يوميات سلطان النيادي في الفضاء.. الإمارات تلهم العرب



سلطان النيادي

انجاز مهم حققه رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، خلال أسبوعين فقط من وصوله محطة الفضاء الدولية، ضمن أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب.


نجح النيادي، عبر مشاركته جزءا من يومياته في الفضاء، من خلال حسابه في موقع "تويتر"، في استقطاب اهتمام ملايين العرب حول العالم للاهتمام بهذا القطاع المهم.


وبطريقة سلسة وبسيطة، عبر إلقاء ألغاز من الفضاء تارة أو التجول في محطة الفضاء الدولية وعرض مكوناتها أو ممارسة الرياضة بها أو النظر من نوافذها للأرض تارة أخرى أو الحديث عن التجارب العلمية التي يجريها وأهميتها، نجح النيادي في تقديم دروس تثقيفية حول الفضاء بطريقة مبسطة وجذابة.
يوميات النيادي في الفضاء أضحت مصدر إلهام، وخطوة مهمة لتحفيز وتشجيع العرب على تحقيق نقلة نوعية في اهتماماتهم وإطلاق العنان لطموحاتهم للتفوق في مجالات ظلت لعقود حكرا على الدول المتقدمة.

فعاليات نوعية
وفي إطار الحرص على تعظيم فوائد ومكاسب تلك التجربة الملهمة، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء، عن تنظيم حدث استثنائي تحت عنوان "لقاء من الفضاء"، وهو عبارة عن إجراء اتصال مباشر مع رائد الفضاء سلطان النيادي، المتواجد حاليًا على متن محطة الفضاء الدولية، بشرط التسجيل المسبق.
وأوضح المركز أن الحدث سيتم تنظيمه بشكل دوري، في جميع أنحاء دولة الإمارات، وستكون البداية يوم 21 مارس/آذار الجاري، انطلاقا من دار أوبرا دبي، حيث سيجرى الاتصال في تمام الساعة 2:30 بعد الظهر، بالتوقيت المحلي، للأشخاص المُسجلين مسبقًا للحضور.
وسيتيح اللقاء فرصة فريدة للتواصل والتفاعل مع رائد الفضاء سلطان النيادي، من خلال طرح الأسئلة لمعرفة المزيد حول تفاصيل مهمته على متن محطة الفضاء الدولية، والتجارب التي سيجريها والفوائد المرجوة منها، إذ تُعد هذه اللقاءات نافذة يطل منها محبو استكشاف الفضاء، على تفاصيل المهمة التاريخية التي يخوضها رائد الفضاء الإماراتي.
وقال سالم حميد المري، مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء بهذه المناسبة: "يهدف المركز من خلال هذه اللقاءات إلى تقديم معلومات حول مهمات الفضاء لمحبي هذا المجال. ونسعى إلى إلهام أجيال المستقبل لاستكشاف الفضاء، عبر إتاحة الفرصة أمامهم للاطّلاع على تفاصيل أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب والتي يخوضها ابن الإمارات سلطان النيادي على متن محطة الفضاء الدولية".
وأردف: "كما نسعى من خلال مثل هذه الفعاليات إلى تعزيز ثقافة الابتكار لدى شبابنا، وتحفيز العقول الشابة على إطلاق العنان لأحلامهم، وطموحاتهم".
يأتي هذا الحدث بعد أسبوع من إعلان مركز محمد بن راشد للفضاء بدء بث أولى حلقات برنامج الإمارات للآداب في الفضاء؛ البرنامج التفاعلي الذي تم تدشينه في إطار التعاون مع مؤسسة الإمارات للآداب.
وعَرضَت الحلقة لقطات مباشرة من الفضاء لرائد الفضاء سلطان النيادي إلى جانب ظهور رائد الفضاء هزاع المنصوري الذي شرح أهمية ممارسة الرياضة في الفضاء وأوجه الاختلاف بينها وبين ممارستها على الأرض ودور الجاذبية والجاذبية الصغرى في اختيار نوعية التمارين الرياضية في الفضاء.
واشتركت أكثر من 170 مدرسة لمشاهدة الحلقة الأولى إلى جانب المتابعين من دول الإمارات العربية المتحدة ومصر والهند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
فعاليات ملهمة تبرز إنجازا مهما من شأنه تشجيع الطلاب العرب على التوجه نحو علوم الفضاء لدراستها، والاهتمام بقطاع ظل لعقود حكرا على الدول المتقدمة، قبل أن تحقق الإمارات إنجازات متتالية في هذا القطاع خلال السنوات القليلة الماضية.


رحلة تاريخية
وكان النيادي قد وصل في الثالث من مارس/آذار الجاري رفقة فريق مهمة crew-6 إلى محطة الفضاء الدولية على متن المركبة "سبيس إكس دراغون إنديفور"، لخوض أطول مهمة في تاريخ العرب تمتد لستة أشهر.
وتعد المهمة، التي أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء، إلى محطة الفضاء الدولية هي أول مهمة طويلة الأمد لرواد الفضاء العرب في التاريخ.
وعقب وصوله أجرى فريق المهمة العديد من الأبحاث والتجارب العلمية التي تشارك فيها دولة الإمارات مع جميع وكالات ومراكز أبحاث الفضاء العالمية، ومنها ما يحمل بصمة إماراتية، لاسيما في مجال دراسة تأثير انعدام الجاذبية على جسم الإنسان والعمل على تلافي مخاطرها في المستقبل.

أول مكالمة
وبعد 4 أيام من وصوله إلى محطة الفضاء الدولية، أجرى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال زيارته لمقر مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي اتصالاً مع النيادي.
وأشاد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال الاتصال بالمكانة العالمية التي وصل إليها أبناء الإمارات وما حققوه من مجد حلقت رايته في فضاءات اللامستحيل.
وأكد أن دولة الإمارات حجزت مقعدها في الفضاء بإنجازات أبنائها التي هي ثمار عمل متواصل لكثير من فرق العمل وجهد حثيث لم يتوقف للحظة، بدأ منذ تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء وتأسيس وكالة الإمارات للفضاء وإطلاق استراتيجية الإمارات للفضاء والعديد من البرامج لتأهيل رواد الفضاء الإماراتيين في قطاع العلوم والفضاء، إلا أن الطموح الأكبر كان قد بدأ منذ السبعينيات، حلم وطموح زايد في استكشاف الفضاء وحفر اسم دولة الإمارات ليس في الأرض ولكن في أعالي السماء.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن المنطقة العربية هي في أمس الحاجة لنموذج ملهم لتطوير المقدرات العلمية، وابن الإمارات بكل فخر قدّم هذا النموذج ليس للمنطقة فحسب ولكن للعالم، وها هو اليوم يحقق أحلام إخوته العرب.


وخاطب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، النيادي، خلال الاتصال الذي جرى بمركز محمد بن راشد للفضاء، قائلاً: "وصولك لمحطة الفضاء الدولية في أطول مهمة في تاريخ العرب هو مفخرة لنا جميعاً، وحافز لمن يتابعونك من الشباب الإماراتي والعربي والعالمي .. أقول وأؤكد أن لا مستحيل على شعب الإمارات وإرادتنا تصنع المعجزات".
وأوضح أن دولة الإمارات لديها رسالة حضارية تنموية شاملة عابرة للقارات في صناعة واقع جديد للمنطقة ومستقبل حافل بالمنجزات، وهو ما يبدأ بالتعليم ومشاركة المعارف والخبرات في القطاعات الحيوية، وتسخير التكنولوجيا والإمكانات لخلق فرص جديدة واستثمارها لمصلحة المجتمع العلمي.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "الحلم الإماراتي لا يقبل التراجع ولا الخمول، كل حلم لدينا نتبعه بحلم أكبر خارج عن التوقعات وسابق للمعهود، الفضاء فتح لنا أبوابه وأبناء الإمارات يساهمون بفعالية في النهضة العلمية والمعرفة العالمية".
من جهته، عبر رائد الفضاء سلطان النيادي عن شكره وعميق امتنانه لدعم ومتابعة القيادة الرشيدة له في جميع مراحل المهمة، وحرصها على تأهيل جيل واعد من الشباب الإماراتي يتسلح بالعلوم ويشارك في مسيرة التنمية والتطور العالمية.
يوميات النيادي.. معلومات ورسائل
وحرص النيادي مشاركة الملايين من العرب وحول العالم يومياته وتجاربه العلمية في محطة الفضاء الدولية، عبر حسابه في موقع "تويتر".
ومع كل تغريدة جديدة يبث النيادي معلومات ورسائل مهمة. ففي 9 مارس/آذار نشر مقطع فيديو للحظات الأولى التي يشاهد فيها الأرض لأول مرة من وحدة المراقبة "كوبولا" على متن محطة الفضاء الدولية.
وغرد قائلاً: "كلما ابتعدنا عن الأرض نراها أجمل.. وندرك أكثر أهمية الحفاظ عليها".
وفي اليوم التالي نشر صورة له خلال ممارسة الرياضة، وغرد قائلاً: "على الأرض الرياضة مهمة.. أما في الفضاء فلا غنى عنها.. نمارس الرياضة على متن محطة الفضاء الدولية لنحو ساعتين ونصف يوميًّا لتفادي ضمور العضلات وضعف العظام في بيئة الجاذبية الصغرى".


وفي اليوم نفسه نشر حساب مركز محمد بن راشد للفضاء صوراً للنيادي، وهو يقوم بحفظ عينات من ثمار الطماطم التي كانت قد تمت زراعتها من قبل على متن محطة الفضاء الدولية، تمهيدًا لتحليلها ضمن دراسة حول تأمين الطعام بشكل مستدام في الفضاء.
ويوم الإثنين 13 مارس/آذار، طرح سلطان النيادي سؤالاً بشأن حركة الأجسام عند انعدام الجاذبية. وتحدث من محطة الفضاء الدولية عبر فيديو نشره عبر "تويتر"، عن حركة الجسم التي تكون إما بالدوران من اليسار إلى اليمين وإما من الأعلى إلى الأسفل، موضحاً أنه في كلتا الحالتين الحركة مستمرة في الاتجاه ذاته.
أوضح أن حالة الدوران الثالثة تكون إما بشكل متداخل والتي يتغير فيها اتجاه الجسم بين اليمين لليسار، وإما العكس من الأسفل للأعلى. وسأل متابعيه عن السبب وراء هذا الأمر، مشيراً إلى أنه يمكن تجربة ذلك حتى على الأرض.
وحظي السؤال بتفاعل كبير من المغردين العرب، وسط محاولات حثيثة للإجابة عنه.
وأمس الخميس، أطل سلطان النيادي في فيديو جديد للإجابة على السؤال، حيث قال "أشكر الجميع على التفاعل على سؤالي الأخير، إجاباتكم دائما تجعلني أثق بأنّه عندنا عقول مبدعة في عالمنا العربي، وهذه العقول هي أملنا ومستقبلنا المشرق نحو شعوب مفكرة ولديها شغف في العلوم".
وأضاف النيادي أن اختلاف حركة الجسم التي لاحظناها في الفيديو تعود إلى نظرية المحور الوسيط، حيث إن لأي شيء يدور محاور عدة وتختلف حركة الجسم تبعا لهذه المحاور.

المختبر كولمبوس
وفي إطار حرصه على تثقيف متابعيه وإمدادهم بمعلومات حول محطة الفضاء الدولية وأهميتها، نشر النيادي مقطعا مصورا له من محطة الفضاء الدولية يوم 15 مارس/آذار أكد خلاله أنها تعد مختبرا دوليا يعزّز فهمنا للكون.
وعلق النيادي على الفيديو الذي نشره عبر حسابه على تويتر قائلا: "من هنا، على متن محطة الفضاء الدولية، ندخل عالمًا واسعا في استكشاف الفضاء.. عالم نبتكر ونحقق فيه اكتشافات علمية جديدة.. فالمحطة ليست فقط منزلًا لروّاد الفضاء، بل هي مختبرٌ دولي يعزّز فهمنا للكون ويدفع إمكانيات الاستكشاف البشري إلى أقصى الحدود".
وقال النيادي خلال الفيديو: "منذ أكثر من 20 سنة تجري البشرية تجارب على محطة الفضاء الدولية"، مضيفا: "نجري في المختبر كولمبوس بمحطة الفضاء الدولية تجارب على المواد والسوائل وزراعة النباتات، لمساعدتنا في حياتنا اليومية وزيادة إنتاج النباتات".


وتابع: "نحن كرواد فضاء تقوم علينا بعض التجارب والدراسات لنرى تأثير انعدام الجاذبية على الإنسان ومدى خطورة السفر في الفضاء السحيق بالمستقبل".
وختم حديثه قائلاً: "أشارك في العديد من التجارب العلمية خلال مهمتي على محطة الفضاء الدولية والتي تستمر 6 أشهر، وسأنشر نتائجها تباعا".
وخلال 4000 ساعة على متن محطة الفضاء الدولية سيجري سلطان النيادي أكثر من 19 تجربة بحثية، ودراسات متقدمة، بالتعاون مع وكالة ناسا، ووكالة الفضاء الأوروبية، ووكالة الفضاء الكندية، والمركز الوطني لدراسات الفضاء بفرنسا، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية "جاكسا"، تشمل مجموعة من المجالات، أبرزها نظام القلب والأوعية الدموية، وآلام الظهر، واختبار وتجربة التقنيات، وعلم "ما فوق الجينات"، وجهاز المناعة، وعلوم السوائل، والنبات، والمواد، إضافة إلى دراسة النوم، والإشعاعات.
كما ستشمل المهمة جانب التوعية التعليمية من أجل إلهام الجيل القادم من العلماء والباحثين، حيث اختار مركز محمد بن راشد للفضاء مشروعين بحثيين من جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، إذ يركز المشروع الأول على تقييم تأثير بيئة الجاذبية الصغرى في الفضاء على التفاعل بين القلب ووضعية الجسم، بينما سيعمل المشروع الثاني على دراسة خلايا الفم والأسنان على الأرض في بيئة تحاكي الجاذبية الصغرى.