البرنامج الفضائي الإسرائيلي.. أيّ دور؟ وأيّ أهداف؟ (1 / 2)
أحمد عبد الرحمن
قد تكون الاحتجاجات الصاخبة التي تشهدها الساحة الداخلية الإسرائيلية استحوذت على حصة الأسد من التغطيات الإعلامية، وأثّرت بشكل أو بآخر في موضوع إطلاق القمر الإسرائيلي "أفق 13".
مقدمة:
لم تحظَ عملية إطلاق القمر الاصطناعي الإسرائيلي "أفق 13" قبل أيام بالتغطية الإعلامية المناسبة التي توازي الأهمية "العملانية" لهذا الحدث، ولم تتم الإشارة إلى هذا التطوّر، سواء على مستوى المضمون أو التوقيت، بالشكل الذي اعتدناه في أحداث كهذه.
قد تكون الاحتجاجات الصاخبة التي تشهدها الساحة الداخلية الإسرائيلية استحوذت على حصة الأسد من التغطيات الإعلامية، وأثّرت بشكل أو بآخر في موضوع إطلاق القمر الإسرائيلي، وقد يكون متخذ القرار الإسرائيلي تعمّد اختيار هذا التوقيت تحديداً لغرض في نفسه.
في كل الأحوال، يمكن وصف هذا الحدث بأنه تطور لافت وحيوي، وسيكون له العديد من التداعيات والنتائج، وخصوصاً في مستقبل المواجهة بين الكيان الصهيوني من جهة، ومحور المقاومة، وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية في إيران، من جهة أخرى، ولا سيّما أن بيان وزارة الحرب الإسرائيلية وصف هذا القمر بأنه الأكثر تطوراً في نوعه، وأشار إلى أنه يملك قدرات مراقبة فريدة عن طريق الرادار، وأنه سيتيح للكيان جمع المعلومات الاستخبارية بصرف النظر عن أحوال الطقس وظروف الرؤية.
في هذا المقال، سنلقي نظرة متفحّصة على "البرنامج الفضائي" للكيان الصهيوني، وسنشير بكثير من التفصيل إلى القدرات الإسرائيلية على صعيد الأقمار الاصطناعية، وسنستعرض تاريخ عمليات الإطلاق التي بدأت قبل أكثر من 35 عاماً، إلى جانب المنشآت والقواعد التي تُستخدم في عمليات الإطلاق، غير متناسين بالتأكيد الأهداف الحقيقية لهذا البرنامج الذي يحظى بمتابعة خاصة وحثيثة من أعلى المؤسسات القيادية في "إسرائيل".
تمهيد عام
أدركت "إسرائيل" مبكراً أهمية الفضاء بالنسبة إليها. ومنذ السنوات العشر الأولى التي تلت تأسيسها، حاولت تلمّس طريقها في هذا الجانب الحيوي والحسّاس. لذلك، بادر أول رئيس وزراء في الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون عام 1960 إلى إنشاء ما سُمّي آنذاك "اللجنة القومية لأبحاث الفضاء"، وكان الهـدف من إنشائها تهيئة الجو العام الذي يؤدي بعد ذلك إلى وضع البنية الأساسية لبرنامج فضائي متكامل.
وقد حثّ بن غوريون العلماء على إجراء أبحاث نظرية في هذا المجال وتدريس الموضوعات المتعلّقة بالفضاء في المدارس والجامعات والاستفادة مما يُنشر في دول العالم المختلفة، لا سيما المتقدّمة منها، في هذا الموضوع، وإقامة علاقات أكاديمية بين العلماء الإسرائيليين ونظرائهم في تلك الدول.
بعد وقت قصير، أصدرت لجنة مكلّفة بوضع تصور عملي حول البرنامج الفضائي لـ"إسرائيل" دراسة قدمتها لبن غوريون، حدّدت فيها المتطلبات الأساسية اللازمة للبدء ببناء برنامج فضائي متقدم، كان من أهم بنودها توفير تمويل كافٍ يسهم في نجاح البرنامج الذي يحتاج إلى تغطية مالية كبيرة وإنشاء قاعدة علمية متكاملة تشمل أبحاثاً فضائية وفلكية موسّعة، وحيازة صواريخ قادرة على التحليق إلى الفضاء لوضع الأقمار لاصطناعية في مداراتها، إضافةً إلى وجود صناعات إلكترونية حديثة ومتقدّمة، مع ضرورة وجود تعاون وثيق مع وكالات الفضاء الأخرى، لا سيما في الاتحاد السوفياتي وأميركا وفرنسا.
بعد عام واحد فقط على مبادرة بن غوريون، بدأت النتائج تظهر سريعاً، وإن لم تكن في بداياتها على المستوى المطلوب، إذ أطلقت "إسرائيل" في منتصف عام 1961 صاروخاً بتقنيّات بدائية كان يحمل بعض المعدات الخاصة بالأرصاد الجوية. وقد وصل إلى ارتفاع 80 كلم فقط.
بعد ذلك بـ3 سنوات، تقدمت "إسرائيل" بطلب إلى كلٍّ من الولايات المتحدة وفرنسا لمساعدتها على إقامة محطة لرصد الأقمار الاصطناعية. وعام 1967، رصدت الحكومة الإسرائيلية مبلغ 200 مليون دولار لإنتاج الأقمار الاصطناعية، يتم إنفاقها على مدى 20 عاماً، تبع ذلك في العام 1970 تشكيل فريق من العلماء للمساندة في الأبحاث التي تجريها هيئة تطوير وسائل القتال والمؤسسة العسكرية.
وعام 1977، تم عقد الاجتماع السنوي للمنظمة الدولية لعلوم الفضاء في "إسرائيل"، وشاركت فيه 30 دولة، في إشارة واضحة إلى النجاح الإسرائيلي في مجال "أبحاث الفضاء".
تحوّل مهم
عام 1983، قررت الحكومة الإسرائيلية توحيد كل الأنشطة الفضائية تحت قيادة واحدة، وقامت بإنشاء "وكالة الفضاء الإسرائيلية"، المعروفة اختصاراً بـ"ISA"، والتي تولى رئاستها وزير البحث العلمي في الحكومة الإسرائيلية الدكتور يوفال نئمان.
وقد تشكّل مجلس إدارة الوكالة حينذاك من 24 عضواً من كبار العلماء والمهندسين وممثلي الوزارات، وشمل لجاناً فرعية في مجالات كثيرة أخرى، مثل: البحث العلمي، والملاحة الفضائية، والعلاقات الخارجية، والشؤون القانونية، والبنية الأساسية الفضائية، والتطبيقات الاصطناعية.
كانت مهمتها الأساسية تطوير البرنامج الفضائي الإسرائيلي وتحديثه والإشراف على تنفيذه وفق خطة ممنهجة احتوت الكثير من التفاصيل، منها:
1- حث الصناعات الحكومية والخاصة على إنتاج الأجهزة والمعدّات الفضائية وتطويرها.
2- نشر حالة مما أُطلق عليه "الوعي الفضائي" في صفوف الشعب، للمساعدة في إيجاد قاعدة عريضة من الباحثين في الجامعات والأكاديميات العلمية.
3- دعم الأبحاث النظرية والتطبيقية الموجودة في كل المؤسسات العلمية والبحثية، ورفع مستوى التنسيق بين مراكز البحث، مثل جامعة "تل أبيب"، والجامعة العبرية في القدس، والمعهد التكنولوجي "التخنيون" في حيفا، وجامعة النقب، ومعهد "وايزمان" في "رحبوت"، وجمع كل الجهود النظرية والتطبيقية تحت مظلة الوكالة.
4- رفع مستوى التعاون والتنسيق مع الهيئات الفضائية الأجنبية، ووضع الخطوات العملية للاستفادة من خبراتها، بما يساهم في تقدم البرنامج الفضائي الإسرائيلي. وكان من أهم تلك الهيئات، وكالة الفضاء الأميركية NASA""، والأوروبيـة "ESA"، والفرنسية "CNES"، والألمانية DARA"".
منذ ذلك الحين، بدأ العمل الحقيقي لإنتاج أول قمر اصطناعي إسرائيلي، وتم تشكيل فريقين من العلماء، توجه أحدهما إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبقي الآخر في "إسرائيل"، وأخذا يتبادلان المعلومات والخبرات التي ساهمت كثيراً في تطور العمل.
كذلك، تم تكليف المعهد التكنولوجي "التخنيون" بإنشاء مركز مختص بأبحاث الفضاء، مثل الديناميكا الهوائية، والأشعة السينية، وفيزياء الفضاء وغيرها، إضافة إلى إنشاء أقسام خاصة بأبحاث الفضاء في المصانع التابعة لمؤسسة الصناعات الجوية، مثل مصنع MBT""، وهو المصنع الرئيسي الذي ينتج الأقمار الاصطناعية حالياً.
بعد ذلك، وضعت وكالة الفضاء الإسرائيلية برنامجاً تنفيذياً يتكوّن من 3 مراحل يتم تطبيقها بالتوالي. كانت المرحلة الأولى تشمل إنتاج قمر اصطناعي تجريبي يتم وضعه في مدار قريب من الأرض، ولا يحمل سوى معدّات بسيطة، شرط أن يكون قادراً على البقاء في الفضاء لمدة لا تقل عن شهرين.
كان الهدف من هذه الخطوة التأكد من قدرة الوكالة واللجان التابعة لها على إنتاج قمر اصطناعي، إضافة إلى الصاروخ الذي سينقله إلى الفضاء، وضمان كفاءة المحطة الأرضية التي تتابع نشاط القمر.
وقد تم تنفيذ هذه المرحلة بنجاح عام 1988، عندما تم إطلاق أول قمر اصطناعي إسرائيلي حمل اسم "أفق -1"، وتبع ذلك إطلاق القمر الثاني "أفق -2" في 3 نيسان/أبريل 1990.
المرحلة الثانية شملت إنتاج وإطلاق قمر اصطناعي أكثر تطوراً يستطيع البقاء في الفضاء لمدة تتراوح بين 2-10 أعوام. استغرق العمل في هذه المرحلة نحو 5 سنوات بتكلفة مالية كبيرة جداً تُوّجت بإطلاق القمر الاصطناعي "أفق 3" في 5 نيسان/أبريل 1995، مع إخفاق أساسي تمثل بعدم تمكّن القمر الجديد من حمل أجهزة علمية كما كان مخططاً له.
أهم هذه المراحل كانت الثالثة، وهي التي احتوت قدراً بالغاً من الطموح، إذ شملت 11 برنامجاً لإطلاق أقمار اصطناعية متنوعة أطول عمراً وأكبر حجماً من الأقمار السابقة، وتُستخدم في إنتاجها معدات إلكترونية أكثر تطوراً، وتشمل إنتاج أقمار استطلاع رادارية، وأقمار اصطناعية لاعتراض الصواريخ البالستية "المعادية"، وأقمار علمية وتجارية. وقد تم إنجاز جزء كبير من هذه المرحلة حتى وقتنا الحالي.
الهيئات والمصانع الإسرائيلية الخاصة بالبرنامج الفضائي
من أجل إنجاح برنامج الفضاء الإسرائيلي ووصوله إلى مرحلة متقدمة تحاكي قدرات بعض الدول المتقدّمة، تم إنشاء العديد من اللجان والمنشآت والمصانع التي عملت بنسق مرتفع رغم التكلفة المالية الضخمة، للوصول إلى نتائج حاسمة في فترة زمنية قصيرة نسبياً:
1- اللجنة القومية لأبحاث الفضاء National Committee For Space Research""
هي إحدى المؤسَّسات التّابعة لأكاديمية العلوم. أُنشئت عام 1960 لتقديم المشورة للحكومة ووكالة الفضاء والجامعات في كل ما يتعلق بالمشروعات والأبحاث المتصلة بعلوم الفضاء.
2- معهد أبحاث الفضاء "Asher Space Research Institute"
افتُتح عام 1986 لإعداد الكوادر وتدريبها على كل ما يتعلق بعلوم وهندسة الفضاء التي تشمل العديد من التخصصات مثل: الفيزياء الفضائية (Astrophysics)، والأقمار الاصطناعية (Spacecraft)، ومحركات الدفع، وأجهزة التحكم، وأجهزة الاستشعار من بُعد، والتصميمات المختلفة.
3- مصنع "إم. بي. تي" (MBT Systems & Space Technology)
يعدّ أحد أهم عناصر قسم الإلكترونيات في مؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية ""IAI، وهو بمنزلة المركز الفضائي الرئيسي في "إسرائيل"، والمسؤول عن إنتاج أقمار الاستطلاع، وأقمار الاتصالات، وصواريخ الإطلاق من طراز "شافيت" (Shavit)، إذ يحتوي على قسم لمعالجة وتحليل الصور الجوية التي يستقبلها من عدة أقمار اصطناعية. يضمّ هذا المصنع مجموعة من المراكز الفرعية، كل منها يتخصص في أحد مجالات الأقمار الاصطناعية، وفيه كذلك عدد من المختبرات والمعامل وغرف الاختبار المفرّغة من الهواء.
4- مصنع "إم. إل. إم" (MLM System Engineering & Integration)
يعدّ هذا المصنع أيضاً جزءاً من قسم الإلكترونيات في الصناعات الجوية الإسرائيلية، وهو متخصص في إنتاج أنظمة قياس البُعد "Telemetry Systems"، وأجهزة القيادة والسيطرة، والاتصالات، والمعلومات "C3 I"، وأجهزة معالجة الصور، وهو المسؤول عن برنامج إنتاج صاروخ "نكست" (NEXT)، كما يقوم بصناعة الخلايا الشمسية للأقمار الاصطناعية العلمية.
5- مصنع "تامام" (TAMAM Precesion Instrument Industries)
يعد أيضاً أحد العناصر الأساسية في قسم الإلكترونيات في الصناعات الجوية، ويتخصص في إنتاج الأجهزة الدقيقة والمستشعرات وأجهزة الاتزان المستخدمة في منظومات التوجيه بالقصور الذاتي.
كل ما سبق من مصانع ومنشآت، إضافة إلى منشآت أخرى بقيت تحت ستار من السرية، ساهمت في تحقيق إنجازات كبيرة على صعيد تقدم البرنامج الفضائي لـ"دولة" الكيان، إذ تمكنت الحكومة الإسرائيلية، وبدعم واضح من اليهود المنتشرين في مختلف دول العالم، من وضع الحجر الأساس الذي انطلق منه برنامجها الفضائي.
وبذلك، أنشأت المؤسسات الاصطناعية ومراكز البحث العلمي، وأقامت علاقات وثيقة مع الهيئات الفضائية العالمية، ووقَّعت اتفاقية مع الولايات المتحدة الأميركية للاشتراك في مبادرة الدفاع الإستراتيجي المعروفة إعلامياً باسم "حرب النجوم" (Strategic Defens Initiatve SDI)، واشترت مساحات واسعة من قاعدة الإطلاق الروسية في "بايكونور" (Baikonur) في كازاخستان، وعملت على استغلال علماء الفضاء اليهود الذين قدِموا إليها من الاتحاد السوفياتي السابق.
هذا كله مكّنها من صناعة الأقمار الاصطناعية بمختلف أنواعها وإطلاقها بالتعاون مع الدول الأخرى. وقد نجحت في إقامة قاعدة إطلاق ومحطات أرضية للمتابعة والتحكّم.
الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية
تملك "إسرائيل" العديد من الأقمار الاصطناعية الحديثة، منها ما هو مخصص للبحث العلمي ومنها ما هو مخصص للبث التلفزيوني، ولكن أهمها هو ذاك الخاص بجمع المعلومات الاستخبارية الحسّاسة، الذي يشكّل عصب منظومة الفضاء الإسرائيلية، التي ترى أن مهمتها الأساسية هي الحفاظ على مصالح "الدولة" وحمايتها من "الأعداء".
لذلك، تركّز معظم جهودها على القيام بعمليات تجسس مستدامة تستهدف كل الدول في المنطقة والعالم، لا سيما تلك التي تُعتبر إسرائيلياً خطراً وجودياً على مستقبل "الدولة".
1- القمر الاصطناعي "أفق- 1" (Ofeq 1)
يعدّ هذا القمر باكورة الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية. تم إطلاقه من قاعدة "بلماخيم" الجوية الواقعة جنوب مدينة "تل أبيب" (تحدثنا عنها باستفاضة في مقال سابق)، بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 1988، بواسطة صاروخ من نوع "شافيت" (Shavit). وقد حلّق في مدار بيضاوي أبعاده "250 × 1150" كلم، بزاوية ميل "143" ْعلى خط الاستواء.
يكمل هذا القمر دورة كاملة حول الأرض في 98 دقيقة، ويبلغ وزنه 156 كغم، ويحافظ على اتّزانه في المدار عن طريق الدوران حول محوره بمعدل دورة واحدة في الثانية.
وعلى الرغم من أن "أفق 1" كان يقوم بـ14.6 دورة حول الأرض خلال اليوم الواحد، فإنَّه كان يمر فوق "إسرائيل" 7 مرات يومياً فقط، وكان يبقى فوق المنطقة 7 دقائق في كل دورة، وتُستقبَل إشاراته بوساطة محطة المتابعة الأرضية خلال هذه الفترات فقط.
وقد ظل القمر في الفضاء لمدة 118 يوماً. ولأنه لم يُصمَّم، أساساً، ليبقى هذه المدة الطويلة في الفضاء، فقد بدأ أداؤه يختل بعد شهرين من إطلاقه، وتعطَّلت أجهزته واحداً بعد الآخر، ثم انقطعت إشاراته التي كان يرسلها إلى الأرض.
وقد أعلنت وكالة الفضاء الإسرائيلية في ذلك الوقت أن نفقات القمر بلغت 390 مليون دولار، أسهمت فيها الحكومة الإسرائيلية بمبلغ 43 مليون دولار، وتمت تغطية الباقي من ميزانيات البحث والتطوير.
2- القمر الاصطناعي "أفق -2" (Ofeq 2)
هو النسخة الثانية من الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية. تم إطلاقه في 3 نيسان/أبريل 1990 بواسطة صاروخ من طراز "شافيت" (Shavit) أيضاً، ومن "بلماخيم"، قاعدة الإطلاق نفسها جنوب "تل أبيب"، إلى مدار بيضاوي، أبعاده "210 × 1500" كلم. وقد حلّق بين خطَّي العرض 35 شمالاً و35 جنوباً، واستغرقت دورته حول الأرض ساعة ونصف ساعة. يتشابه "أفق 2" في الشكل الخارجي مع "أفق 1"، إلا أنه يزيد عليه في الوزن بمقدار 4 كغم، ناتجة من إضافة المزيد من الخلايا الشمسية الخاصة بتوليد الطاقة الكهربائية اللازمة لاستمرار عمل القمر. كذلك احتوى على أجهزة اتصـال ذات اتجاهين (إرسال واستقبال)، في حين كان "أفق 1" يحمل أجهزة إرسال فقط.
3- القمر الاصطناعي "أفق-3" (Ofeq 3)
أُطلقت النسخة الثالثة من الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية في بداية شهر نيسان/أبريل 1995 بواسطة صاروخ "شافيت" (Shavit). وقد تم تزويده بأجهزة تصوير "كهروبصرية" تعمل في مجال الرؤية العادية، وفي نطاق الأشعة فوق البنفسجية.
لوحظ أن قدرة أجهزة التصوير التي زُود بها القمر على "الفصل" ليست عالية كما كان يُروج الإسرائيليون في ذلك الوقت، بل تصل إلى عدة أقدام فقط. والمقصود بالقدرة على "الفصل" هو تصوير الأهداف القريبة من بعضها بعضاً، بحيث تكون كل صورة منفصلة عن الأخرى.
هذا الأمر جعل القمر "أفق-3" قادراً على تصوير الأهداف الكبيرة فقط ورصد التغيرات التي تحدث فيها بين الحين والآخر، وهو ما عبّر عنه مسؤول إسرائيلي رفيع في تلك الفترة لمجلة "Aviation Week & Space Technology" الأميركية، بقوله: "بعض التقارير بالغ بتقدير إمكانيات القمر. في الواقع، قدراته العسكرية محدودة جداً".
وقد بلغ وزن القمر 225 كغم، وطوله 240 سم، وقطْره 120 سم، وله جناحان يحملان الخلايا الشمسية التي تمده بالطاقة الكهربائية، وعمره عامان.
وُضِع قمر "أفق 3" في مدار بيضاوي (أبعاده 368 × 729 كم)، وكان يميل إلى خط الاستواء بزاوية قدرها "143°". هذا الميل مكّنه من التحليق فوق منطقة تقع بين خطَّي العرض 37 شمالاً و37 جنوباً، ما يعني أنه كان يغطي المنطقة العربية بكاملها، إضافة إلى باكستان وأفغانستان وإيران وجزء كبير من تركيا.
تستغرق دورة القمر حول الأرض ساعة ونصف ساعة، أي أنه يتم 16 دورة في اليوم الواحد، لكن هذا لا يعني أنه كان يمر كل مرَّة فوق المنطقة نفسها، فأقمار الاستطلاع تصور في كل دورة شريطاً محدداً من سطح الكرة الأرضية. وفي الدورة التالية، تُصوِّر شريطاً مجاوراً له.
4- القمر الاصطناعي "أفق- 4" (Ofeq 4)
واجه إطلاق هذا القمر إخفاقاً كبيراً، ما اعتبر آنذاك انتكاسة لمشروع الأقمار الاصطناعية في الكيان الصهيوني، وتحديداً للصواريخ الحاملة لها، إذ تم إطلاقه في 22 كانون ثاني/يناير 1998 ليكون بديلاً من القمر "أفق -3" الذي انتهت خدمته.
وقد جرت عملية الإطلاق من قاعدة "بلماخيم" بواسطة صاروخ "شافيت" (shavit)، إلا أنه سقط في مياه البحر الأبيض المتوسط بعد عملية الإطلاق مباشرة، نتيجة عطل فني في المرحلة الثانية للصاروخ.
في الجزء الثاني من هذا المقال، سنشير بإذن الله تعالى إلى باقي الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية، وكذلك إلى الصواريخ البالستية المستخدمة في إطلاقها، وسنعرّج أيضاً على الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا البرنامج من أكثر من زاوية.