صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11
الموضوع:

قراءات

الزوار من محركات البحث: 30 المشاهدات : 323 الردود: 10
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: July-2017
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 527 المواضيع: 238
    التقييم: 147
    آخر نشاط: 23/August/2023
    مقالات المدونة: 1

    قراءات

    “باولو كويلو”.. الكتابة لديه أن يتقاسم روحه مع الآخرين

    “باولو كويلو” روائي وقاص برازيلي. تتميز رواياته بمعنى روحي. كما يعتمد على أحداث تاريخية واقعية لتمثيل أحداث قصصه. أصبح في 2007 رسول السلام التابع للأمم المتحدة.

    حياته..
    ولد في ريو دي جانيرو عام 1947. نشأ في أسرة متدينة محافظة، ولم يقبل والده المهندس رغبة ابنه في أن يصبح كاتبًا، لأنه لم يرَ أي مستقبل في هذه المهنة. في الطفولة والمراهقة اتسمت شخصية “كويلو” بالتمرد والانطوائية، كان شغوفا بالمطالعة والكتابة، مما جعل والديه يدخلانه مصحة للأمراض العقلية، هرب منها ثلاث مرات قبل وصوله لسن العشرين، وقد وصف “كويلو” فعله بأنّه بدافع الخوف وليس الكره، فالبلاد كانت تمر بأوضاع سيئة وكان الخوف من المستقبل مسيطرا عليه، لم يتمكن من فهم اختلافه، فنعتوه بالجنون.
    انساق “كويلو” إلى رغبة والديه، ودرس القانون، لكنه ترك الجامعة بعد إتمامه للسنة الأولى، انضم بعدها إلى حركة تدعى «هبكيز»، وهي حركة حرصت على خلق جو عشوائي ثائر، متمرد على القوانين المجتمعية ومعهم سافر إلى بلدان عدة، ثم عاد إلى البرازيل وبدأ في كتابة الأغاني لفنانين مشهورين، تعرض للسجن أكثر من مرة، لأن كلمات الأغاني تضمنت ما وُصف بالميل إلى اليسارية المغرضة.
    قبل أن يتفرغ للكتابة، كان يمارس الإخراج المسرحي، والتمثيل وعمل كمؤلف غنائي، وصحفي. وقد كتب كلمات الأغاني للعديد من المغنين البرازيليين أمثال إليس ريجينا، ريتا لي راؤول سييكساس، فيما يزيد عن الستين أغنية.
    اكتسب ولعه بالعوالم الروحانية بدء منذ شبابه كهيبي، حينما جال العالم بحثا عن المجتمعات السرية، وديانات الشرق. نشر أول كتبه عام 1982 بعنوان «أرشيف الجحيم»، والذي لم يلاق أي نجاح. وتبعت مصيره أعمال أخرى، ثم في عام 1986 قام كويلو بالحج سيرا لمقام القديس جايمس في كومبوستيلا. تلك التي قام بتوثيقها فيما بعد في كتابه «الحج». في العام التالي نشر كتاب «الخيميائي»، وقد كاد الناشر أن يتخلي عنها في البداية، ولكنها سرعان ما أصبحت من أهم الروايات البرازيلية وأكثرها مبيعا.
    يعيش “كويلو” مع زوجته في جنيف، ويعد من أكثر الكتاب تفاعلًا على منصات التواصل الاجتماعي، «إذا أردت ريشة بيضاء اليوم فهذه علامة أنني يجب أكتب»، طريقة اتبعها “كويلو” للتغلب على تأجيل الكتابة، حيث عثر على ريشة بيضاء ذات يوم على نافذته، وبدأ الكتابة في ذلك اليوم، وخلال السنوات الثلاثين الماضية بدأت كتاباته بهذه الطريقة؛ إشارةٌ بوزن الريشة حملت القراء إلى عالم مليء بالخيال والإبداع، وصنعت من “كويلو” كاتبا من الوزن الثقيل.

    محاربة القهر..
    في حوار معه في مصر في اتحاد الكتاب في القاهرة يقول “باولو كويلو” عن القراء: “قرائي هم الذين يحاربون القهر، أكتب للذين حتى لو مروا ببعض الصعاب فلا ينسون كلمة الحرية، أكتب للنور، قرائي يعرفون أن هناك قهرا ولكنهم يقفون ضده”.
    ويضيف “كويلو” أن: “الكاتب يستطيع أن يحافظ على كنز بألا يعجز أمام الهزيمة أو النجاح. قررت أن اتفرغ للكتابة التي أعيش من عائدها مادام هذا حلمي فيجب أن أحققه. والقارئ في نهاية المطاف بعيدا عن الملايين التي يتم ضخها في صناعة النشر هو الذي يدعم الكاتب. أحيانا أمر بفترات شك مثل كل الناس”.

    الحضارات القديمة..
    في حوار ثان معه أجرته “نجوى بركات” يقول عن الانجذاب إلى الحضارات: “بسبب سحر الحكاية. أثناء طفولتي، كنت مولعًا بقصص ألف ليلة وليلة. لم أكن أفهمها كلية، ولكني كنت مسحورا بما تتضمَّنه من رؤية إلى الواقع وإلى الحياة. أيضا كان هناك أستاذ برازيلي أطلق على نفسه اسما عربيا: مالبا طحان. كان ينشر كتبا تعبر عن ولعه بالثقافة العربية. قراءتي هذه الكتب، شكلت لحظة مهمة جدا في حياتي كمراهق، لأنها جعلتني أكتشف أن الخيار مفتوح أمامي لاكتساب معارف أخرى موجودة خارج ثقافتي البرازيلية. هكذا وقعت في حب الثقافة العربية. بالنسبة لي، الخيميائي كتاب عن الإسلام. أنا لا أدَّعي بأني أعرف الإسلام بعمق، لكني أعرف أنَّ الثقافة العربية جلبت الكثير إلى العالم في ميادين الفن والعلم والفلسفة والطب.
    منحتني نظرة أخرى إلى الحياة، مزيدا من الانفتاح. ربما لأنها ثقافة قريبة من الصحراء، فهي تساعد على تبسيط الأمور من دون الوقوع في فخ التسطيح. منذ أن بدأت احتكاكي بالثقافة العربية، بدأ الإلهام يأتيني بسهولة. الثقافة العربية تقيم اعتبارًا كبيرًا للأمور الخفية، لما هو غامض وسري. أنا ككاتب أحتاج إلى مثل هذه الرؤية المخالفة، إلى مثل هذا الفضاء”.

    الثقافة البرازيلية..
    ويواصل عن ثقافته البرازيلية: “الثقافة البرازيلية مختلفة عن الثقافة اللاتينية الأميركية، لأنها مكوَّنة من مزيج تلتقي فيه أوروبا وآسيا وأفريقيا. لا أدري إذا كنت تعرفين مثلاً بأن عدد اللبنانيين في البرازيل يفوق عددهم في لبنان نفسه، وأنهم شعب ساهم في شكل فاعل، في هذا المزيج الثقافي الذي أكسبني ميزة أساسية هي حس التسامح والانفتاح على الآخرين. البرازيل، بالنسبة إلي، رمز يكسر الحواجز القائمة بين الناس، وخاصة تلك التي تشكل فاصلا بين عالم واقعي ملموس وواقع غير ملموس متشكل من الانفعالات. وهذا ما أسعى إلى تحقيقه في رواياتي”.

    تمرد الشخصيات..
    وعن تمرد الشخصيات داخل رواياته، يقول: “التمرد مهم جدا لدى الشباب. أعتقد أن على جميع الناس أن يقوموا بإشعال الحرائق حين يكونون في العشرين من العمر، وأن يتحوَلوا إلى رجال إطفاء حين يبلغون الأربعين. التمرد صحي لأنه يساعدنا على إيجاد مكاننا الخاص، حتى ولو اكتشفنا فيما بعد أن الكبار كانوا على حق. ما هو التمرد؟ إنه النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، وهذا مهم جدا. وإلا صدقنا كل ما يقال لنا وخسرنا فرصة معاينة الأمور بأنفسنا والخوض في تجارب خاصة تجعل منا الكائنات الفريدة التي هي نحن. أنا أتحدث عن التمرد في بعده الفلسفي، بمعناه المجازي.

    الكتابة..
    وعن الكتابة يقول: “باولو كويلو، الرجل الذي عاش كثيرا، من يكتب. لكني ما زلت قادرا على التواصل مع الطفل الذي في داخلي، على رغم أني أضعته في مرحلة ما كنت أعتقد خلالها أن علي الابتعاد عنه ونسيانه. هذا ليس مرتبطا بالطفولة، بقدر ما هو متمثل بالقدرة على النظر إلى الحياة كمعجزة يومية. باولو الطفل ينظر، وباولو الرجل يكتب من خلال الغوص في بحره الدفين ليكتشف نفسه. المدهش هو أني في كل مرة أقوم بهذه العملية وأكتب كتابا، ألتقي برجل هو أنا، يلتقي به ملايين القراء. تصوَري أني بعت 37 مليون نسخة من رواياتي، هذا إذا ما وضعنا جانبا إصدارات القرصنة. أنا صادق مع ذاتي، لذلك أستطيع ربما مقاسمة هذا الجزء من روحي مع ملايين القراء من مختلف الثقافات.
    الكتابة هي أن أعيش حياتي وأن أتقاسم روحي مع الآخرين. باستطاعة كل منا، أيًّا كان مجال عمله، أن يقوم بالشيء نفسه. الشرط الإنساني يطالبنا بأن نشرك الآخرين في نظرتنا إلى الحياة، سواء كان ذلك من خلال تصميم حديقة، بناء الأهرامات أو طهو الحلويات، طالما أنها مصنوعة بحب”.

    طقوس الكتابة..
    في حوار ثالث معه في موقعه على شبكة الإنترنت ترجمة “محمد خضر” يقول “باولو كويلو” عن طقوس الكتابة: “عندما أشعر أنني أخيرا أريد أن أكتب عملا جديدا فإني أقرر له خطة كتابية من أسبوعين إلى شهر، قبل النوم أكون قد قررت أن أصحو صباحا مبكراً وأن أكرس وقتي كله لأبدأ بكتابة الرواية، انقطع لشيء وحيد ربما وهو تصفح شبكة الإنترنت على كمبيوتري ثم أنهمك في الأعمال الخاصة وأعود عند الخامسة بعد أن أصحو لأبقى قليلا على الكمبيوتر، أقرأ الأخبار وأزور موقعي وأقرأ ”الإيميلات”، ثم يحين وقت العشاء وأكون في غاية الذنب لأني أهدرت بعضاً من الوقت، وأخيراً أقرر أن أبدأ..
    السطر الأول قد يأخذ قليلاً من الوقت ولكن سرعان ما أغرق في الحكاية والتفاصيل والأفكار والتداعيات، زوجتي تطلب مني أن أغادر إلى الفراش ولكن لا أستطيع فأنا بحاجة إلى وقت لإنهاء الخطة ثم الفقرة ثم الصفحة وأبقى على هذا المنوال حتى الساعة الثالثة صباحاً، عندها أقرر أخيراً أن أغفو.. أضع رأسي على الوسادة وأكون قد أقسمت أن أصحو في اليوم التالي مبكراً وأن أكتب طوال اليوم ولكن هذا لا طائل منه ولا فائدة. في اليوم التالي أصحو في وقت متأخر وتأخذ الدورة مجراها من جديد”.

    رواية الجاسوسة..
    في حوار آخر معه يقول “باولو كويلو” حول رواية “الجاسوسة”: “ماتا هاري إحدى إيقونات الجيل الوجودي فتاة سيئة، مختلفة، غريبة، ترتدي كل الفساتين الخيالية ونحن جميعا مفتونين بجمالها. وبعد أربعين سنة وأنا أتناول العشاء هنا في جنيف في سويسرا مع محامي ذكر لي عدة قضايا عن الناس الأبرياء الذين أدينوا بعقوبة الموت خلال الحرب العالمية الأولى، وهذه الأشياء لا نعلم بها إلا الآن لأنهم أخفوا الكثير من الوثائق عن فترة الحرب. ماتا هاري إحدى هذه الأمثلة التي ذكرها ولأنها كانت دائما ذات أهمية لي، قمت ببحث سريع عنها على الانترنت فور عودتي للبيت.
    قادني هذا البحث إلى الكثير من الوثائق ومعلومات أكثر عنها. في اليوم التالي اشتريت بعض الكتب وقضيت كل نهاية الأسبوع أقرأ عن ماتا هاري. في ذلك الوقت لم أكن أدرك أنني أقوم بإنجاز بحث لمشروع كتاب. أدركت فقط ذلك عندما قررت جازما أن أمارس تمرينا خياليا وأضع نفسي مكانها.
    الشيء الأكثر غرابة هو كيف تمكنت امرأة تعرضت للإساءة حتى صارت في العشرين من التغلب على أوضاعها وتصبح ما صارت عليه. أما فيما يخص الحقبة الباريسية الجميلة، فقد كانت حقبة “كل شيء فيها ممكن”. لقد أرهقتني تلك الفترة وقد رغبت أن يركز الكتاب على شخصية واحدة محورية. هناك ميل دائم لدى الكاتب للوصف الكثير. لذلك أعطيت فكرة عن عصرها ثم حاولت ألا أثقل على القارئ بالمعلومات”.
    وعن شعوره وهو يكتب من وجهة نظر ماتا هاري يقول: “صارت رفيقتي في الليل والنهار خاصة عندما كنت أقرأ عن الحقبة التي عاشت بها. ثم، ولمعرفتي بها، بدأت أفهم كيف تبرر مواقفها.
    كانت ماتا هاري سيدة مشهورة واكتسبت أيضا الشهرة كامرأة قدرها مشؤوم . لقد حصلت على شهرتها بالكذب والموهبة. و الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذه المرأة:

    أن لكل حلم ثمن.
    وأنه عندما تتجرأ على أن تكون شخصا مختلفا، كن مستعدا لهجوم الآخرين عليك.
    وأنه عندما تواجه العالم الذكوري الذئبي، يمكنك أن تتغلب عليه بالمراوغة”.

  2. #2
    صديق فعال
    في الأدب السوفييتي

    مقدمة
    هذا كتاب نعرض فيه بعض آراءٍ كُتبتْ بالإنجليزية عن الأدب السوفييتي؛ أي الأدب الذي ظهر في روسيا منذ نشوب الثورة الشيوعية سنة ١٩١٧، وليس معنى ذلك أننا سنتحدث عن الأدب الذي ظهر في جميع أجزاء الاتحاد السوفييتي؛ لأن كل إقليم من أقاليم الاتحاد السوفييتي له أدبه الخاص به، وقد شجعت روسيا الحديثة هذه الآداب الإقليمية — إن صح هذا التعبير — ولكن هذه الآداب الإقليمية تختلف في لغتها ولم تُكتب باللغة الروسية، بينما سيكون حديثنا في هذا الكتاب عن الآداب التي ظهرت في روسيا السوفييتية وكُتبتْ باللغة الروسية.

    من الطبيعي أن الأدب السوفييتي هو استمرار تيار الأدب الروسي الذي كان قبل الحرب العالمية الماضية، وقبل الثورة الشيوعية، ولكنَّ هناك حقيقة لا نستطيع أن نغفلها، تلك أن الثورة الروسية قامت بتجديد كل مظاهر الحياة الروسية، من اجتماعية وسياسية واقتصادية، وكذلك كان لهذه الثورة أثرها في الثقافة والأدب، ولذلك نستطيع أن نقول: إن تاريخ الأدب السوفييتي إنما هو تاريخ المحاولات التي بذلتها الحكومة الشيوعية لخلق لون من الأدب يتفق مع أغراضها وبرامجها، ومن هنا اختلفت هذه المحاولات باختلاف أغراض الشيوعيين وبرامجهم، فحينًا نرى الشيوعيين يسيطرون على الشئون الأدبية سيطرة تامة ويفرضون على الأدب رقابة شديدة لا تكاد تعرفها أشدُّ الأمم إمعانًا في الدكتاتورية، وحينًا آخر نراهم يضطرون إلى إلغاء هذه الرقابة ويتركون للأدب شيئًا من حريته، فلكي نستطيع أن نعطي صورة صحيحة أو قريبة إلى الصحيحة للأدب السوفييتي يجب ألا نغفل الحديث عن سياسة الحكومة نحو المسائل الأدبية، فمن سنة ١٩١٧ حتى سنة ١٩٢١، وهي الفترة التي تعرف بفترة الحرب الشيوعية، يمكننا أن نختصر القولَ بأنْ نَصفها بأنها عهد تحلل في التقاليد الأدبية الروسية، وعهد اضطراب في المناقشات التي جرت بين المذاهب الأدبية، ولكن هذه الظاهرة بدأت في الواقع قبل الثورة الشيوعية، بل قبل الحرب الكبرى الماضية؛ ذلك أنه عندما بدأ القرن العشرون كان في الأدب الروسي مذهبان أساسيان: المذهب الواقعي والمذهب الرمزي، فالمذهب الأول كان البقية الباقية من العصر الذهبي للرواية الروسية التي تقوم على التحليل النفسي والواقع الملموس، ولكن هذا المذهب الواقعي قد تطور بعض الشيء، ويتمثل تطوره في فنِّ تشيكوف، هذا الفن الذي اقتدى به كل كتَّاب المذهب الواقعي منذ بدأ القرن العشرون.

    أما المذهب الرمزي فكان يجمع أكثر الكتَّاب والشعراء، وكان خصب الإنتاج حتى كاد يسيطر على جميع العناصر الهامة في الأدب الروسي الحديث، وقد وصف النقَّاد الفترة بين سنة ١٩١٠ إلى سنة ١٩١٢ «بالعصر الرمزي»، ولكن بعد سنة ١٩١٢ أصيب هذا المذهب بضعف شديد، وذلك لعدة عوامل؛ منها أن بعض أصحاب هذا المذهب حاولوا أن يتخذوا من الرمزيات شيئًا آخر بجانب الأدب، فقد طمعوا في أن يقدِّسوا الرمزيات ويدخلوا الرمزيات في الدين، والدين في الرمزيات — وبمثل هذه الآراء عبر «أندريه بيلي» أحد زعماء المذهب الرمزي — ثم لأن بعض أساتذة المدرسة الرمزية رأوا أن يصبغوا المذهب الرمزي بشيء من الواقعي، ولا سيما في الشِّعر حتى يقربوا الشعر إلى الحياة، وقد ظهر هذا الاتجاه في آخر مؤلفات ألكسندر بلوك الذي يُعدُّ أكبر أدباء المذهب الرمزي، وقد يكون أكبر شعراء روسيا الحديثة، ثم ظهرت مدرستان أدبيتان تناوئان المذهب الرمزي، فالمدرسة الأولى هي مدرسة «مذهب السمو» ، وتقوم هذه المدرسة على أساس تجديد الأدب القديم وإحيائه، ومن أشهر أساتذة هذه المدرسة جوميليف، إخماتوفا، أوسيب ماندلزتام من الشعراء، فقد رأى هؤلاء الأدباء أن الألفاظ يجب أن تُكسى بلحم جديد — إن صحَّ هذا التعبير — وأن المذهب الرمزي ذو ألفاظ ملتوية ومعانٍ متشاركة، وإن كان لها رنة موسيقية خلَّابة، فقاوموا ذلك كله، وسعوا بالأدب إلى البساطة وإلى شيء من الواقع، أما المدرسة الثانية فهي مدرسة أدباء المستقبل وهو مذهب قريب جدًّا من مذهب أدباء المستقبل في الأدب الإيطالي؛ أي المذهب الذي كان يتزعمه «مارينيتي» على أن حركة هذه المدرسة لم تكن متجانسة، وكان ينقصها منهجٌ إيجابي تسير في هداه، وإن كانت قد تمتعت فترة من الزمن بنجاح وسلطان، ذلك أنه عندما نشبت الثورة الروسية وأبى أكثر زعماء الأدب — إلا أقلهم أمثال بريوسوف — أن ينضموا إلى الثائرين اضطر الثائرون إلى أن يستعينوا بأصحاب المذاهب الأدبية المتطرفة في معارضة المذاهب الأدبية الأخرى، فكانوا أصحاب مدرسة المستقبل، وعلى رأسهم الشاعر الموهوب فالديمير ماباكوفسكي.

    ومن ثم أصبح أدباء المستقبل من أسلحة الثورة ودعاتها، بل أصبحوا قادة الحياة الأدبية في روسيا السوفييتية والمحتكرين له، ولما كان أكثرهم من الشعراء غلب الشعر جميع ألوان الأدب الأخرى، وقد يكون السبب في غلبة الشعر أيضًا تلك الحالة الشَّاذة التي كانت عليها روسيا إذ ذاك، فقد تعذرت الطباعة وقلَّ نشر الكتب، وكان الشعر يجري على الألسن ويتناقله الناس رواية أو مدونًا في قصاصات من الورق، وبدلًا من أن يجتمع الشعراء والأدباء في دور النشر اتخذوا من المقاهي العديدة في موسكو أندية لهم، بل كاد شعراء مدرسة المستقبل يحتكرون الجلوس في مقاهٍ بذاتها؛ ولذا سمي هذا العهد في تاريخ الأدب الروسي الحديث «بعهد المقاهي».

    استغل السوفييت في السنوات الأولى من حكمهم «أدباءَ المستقبل»، ولكنهم سرعان ما فكروا في خلق طبقة خاصة من الأدباء والفنانين تكون في خدمة دكتاتوريتهم الشعبية بدلًا من أدباء المستقبل، فأوجدوا ما يُعرف بحركة «الثقافة الشعبية»، وأنشئوا معاهد لتدريب العمال ذوي الميول الأدبية على قرض الشعر وكتابة القصص والروايات على أيدي أساتذة أخصائيين في هذه الفنون، ولكن هذه التجربة باءت بالفشل كغيرها من تجارب الحزب الشيوعي الروسي في كل مرافق الحياة، ثم فكر أولو الأمر في وضع نظم جديدة لخلق أدب يناسب نظم المجتمع الروسي الجديد، وسنرى في هذا الكتاب كيف تطورت هذه النُّظم.

    وبعد أن انتهت الحرب الأهلية ووضع نظام السياسة الاقتصادية الجديدة، هبَّ الأدب من رقدته وكوِّنت جمعيات النشر، ونفقت تجارة الكتب وأُطلقت الحرية الفنية والأدبية من قيودها، عاد عدد كبير من أدباء الشباب إلى الحياة السلمية الهادئة بعد أن قضوا أيام الثورة في صفوف الجيش الأحمر، وبعد أن زودتهم الحرب الأهلية بمادة غزيرة واسعة تصلح أن تكون موضوعات أدبية وفنية قيمة، ولذلك نستطيع أن نطلق على الفترة من سنة ١٩٢١ إلى سنة ١٩٢٤ «عصر أدب الثورة»، بل نستطيع أن نقول: إن الثورة أصبحت الموضوع الأساسي في الأدب الروسي منذ ذلك الوقت؛ لأنَّ كل الكتابة الفنية التي ظهرت إذ ذاك إنما هي في وصف الثورة وفي الإشادة بأغراضها، فكأنها سجلٌّ ووثائق تاريخية كُتبت للأجيال القادمة، فنرى في كتاباتهم وصف الثورة وتمجيد أبطالها وحرب العصابات على حدود روسيا ومجاعة سنة ١٩٢١ والتشرُّد في أرجاء روسيا الفسيحة، وغيرها من الموضوعات الهامة التي هي في الحقيقة الموضوعات الرئيسية عند كل الكتَّاب. ونرى من الناحية الفنية أن هؤلاء الكتَّاب لم يأبهوا بصياغة كتاباتهم فقد أرادوا تسجيل ما شاهدوه أو ما سمعوه، فكانت السرعة رائدهم، فأهملوا النواحي النفسية والتحليلات التفصيلية في قصصهم، وإن كان بعضهم قد تلاعب باللفظ وأكثرَ من الزينة اللفظية في كتاباته، أما في الروايات الطويلة كالتي نراها في روايات بلينياك ونيكيتين وماليشكين وغيرهم فلا نجد فيها وحدة الموضوع، ولا ترتيب سياق الحوادث، بل قد لا نرى وحدة في الحوادث نفسها، فقد كانت المحنة القاسية التي مرَّت بهؤلاء الأدباء الشبَّان أثناء الحرب الأهلية سببًا في أن يتعودوا كيف يواجهون المناظر المخيفة المؤلمة بدون خوف، ويستخفون بكل شيء فظهر أثر ذلك في كتاباتهم.

    وبعد سنة ١٩٢٤ ظهر أدب جديد له مميزاته وخصائصه، وعاد إلى الرواية شيء من مكانتها الأولى الرفيعة، فكادت تصبح أهم عنصر في الأدب السوفييتي، ونشط الكتَّاب الأدباء نشاطًا ملموسًا، وكثر إنتاجهم الأدبي كثرة بحيث يصعب استقصاؤه أو الحديث عنه بأكمله.

    فالغرض من هذا الكتاب هو الحديث عن تطور الأدب السوفييتي وتمييز خصائصه الفنية بقدر ما بأيدينا من مراجع، ويجمل بي أن أشير إلى أن هذه الآراء التي وردت في هذا الكتاب، أخذتها عن الكتب الآتية:
    (1)Cross, Samuel: Notes no Soviet Literary criticism.
    (2)Grierson, Philip: Books on Soviet Russia.
    (3)Life & Literature in The Soviet Union by Montagu and others.
    (4)Mirsky, D. S.: Contemporary Russian Literature.
    (5)Pares Bernard: Russia.
    ولعل أقْوم كتاب اعتمدتُ عليه في هذا البحث القصير هو كتاب: Streuve, Gleb: 25 Years of Soviet Russian Literature.
    ونستطيع أن نقول: إنه المنبع الذي استقيتُ منه أكثر ما في هذا الكتاب.

    أضف إلى ذلك ما ورد في بعض المجلات الأدبية الروسية التي بمكتبة صَدِيق من الروس البِيض، أبى عليَّ أن أذكر اسمه في هذا الكتاب بالرغم مما أدَّاه لي من مساعدة قيِّمة، فقد قرأ معي أكثر ما ورد في هذه المجلات الأدبية، وأطلعني على أهم ما في هذه المقالات، ولا سيما آراء نقاد السوفييت. فله مني النصيب الأوفر من الشكر.

    محمد كامل حسين

  3. #3
    صديق فعال
    الاستعراب الروسي.. معالمه وتوجهاته الراهنة
    عماد الدين رائف
    تابع المستعربون الروس الخطوط الرئيسة للإبداع التي خطّها المستشرقون الروس، مطورين الأفكار المطروحة سابقاً في الدراسات الأدبية، وفاتحين مجالات بحث جديدة مثمرة في العلوم اللغوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

    لا يختلف الباحثون في الاستعراب الروسي بشأن الفتور الذي لحق بمدرسة الدراسات العربية والشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ما خلّف نقصاً فادحاً في أعداد المستعربين والباحثين والمترجمين المتخصصين في شتى حقول الترجمة. بعد وصول الدراسات العربية إلى ذروتها في العقد ما قبل الأخير من الألفية الثانية، سار الخطّ البياني في انحدار تدريجي، لكنه حافظ على جوهره بفضل الجهود الكلاسيكية التي بذلها "الأجداد" في حقول فقه اللغة العربية والقرآنيات والفلسفة والتاريخ والأدب، إلى أن استردت هذه المدرسة أنفاسها في السنوات الأخيرة، عبر المؤسسات الجامعية ومراكز الأبحاث لتأهيل جيل متمكّن من المستعربين، على الرغم من أن العقود الثلاثة الماضية شهدت توجهاً روسياً نحو الغرب.

    اليوم، ومع استمرار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا والمواجهة المباشرة مع الغرب وحملة شيطنة الروس التي تقودها الولايات المتحدة، وبعدما كان الغربيون "أصدقاء" و"شركاء"، اختفى مصطلحا "أصدقاؤنا الغربيون" و"شركاؤنا" من الخطاب السياسي الروسي، وظهر مصطلحا "لا شركاء" و"خصوم"، لكن لم يصل الأمر لاستخدام مصطلح "أعداء" بعد، ومن غير المرجح أن يُستخدم. وربما تكون مدرسة الاستعراب على عتبة مرحلة جديدة، تمنحها زخماً إضافياً يعيد تألقها السوفياتي.

    ما هي معالم مدرسة الاستعراب الروسي؟
    وما هي مهماتها الرئيسة وتوجهاتها الراهنة بما يصب في مصلحة الاتحاد الروسي؟
    هل بات بالإمكان الحديث عن عالم متعدد الأقطاب، وعلامّ ستركز بحوث هذه المدرسة، التي تلعب دوراً استشارياً مهماً في صناعة القرار، وكيف تنظر إلى العالم العربي في المستقبل القريب؟

    معالم المدرسة
    الاستعراب بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، كما جاء في الموسوعة الروسية الكبرى، هو "مجموعة من العلوم الإنسانية التي تدرس تاريخ الشعوب العربية ولغتها وثقافتها". وقد ظهرت الدراسات العربية الكلاسيكية كحقل مستقل للمعرفة في روسيا القيصرية بداية القرن التاسع عشر (قازان، موسكو، سان بطرسبورغ).

    ومع نهاية ذلك القرن بات الاستعراب يضمّ مجموعة معقدة من العلوم تنضوي في ما سمّي بالدراسات الإقليمية العربية، التي لا تغطي الثقافة الروحية فحسب، ولكن باتت في توسع دائم ولا تزال، لتغطي الثقافة المادية للشعوب العربية، والاقتصاد، والموقع الجيوسياسي، والمشاكل الاجتماعية والعرقية والدينية، والجغرافيا والقانون ونظام الحكم، والإعلام العربي والعلاقات الدولية، إلى جانب الدراسات الكلاسيكية القرآنية والإسلامية واللغوية والتاريخية.

    غطّت أعمال أجيال من المستعربين الروس (الأفرودات، البحوث المستقلة، البحوث الحقلية، البحوث الجماعية، المقالات العلمية، المقالات التحليلية، التقارير، المحاضرات...) جميع الحقول المعرفية المشار إليها آنفاً وأغنت مكتبة الدراسات الشرقية الضخمة، ولا يتسع المجال هنا سوى لذكر عدد من الباحثين الذين تركوا بصماتهم على الدراسات.

    إذا ما استثنينا فقه اللغة العربية والمعاجم، ولا يمكننا إلا أن نعرّج على المعجم المرجعي العربي – الروسي لصاحبه اللغوي البارز خارلامبي بارانوف (1892-1980)؛ نجد أن أحد آباء الاستعراب فاسيلي بارتولد (1869-1930) العالم الموسوعي، ومن أعماله "الخليفة والسلطان" (1912) و"ثقافة الإسلام" (1918)، ثم جمعت أعماله في 9 مجلدات (1963-1977). ويحتل تلميذه الأكاديمي إغناتي كراتشكوفسكي (1883-1951) المركز الأول في الدراسات العربية والإسلامية، وقد رأس بالفعل لمدة طويلة مدرسة الاستعراب الروسية. ترك كراتشكوفسكي عدداً كبيراً من الدراسات القرآنية والإسلامية، وعمل على المخطوطات العربية، واشتق نهجاً في البحث الأدبي التاريخي بشأن دراسة الشعر العربي، واضعاً الأسس العلمية لطريقته في محورين: أدبي - جمالي وتاريخي - أدبي، وهي لا تزال تنتهج في الدراسات حتى اليوم.

    كما برز العالم الأكاديمي أغاتانغل كريمسكي (1871-1942)، الذي ترك كماً كبيراً من الأعمال الفريدة في العلوم العربية والتركية والفارسية، وفي التاريخ وتأريخ الأدب، والترجمة من اللغات الشرقية. شغل منصب السكرتير الدائم للأكاديمية الأوكرانية للعلوم في كييف، وتعرض للقمع السياسي فكان مصيره النفي والموت في أحد معتقلات كازاخستان. وطال القمع مستعربين آخرين في ظل حكم يوسف ستالين، منهم من أعدم بالرصاص، مثل: فلاديمير أفيربوخ (1889-1941)، مويسي (موسى) أكسلرود (1898-1939)، ألكسندر الشامي (1891-1938) وزوجته صوفيا راغينسكايا، ونعوم ليشينسكي (1902-1938)؛ ومنهم من قضى في السجن عدة شهور مثل كلثوم عودة فاسيليفا (1892-1965) أو سنوات مثل نينا بيغوليفسكايا (1894-1970)، وأندريه كوفاليفسكي (1895-1969)، وإيساق (إسحق) فيلشتينسكي (1918-2013)، وتيودور شوموفسكي (1913-2012). وقد ردّ الاعتبار إليهم جميعاً في مراحل لاحقة.

    وقد بذلت جهود كبيرة، في مرحلة ما بعد الحرب الوطنية الثانية العظمى (الحرب العالمية الثانية 1941-1945) وصولاً إلى ثمانينيات القرن الماضي، من قبل عدة أجيال من المستعربين على تحقيق المخطوطات العربية ونشرها، خاصة في معهد الدراسات الشرقية في لينيغراد (سان بطرسبورغ) التابع للأكاديمية الروسية للعلوم (الآن: معهد المخطوطات الشرقية). وشملت هذه الدراسات مخطوطات محددة، ودراسات عامة عن المخطوطات وتوصيفها، ودراسات متخصصة بالأدب العربي في أماكن محددة (كالأندلس أو بلاد الشام مثلاً)، أو في حقبة زمنية محددة.

    كما تابع المستعربون الروس الخطوط الرئيسة للإبداع التي خطّها كراتشكوفسكي وكريمسكي مطورين الأفكار المطروحة من قبلهما في الدراسات الأدبية، وفاتحين مجالات بحث جديدة مثمرة في العلوم اللغوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وسارت هذه الجهود مع بروز الحاجة السوفياتية الدائمة إلى مئات من المترجمين المتخصصين باللغة العربية وآدابها وباللهجات، في شتى حقول الترجمة المكتوبة والفورية، المدنية والعسكرية والدبلوماسية، لا سيما مع دعم الاتحاد السوفياتي حركات التحرر الوطني في العالم العربي، وانفتاح جمهورية مصر العربية (ثم الجمهورية العربية المتحدة: مصر وسوريا، 1958)، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1967)، ودعم القضية العربية المركزية العادلة، أي القضية الفلسطينية.

    طالت أعمال المستعربين أنوعاً أدبية مختلفة في تلك المرحلة، برز بينهم بيستي شيدفار (1928-1993) الذي خاض تجربة تقديم وصف شامل لخصائص النظام التصويري في الأدب العربي القديم والوسيط على أساس أعمال الشعر والنثر والقرآن والآثار الأدبية والفكر النقدي في العصور الوسطى. وأبدى اهتماماً كبيراً، شاركته فيه لاريسا بيتروفا، بشعراء الأندلس وأشعارهم. فيما برزت أعمال إيفان تيموفييف (مواليد 1957) عن مصر في القرون الوسطى، وألكسندر كوديلين (موليد 1944) عن الأدب المغربي، بالإضافة إلى الاهتمام المستمر بالصوفية والتصوف، ومنها أعمال إيساك فيلشتينسكي. وبعدما بات الأدب الجغرافي العربي موضوع بحث أساسي على يد كراتشكوفسكي، ظهرت دراسات وترجمات لرحلات، منها أعمال نعمة الله إبراهيموف (مواليد 1945)، وتيودور شوموفسكي (1913-2012). كما درس دميتري فرولوف القرآن كأثر ديني أدبي مؤسساً لعدد من الدراسات اللاحقة في هذا المنحى على أيدي المستعربين الجدد. ولا يمكن أن نغفل عن الدراسات الاقتصادية والاجتماعية المتعمّقة حول سوريا ولبنان والترجمات التي أنتجتها الأكاديمية إيرينا سميليانسكا (1925-2019).

    تجدر الإشارة إلى أعمال الترجمة الأدبية التي شارك فيها معظم المستعربين، بدءاً من القرآن وصولاً إلى الأدب الشعبي والحكايات. فبعدما كانت قد سُجّلت باسم غوردي سابلوكوف (1803-1880) أولى الترجمات العلمية لمعاني القرآن، واعتبرت الأفضل، شكلت ترجمة كراتشكوفسكي حدثاً في الأوساط العلمية والثقافية. أما أول ترجمة شعرية لمعاني القرآن فأنتجها شوموفسكي (1995) ثم تبعتها ترجمة فاليريا بوروخوفا (1940-2019)، لكن الترجمتين كلتاهما تسببتا في ردات فعل متباينة من المسلمين، فكان أن سعى محمد نوري عثمانوف (1924-2015) جاهداً لإعادة صياغة النص بشكل كامل ودقيق معتمدًا على التفاسير (1995).

    روسيا الحديثة
    مع انهيار الاتحاد السوفياتي (1991)، تصدع جسم مدرسة الاستعراب السوفياتية التي باتت محصورة في المراكز والجامعات داخل الاتحاد الروسي، بعدما كانت أذرعها في كييف، ويريفان، وباكو، وطشقند، وغيرها من العواصم. كما شهد العقد الأول من تسعينيات القرن الماضي توقف ماكينة الترجمة والطباعة الضخمة، وبدأت مرحلة من الفتور، وبحث مستميت من قبل المستعربين عن لقمة العيش في ظروف حياتية قاسية. لكن في المقابل، استمر مستعربو الجيل السوفياتي الأخير في العمل بجد للحفاظ على بنية المدرسة حتى الرمق الأخير من حياتهم، ونذكر منهم الباحث في الدراما العربية كمال يونسوف (1931-2009)، وناقدة النثر المصري الحديث فاليريا كيربيتشينكو (1930-2015)، ومؤرخة الأدبين المصري والشامي آنا دولينينا (1923-2017)، والباحثة في الأدب السوري عايدة إيمانغولييفا (1939-1992)، ومحققة المخطوطات الباحثة في الأدب واللهجات العربية أولغا فرولوفا (1926-2015). كما تنتمي مؤرخة التفاعل الثقافي بين العالم العربي وروسيا إلميرا عليزاده (1940-2019) إلى ذلك الجيل الذي أثرى مكتبة الاستعراب.

    بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم تعد هناك موضوعات محظورة أمام المستعربين الروس، وأتيحت لهم الفرصة للتعاون بنشاط مع زملائهم من الباحثين العرب. درس المستعربون مشاكل التنمية الاقتصادية للدول العربية، والبيئة، والأمن الغذائي، وتطوير علاقات السوق، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتطوير وتصدير الموارد الطبيعية وخاصة النفط والغاز... ثبتت صعوبة استكشاف المشاكل المعقدة. فكان من المنطقي إنشاء أعمال جماعية مشتركة جمعت جهود ثلاثة مستعربين فأكثر، بمشاركة علماء جدد يشغلون ميدان الدراسات الشرقية اليوم، مثل فيتالي نعومكين، وفينيامين بوبوف، وفاسيلي كوزنتسوف، وباغرات سيرانيان، وألكسندر فيلونيك، وكثيرين غيرهم.

    كما ظهرت دراسات مونوغرافية وأطروحات عن بلدان عربية محددة، عالجت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الإقليمية، مثل دراسات غالينا سميرنوفا عن ليبيا والسودان، ولودميلا رودينكو عن مصر، وسيرغي ستوليتسكي عن لبنان، ولاريسا زودينا وزويا سولوفيوفا ونيقولاي سوخوف وزوجته يلينا سوخوفا عن المغرب، وفاسيلي كوزنتسوف عن تونس، وإيغور ماتفييف عن سوريا... وقد اجتذب اليمن انتباه المؤرخين وعلماء السياسة وكان محظوظاً بكم من الدراسات، ساهم فيها ميخائيل بيوتروفسكي وأندريه كورتايف، وسار على دربهما آخرون مثل يلينا غولوبوفسكايا، بيوتر غرايزنوفيتش. وبذل ألكسي فاسيليف وفيتالي نعومكين جهوداً بحثية كبيرة حول شبه الجزيرة العربية. ودرس نعومكين لغة السقطريين وأدبهم الشفوي في سلسلة بحوث فريدة، كما غطت أعماله الدراسات الإسلامية والعلوم السياسية والتاريخ وعلم الاجتماع، ومشكلة التطرف الإسلامي، والصراعات العنيفة، والتدخل الخارجي في مجتمعات الشرق الأوسط. وللمرة الأولى في الدراسات الروسية العربية، استخدم نظرية "المجتمعات الشديدة الانقسام" ومصطلحاتها، والمجتمعات متعددة المكونات، والأنظمة السياسية المجزأة.

    تقع المراكز الكبرى للدراسات العربية، بمحتواها الجديد، ضمن الأكاديمية الروسية (السوفياتية) للعلوم في موسكو: "معهد الدراسات الشرقية"، و"معهد الدراسات الأفريقية"، ومعهد يفغيني بريماكوف للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.

    خارج الأكاديمية، يوجد معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في جامعة موسكو الحكومية، والكلية الشرقية في جامعة سان بطرسبورغ، ومعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (جامعة)، والجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب (استعادت مؤخرا اسم باتريس لومومبا)، والمدرسة العليا للاقتصاد، وجامعة قازان الفيدرالية، وهذه المعاهد الجامعية على الرغم من أنها تهدف إلى التعليم العام، إلا أنها تضم ​ضمن كلياتها وأقسامها ​عدداً من الباحثين المستعربين أو المراكز ذات الصلة بالدراسات العربية. في المجموع، تُدرّس اللغة العربية حالياً في أكثر من عشرين جامعة في روسيا، لكن هذا لا يعني أن لدى كل منها مراكز أو أقسام علمية خاصة بالدراسات العربية.

    تنظم المراكز والمعاهد مؤتمرات وندروات ولقاءات سنوية يشارك فيها عدد كبير من المستعربين والمتخصصين في شؤون علمية شتى إلى جانب ضيوف مهتمين بالدراسات العربية، وتصدر أوراق هذه الملتقيات والمنتديات على صفحات المجلات المحكمة والإصدارات الدورية (لا يسعنا ذكر أسمائها وأعمالها، ويمكن الاطلاع عليها عبر مواقع المؤسسات أدناه). يمكننا أن نأخذ مثلاً واحداً، إذ ينظّم مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراق التابع للأكاديمية الروسية للعلوم "مؤتمر المستعربين" سنوياً (نسخته السابعة عشرة عُقدت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي). تستمر فعاليات هذا المؤتمر نحو عشرين يوم عمل، ويتضمن جلسات عامة ومحاضرات وطاولات مستديرة، وعروض أولى للكتب. يعمل على تيسير جلساته التي تنوف عن العشرين أكثر من عشرة علماء، وتقدم فيها أكثر من مئة ورقة بحثية، ويشارك في المؤتمر ككل أكثر من ثمانمئة باحث وطالب دراسات عليا.

    تتناول جلسات المؤتمر التاريخ الكلاسيكي والألسنيات، والنقد الأدبي والأنثروبولوجيا الثقافية، والوقائع الاقتصادية والتحولات الاجتماعية، والعلاقات الدولية والمؤسسات السياسية، والذاكرة التاريخية، ونظرية البحث ومنهجيتها. وتغطي الأوراق البحثية المشاركة مختلف ميادين الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية في البلدان العربية والدراسات العربية الحديثة في روسيا. وتتنوع جنسيات الباحثات والباحثين.

    تسعى الجامعات والمراكز والمعاهد في موسكو وسان بطرسبورغ وقازان إلى عقد مؤتمرات كهذا سنوياً، وقد تتزامن المؤتمرات بعضها مع بعض لوفرة الأوراق البحثية المقدمة فيها. وربما نكون بالفعل على عتبة حقبة جديدة في الاستعراب، وهو ما يعبّر البعض عنه بشاعرية بـ"استفاقة الرأس الأيمن للنسر الروسي"، أي الرأس الذي ينظر إلى الشرق.

    العالم العربي والسياسة الروسية
    اليوم، ينظر الاتحاد الروسي إلى عالم متعدد الأقطاب في المستقبل المنظور، ويدرس المستعربون الروس المكان الذي سيحتله العالم العربي (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) فيه. وبناء على نتائج هذه الدراسات، ستتوجه جهود المستعربين عبر المعاهد والمراكز إلى تناول عناوين محددة بما يخدم مصلحة الاتحاد الروسي. فهل ستكون المنطقة قادرة على الادعاء بأنها أصبحت أحد أقطاب النظام السياسي العالمي؟ أم أنها ستدور في أفلاك تلك الأقطاب؟ وربما ستدخل - كلياً أو جزئياً- في مناطق نفوذ الأقطاب الأخرى؟

    لم يخلص الباحثون إلى إجابة محددة على هذا السؤال بعد، بما يسمح لهم بتكثيف العمل على محور واحد، لكن دراسة العوامل الخارجية والداخلية للتنمية الإقليمية في "نادي فالداي الدولي للحوار" في شباط/ فبراير 2023، سمحت لهم بوضع ثلاثة سيناريوهات، صاغها المدير العلمي لمعهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم فيتالي نعومكين، ومدير مركز الدراسات العربية والإسلامية التابع للمعهد نفسه فاسيلي كوزنتسوف.

    السيناريو الأول، يفترض تحول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مركز مستقل. وتدعم الوحدة الجغرافية للمنطقة هذا الطرح، إلى جانب ما تبقى من قواسم مشتركة، تاريخية وثقافية، ووجود عناصر هوية مشتركة بين الدول الأعضاء فيها. إلا أن الاتجاه نحو تنمية القومية يقلل من أهمية هذه القواسم المشتركة. كما أن غياب قوة مهيمنة في نواحٍ شاسعة من هذه المنطقة، والتشرذم الداخلي المتزايد واختلالات التنمية المتعددة، إلى جانب الضعف العسكري والسياسي للعالم العربي (مقارنة بمراكز القوة الأخرى) كلها تمثل حججاً جادة ضد مثل هذا السيناريو. ومع ذلك، فإذا تحقق هذا السيناريو، يرى الخبراء أن على الاتحاد الروسي تعديل سياسته في الشرق الأوسط. وكانت هذه السياسة في العقود الأخيرة، مستندة إلى قدرة موسكو على "أن تكون صديقة للجميع"، لبناء علاقات إيجابية مع مجموعة متنوعة من الفاعلين الإقليميين. لكن في الظروف الجديدة، عند صياغة المهام، سيكون من الضروري مراعاة التطلعات العالمية للاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط وتشكيل موازين مصالح جديدة في أوراسيا.

    السيناريو الثاني معاكس تماماً، وهو أن يتحول العالم العربي بأكمله "من المحيط إلى الخليج" إلى منطقة هامشية ضخمة في السياسة العالمية. تدعم الصراعات الموجودة هذا السيناريو بالإضافة إلى صراعات أخرى تلوح في الأفق، كذلك الاعتماد الكبير للمنطقة على اللاعبين الخارجيين. فهي، في ظروف تشكيل نظام عالمي جديد، من غير المرجح أن تكون جاهزة للعب دور في تحمل المسؤولية، أي أن ما سيحصل هو تكرار لتجربة القرن العشرين.

    في المقابل، توجود نقاط قوة لدى دول المنطقة التي لا تدعي القيادة على المستوى الإقليمي فحسب، ولكنها قادرة أيضاً على لعب دور عالمي جاد، مع استمرار أهمية الشرق الأوسط على صعيد الطاقة العالمية والنقل العالمي والأنظمة اللوجستية، ما يشهد ضد هذا السيناريو. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هذا السيناريو غير مواتٍ لجميع مراكز السياسة العالمية تقريباً، بما في ذلك روسيا وأوروبا، حيث يرتبط توسع الصراع إلى الجنوب من حدودهما بظهور تهديدات خطيرة جديدة. في ظل الظروف الحالية، يصعب توقع تفاعل مثمر بشأن القضايا الأمنية في الشرق الأوسط بين روسيا والغرب، لكن لا يزال بإمكان الطرفين بذل الجهود لعدم إسقاط المواجهة التي اندلعت بينهما على هذه المنطقة.

    السيناريو الثالث، يقوم على ربط أجزاء من العالم العربي بمراكز سياسية عالمية أخرى، أوروبية (المغرب) وأوراسية (المشرق)، وبناء مركز محلي مستقل للسلطة في منطقة الخليج. يمكن تيسير العمل بهذا السيناريو من خلال نظام النقل واللوجستيات الناشئ والخطوط المتغيرة للروابط الاقتصادية العالمية وعوامل الضعف داخل المنطقة ووجود نقاط نمو في كل دولة على حدة. لا يمكن لتجربة الوحدة الثقافية أو الدينية وحدها، أن تلعب دوراً مهماً في إيجاد مكان داخل عالم متعدد الأقطاب، بل التجربة السياسية أيضاً.

    من الناحية النظرية، يجب أن يساعد تنفيذ هكذا سيناريو في تعزيز أوروبا وأوراسيا، فضلاً عن تسريع تنمية أجزاء معينة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أما إن تطورت الأمور بشكل معاكس، فيمكن نقل المواجهة بين روسيا والغرب إلى الشرق الأوسط، ما سيؤدي إلى تفاقم إمكانية الصراع القائمة بالفعل. أما إذا ما سار ارتباط المغرب العربي بأوروبا والمشرق بأوراسيا بسلاسة إلى حد ما، فإن ما هو مطلوب يتمثل بمراجعة أسس التفاعل بين الحضارات داخل القطبين الجديدين للسياسة العالمية. ومع ذلك، فهذه مسألة مستقبلية بعيدة نسبياً وافتراضية جداً. حتى الآن، كل اللاعبين لديهم اهتمامات مختلفة تماماً. ففي سياق التباين الموصوف في تطور الأحداث في منطقة الشرق الأوسط واستمرار الصراع بين روسيا والغرب، يجب أن تصبح السياسة الروسية في الشرق الأوسط أكثر تكيفاً ومرونة.

    في المحصلة
    تستمر جهود المستعربين الروس البحثية الكلاسيكية، في حقول الدراسات الاستعرابية الكلاسيكية، مثل القرآنيات والعلوم اللغوية والتاريخية، وهي لم تتوقف على الرغم من الفتور الذي لحق بمدرسة الاستعراب بالمجمل لنحو عقدين من الزمن إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد رفد طلاب الدراسات العليا وأساتذتهم في الجامعات الروسية العريقة هذه البحوث بنتاج متنوع. فيما شهد العقد الأخير وفرة في الأعمال البحثية المشتركة، الصادرة عن المراكز والمعاهد المتخصصة بالاستعراب والدراسات الإسلامية في موسكو وسان بطرسبورغ وقازان. طالت هذه البحوث التي صدرت كأعمال مشتركة مختلف المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والطائفية والإقليمية العربية، بالإضافة إلى الأفرودات التي تناولت جملة من المشكلات وخصصت لدولة عربية واحدة.

    اليوم، يقف الاتحاد الروسي على عتبة مرحلة سياسية جديدة بات يُعبّر عنها بالسعي نحو عالم متعدد الأقطاب، ما سينعكس على بحوث مدرسة الاستعراب الحديثة، خاصة إن قدّر فعلاً للسياسة الخارجية الروسية أن تعيد وصل ما انقطع في العقود لثلاثة الماضية، وأن تؤمّن الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية أعداداً كافية من الباحثين الجادين المتمكنين من اللغة العربية ولهجاتها المختلفة.

  4. #4
    المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسان
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 20,313 المواضيع: 6,722
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 18470
    مزاجي: متقلب
    أكلتي المفضلة: كل شي من نفس طيبه
    آخر نشاط: 20/September/2024
    مقالات المدونة: 3
    شكرا جزيلا صديقي

  5. #5
    صديق فعال


    “غونتر غراس”.. الكتابة بدأت بأكاذيب طفولية وانعجنت برؤيته للعالم

    حياته..
    ولد في 16 أكتوبر 1927 في مدينة دانتسيغ، ضمت إلى بولندا بعد الحرب العالمية الثانية. شارك في 1944 في الحرب العالمية الثانية كمساعد في سلاح الطيران الألماني. وبعد انتهاء الحرب وقع في 1946 في أسر القوات الأمريكية إلى أن أطلق سراحه في نفس السنة. درس فن النحت في مدينة دوسلدورف الألمانية لمدة سنتين (1947ـ 1948) ثم أتم دراسته الجامعية في مجمع الفنون في دوسلدورف وجامعة برلين (1946ـ 1956) حيث أكمل دراسته العليا في جامعة برلين للفنون لغاية سنة 1956.

    الكتابة..
    اشتهرت روايته “طبل الصفيح” شهرة عالمية وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة من بينها العربية. وهذه الرواية هي جزء من ثلاثيته المعروفة بـ “ثلاثية داينتسيغ” وتضم أيضا الروايتين “القط والفأر” و”سنوات الكلاب ، 1963 ومن رواياته الشهيرة هناك أيضا «مئويتي» 1999 و«مشية السرطان» 2002.

    جوائز..
    حصل في 1999 على جائزة نوبل للآداب عن دوره في إثراء الأدب العالمي وخصوصا في ثلاثيته الشهيرة «ثلاثية داينتسيغ» وكذلك جوائز محلية كثيرة منها جائزة “كارل فون اوسيتسكي” 1967 وجائزة الأدب من قبل مجمع بافاريا للعلوم والفنون سنة 1994. وفي سنة 2005 حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة برلين.

    من أبرز أعماله..

    روايات:

    ثلاثية داينتسيغ Danziger Trilogie
    طبل الصفيح – Die Blechtrommel) 1959)
    القط والفأر (رواية) Katz und Maus (1961
    سنوات الكلاب (رواية) Hundejahre (1963
    تخدير جزئي (رواية) Örtlich betäubt (1969
    اللقاء في تيلكتي (رواية) Das Treffen in Telgte 1979
    الفأرة (رواية) Die Rättin (1986)
    مئويتي (رواية) Mein Jahrhundert 1999
    مشية السرطان (رواية) Im Krebsgang 2002
    الرقصات الأخيرة (رواية) Letzte Tänze 2003

    مسرحيات:
    الطباخون الأشرار Die bösen Köche 1956
    الفيضان Hochwasser 1957

    اكتشاف الذات..
    في آخر حوار معه أجرته صحيفة الباييس الإسبانية في منزله في مدينة لوبيك شمال ألمانيا ترجمه للعربية “أحمد الزبيدي” ونشر في جريدة المدى، يقول “غونتر غراس” عن كتابة الشعر: “صدر أول كتاب لي في الخمسينيات وكان عبارة عن ديوان شعر مع بعض الرسوم، وبعد فترة كتبت روايتي (طبل الصفيح)، كنت حينها في برلين أدرس النحت، كتبت الرواية فقط لتغيير وسيلة الاتصال، وقد وجدت نفسي في الشعر، لأني أدركت أن تماثل عدة عناصر في الرواية يبعدني كثيرا عما أريد قوله، وكنت أريد اكتشاف ذاتي وأقارن نفسي بنفسي”.
    ويواصل عن فكرة اكتشاف الذات: “بالنسبة لي فإن الأمر كان واضحا منذ فترة مبكرة، لأنني لم أكن متأثرا فلسفيا بهايدجر بل تأثرت بفلسفة ألبير كامو، وهكذا فنحن نعيش الآن ولدينا القدرة على فعل شيء ما في حياتنا، أنها أسطورة سيزيف، التي تعرفنا عليها بعد الحرب، بمرور السنين أدركت أننا نملك الامكانية لتدمير الذات، وهذا شيء لم يكن موجودا، كان يقال أن الطبيعة هي المسؤول الوحيد عن حدوث المجاعات والجفاف، ولكن اتضح أن هناك شيئا ما في مكان آخر مسؤول عن ذلك أيضا، فللمرة الأولى نكون نحن المسؤولين، نمتلك الفرصة والقدرة على تدمير أنفسنا ولم يحدث شيء لتخليص العالم من هذا الخطر، وبالإضافة إلى البؤس الاجتماعي الذي يعم العالم، لدينا الآن مشكلة التغيرات المناخية، التي لا يمكن لأي عقل أن يتخيل عواقبها، تعقد المؤتمرات الواحد بعد الآخر ولكن لا شيء يتغير. في السبعينيات والثمانينيات كتبت روايتين ملحميتين هما (سمكة موسى) و(الفأرة) وفيهما يتبين تماما كلامي عن قدرة الإنسان على التدمير الذاتي”.

    الحياة الشخصية..
    – عن التركيز في أعماله على الحياة الشخصية من (طبل الصفيح) و(تقشير البصل) حتى (مشية السرطان) يقول: “نعم، وقد قصدت ذلك في كتابي الجديد الذي صدر في الخريف وكان عبارة عن نصوص قصيرة أردت أن أبين من خلالها العلاقة الوثيقة بين الشعر والنثر، ففي الألمانية يتم الفصل بين هذين الجنسين الأدبيين، ولكني أردت أن أراهما معا، لأني أعتقد أنهما مترابطان، فالحدود بين الشعر والنثر غير معروفة بالنسبة لي فهما ممتزجان”.
    وعن ما يعنيه العمل له كإنسان يقول: “حين تقرأ كتبي ستعرف كما في قصة تقشير البصلة أنني في سن السادسة عشرة استطعت أن أبقى على قيد الحياة بمحض الصدفة، حيث عشت ثلاثة أو أربعة أسابيع في أيام الحرب، وكان عندي خمسة أو ستة احتمالات للموت كما هو حال الكثيرين ممن كانوا في عمري، وأنا ما زلت إلى يومنا هذا أدرك ذلك، الحقيقة أن العمل يساعدني كلما كان ذلك ممكنا لكي أبرهن لنفسي بأنني مازلت حيا، أنا موجود وما زلت أعيش، أنني ما زلت على قيد الحياة”.

    تاريخ الألم..
    وعن فكرة تاريخ من الألم يقول: “طوال حياتي وإلى اليوم، بقي الشيء نفسه، وما هو مدهش أن ألمانيا هي قصة لا تنتهي، لأن الجرائم المروعة مثل الهولوكوست والإبادة الجماعية ما تزال تؤلف قصة لا تنتهي، نحن نرى الآن ما يجري في اليونان، نحن نواجه مرة أخرى مشاكل الرعب الذي سببه الجنود الألمان أثناء الاحتلال، القصة ما زالت تلاحقنا، لذلك تراني أعود مرة أخرى إلى موضوع الألم.. الألم هو الشيء الرئيسي الذي يجعلني أعمل وأبدع”.

    الصلة بالأم..
    وعن طفولته يقول: “في رواية تقشير البصلة هناك رثاء لأمي، فقد ماتت في عمر السابعة والخمسين جراء مرض السرطان، رأيت والدي وشقيقتي بعد سنتين من انتهاء الحرب، أمي أبعدت من مدينة دانزنغ، ما رأيته هو امرأة مكسورة قد كبرت كثيرا، عندما كنت طفلا كنت احكي لها حكايا من بنات خيالي، ومخيلة الطفولة تكون خصبة جدا، كانت تقول أكاذيب الطفولة، ولكنها في أعماقها كانت تحب تلك الأكاذيب، كنت أقول لها دائما حينما أكبر وتصبح عندي نقود سأسافر بها إلى بلدان رائعة ونفعل الكثير من الأشياء، ولكنها سرعان ما ماتت ، لم أرها حقيقة، ولم أفعل لها شيئا، لقد تألمت عندما قلت إني أريد أن أصبح فنانا، وكان أبي معارضا بشكل كامل لذلك الأمر، وكانت تقف بجانبي ولكنها كانت تتألم، وما زلت متألما ، لأنني لم أستطع أن أفي بأيّ من وعودي لها، وأعتقد أن عندي عقدة نفسية من هذا الموضوع ، ولم أرغب أن أراجع طبيبا نفسيا كانت والدتي مصدر كل ما عندي من إبداع”.
    ويضيف عن آلام الحرب: ” لقد شكلت الحرب العالمية الثانية علامة مميزة، والشيء الأكثر رعبا ومأساوية هو الفترة الطويلة التي استمرت فيها الحرب، لذلك فإن جيلي أكثر تنبها ويقظة للمشاكل التي من حولنا والتي توحي بأننا نمر في حرب عالمية ثالثة، ولكننا لا نستطيع أن نقول متى ستبدأ، الحرب العالمية الثانية بدأت حين دخلت ألمانيا بولندا، ولكن في النهاية فإنها سبق وإن بدأت قبل نهاية الحرب الأهلية الإسبانية، بالنسبة لألمانيا وايطاليا والاتحاد السوفيتي والآخرين فإن الحرب الأهلية الإسبانية كانت فرصة لاختبار أسلحتهم.
    وعندما انتهت عام ٣٩ بدأت الحرب العالمية الثانية في عام ٣٦، بدأت اليابان بالتدخل في منشوريا، ومن هناك نحو الصين، بتلك المذبحة المروعة، أم أن هناك اندلاعا آخر للحرب في آسيا، نحن نتدخل في أوكرانيا حيث لم يتحسن أي شيء في وضعها، العلاقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين تزداد سوء، وهناك الكارثة التي خلفتها لنا أمريكا في العراق، وحشية أعمال ما يسمى بالدولة الإسلامية، ومشاكل سوريا، حيث ما زال الناس يقتلون والأخبار عنها بدأت تختفي حيث لم يعد أحد يكترث بها، هناك حرب في كل مكان، وهناك خطر تكرار نفس الأخطاء من قبل، وما لم نتدارك الأمر، فإننا سنواجه خطر حرب عالمية جديدة”.

    الكتابة أكاذيب طفولية..
    في حوار ثان أجرته معه المجلة الإلكترونية النصف الشهرية «أوكسجين» يقول “غونتر غراس” عن كيف أصبح كاتبا: “أعتقد أن لهذا الأمر علاقة بالوضع الاجتماعي الذي نشأت في ظله. كانت عائلتي من العائلات التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الدنيا، وكنا نمتلك شقة صغيرة مكونة من غرفتين. لم يكن لدي أنا وشقيقتي غرفا خاصة بنا، أو حتى مكانا لنا وحدنا. في غرفة المعيشة، على مسافة من النافذتين، يوجد ركن صغير اعتدت أن احتفظ فيه بكتبي مع غيرها من الأشياء، كألواني المائية وغيرها من مفردات طفولتي. كان علي في كثير من الأحيان أن أتخيل الأشياء التي أحتاجها ولا أستطيع الحصول عليها.
    تعلمت في وقت مبكر جدا أن أقرأ في قلب الضجة، وفي قلب الضجة أيضا بدأت أكتب وأرسم. من النتائج الأخرى لهذه البداية هوسي الدائم بامتلاك المزيد من الغرف. لدي مكاتب في أربعة أماكن مختلفة. يسكنني خوف من العودة من جديد إلى الوضع الذي كنت عليه في شبابي، حيث لم يكن لي من مكان في هذا العالم سوى ركن وجيز من غرفة صغيرة!.
    كنت في طفولتي كذابا كبيرا، ولحسن الحظ أحبت أمي أكاذيبي. كنت أقدم لها الوعد تلو الآخر، وكلها وعود بأفعال عجيبة غريبة. عندما كنت في العاشرة من عمري اعتادت أن تناديني “بير جيينت، بير جيينت”! وكانت تقول لي: ها أنت تقص على هذه الحكايا الرائعة عن الرحلات التي سنقوم بها إلى نابولي وغيرها. وهكذا بدأت بكتابة هذه الأكاذيب وتحويلها إلى قصص منذ نعومة أظفاري. وما زلت إلى الآن أقوم بذلك، أكذب وأكتب ما أكذبه!
    بدأت بكتابة روايتي الأولى عندما كنت في الثانية عشرة من العمر، وكانت عن الكاشوبيانيين. وهي ما أصبح بعد عدة سنوات “الطبل الصفيح”، حيث كانت آنا، جدة أوسكار، كاشوبيانية مثل جدتي. ولكني ارتكبت خطأً أثناء كتابة روايتي الأولى، إذ كانت كل الشخصيات التي قدمتها في الرواية ميتة في نهاية الفصل الأول منها، ولم أتمكن من متابعة العمل بعد ذلك! كان هذا أول درس تعلمته في الكتابة: أن أكون حذرا في خلق الشخصيات ورسم مسارها”.

    طقوس..
    وعن برنامجه اليومي عندما يعمل يقول: “أثناء العمل على النسخة الأولى، أكتب ما يتراوح بين خمس وسبع صفحات يوميا. ويتضاءل هذا العدد ليصل إلى ثلاث صفحات عندما أعمل على النسخة الثالثة، إذ تصبح وتيرة العمل بطيئة جدا في هذه المرحلة.
    لا أعمل في الليل بتاتا. لا أؤمن بالكتابة في الليل لأن الأمر يتم بسهولة بالغة، وغالبا ما تبدو الأشياء في الليل أجمل مما هي في الواقع. وعندما أعود في النهار لقراءة ما كتبته، لا يكون بالمستوى المطلوب. أحتاج إلى ضوء النهار لأنطلق. أتناول إفطارا مطولا بين التاسعة والعاشرة، أقرأ خلاله وأستمع إلى الموسيقى. بعد الإفطار أبدأ بالعمل، وبعد الظهر آخذ استراحة القهوة. ومن ثم أبدأ مجددا، وأستمر في العمل حتى السابعة مساءً.
    عندما أكون في خضم كتابة عمل من قياس ملحمي، تأخذ عملية الكتابة وقتا طويلا نسبيا. قد يستغرق الأمر ما يتراوح بين خمس وأربع سنوات للانتهاء من كل مسودات العمل. يُنجز الكتاب عندما يستنزف كل طاقتي. كان بريخت مدفوعاً لإعادة كتابة أعماله مرة بعد أخرى. حتى بعد نشرها، لم يكن ينظر إليها أبداً على أنها مكتملة.
    لا أعتقد أنني قادر على القيام بذلك. بإمكاني فقط أن أكتب أعمالاً مثل “الطبل الصفيح” أو “من يوميات حلزون” في فترة معينة من حياتي. تولد الكتب نتيجة لما أشعر به وأفكر فيه في وقت معين. أنا على ثقة من أنه لو فُرض على إعادة كتابة “الطبل الصفيح” أو “سنوات الكلاب” أو “من يوميات حلزون”، لكنت أسأت لهذه الأعمال بالتأكيد”.

    النشاط السياسي..
    وعن التوفيق بين نشاطه السياسي وعمله الفني والأدبي يقول: “لا يُعنى الكتاب بعالمهم الداخلي والفكري وحسب، بل هم جزء أيضا من الحياة اليومية بكل تفاصيلها. بالنسبة إلي، الكتابة والرسم والنشاط السياسي هي عبارة عن ممارسات منفصلة عن بعضها البعض، فلكل منها كثافة خاصة به. لكن شاءت الظروف أن أكون متناغما مع المجتمع الذي أعيش فيه ومرتبطا به بشكل وثيق. الثابت في كتاباتي ولوحاتي هو أنها معجونة بالسياسة، سواء كان ذلك بإرادتي أم رغماً عني.
    لا تطفو السياسة على سطح ما أكتبه عن سابق إصرار أو تصميم. جل ما يحدث هو أنني عندما أغوص في موضوع ما للمرة الثالثة أو الرابعة، أكتشف جوانب أهملها التاريخ ولم يأتِ على ذكرها. صحيح أنني ما كنت لأكتب قصة تدور أحداثها فقط حول واقع سياسي ما، إلا أنني لا أرى سببا لإلغاء الجانب السياسي من أي عمل أدبي، وذلك بحكم ما للسياسة من تأثير صميمي على المجتمعات. فهي في النهاية مبثوثة في كل جانب من جوانب حياتنا بطريقة أو بأخرى”.

    وفاته..
    توفي “غونتر غراس” في 13 ابريل 2015 في ألمانيا في إحدى العيادات في مدينة لويبيك الألمانية عن عمر يناهز 88 عاما.

  6. #6
    صديق فعال
    ( قصيدة الأرملة المرضعة )

    كان الشاعر العراقي الكبير / معروف الرصافي جالسًا في دكان صديقه محمد علي، الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد .. بينما كان الرصافي يتجاذب أطراف الحديث مع صديقه التتنجي، وإذا بإمرأة محجبة ، يوحي منظرها العام بأنها فقيرة ، وكانت تحمل صحنًا من (الجينكو)، وطلبت بالإشارة من صاحبه أن يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن، لكن صاحب الدكان خرج إليها وحدثها همسًا، فانصرفت المرأة الفقيرة . هذا الحدث جعل الرصافي يرسم علامات استفهام كبيرة، وقد حيّره تصرف السيدة الفقيرة، وتصرف صاحبه التتنجي معها همسًا ، فاستفسر من صديقه عنها .

    فقال له : إنها أرملة تعيل يتيمين، وهم الآن جياع، وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما خبزًا، فما كان من الرصافي إلا أن يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشًا كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء، وسلمت الصحن للرصافي وهي تقول : " الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن " فرفض الرصافي وغادرها عائدًا إلى دكان صديقه وقلبه يعتصر من الألم .

    عاد الرصافي إلى بيته، ولم يستطع النوم ليلتها، وراح يكتب هذه القصيدة والدموع تنهمر من عينيه كما أوضح هو بقلمه وهذا يعني أن ..

    ( قصيدة الأرملة المرضعة ) كتبت بدموع عيني الرصافي، فجاء التعبير عن المأساة تجسيدًا صادقًا لدقة ورقة التعبير عن مشكلة اجتماعية استأثرت باهتمام المعلمين في المدارس الإبتدائية فيما بعد واعتبروها انموذجًا، جسّد معاناة الرصافي حيث استأثر بموضوع الفقر والفقراء . تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة .

    الأرملة المرضعة - للشاعر العراقي معروف الرصافي :
    لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا === تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
    أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ === وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
    بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا === وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
    مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا === فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
    المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا === وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
    فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا === وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
    كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَـا === فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَـا
    وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا === حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَـا
    تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَـا === كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَـتْ زُبَانَاهَـا
    حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً === كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
    تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا === حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَـا
    قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْـدَامٍ مُمَزَّقَـةٍ === في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَـا
    مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا === تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَـا
    تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ === هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَـا
    مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا === إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَـا
    يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ === كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَـا
    مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ === وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَـا
    يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَـا === تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَـا
    وَيْلُمِّهَا طِفْلَـةً بَاتَـتْ مُرَوَّعَـةً === وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَـا
    تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَـا === وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَـا
    قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَـا === وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَـا
    وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَهـا === بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَـاً مِنْهُمَا آهَـا
    كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَـدَةً === وَمَـوْتُ وَالِدِهَـا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَـا
    هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُـهُ === مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَـا
    حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَـا وَهْيَ مَاشِيَـةٌ === وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَـا
    وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ === أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَـا
    سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا === في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَـا
    هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا === مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِـهِ اللهَ
    ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي === دَرَاهِمَاً كُنْـتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَـا
    وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي === بِأَخْذِهَـا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَـا
    فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَـاءَ رَاجِفَـةً === تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَـا
    وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَـا === كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَـا
    وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَـةٌ === وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَـا
    لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي === مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَـا
    أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ === لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَـا
    هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا === وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَـا
    أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَـةٌ === وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَـا

    هذه القصيدة لا يعرفها إلا الجيل الذهبي.

  7. #7
    من أهل الدار
    جبار علكم
    تاريخ التسجيل: October-2019
    الدولة: الدنمارك
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,277 المواضيع: 385
    صوتيات: 59 سوالف عراقية: 5
    التقييم: 1061
    مزاجي: مزاجي متقلب وحسب الزمن
    المهنة: علم الفلك
    أكلتي المفضلة: اكلتي المفضله طماطه بالدهن
    موبايلي: ايفون عدد 2
    آخر نشاط: 23/May/2024
    مقالات المدونة: 1
    الف شكر على الموضوع وتستحق عليه كل الثناء والاعجاب
    اعتقد ان الموضوع اخذ من وقتك الكثير ربي يعوضك بالاحسن
    تحياتي

  8. #8
    صديق فعال

    إيمي سيزير (1913 - 2008

    إيمي سيزير.. شمس الزنوجة المتوهجة

    رُشِّح لجائزة نوبل 4 مرات، وكان صوت الزنوجة العميق.. تعالوا نتعرف إلى بعضٍ من سيرة إيمي سيزير.


    في الـ26 من شهر تموز/يونيو عام 1913، وُلِد السياسي والشاعر المارتينيكي إيمي سيزير، الذي رُشِّح إلى جائزة "نوبل" للأدب 4 مرات، وكان صوت الزنوجة العميق. وقد ترك دواوين شعرية ومقالات وخطابات سياسية ومسرحيات، منها "مأساة الملك كريستوف"، و"شمس مقطوعة العنق"، و"العبودية والاستعمار"، و"الثقافة والاستعمار". فما هي الاتجاهات الفكرية والسياسية لهذا الشاعر؟ ومن هي أشهر الشخصيات التي مثّلت تحوّلاتٍ في مسيرة حياته المتّسمة بالالتزام والنضال؟

    حياة مديدة خطّها الوعي بقضايا الشتات الأفريقي

    جاء في تقديم أهم عمل أدبي كتبه إيمي سيزير، وهو ديوان "العودة إلى أرض الوطن"، أنّ هذا الشاعر "سليل عبيد سابقين، تمّ ترحيلهم عن وطنهم وحُرِموا من لغتهم وديانتهم وفولكلورهم..."، وفي هذا سبب وجيه ليتحوّل سيزير إلى صف الأصوات الرافضة للواقع، الذي فرض على سكان جُزر المارتينيك، الواقعة في البحر الكاريبي، على اعتباره حفيداً للقادمين من بلد الشمس الحارقة والأدغال، بعد أن جلبهم الرجل الأبيض للعمل في مزارع قصب السُّكّر، وسلّط عليهم قيوداً اجتماعية كبّلتهم طيلة قرون.

    ينحدر سيزير من عائلة متواضعة، إذ عَمِل والده في قطاع الخدمة المدنية وامتهنت والدته الخياطة، وكان جدّه مُدرِّساً فيما أجادت جدته القراءة والكتابة، الأمر الذي مكّن أغلب أحفادها من تحصيل التعليم والالتحاق بالمدارس.

    بعد حصوله على الشهادة الثانوية، التحق سيزير بمدرسة "لويس لوغران"، والتقى هناك بليوبولد سيدار سنغور، ثم ارتقى للدراسة في المدرسة العليا للمعلمين بفرنسا، حيث نال إجازة في الآداب. في شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1934، أسّس مع أصدقاء ربطته بهم مشاغل فكرية وعرقية صحيفة "الطالب الأسود"، التي ظهر على صفحاتها للمرة الأولى مصطلح "الزنوجة"، وكان كذلك من مؤسسي مجلة "مدارات".

    قبل ذلك انضم سيزير إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، وقال عن ذلك: "كنت شاباً متعاطفاً مع اليسار، غير أنني لم أكن أعرف الشيء الكثير عن الشيوعية". غادر هذا الحزب بعد فترة، ليؤسس حزبه الخاص الذي حمل اسم "حزب التقدم المارتينيكي"، وكان من أهم مطالبه ضرورة إرساء حكم ذاتي، ومحاربة الاستعمار والعنصرية، كما عُرِف بمساندته للحركات التحررية في القارة الأفريقية.

    ربطت إيمي سيزير علاقات قوية برموز أدبية وفنية وفكرية، من فرنسا والولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا، أساسها فكرة التحرر الوطني والمضيّ قُدُماً نحو حاضر أكثر إنسانية، وفهماً للكرامة البشرية. لم يتخلَّ سيزير عن منطق الرفض طيلة حياته، فوقف في وجه ما سُمّي "قانون فبراير"، الذي أشاد بفضائل الاستعمار الفرنسي على البلدان الواقعة تحت احتلاله.

    الشعر مهم لكنه غير كافٍ لتغيير العالم

    في حوار معه نشرته جريدة "الإكسبريس" الفرنسية بتاريخ 1 حزيران/يونيو 2004، أجرته الروائية الغوالدلوبية ماريز كوندي، تحدّث سيزير عن علاقته بالشعر وتصوّره لوظيفته الجمالية، حيث اعتبر أنّ الثقافة عموماً سلاح فعّال في وجه القوى المناهضة للحرية، موضحاً أنّها تشتمل على كل ما يتخيّله الإنسان لتشكيل العالم والتكيّف معه بطريقة تجعله يليق بحياة البشر، وتجعل من الموت أمراً مهيناً. كما أكّد على أنّه يؤمن بالثقافة في بُعدها الكوني، مُنبِّهاً إلى ضرورة تجاوزها النظرة الأوروبية الكلاسيكية، التي ترى الرجل الأبيض متفوقاً على الأعراق الأخرى. وتحدّث سيزير أيضاً عن طبيعة الشعر التي تنغمس في الأعماق، وهو ما يتماشى مع نظرته الشخصية، فالشعر يركّز على الجوهر، وهو أعمق من القشرة الأكاديمية المرتبطة بالشهادات، وأعمق كذلك من القشرة الدنيوية السطحية.

    ولعبت الأمكنة سواء في المارتينيك أو في أفريقيا المتخيلة دوراً رئيسياً في توليد نصوص إيمي سيزير، المليئة بالتفاصيل اليومية والتي ترصد عذابات وصوت الرجل الأسود، كما ترسم عالماً موازياً فيه كائنات أخرى تشاركه الوجود، وتلعب دور الرموز والتمثّلات الشعورية والعاطفية، من قلق وسخط وانتظار... وهذه الكائنات تستمدّ حضورها من التصور البدائي لدور الحيوان والجماد وعناصر الكون، في مشاركة الإنسان حمل عبء الوجود واستكمال مغامرته الحياتية في أدق تفاصيلها.

    علاقته ببروتون وسارتر وفانون​

    إن كانت "الزنوجة" كما يتمّ تعريفها عادةً هي مشروع ثقافي يشمل أنشطة فنية ملموسة على أرض الواقع، كما أنّها تمسّ الحقل السياسي أيضاً، فإنّها تُغلّب الرؤية الإنسانية على تلك العرقية والحزبية، وهي تستهدف جميع المضطهدين في الأرض. وعبّر إيمي سيزير عن ذلك بقوله: "أنا من كوكب المضطهدين"، ولم ينفكّ يردّد أنّ ساكن جزر الأنتيل أفريقي تمّ ترحيله عنوة، حيث "الطريق المسدود الذي لا يُستثنى من الجوع والبؤس والقمع"، وكان يقول أيضاً: "لا نولد زنوجاً بل نصبح كذلك"، وكذلك "زنجياً وُلِدت وزنجياً سأموت".

    من المعروف أنّ سنة 1948 مثّلت منعرجاً في تاريخ "الزنوجة"، حيث ساعدت تراكمات الشعر الزنجي والملغاشي المتميز بصرخة الرفض، والذي مثّل أنطولوجيا لا تخضع لثيمات الشعر السائد، المتشكّلة من الترسّبات القادمة من تخوم التلاقي بين العبودية والبؤس وضرورة التحرر منهما، وهو ما عبّر عنه سيزير بقوله: "زنوجتي ليست بقعة قاتمة لميت يغلق عين الأرض النافقة، زنوجتي ليست برجاً ولا كاتدرائية، هي تثقب الأشكال بصبرها الطويل". وقد كان لهذه الحركة أصداء إيجابية في أوساط المثقفين في باريس، فقد ربطت أندريه بروتون علاقة وطيدة بكلٍّ من سيدار سنغور وإيمي سيزير، الذي مثّل ديوانه "دفتر العودة الى أرض الوطن" صدمة جميلة بالنسبة لبروتون، حيث وصفه بقوله: "إنّه أعظم نُصُب غنائي في هذا الزمن". أما علاقة إيمي سيزير بليوبولد سيدار سنغور فتحولت إلى رمز، فقد كان كلا الشاعرين فرانكفونياً مدافعاً عن الهوية الأفريقية باستخدام لغة المستعمر، وكان سنغور بحسب تعبير سيزير "المفتاح الذي سمح له بفهم بلده المارتينيك، وفهم جزر الهند الغربية".

    وفي شريط المخرجة المارتينيكية، أوزان بالسي، المعنون "إيمي سيزير.. كلمة للقرن الـ21"، قال سيزير: "من خلال سنغور واجهت قارة بأكملها، أرضاً لم يكن لديّ فكرة عنها، صورة غامضة ومربكة للغاية. كان هو من أحضر إليّ أفريقيا... هذا كل شيء". وقد امتدت صداقة هذين الكاتبين منذ العام 1932 حتى وفاة الشاعر والرئيس السنغالي وعضو الأكاديمية الفرنسية، ليبولد. س. سنغور. في كتابه "إيمي سيزير وفرانز فانون.. بورتريهات المستقلين"، يتحدّث الأكاديمي الفرنسي بيير بوفييه عن سيزير وفرانز فانون، واصفاً إياهما بأنّهما حاربا الاستعمار وإرث تجارة الرقيق، بدءاً من بلدهما جزر المارتينيك، وكانا شاهدي عيان على عملية التحرر منه.

    إيمي سيزير شاعر الزنوجة الذي ناضل من أجل الحكم الذاتي التفاوضي في بلده، وفرانز فانون الطبيب الذي واجه الهوية المزيفة للمستعمرين في أقاليم "ما وراء البحار" وشمال أفريقيا، وكشفت استشارته النفسية عن وصمة العار التي تُلحقها أفعال المستعمرين بالسكّان الأصليين والمهاجرين من عدة بلدان وتحديداً من المغرب العربي، واستذكر ممارسات الاستعباد، وأصبح بذلك نصير الأجيال المحتجّة. وقد وصلت هاتان الشخصيتان إلى بُعد عالمي في الحياة الفكرية للقرن الـ20، يمنحنا اليوم مقياساً وفهماً لتوقعات وتحديات حقبة ما بعد الاستعمار.

    في مقالٍ له بعنوان "ثورة فرانز فانون"، صدر في 13 أيلول/سبتمبر سنة 1961، وصف سيزير فرانز فانون بـ"الملتزم"، وبأنّه "استخدم عنف اللاعنف، وهو عنف العدل والنقاء والثبات"، ووصف منهجه في مواجهة الاستعمار بأنّه كان "أخلاقياً ونبيلاً"، ووصفه بـ"رجل العاطفة المطلقة". أما جان بول سارتر فقد وصف إيمي سيزير بـ"أورفيوس الأسود"، ووصف شعره بأنّه "الانحدار الدؤوب للزنجي نحو أعماقه". وقد استفاد سارتر من رحلته إلى الولايات المتحدة عام 1945، حيث اكتشف عالم السود والمهمشين الذين يمثلون "أميركا الأخرى"، واكتشف ثراء إنتاجاتهم الأدبية والفنية، ونضالهم لنيل حريتهم، كما فهم باكراً أنّ إيمي سيزير هو "أورفيوس" الذي يطالب بعودة "يورديس" من ظلمة "بلوتو"، إله العالم السفلي، وقد كان سيزير في زنوجته "انتصار النرجس"، بحسب سارتر.

    علاقته بألفريدو لاما وبيكاسو

    انبهر الرسام الكوبي ألفريدو لاما بجزر المارتينيك، التي مرّ بها في طريق رحلته إلى الولايات المتحدة برفقة أندريه بروتون، واستوحى منها عملاً فنياً هو "الدغل". كما توطدت علاقته بسيزير منذ العام 1949، وطلب منه بعد أن أصبح عاجزاً عن الرسم أن يتولّى إكمال مشروع "البشارة"، المتكوّن من عشرات النقوش الكبيرة الحجم، بأن يختار قصائد تناسبها، وقد صدرت مجموعة منها في فرنسا عام 1982، مترافقة مع نصوص شعرية لسيزير.
    من جهته، التقى الرسام الإسباني بابلو بيكاسو بسيزير عام 1948، وذلك خلال مؤتمر السلام في بولندا. وفي العام 1950، صدرت مجموعة "جسد ضائع" لسيزير المكوّنة من 10 قصائد، وقد زينها 31 نقشاً لبيكاسو مع بورتريه رسمه كتتويج رمزي لهذا الشاعر، وقد استُخدم هذا البورتريه في أول مؤتمر للكُتّاب والفنانين السود، الذي انعقد في باريس سنة 1956.

  9. #9
    من أهل الدار
    جبار علكم
    اتذكر تلك القصيده للشاعر معروف الرصافي عندما كنت صغيرا
    اثوابها رثة والقدمين حافية
    والدمع تذرفه على الخدين عيناها

  10. #10
    صديق فعال

    ما لا تعرفه عن الكاتب الأميركي الشهير إرنست همينغوي​

    يصنف الكاتب الأميركي إرنست همينغوي (Ernest Hemingway) ضمن قائمة أهم الروائيين في تاريخ الولايات المتحدة، حيث لعب دوراً هاماً اعتماداً على أسلوب الجبل الجليدي الكتابي في رسم ملامح الرواية الأميركية، مما جعله رمزاً من رموز الأدب العالمي في القرن العشرين.
    وخلال مسيرته الأدبية، نجح همينغوي في تأليف عدد من القصص والروايات الخالدة، ولعل أبرزها "الشيخ والبحر " و"وداعاً للسلاح" و"لمن تقرع الأجراس" و"الموت بعد الظهر".
    وبفضل هذه الإنجازات، كسب المؤلف الأميركي جوائز عالمية كجائزة بوليتزر للأعمال الخيالية (Pulitzer Prize for Fiction) عام 1953 وجائزة نوبل للآدب عام 1954.

    صورة لهمينغوي عندما كان طفلاً

    في المقابل، حظي همينغوي بحياة مليئة بالمخاطر، حيث نجا مرات عديدة من الموت. فقد أصيب بالملاريا والزحار وسرطان الجلد وفرط كوليسترول الدم وارتفاع ضغط الدم، فضلاً عن تعرضه خلال مناسبتين لارتجاج في المخ، وهو الأمر الذي أصابه بصداع مستمر وآلام على مستوى الرأس والأذنين.


    أثناء لقائه بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو

    إضافة لكل هذه الأمراض التي ألمت به، تعرض للعديد من الحوادث الخطيرة، والتي نجا منها بأعجوبة. فأثناء الحرب العالمية الأولى، التحق بمنظمة الصليب الأحمر ليعمل لصالحها كسائق سيارة إسعاف على الجبهة الإيطالية.


    خلال مشاركته بالحرب العالمية الأولى كسائق لسيارة إسعاف

    وفي حدود الثامن من تموز/يوليو 1918، أصيب إصابة بليغة عقب سقوط قذيفة مدفعية بالقرب منه أثناء قيامه بنقل كمية من السجائر والشكولاتة للجنود الإيطاليين. وبفضل هذه التضحية، حصل الكاتب الأميركي على وسام الشجاعة الفضي الإيطالي.

    عقب إصابته خلال الحرب العالمية الأولى

    كذلك نجا همينغوي عام 1952 مرتين متتاليتين من الموت، فأثناء رحلة سياحية نحو القارة الإفريقية، كان ضحية لحادثي طائرة أسفرا عن إصابته ببعض الحروق ومشاكل صحية أخرى رافقته بقية حياته.

    خلال زيارته لإفريقيا

    كما عانى خلال الأشهر الأخيرة من حياته من أعراض نفسية كالاكتئاب والتوهم وجنون الارتياب. ومكث بالمستشفى لفترة من الزمن، تمت معالجته خلالها بالتخليج الكهربائي. وبحسب عدد من الأطباء، عانى همينغوي من حزن شديد بسبب عدم قدرته على الكتابة وتأليف الروايات. وعلى ما يبدو، لم تكن الثروة والمؤلفات وجائزتا نوبل للأدب وبوليتزر للأعمال الخيالية كافية لمنع همينغوي من الانتحار. ففي الثاني من تموز/يوليو 1961 وبعد مضي يومين فقط على مغادرته المستشفى، أقدم على وضع حد لحياته بمنزله بمدينة كيتشوم (Ketchum) بولاية أيداهو عن طريق إطلاق النار على نفسه عند مستوى الرأس باستخدام بندقيته المفضلة. وفارق الحياة عن عمر يناهز 61 سنة تاركاً عشرات المؤلفات الشهيرة.


    قبر إرنست همينغوي

    وأثارت حادثة انتحار همينغوي حيرة العديد من الأطباء، حيث شكك الجميع في وجود أمر وراثي مسبب للاكتئاب لدى الكاتب. فبناءً على التقارير الطبية، شهدت عائلة الكاتب الأميركي العديد من حالات الانتحار بداية من والده عام 1928 وعدد من أشقائه.

    لماذا انتحر إرنست همنغواي؟

    ظلّت أسباب انتحار الكاتب الأميركي إرنست همنغواي موضع نقاش. الكاتب السوفييتي هنري بوروفيك يقدّم فيما يلي شهادته عن ذلك، بحكم صداقته بهمنغواي ومقابلته في كوبا قبل عام من الحادثة.
    تموز/ يوليو هو شهر الكاتب الأميركي الشهير إرنست همنغواي، إذ وُلِد في الـ21 منه سنة 1899، وانتحر في الـ2 منه سنة 1961.
    تعدّدت الفرضيات التي حاولت تفسير خيار الكاتب إطلاق النار على نفسه، وسنحاول هنا الإجابة على سؤال انتحاره في ذكراه الـ62، عبر مناقشة شهادة صديقه الكاتب السوفياتي هنري بوروفيك.
    على هامش الزيارة الرسمية التي قام بها نائب رئيس مجلس الوزراء السوفياتي، أناستاس ميكويان (1935-1966)، إلى كوبا، في شباط/ فبراير من العام 1960، التقى الكاتب الصحافي السوفياتي هنري بوروفيك (1929) صديقه الكاتب الأميركي الكبير إرنست همنغواي للمرة الأخيرة. تلمّست الباحثة الأدبية أولغا شابلونسكايا، ممّا كتبه بوروفيك من مذكراته ومشاهداته، جانباً من الأسباب التي دعت همنغواي للانتحار بعد عام.
    يقول بوروفيك: "دعا الجميع إرنست همنغواي "البابا هيم". عندما كنا عائدَين من الصيد، صاح فتى أميركي يبلغ من العمر نحو 15 عاماً لوالده: "انظر، ها قد أتى سوبرمان!". بدا همنغواي ضخماً بعيون من هم حوله، سواء في الطول أو الروح. سمّاه كثيرون بلقب البابا. أعتقد أن صيادي كوجيمار هم من أطلق عليه هذا اللقب (ظهر ذلك في مشهد من فيلم "العجوز والبحر"). حسناً، وإلا كيف سينادون السيد همنغواي؟ كان عليهم أن يبتدعوا لقباً يُفهم باللغتين الإنكليزية والإسبانية معاً".

    سؤالان أو ثلاثة
    يكتب بوروفيك في مذكراته ما يلي: "التقينا همنغواي في عام 1960، عندما قام ميكويان بزيارة رسمية إلى كوبا. بطبيعة الحال، كنت أحلم بأخذ مقابلة منه على انفراد، على الرغم من أنّني كنت أعرف أنّه لا يحبّ إجراء المقابلات. ومع ذلك، كنت آمل أن أتمكّن من طرح سؤالين أو 3 أسئلة على الأقل. أحضر ميكويان 3 زجاجات من الفودكا هدية لهمنغواي. تعامل إرنست مع الأمر بشكل جيد للغاية. أذكر أنّ إحدى الزجاجات كانت هوريلكا بالفلفل الحار (نوع من الفودكا الأوكرانية). أمسكها "البابا هيم" وبدأ يبحث عن المفتاح، إلا أن زجاجات الفودكا السوفياتية كانت تغلق بالفلين الطبيعي. أخذت الزجاجة من يديه وضربت كعبها براحة كفي، فأطار الضغط الفلينة. بدا الكاتب مسروراً، ومن أجل ترك انطباع في المقابل، هزّ الزجاجة، وألقى رأسه إلى الخلف، وسكب ثلثها في فمه، وتغرغر بما تبقى فيه ثم ابتع السائل الحارق. تظاهرت بالسعادة الكاملة، على الرغم من أن طلاب معهد العلاقات الدولية يجتازون ذلك في عامهم الثاني...
    في نهاية المساء، التفتُّ إلى إرنست همنغواي طلباً للإجابة على سؤالين أو 3، فقال: "سؤالان أو 3، هنري! عندما يهدأ المحيط قليلاً بعد العاصفة سأفعل. سأدعوكم إلى رحلة صيد طوال اليوم".
    ذات مرة، كتب صحفيان فرنسيان أنّ همنغواي سرق صياداً قديماً، زعما أنّه أخبره بحبكة "الشيخ والبحر"، وقام همنغواي بصبّ كل شيء في كتاب ولم يدفع للصياد شيئاً". يتابع بوروفيك: "لم أكن أعرف كل هذا، وقلت بضمير مرتاح: كنت في قرية كوجيمار، وأروني رجلاً عجوزاً قالوا إنّه كان النموذج الأولي لبطلك". أجابني الكاتب ساخطاً: "لم آخذ منه شيئاً لأكتبه! إنّه صياد عديم الفائدة! لمجرّد الحصول على 5 دولارات من المراسلين، يدّعي أنّه ذلك الشيخ". هدأ، وتابع: "الشيخ والبحر هو الكتاب الوحيد الذي كتبته بسرعة ويسر. لا أتذكر عدد الأيام، ولكن حدث ذلك بسرعة كبيرة. في الصباح، وقفت قرب مكتبي وانتظرت باهتمام لأرى ما الذي سيفعله الشيخ. لكن قبل ذلك، فكرت في الأمر لمدة 13 عاماً. بمجرّد وقوع ذلك الحادث في كوجيمار، قررت أن أكتب الرواية". إلا أنّ همنغواي أدرك أنّه لن ينجح، فبدأ في دراسة القرية.
    تُذكِّرنا هذه اللحظة بقول المخرج المسرحي الروسي الكبير قنسطنطين ستانيسلافسكي (1863-1938): "الممثل الذي يقول كلمتين فقط على خشبة المسرح، يجب أن يعرف كل شيء عن الشخصية". في الواقع، يجب أن تكون حقيقة العمل الفني أقوى من حقيقة الحياة، فالفنان يجمع كل "الحقائق" التي يصادفها في الحياة، ويأخذ معرفته وملاحظاته ويخلق حقيقته الخاصة".

    الالتزام والكتابة
    يتابع بوروفيك في مكان آخر: "ذات مرة أراني همنغواي قطعة من الورق خطّ عليها أعمدة مرتبة من الأرقام. أوضح بجدية تامة أن هذه رواية يكتبها. في نهاية كل يوم عمل (كان همنغواي يعمل كل يوم من الخامسة صباحاً حتى الأولى ظهراً)، كان يحسب عدد الكلمات المكتوبة. في المتوسط​​، كتب إرنست همنغواي بين 700 و800 كلمة يومياً، ولكنَّ أحد أسطر الأعمدة تضمّن الرقم 208 فقط، وإلى جانبه ملحوظة "رسائل عمل عاجلة". فكّرت آنذاك أنّ الكاتب، ومنذ زمن بعيد، "باع نفسه، وبات عبداً للانضباط الذاتي"، على حد تعبيره. لا شيء يمكن أن يحول بينه وبين العمل. أثناء الحرب الأهلية الإسبانية مثلاً، جلس في مدريد بمفرده في فندق فارغ، تحت القنابل، وكتب رواية "العمود الخامس"".
    أثناء رحلة الصيد، قال همنغواي لبوروفيك على القارب: "أعرف، سمعتَ أنّي أشرب. أريد أن أشرح لماذا أفعل ذلك. أكتب في الصباح، ثم لكي أتوقف عن التفكير في ما كتبته، أشرب لأستريح قليلاً. يمكنك أن تصاب بالجنون حين لا تتوقف أبداً عن التفكير فيما سيفعله البطل بعد ذلك، وما الذي سيقوله، وبم سيردون عليه".
    في عام 1955، سلّم همنغواي عدة مخطوطات مكتملة إلى خزنة البنك، وأمر بنشرها فقط بعد وفاته. لهذا السبب، بدأت تنتشر شتى الشائعات في الصحافة إثر انتحاره. لكن الكاتب أوضح لبوروفيك: "هناك سبب واحد فقط. لا أعرف كم من الوقت علي أن أعيش. يجب أن أفكر في عائلتي، في كيفية إعالة أبنائي الثلاثة وأقاربي بعد وفاتي". يضيف بوروفيك: "لأكون صريحاً، عندما رأيت همنغواي مع زوجته ماري للمرة الأولى، بدا لي هذا الزواج، بعبارة ملطَّفة، غريباً جداً. بدت مثل عصفور صغير صعب الإرضاء. كانت لدى همنغواي علاقات مع إنغريد بيرغمان، وغيرها من نجمات هوليوود الأخريات. وكانت زوجاته الثلاث السابقات آيات من الجمال. لكن بعد ذلك، عندما تعرّفتُ إلى ماري بشكل أفضل، أدركتُ أنّها صديقة مخلصة جداً له، وأنّها تحبّه حقاً. خلال لقائي معها في نيويورك عام 1966، لاحظت أنّها تستطيع ثني ذراعها اليسرى، ولكن في عام 1960 كانت ذراعها بلا حراك، فقد سحقت كوعها أثناء حادثة سقوط الطائرة. لاحظت ماري نظرتي وابتسمت معلقة: "نعم، أستطيع ثنيها. لكن الأطباء لم يأملوا ذلك". أنقذ البابا يدها. لعدة سنوات متتالية، صباح كل يوم ومساءه، كان يقوم بتدليكها. كان دقيقاً بشكل ملتزم لا هوادة فيه، ولم يفوّت جلسة تدليك واحدة. قال همنغواي لماري: "كوني شجاعة وآمني بالنصر. سننتصر". وانتصرا بالفعل".

    "إن أسعفني الوقت..."
    كان همنغواي ملتزماً، منضبطاً في كل شيء، كان رجلاً قوياً، إلا أنّ مصاعب الحياة تترك ندوباً على المرء، وتتراكم هذه الندوب. حاول همنغواي الانتحار عدة مرات؛ أراد القفز من الطائرة مرة، لكنّه لم ينجح لأنّ بابها لم يفتح. لكن، في عام 1961، تمكّن من ذلك حين أطلق النار على نفسه. ربما كان لديه نوع من الاستعداد النفسي لذلك، فقد أطلق والده النار على نفسه كذلك حين كان في الـ40 من عمره.
    في نهاية حياته، كان إرنست مريضاً جداً، وكان يشتبه في إصابته بسرطان الدم، أو ما يشابهه من الأمراض. يبدو أنّ هذا التشخيص لم يكن له ما يبرره، لكنّه كان يشعر بالفزع، وكان يعاني من تقرّحات على خده. طلب من بوروفيك: "لا تصورني من هذا الجانب". كان أصلع. اعتقد الجميع أنّ الشعر يملأ رأسه، إلا أنّه كان يمشّطه من جانب إلى آخر. بعد لقائنا في عام 1960، غادر همنغواي كوبا بسرعة. لم يكن على ما يرام، انتقل إلى إسبانيا، وانتهى به المطاف في مستشفى للأمراض النفسية. إذا أعدتَ قراءة روايات همنغواي وقصصه، تجد أنّ كل أبطالها رجال أقوياء جسدياً، مفتولو العضلات. بالتالي، لا يمكن أن يكون إرنست همنغواي نفسه ضعيفاً.
    قال لبوروفيك ذات مرة: "الرجل الحقيقي لا يمكن أن يموت في فراشه. ينبغي إما أن يموت في معركة، أو أن يتلقّى رصاصة في جبهته". قال ذلك، وفعله.
    ينهي بوروفيك ذكرياته عن صديقه بالقول: "رحلة الصيد تلك كانت الأخيرة في حياة الكاتب، كما أخبرتني ماري همنغواي. فيها سمعت منه عبارة رددها عدة مرات: "إن أسعفني الوقت لذلك"، أو "إن تمكّنتُ وكان لدي وقت". آنذاك، تبادر لي أنّه يقصد المعنى الحرفي من العبارة. لكن بعد ذلك، في عام 1961، عندما انتحر، ظهر أن لهذه العبارة معنى مختلفاً تماماً.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال