الحقوق التي يجوز كسبها بالتقادم : إن الحقوق التي يجوز كسبها بالتقادم هي تلك التي ترد عليها الحيازة , و عليه : يجوز أن تكتسب بالتقادم الحقوق العينية الأصلية ، و كذا الحقوق العينية التبعية ، التي تتطلب حيازة الدائن للشيء المثقل بالحق . و بوجه عام : يشترط لجواز كسب الحق بالتقادم أن يكون قابلاً لأن يصبح ملكاً خاصاً ، و ألا يكون هناك نص آمر يحرم كسبه بالتقادم ، و في ضوء هذا المعيار يتعين عدم تطبيق التقادم المكسب على الحقوق التالية : 1 ـ إن الأموال العامة ، و هي خارجة عن التعامل أصلاً ، لا تصح حيازتها ، و بالتالي لا يجوز تملكها بالتقادم : وعليه فالعقارات المتروكة المحمية ـ وهي من الأملاك العامة ـ لا تصح حيازتها ، و بالتالي لا يجوز تملكها بالتقادم . // من الهامش : تنص المادة 926 مدني على ما يلي : " لا يكتسب بالتقادم أي حق على العقارات المتروكة المحمية و المرفقة "//. و يلاحظ أن الأشخاص الذين سبق لهم أن اكتسبوا قبل تاريخ 10 / 6 / 1925 حقوقاً على الأملاك العامة بحكم العادات المحلية , أو بموجب سندات قانونية ، يبقى لهم هذا الحق عملاً بالمادة الثالثة من القرار رقم 144 تاريخ 10 / 6 / 1925 ( مثال ذلك : اكتساب حق سطحية أشجار زرعت على حرم مجرى النهر العام ، وحق سطحية أبنية أو ركوب بالبناء فوق الطريق العام ( السيباط ) ، أو حق ركوب بالبناء فوق مجاري المياه العامة ) . // من الهامش : ينص القرار 144 لعام 1925 على أن : " الأشخاص الذين لهم على ملحقات الأملاك العامة ... حقوق ملكية أو تصرف أو انتقاع , بحكم العادات المتبعة أو سندات قانونية ونهائية قبل وضع هذا القرار موضع التنفيذ , لا يمكن انتزاعها منهم ، إذا أحوجت إلى ذلك المنفعة العامة , إلا بعد دفع تعويض عادل و فوري "// . فهذه الحقوق التي اكتسبها الأفراد على الأملاك العامة قبل نفاذ القرار 144 ـ أي قبل تاريخ 10 / 6 / 1925 ـ هي حقوق أقرها القرار المذكور ، و احترمها إذا ما ثبت أنها اكتسبت فعلاً قبل نفاذه . ويعرف ذلك ، عند وجود النزاع ، عن طريق معرفة عمر البناء أو الشجرة بوساطة خبير . 2 ـالعقارات الوقفية المستعملة مسجداً أو كنيسة أو مستشفى أو معهداً تعليمياً ، و المخصصة لاستعمال العموم لهذه العقارات ، كما هو ظاهر ، تنزل منزلة الأموال العامة ، لذا لا يجوز اكتساب أي حق عيني عليها بالتقادم . 3 ـإن الحقوق العينية التي حظر إنشاؤها ، و أصبحت بذلك خارجة عن التعامل كحق السطحية , و الوقف الذري ، والوقف المشترك ، لا يصح اكتسابها بالتقادم . 4 ـ إن أملاك الدولة الخاصة الخاضعة لإدارة أملاك الدولة لا يجوز كسبها بالتقادم ، ذلك لأن الحكومة و الهيئات الاعتبارية مهما أحكمت الرقابة و الإشراف على هذه الأملاك ، فإن ذلك لن يمنع الغير من تملكها عن طريق وضع اليد عليها ، كالعقارات المتروكة المرفقة والأراضي الموات . و على هذا نصت المادة 925 بقولها : " لا يسري التقادم على الحقوق ... التي هي تحت إدارة أملاك الدولة " . أ ) ـ العقارات المتروكة المرفقة : و يقصد بها العقارات التي تخص الدولة ، و التي يكون لجماعة ما حق استعمال عليها ، تحدد ميزاته و مداه العادات المحلية أو الأنظمة الإدارية , كالبيادر والمراعي المخصصة منذ القديم لانتفاع قرية أو قرى متعددة ، و المحتطبات ، و الأحراج غير الجارية في تصرف أو تملك الأفراد . و قد خصتها المادة 926 بالذكر إذ نصت على أنه : " لا يكتسب بالتقادم أي حق على العقارات المتروكة ... المرفقة ". أو أو و على هذا أيدت محكمة النقض ، ما ذهبت إليه محكمة الموضوع من حيث إبطال تسجيل قسم من عقار على اسم المتصرف به ، لأن هذا القسم عبارة عن قطعة أرض ذات أشجار حراجية ، وأن ذلك يجعله خارجاً عن حدود التصرف المكسب . ب )ـ الأراضي الخالية المباحة أو الموات : ينص المرسوم التشريعي 135 لعام 1952 على أن : " الأراضي الموات تتبع إدارة أملاك الدولة ، و تخضع لأحكامها ، و لا يسري عليها التقادم ، ولو لم تكن مسجلة في السجلات العقارية ، أو في دفاتر التمليك باسم الدولة " ، كما تنص المادة الثانية منه على أن : " وضع اليد السابق لصدور هذا المرسوم التشريعي على كافة الأراضي غير المسجلة نهائياً في دفاتر التمليك ، أو السجلات العقارية , لا يعد مكسباً حق التصرف " . و ظاهر من هذا النص أن الأراضي الموات تعد من أملاك الدولة الخاصة ، وتخضع لإدارتها ، و لم يعد يجوز تملكها بالتقادم المكسب . // من الهامش : سبق أن منع المشرع السوري ( م 835 مدني ) اكتساب أي حق من الحقوق العينية على عقار خاضع لإدارة أملاك الدولة عن طريق الاستيلاء . وها هو هنا في المرسوم التشريعي 135 لعام 1952 يمنع هذا الاكتساب عن طريق التقادم //. 5 ـحظر سماع دعاوى التصرف والتقادم المكسب من غير السوريين : نص قانون صيانة أملاك الدولة رقم 84 لعام 1955 على أن : " دعوى التصرف لا تسمع إلا من شخص سوري مولود من أب سوري ، أو مضى على تجنسه في الجنسية السورية مدة لا تقل عن 10 سنوات " . و على ذلك ، يمتنع على غير السوريين أن يدعوا بحق التصرف بالعقارات و تملكها بالتقادم المكسب . 6 ـ أراضي البادية غير المروية : حظر المرسوم التشريعي رقم 140 لعام 1970 اكتساب أي حق من الحقوق العقارية في أراضي البادية غير المروية , وعد الحيازة الواقعة قبل صدوره غير مكسبة لحق التصرف في تلك الأراضي . و بذلك قضت الفقرة الأولى من المادة الأولى منه بقولها : " لا يعتبر وضع اليد على أراضي البادية غير المروية قبل صدور هذا المرسوم التشريعي مكسباً لحق التصرف ، أو القرار ، أو التفويض ببدل المثل . و يمنع اكتساب أي حق من الحقوق العينية على هذه الأراضي " . و يرمي المشرع من وراء هذا الحظر إلى حماية المراعي ، و تخصيص أراضي البادية غير المروية لأغراض رعي المواشي ، و تربية الحيوان ، و مشاريع التحريج والغابات . و قد استثنى المشرع من الحظر آنف الذكر العقارات الآتية : أ ـ العقارات التي اكتسب أصحابها حقوقاً عينية عليها بموجب قرارات قضائية مبرمة ، قبل تاريخ 20 / 7 / 1970 . ب ـ العقارات المسجلة في السجلات العقارية أو في دفاتر التمليك قبل تاريخ 20 / 7 / 1970 . ج ـ العقارات الصادر بشأن تسجيلها حكم قضائي ، قبل تاريخ 20 / 7 / 1970 متى أصبح هذا الحكم مبرماً . د ـ أراضي الاستيلاء والاحتفاظ و التنازل الناجمة عن تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي و تعديلاته . هـ ـ ما تستملكه الدولة أو تطلب تسجيله باسمها ، أو ما تسمح ببيعه لإقامة منشآت صناعية أو تجارية ، أو سياحية . و ـ مساحة حدها الأقصى مئة دونم لكل متصرف و عائلته من الأراضي المتصرف بها قانوناً بالفلاحة و الزراعة قبل 20 / 7 / 1970 و المتاخمة للحدود الإدارية للمدن و القرى حصراً , و يفقد المتصرف حقه في هذه المساحة إذا لم يقدم طلب تسجيلها إلى المحكمة المختصة خلال ستة أشهر من تاريخ نشر القانون المعدل للمرسوم التشريعي 140 المذكور . ز ـ العقارات الواقعة ضمن الحدود الإدارية لبلديات المدن والقرى حصراً . ح ـ الأراضي البعلية المشجرة بحد أدنى قدره عشر شجرات بعمر خمس سنوات في الدونم الواحد على الأقل . ط ـ جميع الأراضي المشمولة ، أو التي ستشمل بمشاريع سد الفرات والخابور , و كل مشروع من مشاريع الري التي تقوم بها الدولة . 7 ـهذا إلى أن المادة 832 / 2 مدني قد جاءت بنص عام منعت فيه وضع اليد على أي أرض من الأراضي غير المزروعة والتي لا مالك لها إلا بترخيص من الدولة . 8 ـو كذا يحظر اكتساب ملكية العقارات و الحقوق المسجلة في السجل العقاري بالتقادم : فالعقارات المسجلة في السجل العقاري - وذلك بنتيجة أعمال التحديد و التحرير أو بنتيجة أعمال التجميل و إزالة الشيوع - لا يسري عليها التقادم ، و لا يكتسب عليها أي حق من الحقوق بموجبه , ذلك لأن نظام التقادم يتعارض صراحة مع مبدأ القوة المطلقة لقيود السجل العقاري ، فمن أثبت اسمه في السجل العقاري ، كمالك للعقار ، يغدو في مأمن تام من أن يفاجأ بادعاء أي مغتصب يزعم أنه تملك العقار بوضع اليد . ثم إن نظام التقادم قد أقر لحماية صاحب الحق ، إذ كثيراً ما يفقد المالك السندات المثبتة لملكيته ، إما لإهماله الحفاظ على هذه السندات ، أو لظروف أخرى أدت إلى ضياعها , أما في نظام السجل العقاري ، فإن أسباب فقدان سندات الملكية قد انتفت تماماً ، ذلك لأن قيود السجل العقاري هي ثابتة مصونة ، ولو كان ثمة أثر للتقادم في ظل هذا النظام ، لكان ذلك مفضياً لحماية الغاصبين ، و ليس لحماية أصحاب الحق الشرعيين . و نشير إلى أن هناك حالة استثنائية خاصة يجري فيها حكم التقادم ، حتى في العقارات الخاضعة للسجل العقاري ، ذلك لأن النص المانع لكسب الملكية بالتقادم على هذه العقارات قد اقتصر على منع الادعاء بالتقادم ضد من قيد العقار باسمه في السجل المدني . على أنه من الملاحظ أن ثمة ظروفاً يكون فيها من مصلحة من قيد العقار لاسمه أن يدعي هو نفسه بالتقادم ، و يحدث ذلك إذا ما ادعى الغير على هذا الشخص بملكية العقار ، استناداً لبطلان القيد ذاته ، ففي هذه الحالة يجوز للمدعى عليه أن يهمل التمسك بالقيد الباطل ، و أن يدفع الدعوى بالاستناد لحيازته العقار مدة التقادم . بقي أن نقول إن التقادم سيفقد قيمته باعتباره سبباً من أسباب التملك في المجال العقاري عندما تتم أعمال المساحة ، و تختتم أعمال التحديد و التحرير , في جميع مناطق القطر السوري . // من الهامش : نصت معظم التشريعات العربية على عدم جواز اكتساب الحقوق المقيدة في السجل العقاري بالتقادم ، ولم يشذ عن تلك التشريعات سوى القانون السوداني//.