استخدمت جزيئات مادة الصابونين على مدى عقود طويلة في صناعة الأغذية والمشروبات كعوامل إرغاء، وفي الآونة الأخيرة استخدمت كمواد مساعدة في لقاحات "كوفيد-19" والملاريا وغيرها من الأمراض الفتاكة.


مادة الصابونين تدخل في تصنيع اللقاحات التي تحمي من "كوفيد-19" وغيره من الأمراض (شترستوك)

تم الكشف عن أسرار المجموعة الأساسية من الجينات المسؤولة عن فك شفرة إنتاج مادة الصابونين مما يوفر إمكانية إنتاج لقاحات أكثر فعالية وبأسعار معقولة لمادة الصابونين، والتي تُعتبر مواد مساعدة فعالة للقاحات، مما يبشر بمستقبل لقاحات أكثر فعالية وبأسعار معقولة.
وبحسب الدراسة المنشورة بدورية "ساينس" (Science) العلمية الشهيرة في 23 مارس/آذار الماضي، فمازال هناك حاجة إلى بدائل "خالية من الأشجار" لتلبية الطلب المتزايد لمادة الصابونين مع الحفاظ على الأشجار المنتجة لها.
القِلاَجَة الصّابونية
استخدمت جزيئات مادة الصابونين على مدى عقود طويلة في صناعة الأغذية والمشروبات، والآونة الأخيرة ظهرت وظيفة جديدة مهمة لهذه المادة، حيث تُعتبر مواد مساعدة في اللقاحات التي تحمي من فيروس كورونا (كوفيد-19) والملاريا وغيرها من الأمراض الفتاكة.

يتم الحصول على مادة الصابونين من اللحاء الداخلي لأشجار القِلاَجَة الصابونية (شترستوك)
ويتم الحصول على مادة الصابونين مباشرة من اللحاء الداخلي للأنواع دائمة الخضرة من أشجار القِلاَجَة الصابونية (Quillaja saponaria) المتوطنة بالمناطق الدافئة من وسط تشيلي.
ورغم أن الإنتاج كاف لتغطية صناعة الأغذية والمشروبات، فإن مصنعي اللقاحات يعملون بنشاط لتحسين استدامة الحصول على هذه المادة الهامة ولتقليل التأثير البيئي لاستخلاصها.
ويعتمد الإنتاج بشكل كبير حاليا على استخلاص الصابونين من اللحاء، مما يثير مخاوف بيئية، ولهذا اتخذ باحثو مركز "جون إينيس" (John Innes) -وهو معهد رائد لبحوث علوم النبات يقع في "نورويتش" بالمملكة المتحدة- خطوة كبيرة إلى الأمام في معالجة هذه المشكلة.
ومن خلال استخدام مزيج من تقنيات التعدين الجينومي والهندسة الحيوية لإنتاج مواد لقاح تعتمد على الصابونين بالمختبر دون حصاد المواد مباشرة من الأشجار، قامت مجموعة آن أوزبورن (قائدة الدراسة والمجموعة) أولا بفك تسلسل جينوم شجرة القِلاَجَة الصابونية، ثم استخدموا أدوات حسابية للتنقيب عن الجينات والتنبؤ بأيها المسؤول عن التخليق الحيوي للصابونين.
ومن خلال التنقيب في حوالي 30 ألفا من الجينات التي تشكل جينوم الشجرة، تمكن الباحثون من تحديد مسار شكُّل المركب الكيميائي لمادة الصابونين، الحيوي المكون من 16 جينا، والتي تنتج معا الإنزيمات التي تشكل اللبنات الأساسية في الطبيعة لإنتاج مادة الصابونين.




وستمكن معرفة هذا المسار الكيميائي الباحثين من تطوير مواد مساعدة قائمة على مادة الصابونين حسب الطلب مع مجموعة متنوعة من الخصائص المحفزة للمناعة. ويقول الدكتور جيمس ريد، باحث ما بعد الدكتوراه بمركز جون إينيس، في بيان صحفي للمعهد "هذه جزيئات معقدة أحبطت محاولات تصنيعها على نطاق واسع باستخدام الكيمياء في المختبر. وبعد العديد من التقلبات والمنعطفات، اكتشفنا الآن المجموعة الأساسية من الجينات المسؤولة" عن فك شفرة إنتاج مادة الصابونين.

إعادة بناء المسار الكيميائي لتشكُّل نبات تبغ بري قزم (غيتي إيميجز)
مسار حيوي كامل
أدى تحديد 3 إنزيمات أخرى إلى مسار كيميائي حيوي كامل لمادة أخرى من الصابونين تعرف باسم "صابونين كيو إس-7" (Saponin QS-7) وهي مُدرجة في مادة مساعدة للقاح مع فعالية إكلينيكية مثبتة، ولكن من الصعب تنقيتها من شجرة الصابون.
وأعيد بناء المسار الكيميائي لتشكل هذه الجزيئات في نبات تبغ بري قزم يسمى تبغ "بنثاميانا" (Nicotiana benthamiana) باستخدام تقنية سريعة وقوية تسمى التعبير الاندماجي العابر. ويُعرف هذا النبات بأنه مضيف قابل للإنتاج الحيوي للبروتينات العلاجية والمستحضرات الصيدلانية.
ويستخدم الفريق بالفعل دليل التعليمات هذا لمحاولة إنتاج صابونينات أخرى قيّمة بما في ذلك "صابونين كيو إس-21" وهو عنصر مساعد قوي ومكون رئيسي في اللقاحات البشرية.
كما دخل في شراكة مع شركات تجارية تقود تسويق البحث، ويتطلع أعضاء الفريق الآن للعمل مع شركاء تجاريين وأكاديميين آخرين لتوسيع نطاق هذه الكميات بشكل أكبر.
المواد المساعدة للقاح
توصف المواد المساعدة للقاح بأنها مساعدة خفية، وهي منشطة للمناعة تضاف إلى بعض اللقاحات لتعزيز الاستجابة المناعية، وذلك عن طريق تحفيز استجابات قوية للأجسام المضادة والخلايا التائية.

هذا النبات المضيف قابل للإنتاج الحيوي للبروتينات العلاجية والمستحضرات الصيدلانية (شترستوك)
وحتى وقت قريب، كانت المواد المساعدة الوحيدة بالاستخدام السريري هي أملاح الألومنيوم غير القابلة للذوبان أو الزيت في مستحلبات مائية، لكن هذه المواد المساعدة كانت غير مناسبة للاستخدام البشري. ولذلك تمت الموافقة على لقاح يحتوي على مادة مساعدة أساسها الصابونين للاستخدام في البشر.
وعادت آن أوزبورن لتقول "لقد أظهرت جائحة كوفيد-19 الطلب الهائل على اللقاحات المنقذة للحياة. ومن خلال تجميع تسلسل الجينوم لشجرة القِلاَجَة الصّابونية، أصبح لدينا الآن دليل التعليمات الذي مكننا من فك شفرة كيفية تصنيع الشجرة لهذه الجزيئات الطبية القوية".




وأضافت "هذا يفتح إمكانية إنتاج مواد مساعدة للقاح معروفة وجديدة على أساس الصابونين محسّنة للنشاط المناعي ومناسبة للتطبيقات البشرية في نظام التعبير النباتي العابر السريع لدينا".
ويتيح فك تسلسل جينوم شجرة القِلاَجَة الصّابونية، الوصول إلى أنواع الصابونين المطلوبة للقاحات، ويمكن أن يولد مواد مصممة لتقديم نشاط مناعي مثالي وسمية منخفضة باستخدام هندسة التمثيل الغذائي.
وتوفر مجموعات الجينات الكاملة أساسا صلبا لتحسين إنتاج الصابونين على نطاق تجاري ضخم، ويمكن للبدائل المستدامة "الخالية من الأشجار" لاستخراج الصابونين تلبية الطلب المتزايد على هذه اللقاحات المساعدة الواعدة.