“باولو كويلو”.. الكتابة لديه أن يتقاسم روحه مع الآخرين
“باولو كويلو” روائي وقاص برازيلي. تتميز رواياته بمعنى روحي. كما يعتمد على أحداث تاريخية واقعية لتمثيل أحداث قصصه. أصبح في 2007 رسول السلام التابع للأمم المتحدة.
حياته..
ولد في ريو دي جانيرو عام 1947. نشأ في أسرة متدينة محافظة، ولم يقبل والده المهندس رغبة ابنه في أن يصبح كاتبًا، لأنه لم يرَ أي مستقبل في هذه المهنة. في الطفولة والمراهقة اتسمت شخصية “كويلو” بالتمرد والانطوائية، كان شغوفا بالمطالعة والكتابة، مما جعل والديه يدخلانه مصحة للأمراض العقلية، هرب منها ثلاث مرات قبل وصوله لسن العشرين، وقد وصف “كويلو” فعله بأنّه بدافع الخوف وليس الكره، فالبلاد كانت تمر بأوضاع سيئة وكان الخوف من المستقبل مسيطرا عليه، لم يتمكن من فهم اختلافه، فنعتوه بالجنون.
انساق “كويلو” إلى رغبة والديه، ودرس القانون، لكنه ترك الجامعة بعد إتمامه للسنة الأولى، انضم بعدها إلى حركة تدعى «هبكيز»، وهي حركة حرصت على خلق جو عشوائي ثائر، متمرد على القوانين المجتمعية ومعهم سافر إلى بلدان عدة، ثم عاد إلى البرازيل وبدأ في كتابة الأغاني لفنانين مشهورين، تعرض للسجن أكثر من مرة، لأن كلمات الأغاني تضمنت ما وُصف بالميل إلى اليسارية المغرضة.
قبل أن يتفرغ للكتابة، كان يمارس الإخراج المسرحي، والتمثيل وعمل كمؤلف غنائي، وصحفي. وقد كتب كلمات الأغاني للعديد من المغنين البرازيليين أمثال إليس ريجينا، ريتا لي راؤول سييكساس، فيما يزيد عن الستين أغنية.
اكتسب ولعه بالعوالم الروحانية بدء منذ شبابه كهيبي، حينما جال العالم بحثا عن المجتمعات السرية، وديانات الشرق. نشر أول كتبه عام 1982 بعنوان «أرشيف الجحيم»، والذي لم يلاق أي نجاح. وتبعت مصيره أعمال أخرى، ثم في عام 1986 قام كويلو بالحج سيرا لمقام القديس جايمس في كومبوستيلا. تلك التي قام بتوثيقها فيما بعد في كتابه «الحج». في العام التالي نشر كتاب «الخيميائي»، وقد كاد الناشر أن يتخلي عنها في البداية، ولكنها سرعان ما أصبحت من أهم الروايات البرازيلية وأكثرها مبيعا.
يعيش “كويلو” مع زوجته في جنيف، ويعد من أكثر الكتاب تفاعلًا على منصات التواصل الاجتماعي، «إذا أردت ريشة بيضاء اليوم فهذه علامة أنني يجب أكتب»، طريقة اتبعها “كويلو” للتغلب على تأجيل الكتابة، حيث عثر على ريشة بيضاء ذات يوم على نافذته، وبدأ الكتابة في ذلك اليوم، وخلال السنوات الثلاثين الماضية بدأت كتاباته بهذه الطريقة؛ إشارةٌ بوزن الريشة حملت القراء إلى عالم مليء بالخيال والإبداع، وصنعت من “كويلو” كاتبا من الوزن الثقيل.
محاربة القهر..
في حوار معه في مصر في اتحاد الكتاب في القاهرة يقول “باولو كويلو” عن القراء: “قرائي هم الذين يحاربون القهر، أكتب للذين حتى لو مروا ببعض الصعاب فلا ينسون كلمة الحرية، أكتب للنور، قرائي يعرفون أن هناك قهرا ولكنهم يقفون ضده”.
ويضيف “كويلو” أن: “الكاتب يستطيع أن يحافظ على كنز بألا يعجز أمام الهزيمة أو النجاح. قررت أن اتفرغ للكتابة التي أعيش من عائدها مادام هذا حلمي فيجب أن أحققه. والقارئ في نهاية المطاف بعيدا عن الملايين التي يتم ضخها في صناعة النشر هو الذي يدعم الكاتب. أحيانا أمر بفترات شك مثل كل الناس”.
الحضارات القديمة..
في حوار ثان معه أجرته “نجوى بركات” يقول عن الانجذاب إلى الحضارات: “بسبب سحر الحكاية. أثناء طفولتي، كنت مولعًا بقصص ألف ليلة وليلة. لم أكن أفهمها كلية، ولكني كنت مسحورا بما تتضمَّنه من رؤية إلى الواقع وإلى الحياة. أيضا كان هناك أستاذ برازيلي أطلق على نفسه اسما عربيا: مالبا طحان. كان ينشر كتبا تعبر عن ولعه بالثقافة العربية. قراءتي هذه الكتب، شكلت لحظة مهمة جدا في حياتي كمراهق، لأنها جعلتني أكتشف أن الخيار مفتوح أمامي لاكتساب معارف أخرى موجودة خارج ثقافتي البرازيلية. هكذا وقعت في حب الثقافة العربية. بالنسبة لي، الخيميائي كتاب عن الإسلام. أنا لا أدَّعي بأني أعرف الإسلام بعمق، لكني أعرف أنَّ الثقافة العربية جلبت الكثير إلى العالم في ميادين الفن والعلم والفلسفة والطب.
منحتني نظرة أخرى إلى الحياة، مزيدا من الانفتاح. ربما لأنها ثقافة قريبة من الصحراء، فهي تساعد على تبسيط الأمور من دون الوقوع في فخ التسطيح. منذ أن بدأت احتكاكي بالثقافة العربية، بدأ الإلهام يأتيني بسهولة. الثقافة العربية تقيم اعتبارًا كبيرًا للأمور الخفية، لما هو غامض وسري. أنا ككاتب أحتاج إلى مثل هذه الرؤية المخالفة، إلى مثل هذا الفضاء”.
الثقافة البرازيلية..
ويواصل عن ثقافته البرازيلية: “الثقافة البرازيلية مختلفة عن الثقافة اللاتينية الأميركية، لأنها مكوَّنة من مزيج تلتقي فيه أوروبا وآسيا وأفريقيا. لا أدري إذا كنت تعرفين مثلاً بأن عدد اللبنانيين في البرازيل يفوق عددهم في لبنان نفسه، وأنهم شعب ساهم في شكل فاعل، في هذا المزيج الثقافي الذي أكسبني ميزة أساسية هي حس التسامح والانفتاح على الآخرين. البرازيل، بالنسبة إلي، رمز يكسر الحواجز القائمة بين الناس، وخاصة تلك التي تشكل فاصلا بين عالم واقعي ملموس وواقع غير ملموس متشكل من الانفعالات. وهذا ما أسعى إلى تحقيقه في رواياتي”.
تمرد الشخصيات..
وعن تمرد الشخصيات داخل رواياته، يقول: “التمرد مهم جدا لدى الشباب. أعتقد أن على جميع الناس أن يقوموا بإشعال الحرائق حين يكونون في العشرين من العمر، وأن يتحوَلوا إلى رجال إطفاء حين يبلغون الأربعين. التمرد صحي لأنه يساعدنا على إيجاد مكاننا الخاص، حتى ولو اكتشفنا فيما بعد أن الكبار كانوا على حق. ما هو التمرد؟ إنه النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، وهذا مهم جدا. وإلا صدقنا كل ما يقال لنا وخسرنا فرصة معاينة الأمور بأنفسنا والخوض في تجارب خاصة تجعل منا الكائنات الفريدة التي هي نحن. أنا أتحدث عن التمرد في بعده الفلسفي، بمعناه المجازي.
الكتابة..
وعن الكتابة يقول: “باولو كويلو، الرجل الذي عاش كثيرا، من يكتب. لكني ما زلت قادرا على التواصل مع الطفل الذي في داخلي، على رغم أني أضعته في مرحلة ما كنت أعتقد خلالها أن علي الابتعاد عنه ونسيانه. هذا ليس مرتبطا بالطفولة، بقدر ما هو متمثل بالقدرة على النظر إلى الحياة كمعجزة يومية. باولو الطفل ينظر، وباولو الرجل يكتب من خلال الغوص في بحره الدفين ليكتشف نفسه. المدهش هو أني في كل مرة أقوم بهذه العملية وأكتب كتابا، ألتقي برجل هو أنا، يلتقي به ملايين القراء. تصوَري أني بعت 37 مليون نسخة من رواياتي، هذا إذا ما وضعنا جانبا إصدارات القرصنة. أنا صادق مع ذاتي، لذلك أستطيع ربما مقاسمة هذا الجزء من روحي مع ملايين القراء من مختلف الثقافات.
الكتابة هي أن أعيش حياتي وأن أتقاسم روحي مع الآخرين. باستطاعة كل منا، أيًّا كان مجال عمله، أن يقوم بالشيء نفسه. الشرط الإنساني يطالبنا بأن نشرك الآخرين في نظرتنا إلى الحياة، سواء كان ذلك من خلال تصميم حديقة، بناء الأهرامات أو طهو الحلويات، طالما أنها مصنوعة بحب”.
طقوس الكتابة..
في حوار ثالث معه في موقعه على شبكة الإنترنت ترجمة “محمد خضر” يقول “باولو كويلو” عن طقوس الكتابة: “عندما أشعر أنني أخيرا أريد أن أكتب عملا جديدا فإني أقرر له خطة كتابية من أسبوعين إلى شهر، قبل النوم أكون قد قررت أن أصحو صباحا مبكراً وأن أكرس وقتي كله لأبدأ بكتابة الرواية، انقطع لشيء وحيد ربما وهو تصفح شبكة الإنترنت على كمبيوتري ثم أنهمك في الأعمال الخاصة وأعود عند الخامسة بعد أن أصحو لأبقى قليلا على الكمبيوتر، أقرأ الأخبار وأزور موقعي وأقرأ ”الإيميلات”، ثم يحين وقت العشاء وأكون في غاية الذنب لأني أهدرت بعضاً من الوقت، وأخيراً أقرر أن أبدأ..
السطر الأول قد يأخذ قليلاً من الوقت ولكن سرعان ما أغرق في الحكاية والتفاصيل والأفكار والتداعيات، زوجتي تطلب مني أن أغادر إلى الفراش ولكن لا أستطيع فأنا بحاجة إلى وقت لإنهاء الخطة ثم الفقرة ثم الصفحة وأبقى على هذا المنوال حتى الساعة الثالثة صباحاً، عندها أقرر أخيراً أن أغفو.. أضع رأسي على الوسادة وأكون قد أقسمت أن أصحو في اليوم التالي مبكراً وأن أكتب طوال اليوم ولكن هذا لا طائل منه ولا فائدة. في اليوم التالي أصحو في وقت متأخر وتأخذ الدورة مجراها من جديد”.
رواية الجاسوسة..
في حوار آخر معه يقول “باولو كويلو” حول رواية “الجاسوسة”: “ماتا هاري إحدى إيقونات الجيل الوجودي فتاة سيئة، مختلفة، غريبة، ترتدي كل الفساتين الخيالية ونحن جميعا مفتونين بجمالها. وبعد أربعين سنة وأنا أتناول العشاء هنا في جنيف في سويسرا مع محامي ذكر لي عدة قضايا عن الناس الأبرياء الذين أدينوا بعقوبة الموت خلال الحرب العالمية الأولى، وهذه الأشياء لا نعلم بها إلا الآن لأنهم أخفوا الكثير من الوثائق عن فترة الحرب. ماتا هاري إحدى هذه الأمثلة التي ذكرها ولأنها كانت دائما ذات أهمية لي، قمت ببحث سريع عنها على الانترنت فور عودتي للبيت.
قادني هذا البحث إلى الكثير من الوثائق ومعلومات أكثر عنها. في اليوم التالي اشتريت بعض الكتب وقضيت كل نهاية الأسبوع أقرأ عن ماتا هاري. في ذلك الوقت لم أكن أدرك أنني أقوم بإنجاز بحث لمشروع كتاب. أدركت فقط ذلك عندما قررت جازما أن أمارس تمرينا خياليا وأضع نفسي مكانها.
الشيء الأكثر غرابة هو كيف تمكنت امرأة تعرضت للإساءة حتى صارت في العشرين من التغلب على أوضاعها وتصبح ما صارت عليه. أما فيما يخص الحقبة الباريسية الجميلة، فقد كانت حقبة “كل شيء فيها ممكن”. لقد أرهقتني تلك الفترة وقد رغبت أن يركز الكتاب على شخصية واحدة محورية. هناك ميل دائم لدى الكاتب للوصف الكثير. لذلك أعطيت فكرة عن عصرها ثم حاولت ألا أثقل على القارئ بالمعلومات”.
وعن شعوره وهو يكتب من وجهة نظر ماتا هاري يقول: “صارت رفيقتي في الليل والنهار خاصة عندما كنت أقرأ عن الحقبة التي عاشت بها. ثم، ولمعرفتي بها، بدأت أفهم كيف تبرر مواقفها.
كانت ماتا هاري سيدة مشهورة واكتسبت أيضا الشهرة كامرأة قدرها مشؤوم . لقد حصلت على شهرتها بالكذب والموهبة. و الدروس التي يمكن أن نتعلمها من هذه المرأة:
أن لكل حلم ثمن.
وأنه عندما تتجرأ على أن تكون شخصا مختلفا، كن مستعدا لهجوم الآخرين عليك.
وأنه عندما تواجه العالم الذكوري الذئبي، يمكنك أن تتغلب عليه بالمراوغة”.