "في حين أن بعض هذه الرحلات سوف تحلق في أجواء القمر، هناك بعثات أخرى سوف تهبط فعليا على سطحه". وترى أن حماية القمر تعتبر سباقا عكس عقارب الساعة. وخلال المشاركة في فعاليات اللجنة الفرعية القانونية المنبثقة من لجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، أعلنت هانلون عن تأسيس معهد "من أجل القمر لقوانين واخلاقيات الفضاء". وتهدف هذه المنظمة الجديدة غير الربحية أيضا إلى حماية مواقع التراث الانساني خارج سطح الأرض، ودراسة الاخلاقيات التي تحكم بعض أنشطة الانسان في الفضاء، والتي لا تشملها القوانين الدولية المعمول بها حتى وقتنا هذا.
وجدير بالذكر أنه توجد بالفعل بعض السوابق القانونية التي تتعلق بحماية القمر. فمعاهدة الفضاء الخارجي التي صدرت عام 1967 تحدد أطر الأنشطة التي يقوم بها الانسان في الفضاء، وتضع حدودا مهمة تتمحور حول حظر كافة الأنشطة غير السلمية على سطح القمر، مع عدم السماح لأي دول بفرض سيادتها على أي جرم فضائي.
ويقول كريستوفر جونسون المحامي المتخصص في شؤون الفضاء لدى مؤسسة Secure World Foundation أي "العالم الآمن" المعنية بالاستدامة الفضائية إن معاهدة الفضاء الخارجي غامضة إلى حد كبير. ويوضح أن المعاهدة تنص مثلا على إمكانية استغلال موارد الفضاء دون الاستحواذ عليها، وكذلك ضرورة تلافي أي "تلوث ضار" للبيئة الفضائية، غير أن هذه المبادئ العامة لم يتم تطبيقها مطلقا في حقيقة الأمر لعلاج مشكلات عملية. واستطرد قائلا: "لقد أدركنا أن هذه المعاهدة تشبه بعض الأقوال الشائعة مثل /كن لطيفا مع جارك/ و/ابدي بعض الاحترام للآخرين/".
ونظرا لأن هذه القوانين لم يتم اختبارها على أرض الواقع، يقول جونسون: "لا نعرف كيف سوف يلتزم بها الناس" غير أن التجربة على وشك أن تبدأ: فروسيا والهند تعتزمان إطلاق البعثتين الفضائيتين "تشاندرايان 3 " و"لونا 25" إلى القمر هذا الصيف، كما تأمل شركة "أي سبيس" اليابانية في إرسال مركبة قمرية أواخر أبريل، وتعتزم شركة سبيس إكس الأمريكية إرسال عميل لها فاحش الثراء إلى القمر على متن مركبة فضائية بحلول نهاية العام.
وقد شاركت هانلون في تأسيس منظمة "من أجل القمر" عام 2017 لتكون جماعة ضغط من المتطوعين تهدف لإيجاد مظلة حماية قانونية لمناطق التراث الانساني على سطح القمر وغيره من المواقع الفضائية الأخرى مثل مواقع الهبوط لبرنامج أبولو الفضائي، والمركبات الفضائية التي تركها الاتحاد السوفيتي السابق على القمر. ومن الممكن أن يتسع نطاق هذه الحماية لتضم عجائب فضائية أخرى مثل"أولمبس مون"، وهو أكبر بركان على سطح المريخ وفي المجموعة الشمسية بأسرها.
وكشفت المنظمتان النقاب مؤخرا عن "كتيب السياسات القمرية"، وقامتا بتوزيعه خلال مؤتمر للأمم المتحدة انعقد بالعاصمة النمساوية فيينا أواخر مارس الماضي. ويعكس هذا الكتيب اهتمام صناع السياسات والمحامين المتخصصين في الفضاء والشركات الخاصة لإرساء قوانين واضحة بشأن كيف تعامل البشر على سطح القمر عندما يتواجد أكثر من طرف في نفس الوقت. ويقول جونسون إنه ينبغي أن ينشغل صناع السياسة بهذه القضايا، وأن يلتفتوا إلى السوابق التي تحدث ولا تتعارض بالضرورة مع القوانين، وإن كانت لا تمثل أفكارا جيدة.
وتقول هانلون: "لهذا السبب أطلقنا معهد قوانين واخلاقيات الفضاء، لأن الناس تريد أن تعرف كيف يمكن أن تتحلى بالمسؤولية، ولكن المشكلة تكمن في اننا ليس لدينا مسودة لهذه المسألة".