مصادر القانون في عهد نشأة القانون الروماني
لما كانت الغاية هي التعرف إلى مصادر القانون في كل عهد من عهود الدولة الرومانية , و لما كانت القوانين في كل أمة هي مرآة عن حياة الشعب من جميع نواحيها لذلك يتوجب علينا أن نعرض بإيجاز لجميع الأوضاع و المعلومات الأساسية عن الدولة الرومانية في كل عهد , كي نبين أثر العوامل السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في تطور القانون الروماني و مصادره . الأحوال العامة في عهد نشأة القانون الروماني . يبدأ هذا العهد من تأسيس مدينة روما عام 752 ق . م و ينتهي عام 509 ق. م فهو يتفق مع العهد الملكي من الناحية السياسية لتاريخ روما . النظام السياسي يجب أن نميز فيما يتعلق بالنظام السياسي في العهد الملكي بين مرحلتين : المرحلة الأولى منذ تأسيس روما حتى الغزو الإتروسكي , و المرحلة الثانية منذ الغزو الإتروسكي حتى سقوط الملكية . اولاً - المرحلة الأولى: العشيرة هي الوحدة السياسية : كانت العشيرة الأبوية هي النواة الأولى لنظام الحكم لدى الجماعات التي استقرت في مجموعة القرى قبل أن تتحول مدينة روما في عهدالإتروسك , فللعشيرة رئيسها الذي يدين له أفراد العشيرة بالطاعة و الولاء , يتخذ ما يراه مناسباً من قرارات يلتزم بها أفراد العشيرة و نزلاؤها سواء اتخذها بمفرده أم بمشورة شيوخ العشيرة , و هو الرئيس الديني فيما يتعلق بعبادة العشيرة , و هو القاضي الذي يفصل فيما يثور بين أفراد العشيرة من منازعات , و في داخل كل عشيرة توجد الأسر و ترتبط هي الأخرى برابطة الخضوع لرئيس مشترك هو رب الأسرة , و مع الزمن ضعفت رابطة العشيرة و أصبحت الأسرة هي الوحدة الاجتماعية عند الرومان , و اختفت العشائر نهائياً في بداية الإمبراطورية . ثانياً - المرحلة الثانية : نظام المدينة :1- الملك : كان الملك على رأس المدينة و هو صاحب السلطة يتولاها فيها مدى الحياة , ويبدو أن الملكية لم تكن وراثية أو بالانتخاب من قبل مجلسي الشيوخ و الشعب , فقد كان يختار الملك بواسطة سلفه , فإذا لم يعين الملك من يخلفه , فإن هذا التعيين كان يتم بواسطة عضو من الشيوخ يسمى وسيط الملك . * و كان للملك سلطات واسعة مصدرها الديانة باعتباره ممثلاً للآلهة , فله السلطتين الدينية و الزمنية , فهو الرئيس الديني و القائد الأعلى للجيش و يرأس السلطات الإدارية و يختص بالتشريع والقضاء . و بصفته الرئيس القضائي كان الملك يعاقب على الجرائم العامة الموجهة ضد المدينة و سلطته في ذلك تصل إلى حق الحياة و الموت على الأفراد أما في المنازعات المدنية فلم يكن له اختصاص فيها , بل كان الأمر متروكاً إلى التحكيم الخاص . 2- مجلس الشيوخ: مجلس الشيوخ :هو مجلس رؤساء العشائر أو الشيوخ , و كان عدد أعضائه في ازدياد بزيادة العشائر التي تنضم إلى المدينة , فكان في الأصل يتكون من مائة عضو ثم زاد إلى ثلاثمائة فهو في العهد الملكي الهيئة النيابية التي تمثل العشائر . أما من حيث الاختصاص فهو مجلس الملك , أي المجلس الاستشاري الذي يستشيره الملك في الأمور الهامة , و لكن دون أن يكون ملزماً بإتباع رأيه , كما انه كان ينظر في المصادقة على قرارات مجلس الشعب التي لا تكون ملزمة إلا بعد تصديق مجلس الشيوخ عليها . 3- مجلس الشعب : يتكون مجلس الشعب من سكان المدينة الأحرار القادرين على حمل السلاح , و هم الذين كان يطلق عليهم اسم الشعب الروماني , و كان هؤلاء ينتظمون القبائل الثلاث التي تكونت منها المدينة , و كانت كل قبيلة تقدم عشر فرق , و هو اسم لوحدة دينية و سياسية و إدارية و حربية , و هذه الوحدات الثلاث كانت أساس النظام الديني و السياسي الإداري و الحربي . و الرأي الراجح بين الشراح أن مجلس الوحدات لم يكن لها حق التدخل في اختيار الملك و ليس لها اختصاص تشريعي , و ينحصر اختصاصها في الموافقة على التعديلات التي تدخل على نظام المدينة أو تكوين العشائر من النواحي الدينية و الاجتماعية , و تختص كذلك حينما يتولى السلطة ملك جديد بالتصويت على قانون الولاية العامة أي سلطة الأمر و النهي . الحالة الاجتماعية انقسم المجتمع الروماني في بداية عهده إلى طبقتين متميزتين , و هذا الانقسام أدى على اختلاف المراكز القانونية لهاتين الطبقتين . أولاً : انقسام المجتمع إلى طبقتين متميزتين : قام المجتمع الروماني وقت ظهوره على وجود طبقتين متميزتين هما طبقة الأشراف و طبقة العامة . 1- طبقة الأشراف : تتكون هذه الطبقة من عدد من العشائر , و العشيرة مجموعة من الأفراد يفترض فيهم أنهم تناسلوا من أصل بعيد مشترك و رابطة الدم التي تربطهم هي القرابة من جهة الأب لا من جهة الأم . و تنتظم العشيرة عدد من الأسر, على رأس كل منها رب أسرة بجانب كونها الوحدة الاجتماعية , و تضم العشيرة بجانبها أعضائها بالولادة أو التبني عدد آخر من النزلاء وعتقاء العشيرة , و هناك التزامات و حقوق متبادلة بين النزلاء و رئيس العشيرة . 2- طبقة العامة : اختلف شراح القانون الروماني حول أصل هذه الطبقة فبعضهم رد أصلها إلى الشعوب القديمة التي كانت تسكن منطقة اللاتيوم و البعض الآخر يرى أن أصلهم يعود إلى النزلاء الذين تلاشت صلاتهم بعشائرهم و يرى فريق ثالث أن طبقة العامة ظهرت نتيجة التمييز العنصري بين سكان روما . ثانياً: مظاهر اختلاف الطبقتين : يختلف مركز أفراد طبقة العامة عن طبقة الأشراف من عدة نواح : 1- من الناحية الاجتماعية : لا ينتظم العوام في عشائر كما هو الحال لدى الأشراف , ولا يسمح لهم بالزواج من الأشراف . 2- من الناحية الاقتصادية :كانت معظم الأراضي و الثروات في أيدي الأشراف , أما العامة فكانوا يعملون في أراضي الأشراف و يمارسون أحط المهن و أدنى الوظائف 3- من الناحية الدينية :لا يشترك العامة في العبادة العامة للمدينة . 4- عدم المساواة أمام القانون :فمن ناحية القانون العام لا يعتبرون مواطنين في مدينة روما و بالتالي حرموا من التمتع بحقوق القانون العام , كالاشتراك في المجالس الشعبية , فيما بتعلق بالحقوق المدنية فقد كانت لهم تقاليدهم و عاداتهم القانونية الخاصة بهم التي لا تعترف بها مدينة روما , و في نفس الوقت يخضعون لقواعد يرجع أصلها إلى تقاليد عرفية نشأت بين عشائر الأشراف وحدها , و كان تطبيق هذه القواعد وتفسيرها في أيدي الكهنة و هم من الأشراف , و كان لا يجوز لأحد من العامة معرفتها . الحالة الاقتصادية كانت العشائر الرومانية قبل الغزو الاتروسكي قد بلغت عهد الإنسان الراعي , أما بعد الغزو الاتروسكي و تأسيس المدينة فقد حلت الزراعة محل الرعي تدريجياً , فاتسمت الدولة الناشئة بطابع الاقتصاد الزراعي، و لم تنتقل إلى الاقتصاد التجاري إلا في أواخر عصر الجمهورية , و قد كان لهذا الطابع الزراعي أثره في نشوء النظم القانونية : 1- كانت الأراضي توزع على الأسر لزراعتها بمعرفة رب الأسرة و بمعرفة أبنائه و عبيده ونزلاء ه، و قد اقتضى ذلك خضوع الأسرة كلها لسلطة رئيسها بكل ما فيها من أشخاص و أموال , فقامت الأسرة الرومانية على أساس النظام الأبوي وعلى أساس خضوع الأبناء و البنات و فروع الأبناء للسلطة الأبوية , و الزوجة لسيادة الزوج و الأرقاء الذين يعدون في حكم الأموال لسلطة سيهم . 2- لم يهتم الرومان إلا باقتناء الأموال اللازمة للاستغلال الزراعي كالأراضي و ما عليها من مبان و المواشي و العبيد فهي وحدها عماد الثروة الاقتصادية في ذلك الوقت , و هي وحدها الجديرة بالاقتناء , و لذلك استلزم الرومان لنقل ملكيتها إجراءات خاصة لا بد من إتمامها . 3- كانت المعاملات بين الأسر نادرة لاكتفاء كل أسرة في اغلب الأحوال بثمرات عملها , و لهذا كانت القواعد القانونية القائمة في ذلك العصر قاصرة غالباً على امور الأسرة . الحالة الفكرية : كانت النظم القانونية الأولى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأحكام الدين , فالإجراءات القضائية تحاكي إلى حد بعيد المراسم الدينية , و رؤساء الدين يقومون بالإضافة إلى أعمالهم الدينية بتفسير القواعد القانونية و الاجتهاد فيها , و لهذا فمن المفيد أن نلم إجمالاً بعقيدة الرومان الدينية ومدى ارتباطها بالقانون . أولاً- الأفكار والمعتقدات الدينية : لم يكن الشعب الروماني من الشعوب المتدنية , و مع ذلك فقد عرف بعض الأفكار أهمها الاعتقاد في الأرواح و تقوم ديانتهم عل أداء طقوس معينة أكثر منها على أفكار لاهوتية , و تلك الطقوس تؤدى إلى الآلهة (الأرواح ) و هي نوعان : آلهة خاصة بكل أسرة . و آلهة عامة مشتركة , مما استتبع وجود نوعين من العبادة عبادة خاصة و عبادة عامة و الأولى تتكون من عبادة آلهة المنزل و عبادة أرواح السلف و يقوم على تلك العبادة الأحياء من الأسرة , أما العبادة العامة فهي من عبادة آلهة المدينة و يقوم عليها الحكام و الكهنة . ثانيا ً- ارتباط القانون بالديانة : ارتبط القانون الروماني في هذه الفترة بالديانة , و ارتباطه بها يظهر أثره في عدة نواح : 1- فمن حيث السلطة القائمة على تطبيق القانون و تفسيره , نجد أن رجال الدين هم المختصون بذلك , فهم الذين يحتكرون معرفة صيغ الدعاوى و الأيام التي يجوز فيها التقاضي ( 40 يوماً في البداية ثم زاد إلى 230 يوماً في عهد الإمبراطورية) و الجزاء في بعض الحالات كان جزاءً دينياً . 2- يظهرالارتباط كذلك في كيفية التعبير عن الإرادة في التصرفات القانونية فهذه مثل الطقوس الدينية – لا تنتج آثارها إلا إذا أفرغت في قالب شكلي , فضلاً عن أن بعض التصرفات كانت تأخذ شكلاً دينياً مثل الوصية و التبني , و يظهر الأصل الديني كذلك في بعض التصرفات القانونية مثل الاشتراط الشفهي في صورته الأولى المسماة Sponsio و عقد القرض القديم Nexum . 3- و تظهر الصلة بين القانون و الدين من حيث المكان و الزمان الذي تجري فيه التصرفات القانونية , من حيث انه يجب إجراء التصرفات القانونية في أماكن معينة و في أيام بعينها حددها رجال الدين ( أيام التقاضي ) و لا يجوز القيام بأي إجراء قانوني في الأيام التي لا يجوز فيها التقاضي , و إلا تعرض من قام به للعنة الآلهة و غضبها . * و قد وجدت في روما جماعات دينية أخرى أهمها جماعات المستخيرين الذين كانوا الحكام يستعينون بهم لاستخارة الآلهة قبل الإقدام عل عمل من الأعمال السياسية و غيرها و لهذا لم يكن لهذه الجماعة اثر في تكوين القانون الخاص بل ينحصر نشاطها في دائرة القانون العامعندما استولى الاتروسك على روما ( او عندما أسسوا روما ) جعلوا من المدينة الوحدة السياسية فخضعت العشائر و الأسر لهذه المدينة , و قد اعتمد نظام الحكم في مدينة روما على وجود ثلاث هيئات : 1- الملك . 2- مجلس الشيوخ . 3- المجالس الشعبية .