يقع قضاء الزبير إلى الجنوب الغربي من مدينة البصرة، وعرف قديما بأنه محطة استراحة المسافرين بجوار قبر الصحابي الجليل الزبير بن العوام
جانب من فناء جامع الزبير الذي يعود تاريخه لأكثر من ألف عام
كانت البصرة أولى المدن التي بناها المسلمون خارج الجزيرة العربية، وذلك في العام الـ 14 للهجرة، وظلت على مدى قرون مقصدا لكثير من التجار وطلبة العلم والباحثين عن المعرفة، لذا ضم ثراها رفات آلاف من الأعلام والشخصيات المعروفة خلال 1400 عام.
وإلى الجنوب الغربي من هذه الحاضرة العتيقة تقع مدينة الزبير، التي عرفت بأنها محطة لاستراحة المسافرين بجوار قبر الصحابي الجليل الزبير بن العوام. ثم تحولت بمرور الوقت إلى بلدة صغيرة قصدتها قبائل عربية من الجنوب والشمال واستقرت بها، لتصبح نهايات العهد العثماني أشبه بإمارة يحكمها شيوخ مفوّضون من والي البصرة.
ويقول عبد القادر محمود، وهو أحد أصحاب المحلات في سوق المدينة، إن الجامع ارتبط بوجدانهم منذ الطفولة، وكانوا يلجؤون إليه عندما تتردى الأوضاع الأمنية طلبا للحماية، وخاصة عقب عام 2003، مما أكسبه رمزية كبيرة لدى الأهالي.
في حين يطالب محمد السعدون، وهو من أهالي المدينة، بتحويل الجامع إلى وجهة للسياحة الدينية، وخاصة للقادمين من خارج العراق، مما يسهم في تعريف العالم به أكثر، وإنعاش الاقتصاد المحلي، وإيجاد فرص عمل لشبابها الذين يعانون البطالة.
ضريح الصحابي الزبير بن العوام من الداخل
أيقونة المدينة
وقد تعامل الساكنون في البلدة مع جامع الزبير بن العوام -الذي بني عام 386 للهجرة- بكثير من الإجلال والاحترام، حتى بات أيقونة تمثل المدينة، وملتقى لأهلها في أفراحهم وأتراحهم ومناسباتهم العامة.
ويحكي إمام الجامع عامر العثمان عن ارتباط هذه المدينة بقبر الصحابي الزبير بن العوام، والتقدير الذي يحظى به بينهم، حيث "يتبرك أهلها القدماء بوجود ضريحه ويزورونه باستمرار للصلاة في مسجده" الذي ظل محط التقاء سكان المدينة في مختلف المناسبات والشعائر الدينية.
وفي رمضان من كل عام تتزايد أعداد المصلين فيه، وخاصة في العشر الأواخر التي تشهد حضورا نسائيا كبيرا لإقامة صلوات التراويح، ويشهد عدة مناسبات تقام فيه، مثل إحياء ليلة الـ27 من رمضان "ليلة القدر" وحفل ختم القرآن بالدعاء وقراءة بعض الموشحات الدينية، ثم توديع الشهر باحتفال مركزي تشارك فيه كل مساجد المدينة، وسط أجواء روحانية تعود عليها الأهالي.
ويشير العثمان إلى أن الجامع حظي باهتمام العديد من الملوك والسلاطين، وخاصة زمن الدولة العثمانية التي تأسست في عهدها مدينة الزبير عام 1003 للهجرة، إثر هجرة مجموعات متفرقة من سكان نجد واستقرارهم في المنطقة، لأسباب اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية، بحسب تعبيره.
ورغم كونه أحد أهم الصروح التاريخية في البصرة التي يعود تاريخها لنحو 4 قرون ونصف القرن فإن الجامع عانى خلال السنوات الأخيرة من قلة الاهتمام وبطء عمليات الترميم والإعمار، لكن الفترة القادمة ربما تشهد مزيدا من الاهتمام به، وفق ما يرى العثمان.
ضريح التابعي الحسن البصري في المقبرة التي تقع قرب جامع الزبير
معالم تحيط بالجامع
وتضم المدينة عددا من المعالم التاريخية والتراثية الأخرى القريبة من الجامع، مثل ضريح الصحابي طلحة بن عبيد الله، بالإضافة إلى مقبرة الحسن البصري، التي يعود تاريخها لأزمان سبقت تأسيس المدينة.
وتضم في ثراها رفات أعداد كبيرة من التابعين والعلماء والأدباء الذين سكنوا البصرة عبر القرون، ومن بينهم الحسن البصري ومحمد بن سيرين ورابعة العدوية والشاعران الفرزدق وبدر شاكر السياب وغيرهم، ويواظب كثير من سكان المدينة على دفن موتاهم فيها حتى اليوم.
وعرف الجامع عبر تاريخه بنشاطات دينية وتوعوية على مدار العام، كما يقول الأكاديمي والباحث التراثي عبد الباسط الدرويش، الذي يضيف أن الأهالي كانوا يرسلون أبناءهم الصغار لتعلم القرآن الكريم فيه والقراءة والكتابة قبل ظهور المدارس الحديثة.
وبعد ظهور التعليم الحديث، ظلت حلقات الجامع تستقبل أطفالا من أعمار مختلفة لحفظ القرآن وتعلم بعض الأحكام الدينية في الدورات الصيفية التي تقام كل عام.
ويلفت الدرويش إلى أن الجامع كان الأساس الذي بنيت عليه المدينة، وارتبطت به عاداتها وتقاليد أهلها التي اندثر بعضها وبقي بعضها الآخر حيا، ولا تزال ليالي رمضان في الزبير ذات نكهة وطابع مختلف عما يجاورها من المدن، على حد قوله.
ويحكي الباحث التراثي عن بعض هذه التقاليد المرتبطة بالجامع حتى يومنا هذا، ومن بينها الاحتفال بالحاج قبل ذهابه إلى الديار المقدسة وعند إيابه، حيث يقيم الأهالي احتفالا بهذه المناسبة، يكون في كثير من الأحيان داخل حرم الجامع، ويشهد تأدية بعض الأناشيد الدينية وتوزيع الحلوى والمأكولات، في تقليد ما زال يقاوم للبقاء، وهو ما يحرص كبار السن في قضاء الزبير على توريثه لأبنائهم وأحفادهم.