آثار قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ونتائجها
إن قاعدة ح. م . س .ح لا تنطبق في جميع الحالات التي يتلقى فيها الحائز المنقول من غير المالك ، بل تتعين التفرقة بين حالة ما إذا كان المنقول قد خرج من مالكه الحقيقي باختياره , كما لو سلَّم المالك المنقول إلى آخر على سبيل العارية ، فباعه هذا إلى الحائز ، و حالة ما إذا كان المنقول قد خرج من يد مالكه بسبب السرقة أو الضياع .
ففي الحالة الأولى تنطبق قاعدة ح . م . س . ح , و يكون لها أثران : أثر مكسب , و أثر مسقط . أما الحالة الثانية فلا تنطبق فيها القاعدة . و على هذا نتكلم ، فيما يلي ، في الآثار التي تترتب على قاعدة ح. م . س .ح ، ثم في الاستثناء الذي يرد عليها ( حالة الضياع والسرقة ) . أولاً : الأثر المكسب : كسب الملكية أو الحق العيني : إذا توافرت شرائط قاعدة ح. م . س .ح , فإن الحائز يكسب الملكية أو الحق العيني الذي وردت عليه الحيازة . و يتحقق هذا الكسب في الحال من تلقاء ذاته ، و دون حاجة إلى مرور زمن معين ، كما أنه لا يفتقر إلى تمسك الحائز بالقاعدة . فإذا رفع المالك الأصلي دعوى الاستحقاق على الحائز أمكنه أن يدفعها بأنه تملك المنقول بمقتضى قاعدة ح. م . س .ح . و إذا اعتدى الغير على حيازة الحائز للمنقول ، فاغتصبه منه ، كان له أن يرفع دعوى الاستحقاق . و يعد الحائز و كأنه قد تلقى الحق من صاحبه . أما إذا لم تتوفر شرائط قاعدة ح.م.س.ح ، فعندئذ يجوز لمالك المنقول أن يسترده من الحائز بدعوى الاستحقاق ، ما لم يكن الحائز قد كسب ملكية المنقول بالتقادم الطويل . ـ مآل الدعاوى الشخصية التي تقام على المتصرف في المنقول إلى الحائز : إن الحائز ، إذ يكسب ملكية المنقول الذي ترد عليه الحيازة ، على الوجه المتقدم ، لا يتأثر مركزه بعيوب سند المتصرف . فإذا كان هذا المتصرف حائزاً عرضياً للمنقول ، بأن كان مستأجراً له ، كان ملزماً برده إلى المالك الحقيقي ، بمقتضى عقد الإيجار المبرم بينهما . و لئن كان يمتنع على المالك الحقيقي ملاحقة الحائز المتصرف إليه بدعوى الاستحقاق ، لصيرورة هذا الأخير مالكاً للمنقول بمقتضى قاعدة ح. م . س .ح ، فهو في وسعه ملاحقة المتصرف ، و مطالبته برد المنقول . فإذا نجح المالك الأصلي في دعواه الشخصية في مواجهة المتصرف أصبح هذا الأخير مسؤولاً تجاهه لعدم رد المنقول , وكان بالتالي ملزماً بالتعويض على سبيل التنفيذ البدلي ، لاستحالة تنفيذ لالتزام الأصلي بالرد . ـ لا أثر للتملك بقاعدة ح . م . س . ح على الدعاوى الشخصية الموجهة ضد الحائز : تهدف قاعدة ح. م . س .ح إلى حماية الحائز من العيب الذي يعتور سند سلفه باعتباره غير مالك . أما العيوب الأخرى التي تعتور هذا السند ، فليس من شأن القاعدة أن تحمي الحائز من الدعاوى الشخصية المنبعثة عنها . فإذا كان التصرف الذي تلقى به الحائز المنقول الذي تملكه قابلاً للإبطال أو الفسخ بسبب تلك العيوب ، فلا يحول التملك بمقتضى قاعدة ح. م. س.ح دون المتصرف و رفع دعوى الإبطال أو الفسخ ، ما لم تكن هذه الدعوى قد سقطت بالتقادم . فإذا نجح المتصرف في دعواه ، كان له أن يسترد المنقول من الحائز ، بالرغم من أنه تملك هذا المنقول بمقتضى قاعدة ح. م.س.ح , وعلى هذا إذا كان الحائز قد اشترى المنقول من غير مالك ، و لم يدفع الثمن كله أو بعضه ، فيبقى للمتصرف أن يطالبه بما في ذمته من دين الثمن . و كما يستطيع المتصرف أن يمارس هذه الدعوى بنفسه ، يجوز لدائنيه ، أيضاً ، وفقاً لأحكام الدعوى غير المباشرة ، أن يرفعوها باسم مدينهم . و يلاحظ هنا أن المالك الحقيقي يستطيع ـ باعتباره دائناً للمتصرف ـ أن يمارس الدعاوى الشخصية ضد الحائز نيابة عن المتصرف . فإذا كان لهذا الأخير دعوى تمكنه من استرداد المنقول ، كان للمالك الحقيقي أن يستعمل هذه الدعوى في مواجهة الحائز الذي تملك المنقول بمقتضى قاعدة ح . م . س . ح ، فإذا نجح كان له أن يسترد المنقول ، بالرغم من أن الحائز قد كسب ملكيته بالحيازة . ثانياً : الأثر المسقط للتكاليف و القيود العينية : لا يقتصر أثر قاعدة ح.م.س.ح على كسب الحق ، بل هي تؤدي أيضاً إلى سقوط التكاليف و القيود العينية ، التي كانت تثقل المنقول . و بهذا تقضي المادة 297 / 2 بقولها : " فإذا كان حسن النية و السبب الصحيح قد توافرا لدى الحائز ، في اعتبار الشيء خالياً من التكاليف و القيود العينية ، فإنه يكسب الملكية خالصة منها " . و يشترط لتحقق هذا الأثر المسقط الشرائط ذاتها التي تطلبناها لتحقق الأثر المكسب ، أي يجب أن يتوافر ، بالإضافة إلى شريطة الحيازة ، السبب الصحيح وحسن النية . و لا يراد بالسبب الصحيح هنا ما أريد به هناك , ذلك لأن السبب الصحيح في صدد الأثر المسقط لقاعدة ح.م.س. ح يعتد به ، ولو صدر من المالك نفسه ، إذ يكفي أن يكون تصرفاً ناقلاً للملكية ، و أن لا يذكر فيه ما يثقل المنقول من تكاليف أو قيود عينية . و يقصد بحسن النية أن يجهل الحائز وقت الحيازة وجود التكاليف أو القيود العينية . $$ و قد يترتب الأثر المسقط و الأثر المكسب معاً : و ذلك إذا كان السبب الصحيح قد صدر من غير مالك ، دون أن يذكر فيه ما يثقل المنقول من تكاليف . كما لو باع شخص منقولاً لا يملكه مثقلاً بحق الانتفاع للغير ، دون أن يذكر في البيع أن المنقول مثقل بحق الانتفاع , و يتسلمه المشتري ، معتقداً أن البائع مالك ، و جاهلاً وجود حق الانتفاع : = فبمقتضى الأثر المكسب لقاعدة ح . م . س .ح يتملك المشتري المنقول . = و بمقتضى الأثر المسقط يتملكه خالياً من حق الانتفاع . $$ و قد يترتب الأثر المسقط وحده : و ذلك إذا كان السبب الصحيح صدر من المالك ، دون أن يذكر فيه ما يثقل المنقول من تكاليف . كما لو باع المالك المنقول ، و سلمه إلى المشتري ، قبل أن يدفع الثمن , فيكون للبائع في هذه الحالة على المنقول امتياز بائع المنقول , فإذا باع المشتري المنقول الذي كسب ملكيته ، دون أن ينوه في عقد البيع عن حق الامتياز ، أو عن عدم دفع الثمن ، و كان المشتري الثاني قد تسلم المنقول ، وهو يجهل حق البائع الأول ، ففي هذا الفرض يتملك الحائز المنقول خالياً من حق امتياز البائع الأول ، عملاً بالأثر المسقط لقاعدة ح.م.س.ح , أما الأثر المكسـب فلا شأن له هنا , لأن المشتري قد اشترى من مالك . و يراعى أن الأثر المسقط للحيازة مقصور على المنقول ، إذ القاعدة أن حائز العقار في التقادم الخمسي يكتسب ملكيته محملة بما يكون عليها من تكاليف عينية كانت جاثمة على العقار ، قبل بدء سريان التقادم ، ما لم تكن هذه التكاليف قد سقطت بالتقادم الخاص بها . ـ التطبيقات التشريعية للأثر المسقط : طبق المشرع القاعدة الخاصة بالأثر المسقط لقاعدة ح.م.س.ح بنص خاص في خصوص حقوق الامتياز . فقد نصت المادة 1112/1 على أنه : " لا يحتج بحق الامتياز على من حاز المنقول بحسن نية " . و هذا الحكم يسري على جميع حقوق الامتياز , و قد طبقه المشرع في صدد عدم الاحتجاج بامتياز بائع المنقول , كما طبق المشرع هذا الحكم على امتياز المؤجر ، و امتياز صاحب الفندق . ثالثاً ـ جواز استرداد المنقول المسروق أو الضائع استثناءً : بعد أن قرر المشرع في المادة 927 الأثر المكسب و الأثر المسقط المترتبين على قاعدة ح. م.س.ح ألقى استثناء هاماً عليها في المادة 928 فقال : " 1 ـ يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله ، إذا فقده أو سرق منه ، أن يسترده ممن يكون حائزاً له بحسن نية ، و ذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة . 2 ـ فإذا كان من يوجد الشيء المسروق أو الضائع في حيازته قد اشتراه بحسن نية في سوق أو مزاد علني ، أو اشتراه ممن يتجر في مثله ، فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشيء أن يعجل له الثمن الذي دفعه " . و ظاهر من هذا النص ، أن المشرع ، إذ يخول المالك الأصلي حق استرداد المنقولالمسروق أو الضائع من الحائز حسن النية خلال ثلاث سنوات ، يعطل أثر قاعدة ح. م. س.ح تعطيلاً مؤقتاً . و هذا التعطيل ينطوي على مراعاة لجانب المالك ، في حين أن القاعدة ذاتها قد روعي فيها جانب الحائز . و مرد الفرق إلى أن المنقول في ظل ح.م.س.ح قد خرج من حيازة المالك باختياره , و على هذا ، يكون الحائز في ظل القاعدة في أمس حاجة إلى الحماية ، ذلك لأن المالك أسهم في إيجاد مظهر أدى إلى تغرير الحائز . أما في حالتي السرقة والضياع فلا وجود لذلك . ـ شرائط استرداد المنقول المسروق أو الضائع : ـ الشريطة الأولى : أن يكون المنقول مسروقاً أو ضائعـاً : يراد بالسرقة في هذا الخصوص معناها الوارد في قانون العقوبات أي : أخذ مال الغير المنقول دون رضاه . و لا اعتبار لما إذا كان القانون يعفي السارق من العقاب في بعض الحالات ، أو كان يجعل العقاب متوقفاً على طلب المسروق منه ، لأن الأساس الذي يقوم عليه حق الاسترداد يتوفر بمجرد خروج المنقول من حيازة المالك بالرغم من إرادته . و لا يسري هذا الحكم على حالتي إساءة الأمانة و الاحتيال ، لأن المالك في هاتين الحالتين يعد ، إلى حد ما ، مسهماً في خروج المنقول من يده . و يراد بالضياع خروج المنقول من يد حائزه دون قصد ، ولو كان ذلك بسبب الإهمال ، فإذا أخطأ المالك في عنوان المكان الذي يريد إرسال المنقول إليه ، و ترتب على هذا الخطأ ضياع المنقول ، فإنه يجوز الاسترداد . ويقع على طالب استرداد المنقول عبء إثبات السرقة أو الضياع ، وله هذا الإثبات بكافة الطرق ، لأنه ينصب على وقائع مادية . ـ الشريطة الثانية : أن يكون المنقول في يد الحائز بحسن نية و بسبب صحيح : الحائز حسن النية و المستند إلى سبب صحيح هو وحده الذي يستفيد من تقييد حق المالك باسترداد المنقول بمدة معينة , كما أنه يحق له اقتضاء الثمن الذي دفعه من مسترد المنقول في حالات خاصة . أما الحائز سيئ النية فلا يفيد من هاتين المزيتين ، بل يجوز للمالك استرداد المنقول منه ، بحسب القواعد العامة ، و لا يسري عليه الحكم الخاص الوارد في المادة 928 . و على هذا يحق للمالك أن يرفع دعوى الاستحقاق على السارق ، أو على من عثر على المنقول الضائع ، إذا كان المنقول لا يزال في حيازته ، كما يستطيع أن يرفع هذه الدعوى على الحائز سيئ النية ، كأن يكون شخصاً اشترى من السارق ، أو ممن عثر على المال الضائع ، وهو يعلم أنه مسروق أو ضائع . و هذه الدعوى التي تثبت للمالك لا تسقط بالتقادم , و لا يستطيع سارق المنقول ، أو العاثر عليه ، أو حائزه سيئ النية ، بوجه عام ، أن يتملكه إلا بالتقادم الطويل . ـ الشريطة الثالثة : أن ترفع دعوى الاسترداد خلال ثلاث سنوات من وقت السرقة أو الضياع : و مدة الثلاث سنوات هي مدة سقوط حق المالك في الاسترداد لا مدة تقادم ، إذ هي ليست مبنية على إهمال المالك في المطالبة بحقه خلالها ، فقد لا يعرف المالك طوال هذه المدة الحائز الذي استمرت له حيازة المنقول بعد السرقة أو الضياع . و قيام حق المالك في الاسترداد , خلال هذه المدة ، يعني أنه ما زال مالكاً للمنقول , فإذا استرد المالك المنقول ، خلال المدة ، فلا يكون الحائز قد تملك المنقول أبداً . أما إذا انقضت الثلاث سنوات من وقت الضياع ، كان للحائز أن يدفع دعوى الاسترداد ، ولو كانت حيازته لم تستمر إلا فترة وجيزة ، ذلك لأن الحائز يصبح مالكاً للمنقول بمجرد انقضاء السنوات الثلاث . و حتى يستطيع المالك استرداد المنقول ، يتعين عليه إثبات واقعتي السرقة أو الضياع , كما يتعين عليه أن يثبت أنه رفع دعوى الاستحقاق ، خلال مدة السـنوات الثلاث ، فإذا أخفق في ذلك ، جرى حكم قاعدة ح. م . س.ح كما لو لم يكن المنقول مسروقاً أو ضائعاً . ـ الآثار المترتبة على استرداد المنقول المسروق أو الضائع : الأصل أن المالك الذي يسترد المنقول خلال السنوات الثلاث لا يلتزم بدفع شيء للحائز ، سواء أكان الحائز هو السارق أم الملتقط أم شخصاً آخر تلقى المنقول من السارق أو الملتقط . و يحق للحائز أن يرجع على من تلقى منه المنقول بدعوى ضمان الاستحقاق ، إن كان سنده يسمح بذلك . و لكن إذا كان الحائز قد اشترى المنقول في مزاد علني ، أو اشتراه من تاجر يتجر في مثله ، فله أن يطلب من المالك المسترد أن يعجل له الثمن الذي دفعه في شراء المنقول ، و للحائز الحق بحبس المنقول في يده إلى أن يستوفي الثمن .