لارتياد آفاق بعيدة في الفضاء نحتاج للتغلب على بعد المسافات والتزود بالوقود وزيادة سرعة المركبات التي تحتاجها (بريكثرو إنيشياتيف)
حاجتنا لاستكشاف الفضاء لا تقف فقط عند محاولة فهم نشأة الكون أو معرفة المجرات القديمة أو كيفية تشكل الكواكب ودورات حياة النجوم، بل تتعداها لإيجاد مواطن محتملة للحياة في غير كوكب الأرض، سواء داخل نظامنا الشمسي أو خارجه، إلا أن محدودية إمكاناتنا التقنية لاتزال تقف عائقا أمام استكشافنا لما هو أبعد من نظامنا الشمسي.
مفهوم جديد
بعد المسافات وكيفية التزود بالوقود وسرعة المركبات الفضائية التي تحتاجها للوصول إلى الفضاء ما بين النجوم خارج حدود الغلاف الشمسي هي بعض المشكلات التي يحاول العلماء إيجاد حلول عملية لها في سبيلهم لإرسال بعثات إلى الفضاء ما بين النجوم، وإن كانوا قد نجحوا في واحدة من هذه المحاولات مع المسبارين فوياجر1 وفوياجر2، اللذين تم إطلاقهما من الأرض عام 1977، ويبعدان الآن عن الأرض مسافة تزيد على الـ24 مليار كيلومتر، إلا أن وصول فوياجر لحدود الغلاف الشمسي تطلب أن يسافر المسبار بسرعة قياسية بلغت 3.6 وحدات فلكية في السنة لمدة 35 عاما.
والآن، وفي إطار السعي لتخطي هذه العقبات، حصل المفهوم المعروف باسم نظام دفع "شعاع الحبيبات" (Pellet-Beam) الذي اقترحه مهندس الطيران أرتور دافويان من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، على منحة قدرها 175 ألف دولار أميركي في وقت سابق من هذا العام بهدف إجراء المزيد من التطوير على المفهوم.
ويبحث هذا الاقتراح بنية الدفع الجديدة للنقل السريع للحمولات الثقيلة (1 طن وأكثر) عبر النظام الشمسي وإلى الوسط النجمي.
يمكن لنظام دفع "شعاع الحبيبات" أن يدفع مسبارا بوزن طن واحد بسرعات تصل إلى حوالي 480 ألف كيلومتر في الساعة (ناسا)
سرعات فائقة
يذكر التقرير الذي نشرته "ساينس ألرت" (Science Alert) في 23 مارس/آذار الجاري أنه يمكن لنظام الدفع المقترح حديثا هذا -بشكل نظري- أن يرسل مركبة فضائية ثقيلة إلى خارج حدود نظامنا الشمسي في أقل من 5 سنوات فقط (وهي المسافة التي قطعها مسبار فوياجر1 التاريخي في 35 عاما).
استلهم مفهوم "شعاع الحبيبات" -جزئيا- من مبادرة "بريك ثرو ستارشوت" (Breakthrough Starshot) وهي المبادرة التي تهدف إلى إظهار دليل على مفهوم المصنوعات النانوية فائقة السرعة المدفوعة بالضوء، والذي يمكنه إضافة فوائد تكميلية مهمة لعلم الفلك، بما في ذلك استكشاف النظام الشمسي واكتشاف الكويكبات العابرة للأرض، والتي تعمل على نظام دفع "الشراع الشمسي"، وهو مفهوم يقول إنه يمكن -نظريا- لمسبار صغير مدفوع بأشعة ليزر شديدة القوة الإبحار إلى "بروكسيما سنتوري" (Proxima Centauri) وهو نجم قزم أحمر يبعد عن الأرض حوالي 4.2 سنوات ضوئية المجاور في غضون 20 عاما فقط.
ليزر بقوة 10 ميغاواتات فقط
ولشرح أكثر لمفهوم شعاع الحبيبات، يذكر موقع "إنتريستنغ إنجينيرينغ" (Interesting Engineering) أن الباحث الرئيسي وراء المفهوم قد اقترح هو وفريقه استخدام مركبتين فضائيتين، تنطلق إحداهما نحو الفضاء بين النجوم، بينما تذهب الأخرى إلى مدار حول الأرض، حيث ستطلق المركبة الفضائية المدارية آلاف الحبيبات المعدنية الصغيرة على المركبة الفضائية بين النجوم في كل ثانية، كما ستقوم إما بإطلاق شعاع ليزر بقوة 10 ميغاواتات على المسبار بين النجوم أو ستعيد توجيه إشعاع ليزر يتم إطلاقه من الأرض باتجاه المركبة "البين نجمية".
عندما يضرب هذا الليزر الحبيبات سيقوم بتسخينها لدرجة إزالة طبقة منها لتصبح بلازما (شترستوك)
وعندما يضرب هذا الليزر الحبيبات سيقوم بتسخينها لدرجة إزالة طبقة منها لتصبح بلازما، وتعمل هذه البلازما على تسريع بقايا الحبيبات، وبالتالي فإن حزمة الحبيبات هذه ستوفر قوة دفع تدفع المركبة الفضائية بسرعات هائلة.
وقد اقترح دايوفان أيضا طريقة بديلة حيث يمكن لجهاز توليد مجال مغناطيسي على متن المركبة أن يتنافر مع الحبيبات ويدفع المركبة إلى الأمام.
مفهوم يحتاج إلى إثبات
يعتقد دايوفان أن نظام دفع شعاع الحبيبات يمكن أن يدفع مسبارا بوزن طن واحد بسرعات تصل إلى حوالي 480 ألف كيلومتر في الساعة، مما يعني أنه سيكون أسرع بـ10 مرات من أنظمة الدفع الكيميائية للصواريخ التقليدية، وسيسمح له بالخروج من الغلاف الشمسي (فقاعة الرياح الشمسية حول نظامنا الشمسي).
ويقول دافويان: "باستخدام شعاع الحبيبات، يمكن الوصول إلى الكواكب الخارجية في أقل من عام، وإلى 100 وحدة فلكية في حوالي 3 سنوات وإلى عدسة الجاذبية الشمسية عند 500 وحدة فلكية في حوالي 15 عاما" و"الوحدة الفلكية" تساوي تقريبا المسافة بين الأرض والشمس – حوالي 150 مليون كيلومتر.
حاجتنا لاستكشاف الفضاء لا تقف فقط عند محاولة فهم نشأة الكون أو معرفة المجرات القديمة (غيتي)
ويؤكد دايوفان أن كل هذا مجرد تكهنات في الوقت الحالي، لكن في المرحلة الأولى من منحة ناسا للمفاهيم المبتكرة والمتقدمة (NIAC) NASA’s Innovative and Advanced Concepts سيتم تركيز الجهد لإثبات جدوى مفهوم الدفع المقترح من خلال إجراء نمذجة مفصلة للأنظمة الفرعية المختلفة لهندسة الدفع المقترحة، ومن خلال إجراء إثبات لدراسات تجريبية للمفهوم.
وبالرغم من أن المفهوم حاليا غير موجود بشكل يتجاوز الحسابات على الورق، فإن أهميته تتجاوز قدرته على نقلنا إلى الفضاء بين النجوم خلال فترات معقولة ضمن عمر الإنسان -وهو أمر لا تستطيع الصواريخ التقليدية التي تعمل بالوقود الكيميائي أن تفعله- غير أن الأهم هو قدرتها على فعل ذلك بمركبات أكبر بكثير، ربما ستكون محملة يوما ما بالبشر وبمقومات إنشاء حياة جديدة على كوكب جديد.