ستونهنغ هو نصب تذكاري شيد حوالي عام 2600 قبل الميلاد، وعلى مر التاريخ تم طرح نظريات مختلفة لتفسير أهمية وهدف هذا البناء


النظرية السادة من قبل أن ستونهنغ استخدم أداة تقويم عملاقة لتتبع سنة شمسية تبلغ 365 يوما وربع يوم (غيتي إيميجز)

ستونهينغ (Stonehenge) هو نصب تذكاري رائع التعقيد يأسر المتفرجين بدائرته المغليثية الرائعة وتصميم "حدوة الحصان"، وشيد حوالي عام 2600 قبل الميلاد، وعلى مر التاريخ تم طرح نظريات مختلفة لتفسير أهمية وهدف هذا البناء.
بتاريخ 23 مارس/آذار الجاري نشرت دورية "أنتيكويتي" (Antiquity) دراسة تنقض إحدى تلك النظريات، التي تقول إن نصب ستونهينغ ما هو إلا تقويم عملاق يعتمد على السنة الشمسية.
حيث أظهر خبيرا علم الفلك الأثري خوان أنطونيو بيلمونتي من معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكناري وجامعة لاغونا في تينيريفي في إسبانيا، ويوليوس ماجلي من جامعة البوليتكنيك في ميلانو بإيطاليا، أن هذه النظرية تستند إلى سلسلة من التفسيرات المتكلفة من حيث الربط ما بين عناصر النصب التذكاري بما يحاكي مبادئ علم الفلك، علاوة على أنها تستند على علم الأعداد القابل للنقاش والتشبيهات غير المدعومة.

يعد ستونهينغ أحد أشهر المعالم في المملكة المتحدة ويعتبر من التراث الإنجليزي (شترستوك)
نظرية التقويم الشمسي
يعود طرح تلك النظرية إلى العام الماضي، عندما نشر تيم دارفيل (Tim Darvill)عالم الآثار في جامعة "بورنموث" (Bournemouth University) ادعاء مفاده أن النصب التذكاري يعمل كنوع من "التقويم الدائم"، الذي يعتمد على سنة شمسية تعادل 365.25 يوما.
ووفق تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" (ScienceAlert) فقد طرح دارفيل نظريته تلك في الدراسة التي نشرت في دورية "أنتيكويتي"، وقال فيها إن هذا النصب التذكاري كان يستخدم كأداة تقويم عملاقة لتتبع سنة شمسية (تعرف أيضا باسم السنة الاستوائية) تبلغ 365 يوما وربع يوم، وهو ما اقترحه باحثون آخرون منذ فترة طويلة. وأنه عند استخدامه كتقويم شمسي، يمكن مشاهدة الانقلاب الشتوي والصيفي من خلال أزواج الحجارة نفسها كل عام.
يقول دارفيل "تم تطوير مثل هذا التقويم الشمسي في شرق البحر الأبيض المتوسط في القرون التي تلت 3000 قبل الميلاد، وتم اعتماده في مصر باعتباره التقويم المدني حوالي 2700 قبل الميلاد، واستخدم على نطاق واسع في بداية المملكة القديمة حوالي 2600 قبل الميلاد".

من قالوا إن النصب تقويم شمسي اعتبروا أنه يمكن مشاهدة الانقلاب الشتوي والصيفي من خلال أزواج الحجارة نفسها (شترستوك)
أوجه عدم اليقين
لكن الدراسة الحديثة التي قدمها بيلمونتي وماجلي أظهرت أن الحركة البطيئة للشمس في الأفق في الأيام القريبة من الانقلاب الشمسي تجعل من المستحيل التحكم في عمل النصب التذكاري كتقويم صحيح، حيث لا بد من تمييز المواضع عن بعضها البعض بدقة تقل عن عشر الدرجة الواحدة، والتي تقابل بضع دقائق قوسية فقط، وهكذا لا يمكن استنتاج عدد أيام السنة التي تصورها بناة النصب بشكل دقيق.
وذكر تقرير نشر على موقع "ساينس ألرت" أن الباحثين يعتقدان أن تفسير معاني النصب إلى "أرقام" يعتبر إجراء محفوفا بالمخاطر، فعلى سبيل المثال لا يمكن التعرف على "الرقم الأساسي 12 الذي يرمز إلى عدد الأشهر" للتقويم المزعوم في أي مكان، كما يتم تجاهل "الأرقام" الأخرى ببساطة.




أما فيما يخص نسب النصب التذكاري إلى الأصول المصرية للتقويم، فيمكن نقضها وفقا لماجلي وبلمونتي بأن المصريين أنفسهم لم يبنوا شيئا قد يميز الأيام بهذه الدقة، ولم يفكروا حتى في كيفية حساب سنة كبيسة لمدة 2000 عام أخرى على الأقل.
ووفق تقرير نشر على موقع "لايف ساينس" (Live Science) يتفق عالم الآثار مايكل باركر بيرسون من جامعة "كوليدج لندن" -وهو خبير في ستونهينغ ولم يشارك في البحث- مع مؤلفي الدراسة قيد العرض على أنه لا يوجد دليل قوي على الروابط الثقافية بين ستونهينغ والطوائف الشمسية القديمة في الشرق الأدنى.
أخيرا، من الأرجح أنه مثل معظم ثقافات العصر الحجري الحديث، كان مهندسو ستونهينغ قد التزموا بالتقويم القمري. ورغم أن المحاذاة الشمسية ربما لعبت دورا في ترسيخ التواريخ القمرية المهمة، فإن تحديد هذه المحاذاة سيحتاج إلى بعض الأعمال اليدوية الدقيقة جدا.

هذه الدراسة جزء من سلسلة أبحاث حول الجدل القائم في تفسير النصب التذكاري
سلسلة بحثية
وفي دراستهم الحديثة كتب الباحثان: "نعتقد أن ستونهينغ هو حقا جزء صغير من إجمالي الآثار في الموقع. وقبل وقت طويل من وضع الأحجار الشهيرة في مكانها كانت تمثل مقبرة هامة للثقافات القريبة والبعيدة".
وبطبيعة الحال تعتبر هذه الدراسة جزءا من سلسلة أبحاث حول الجدل القائم في تفسير النصب التذكاري، وقد يظهر مستقبلا من ينقض آراء بيلمونتي وماجلي كما نقضا نظرية دارفيل، وتعتبر هذه النقاشات حجر الأساس في العملية البحثية.