كيف نسير على نهج الامام علي (ع)؟
نـــــزار حيدر
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
والأُمَّةُ تقتلُ اللَّيلةَ إِمامَ المُتَّقين علي بن أَبي طالبٍ (ع) الذي كانَ كَما وصفهُ أَحدهُم عندما جاءَ مُسرِعاً فوقفَ على بابِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) لحظةَ استشهادهِ [كنتَ أَوَّل القَومِ إِسلاماً وأَخلصهُم إِيماناً وأَشدَّهُم يقيناً وأَخوفَهُم لله وأَعظمهُم عناءً وأَحوطهُم على رسولِ الله (ص) وآمنهُم على أَصحابهِ وأَفضلهُم مناقِبَ وأَكرمهُم سوابِقَ وأَرفعهُم درجةً وأَقربهُم من رسولِ الله (ص) وأَشبههُم بهِ هدياً وخُلقاً وسمتاً وفِعلاً وأَشرفهُم منزلةً وأَكرمهُم عليهِ فجزاكَ الله عنِ الإِسلامِ وعن رسولهِ وعن المُسلمينَ خيراً، قويتَ حينَ ضعُفَ أَصحابهُ وبرزتَ حينَ استكانُوا ونهضتَ حينَ وهنُوا ولزمتَ منهاجَ رسولِ الله (ص) إِذ همَّ أَصحابهُ وكنتَ خليفتهُ حقاً لم تُنازَع ولم تضرَع برغمِ المُخالفينَ وغيظِ الكافرينَ وكُرهِ الحاسدِينَ وصِغَر الفاسقينَ، فقُمتَ بالأَمرِ حينَ فشلُوا، ونطقتَ حينَ تتعَّتُوا ومضيتَ بنورِ الله إِذ وقفُوا فاتَّبعُوكَ فهدُوا، وكنتَ أَخفضهُم صَوتاً وأَعلاهُم قنوتاً وأَقلَّهُم كلاماً وأَصوبهُم نُطقاً وأَكبرهُم رأياً وأَشجعهُم قلباً وأَشدَّهم يقيناً وأَحسنهُم عملاً وأَعرفهُم بالأُمورِ، كُنتَ والله يعسوباً للدِّينِ أَوَّلاً وآخِراً، الأَوَّل حينَ تفرَّقَ النَّاس والآخِر حينَ فشلُوا، كُنتَ للمُؤمنينَ أَباً رحيماً إِذ صارُوا عليكَ عِيالاً فحملتَ أَثقالَ ما عنهُ ضعُفُوا وحفِظتَ ما أَضاعُوا ورَعَيتَ ما أَهملُوا وشمَّرتَ إِذ اجتمعُوا وعلَوتَ إِذ هلعُوا وصبرتَ إِذ أَسرعُوا وأَدركتَ أَوتارَ ما طلبُوا ونالُوا بكَ ما لم يحتسِبُوا، كُنتَ للكافرينَ عذاباً صبّاً و نهباً وللمُؤمنينَ عمداً وحِصناً، فطِرتَ والله بغمائِها وفُزتَ بحبائِها وأَحرزتَ سوابِقها وذهبتَ بفضائلِها، لم تفلُل حُجَّتكَ ولم يزِغ قلبكَ ولم تضعُف بصيرتكَ ولم تجبُن نفسكَ ولم تخِر، كُنتَ كالجبلِ لا تُحرِّكهُ العواصِف، أَمِنَ النَّاسُ في صُحبتِكَ وذاتَ يدِكَ، وكُنتَ ضعيفاً في بدنِكَ قويّاً في أَمرِ الله مُتواضعاً في نفسِكَ عظيماً عندَ الله كبيراً في الأَرضِ جليلاً عندَ المُؤمنينَ لم يكُن لأَحدٍ فيكَ مهمز ولا لقائِلٍ فيكَ مغمز ولا لأَحدٍ فيكَ مطمَع ولا لأَحدٍ عندكَ هوادَة، الضَّعيفُ الذَّليل عندكَ قويٌّ عزيزٌ حتَّى تأخُذَ لهُ بحقِّهِ والقويُّ العزيز عندكَ ضعيفٌ ذليلٌ حتَّى تأخذَ منهُ الحقَّ والقريبُ و البعيدُ عندكَ في ذلكَ سواءٌ شأنُكَ الحقُّ والصِّدقُ والرِّفقُ وقولُكَ حكمٌ وحتمٌ وأَمرُكَ حلمٌ وحزمٌ ورأيكَ علمٌ وعزمٌ فيما فعلتَ، قد نهجَ السَّبيلُ وسهَّلَ العسيرُ وأُطفِئت النِّيران واعتدلَ بكَ الدِّينُ وقويَ بكَ الإِسلامُ والمُؤمنُونَ وسبقتَ سبقاً بعيداً وأَتعبتَ مَن بعدكَ تعباً شديداً فجللتَ عن البُكاء وعظُمت رزيَّتكَ في السَّماءِ وهدَّت مصيبتكَ الأَنام فإِنَّا لله وإِنَّا إِليهِ راجعُونُ].
وإِذا أَردنا أَن ننتقِمَ اليَوم وكُلَّ يومٍ لمقتلِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) فلنتعلَّم علومهُ وننتهِج منهجهُ ونسيرَ بسيرتهِ ونتسلَّح بأَدواتهِ، ويُناقضُ نفسهُ مَن يقولُ أَنَّهُ يسيرُ بسيرتهِ ولكن بغَيرِ أَدواتهِ، فالسِّيرةُ الطَّاهرة لا تتحقَّق على أَرضِ الواقِع إِلَّا بالأَدواتِ الطَّاهرة، والمنهجُ القَويم لا يتمثَّل في السِّيرة إِلَّا بالأَدواتِ القوِيمة، كما أَنَّ الماء الطَّاهر لا يجوزُ شِربهُ بكأسٍ نجِسَةٍ.
إِنَّ الدَّمعة على عليٍّ (ع) لا تُغيِّرُ شيئاً من دونِ أَن نتعلَّمَ عِلمهُ، وأَنَّ الحُزنَ عليهِ (ع) لا يُغيِّر واقعَنا ولا ينتشِلنا ممَّا نحنُ فيهِ مِن ذلَّةٍ وعبوديَّةٍ إِذا لم نسيرَ بنهجهِ (ع) على الرَّغمِ من الأَهميَّة القُصوى للدَّمعةِ والحُزنِ على الإِمام لإِحياءِ مُصابهِ العظيم الذي تهدَّمت بسببهِ أَركانَ السَّماءِ!.
فأَنت أَيُّها المسؤُول المُؤتمَن على حقُوقِ النَّاسِ والذي تدَّعي الإِنتماء لعليٍّ (ع) هل تعلَم بأَنَّكَ تقتلهُ كُلَّما تجاوزتَ على المالِ العام بأَيةِ ذريعةٍ من الذَّرائعِ؟! وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقولُ عندما لامهُ بعضُ [الصَّحابةِ] لانَّهُ كان يُساوي في العَطاء بينهُم وبينَ أَيِّ مُواطنٍ آخرَ في الدَّولةِ {أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ وَاللَّهِ لَا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّهِ أَلَا وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الْآخِرَةِ وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وَأَلْأَمُ خَدِينٍ}.
وأَنتَ أَيُّها [الزَّعيم] الذي تدَّعي بأَنَّكَ تستلهِم من سيرةِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) هل تعلَم بأَنَّك تقتلهُ كُلَّما قصَّرتَ وتماهلتَ في واجِباتكَ بإِزاء موقعِ المسؤُوليَّة الذي وضعتَ نفسكَ فيهِ فتأكُلَ حقُوق المواطنينَ بتقصيرِكَ وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقولُ {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
وأَنتَ أَيُّها المعلِّم أَيّاً كانَ عنوانُ وظيفتكَ الذي تصدَّيتَ فيهِ للتَّعليمِ، المدرسةُ والجامِعةُ والحوزةُ والمِنبُر، والذي تدَّعي بأَنَّكَ تستلهِمُ طريقكَ من عليٍّ (ع) هل تعلَم بأَنَّكَ تقتلهُ إِذا لم يسبِق تعليمكَ لنفسِكَ تعليمَ الآخرين وإِذا لم يظهَر نموذجكَ في سيرتِكَ قبلَ أَن يجري على لِسانِكَ وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقولُ {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.
وأَنت أَيُّها المُواطن الذي تفخر بانتمائِكَ لعليٍّ (ع) هل تعلَم بأَنَّكَ تقتلهُ إِذا نسيتَ قولهُ (ع) {أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ الْإِبِلِ لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْلًا لَا يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا رَبَّهُ وَلَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ وَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ وَلَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا رَأْسَ مَعَهُ وَلَا فِي إِيمَانٍ لَا صَبْرَ مَعَهُ}.
فهل مِن سيرتهِ أَن تخجلَ من التعلُّم؟!
هل من سيرتهِ أَن لا تهتمَّ بتربيةِ نفسِكَ لتكونَ الأَفضل في المُجتمعِ وعلى مُختلفِ المُستوياتِ؟!
هل من سيرتهِ أَن تنشغِلَ بتتبُّعِ عثَرات النَّاس وذنوبهُم وتتجاهلَ ذنوبكَ وأَخطاءكَ وتقصيركَ وقصوركَ؟!
هل من سيرتهِ أَنَّكَ تُبرِّر فسادكَ وفشلكَ بفسادِ وفشلِ الآخرينَ فتُقارن نفسكَ بالفاسدينَ ولا تُفكِّر في أَن تُقارنَها بالنَّزيهينَ؟!
ثمَّ تدَّعي بأَنَّ نهجَ عليٍّ (ع) هو الذي يُلهِمُ مسيرتكَ في الحياةِ؟!.