خصائص التقادم المكسب في الحيازة

التقادم المكسب وسيلة يستطيع بمقتضاها الحائز ، إذا استمرت حيازته على حق عيني مدة معينة ، أن يتمسك بكسب هذا الحق . و إلى جانب التقادم المكسب يوجد التقادم المسقط . وهو وسيلة تؤدي إلى زوال الحق ، إذا ما سكت صاحبه عن المطالبة به ، أو استعماله مدة معينة ، وتمسك من له مصلحة في هذا الزوال به . و إذا ألقينا نظرة على القانون المقارن نجد أن القانون الروماني قد أقر التقادم المكسب كما أقر التقادم المسقط ، و أن القوانين الأوربية قد اقتفت أثر القانون الروماني ، و قبلت التقادم بنوعيه . أما الفقه الإسلامي فقد تقبل فكرة التقادم ، لا على أنه سبب مكسب للملكية أو مسقط للحق ، بل على أنه مانع لسماع الدعوى بالحق الذي مرَّ عليه الزمن المعين . فمرور الزمن ليس بقادر في الفقه الإسلامي على أن يعطي حقاً لواضع يد مهما طال وضع يده على ملك غيره ، كما أنه ليس بقادر على إسقاط حق ذي حق مهما تقادم ، فأصل الحق ، إن كان ، باق في ذمة صاحبه ، و يجب وفاؤه ديانة ، ولذا لو أقر الخصم بالحق ، انهدم التقادم ، فتعين سماع الدعوى . وعلى هذا لم تبحث المجلة إلا في التقادم المسقط المانع من سماع الدعوى . // من الهامش : سار مشرع القانون المدني في كل من الأردن والعراق الشقيقتين على غرار الفقه الإسلامي ، فلم ينص على سقوط الحق بالتقادم ، ولا على كسبه به . بل قالا : " من حاز منقولاً أو عقاراً غير مسجل ... فلا تسمع عليه عند الإنكار دعوى الملك ، أو الحق العيني " . و لا يتضمن ذلك معنى سقوط الحق ، بدليل ظهوره عند عدم الإنكار . فقاعدة التقادم هي ، إذن ، في ظل هذين القانونين . قاعدة شكلية موضوعية . و يلاحظ أن بعض الشراح في مصر قد أخذوا ينادون بإيثار مسلك الفقه الإسلامي في إعمال مبدأ عدم سماع الدعوى ، عند الإنكار ، بمضي الزمن// . ولم يتقبل التشريع السوري فكرة التقادم المكسب في معناها الغربي ، إلا عند صدور القرار 186 لعام 1926 ، حين عدت المادة 37 منه وضع اليد على عقار سبباً من أسباب تسجيله على اسم واضع اليد . ثم جاء القرار 3339 مفصلاً لقواعده . و أخيراً جاء مشرع القانون المدني ، فتقبل بدوره فكرة التقادم المكسب ، و وسع نطاقها ، بأن جعلها تنبسط ، لا على العقارات فحسب ، كما كان عليه الأمر في ظل القرار 3339 بل على المنقولات أيضاً , كما أقر فكرة التقادم المسقط . // من الهامش : يلاحظ أن واضع القرار 186 لم يطمئن إلى أسناد التمليك التي يحملها أصحابها في المناطق غير المحددة , لذا لم يعدها دليلاً مطلقاً على حق الملكية ، و آثر عليها حيازة العقار مدة التقادم المكسب , و أجاز للحائز إثبات واقعة الحيازة بجميع طرق الإثبات// . ـ أساس التقادم المكسب و تسويغه : يبدو التقادم لأول وهلة أنه نظام يجافي العدالة و الأخلاق : = فهو إن كان مكسباً ، يجعل المغتصب مالكاً بعد حيازته للشيء مدة معينة ، مع أن الغصب ، وهو عمل غير مشروع ، يجب أن لا يؤدي إلى حق مشروع . = و إن كان التقادم مسقطاً ، فإنه يبرئ ذمة المدين , إذا سكت الدائن عن مطالبته مدة معينة ، مع أن سكوت الدائن و عدم مطالبته بالدين يجب أن لا يتخذ حجة لسقوط هذا الدين . فكيف نسوغ ، إذن ، نظام التقادم ، و ما هي الاعتبارات التي حدت بمعظم الشرائع إلى الأخذ به منذ القدم ؟ ذهب البعض إلى القول بأن التقادم يعد قرينة على النزول عن الحق , فالمالك الذي يترك ماله في يد الغير مدة معينة يفترض فيه أنه نزل عن حقه . و يَرِد على هذا التسويغ أن النزول لا يفترض ، ولو صح هذا الافتراض ، لوجب السماح للمالك بدحضه بالدليل العكسي ، وهو أمر غير جائز . كما قيل في تسويغ التقادم المسقط أنه يعد قرينة على الوفاء ، مع أن إثبات العكس غير جائز . والواقع أن رد التقادم إلى الاعتبارات الفردية السابقة غير كاف لتسويغه ، ذلك لأن التقادم يستند إلى اعتبارات عامة تتصل بالصالح العام . فأولاً : يقتضي الصالح العام إقرار الحالات الواقعية التي استقرت فترة من الزمان ، و تعامل الناس على أساسها ، و اطمأنوا إليها ، بحيث يتحول الواقع إلى حق ، إذ لو لم يتقرر هذا لما وضع حد للمنازعات على الحقوق ، الأمر الذي يؤدي إلى الفوضى والاضطراب . و في هذا يقول لوران : " إننا لو تصورنا لحظة حال مجتمع ، تسمح قوانينه للأفراد بالمطالبة بحقوقهم ، ولو فات على هذه المطالبة آلاف السنين ، لهالنا الأمر ، إذ يترتب على ذلك ، اضطراب لا نهاية له ، و زعزعة في المراكز القانونية لا حد لها وفوضى في النظام الاجتماعي ، يجب أن تتنزه عنه المجتمعات " . فالمصلحة العليا للمجتمع تفرض تحويل الواقع إلى حق ، و لو قام هذا الواقع ، منذ البدء ، على غصب بحت . و فيما عدا ذلك ، فإن التقادم يحل إشكالاً كبيراً في الإثبات , و على الخصوص إثبات حق الملكية ، فيساعد بذلك على حماية الحق نفسه ، إذ من المعروف أن إثبات الملكية تكتنفه صعوبات جمة ، و لولا نظام التقادم ، لتعذر على المالك في كثير من الأحيان إثبات ملكيته ، ذلك أن إثبات الملكية يقتضي إقامة الدليل على السند الذي آلت به إلى المالك ، ثم إن هذا السند لا يؤدي إلى كسب الملكية ، إلا إذا كان قد صدر من مالك حقيقي . فيجب إثبات سند ملكية السلف ، و هكذا يجب إثبات سندات السلف و سلف السلف . وظاهر أن تتبع سندات الملكية على هذا النحو هو عبء لا يطاق ، إن لم يكن مستحيلاً . و أمام هذه الصعوبات ، كان لابد من اعتماد نظام التقادم . و حسب المالك في ظله أن يثبت أن حيازته هو ، أو حيازته منضمة إلى حيازة أسلافه ، قد استمرت المدة المحددة في القانون للتملك بالتقادم ، و عندئذٍ لا يكون للآخرين عليه من سبيل ، فهو يستطيع أن يعتصم بنظام التقادم ، و أن يقول بملء فيه : " إنني مالك ، و على فرض أنني لم أكن كذلك ، فقد غدوت مالكاً بالتقادم المكسب " . وثانياً : بالإضافة إلى ما تقدم ، ثمة اعتبار اقتصادي يسوغ نظام التقادم ، ذلك لأن مصلحة الاقتصاد القومي تقتضي إيثار الحائز الذي يحرص على استعمال الشيء و استغلاله بشروط معينة على المالك الذي يقعد عن هذا الاستغلال . و لقد جاء في الذكر الحكيم " أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ( الأنبياء 105 ) " . ولاننكر أن التقادم قد يتذرع به شخص سيئ النية أو غاصب ، غير أن هذا لا يقع إلا نادراً . ثم إن المالك ، في مثل هذه الأحوال ، لا ينجو من المسؤولية ، ألم يهمل حقه بعد أن أتاح له المشرع فرصة كافية للسعي إليه ؟! هذا ، و لئن كان نظام التقادم يؤدي في الأحوال القليلة إلى ما ينافي العدالة . فقد قرر المشرع أن نفعه أكبر من إثمه ، و أن مزاياه الراجحة في استقرار المراكز القانونية ، و في حماية المجتمع ، تسوغ إلى حد كبير التضحية ببعض المصالح الخاصة المرجوحة . بقي أن نقول إن الحجج الداعمة لنظام التقادم لها شأنها الكبير في البلاد التي لا تطبق نظام السجل العقاري ، أما في بلادنا ، حيث يطبق هذا النظام ، و حيث يمتنع في ظله سريان التقادم على الأراضي المسجلة في السجل العقاري , فإن نظام التقادم وسيلة لكسب الحق العيني العقاري قد ضعفت مكانته ، و هو آخذ بالانقراض ، بمقدار ما تمتد يد التحديد و التحرير إلى إدماج ما تبقى من الأراضي السورية غير المحددة في نظام السجل العقاري ، وهي أرض لا تزيد مساحتها على ثلث مساحة القطر . هذا إلى أن التشريعات الحديثة التي منعت الأفراد من تملك أملاك الدولة بالتقادم ، قد أسهمت إلى حد كبير في تضيق نطاق الأراضي الخاضعة لنظام التقادم المكسب في القطر العربي السوري . ـ التقادم و النظام العام : انتهينا مما تقدم إلى أن التقادم يقوم على اعتبارات وثيقة الصلة بالمصلحة العامة , و بذلك يكون للتقادم علاقة بيِّنة بالنظام العام . على أن هذه العلاقة لا تقوم بالنسبة لجميع أحكام التقادم ، بل تتعين التفرقة في هذا الخصوص بين : # الأحكام المتعلقة بوجود التقادم ـ و هذه تعد من النظام العام . # و الأحكام المتعلقة بالاستفادة منه ـ و هذه لا تعد من النظام العام . ففي نطاق الأحكام المتعلقة بوجود التقادم ، و هي أحكام آمرة لصلتها بالنظام العام ، يمتنع على الأفراد الاتفاق على اعتبار حق معين غير قابل للتقادم , و كذا يمتنع الاتفاق على تعديل مواعيد التقادم المحددة في القانون ، كما يمتنع عليهم النزول عن التقادم مقدماً . و في نطاق الأحكام المتعلقة بالاستفادة من التقادم ، و هي أحكام مفسرة لانتفاء صلتها بالنظام العام ، يمتنع على المحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء ذاتها , كما يجوز للأفراد أن ينزلوا عن التقادم بعد ثبوت الحق فيه .