غيث العمري: "في غزة والضفة الغربية، يبدو الوضع ميؤوسا منه تماما للشباب الفلسطيني"

نشرت في: 27/03/2023

أجرى المفاوض الفلسطيني السابق والمحامي المتخصص في حقوق الإنسان والمدافع المتحمس عن الحوار وحل الدولتين غيث العمري، أثناء مروره بالعاصمة الفرنسية باريس، مقابلة مطولة مع فرانس24. قسمنا هذه المقابلة إلى ثلاث حلقات، خصصنا الحلقة الأولى منها للشباب الفلسطيني وآفاق المستقبل الضئيلة المتاحة أمامه.

غيث العمري، محام متخصص في حقوق الإنسان وباحث بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو ممثل معترف به في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، التي توقفت في العام 2014.
المفاوض الفلسطيني السابق، لا سيما في قمة كامب ديفيد ومحادثات طابا والمستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حتى عام 2006، كان في زيارة لباريس هذا الأسبوع لعرض مشروع "همسات من غزة" الذي شارك فيه بنفسه. وهذا المشروع هو عبارة عن سلسلة من أفلام الرسوم المتحركة القصيرة التي تعرض شهادات فلسطينيين يروون حياتهم اليومية الصعبة تحت حكم حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة.



يتناول غيث العمري، في الحلقة الأولى من مقابلته المطولة مع فرانس24، الصعوبات والعقبات التي يواجهها الشباب الفلسطيني في سياق الأزمة الاقتصادية والشلل السياسي، سواء في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة. كما يشير في معرض حديثه إلى التوترات بين الفلسطينيين وبين حكومة بنيامين نتانياهو، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، والتي تتسبب في استبعاد أي أمل، في الوقت الحالي، لاستئناف عملية السلام.

  • فرانس24: يسلط مشروع "همسات من غزة" الضوء على صعوبات الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس ويقبع تحت الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007. ما هي الآفاق المتاحة اليوم لأي شاب فلسطيني يبلغ من العمر 20 عاما؟

غيث العمري: اليوم، في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة، يبدو الوضع ميؤوسا منه تماما للشباب الفلسطيني. فالآفاق المستقبلية محدودة للغاية بالنسبة للشباب في غزة. فهم ليس لديهم الكثير من الخيارات. إن إمكانية العثور على وظيفة في قطاع غزة تكاد تكون شبه منعدمة؛ فالحصار الإسرائيلي قد دمر الاقتصاد تماما، إضافة بالطبع لممارسات حركة حماس. واليوم، إن أراد شاب فلسطيني القيام بأية أعمال تجارية في قطاع غزة، فهو يجب إما أن يكون عضوا في حماس أو على الأقل مقربا منها. وإذا لم يكن كذلك فهو ليس لديه أية فرصة لتحقيق ذلك. لهذا السبب نرى الكثير من الشباب في غزة يخاطرون بأنفسهم في الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. ونسمع كل يوم عن غرق شباب فلسطينيين في محاولة الوصول إلى أوروبا. بينما يقرر آخرون حمل السلاح والانضمام إلى جماعات المقاومة.

في الضفة الغربية المحتلة أيضا، يبدو الوضع ميؤوسا منه. من المؤكد أن الوضع الاقتصادي هناك أفضل قليلا، لأن المنطقة أكثر انفتاحا على الأسواق الإسرائيلية والأردنية، ولكن الآفاق تظل محدودة. إن الاحتلال الإسرائيلي يحد من التنمية الاقتصادية، في حين أن الفساد السائد داخل السلطة الفلسطينية يولد أيضا نقصا في الفرص لجيل الشباب.
فليس الاقتصاد وحده هو الذي دمر في هاتين المنطقتين، بل الحياة السياسية أيضا تكاد تكون منعدمة جراء غياب النشاط السياسي. ووفقا لاستطلاع رأي اطلعت عليه مؤخرا، يعتقد 50 بالمئة من سكان غزة أنهم لا يستطيعون انتقاد حركة حماس بأمان، ويعتقد 50 بالمئة من سكان الضفة الغربية المحتلة أنهم لا يستطيعون كذلك انتقاد السلطة الفلسطينية بأمان. لم تكن الحياة السياسية الفلسطينية ديمقراطية أبدا، لكنها كانت حية ونشطة. فبإمكان الشباب الفلسطيني أن ينضم إلى حركة فتح أو إلى التشكيلات السياسية الأخرى الأصغر حجما، وأن يصبح بذلك ناشطا سياسيا ومهما وناجحا. اليوم، لم يعد كل هذا موجودا، لأن هذا الفضاء السياسي قد أغلق. فهو لا يمكنه انتقاد السلطة الفلسطينية بدون المخاطرة بأن يزج به في السجن. وينطبق الشيء نفسه على قطاع غزة مع حركة حماس، وهو الأمر الذي يمكن التحقق منه في "همسات من غزة". لذلك عندما لا تكون لديك فرص ازدهار اقتصادي وتحرم أيضا من الفضاء السياسي، ينتهي بك الأمر حتما إلى اليأس.

  • هل لا يزال الجيل الشاب من الفلسطينيين مؤمنا بالسياسة والديمقراطية؟ أنت تتحدث أيضا عن اليأس؛ فما الذي يجب القيام به لمنحهم الأمل مرة أخرى؟

إذا نظرت إلى الجمهور الفلسطيني اليوم بصورة عامة، فإنه لا يولي ثقته لأي شخص. لا يثق الفلسطينيون في نوايا إسرائيل للمضي قدما، وليس لديهم ثقة أكبر في حكامهم لتحسين ظروف حياتهم اليومية. وذلك نتيجة لمجموعة من عدة أسباب أهمها: فشل عملية السلام، وفشل وإهمال القادة السياسيين، وإغلاق مجال العمل السياسي. لا يمكننا فعل الكثير من أجل إحياء عملية السلام اليوم بسبب ما يحدث في إسرائيل، ولكن على الأقل يمكننا فعل الكثير من أجل إصلاح نظام الحكم.
أولا، يجب على المجتمع الدولي أن يبدأ في اتخاذ عدد من الإجراءات مرة أخرى فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ لأننا لا نستطيع الحديث عن الشؤون الداخلية الفلسطينية بدون الحديث عن الاحتلال الإسرائيلي. ويجب على المجتمع الدولي أن يضغط، بدعم من شركاء إسرائيل العرب الجدد، على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ تدابير تؤدي بنا إلى الاقتراب من إنهاء الاحتلال. كما يجب أن يتبنى مواقف أكثر حزما عندما يدلي بعض الوزراء الإسرائيليين، مثل بتسلئيل سموتريتش، الذي لا يعترف حتى بوجود الفلسطينيين، بتصريحات غير مقبولة.
ثانيا، يجب أن نضغط على حلفاء القادة الفلسطينيين، في كل من غزة ورام الله، لإفساح المجال السياسي لأولئك الذين ينتمون للمعارضة. وفيما يتعلق بحماس، يجب أن نتجه بأنظارنا صوب مؤيديها الإقليميين: قطر، الممول الرئيسي لها، وتركيا، الداعم السياسي الأكبر لها. هذان البلدان حساسان للغاية تجاه الضغوط الأوروبية والأمريكية عليهما، لأن الدوحة شريك تجاري مهم للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فيجب على المجتمع الدولي أن يعمل مع حلفائه من العرب، الأردن ومصر.
وأخيرا، يجب أن ننظر إلى الحالة الاقتصادية وأن نحاول التعامل مباشرة مع القطاع الخاص الفلسطيني. يجب أن نوجد مشاريع على الأرض تعود بالنفع على عدد كبير من الفلسطينيين أو مشاريع تستثمر في القطاع الخاص من أجل السماح للأخير بالاستقلال ومقاومة ضغوط الحكام الفاسدين في كثير من الأحيان.

  • لقد شاركت في عدة جولات من المفاوضات كمفاوض فلسطيني. هل لا تزال تخبر الشباب الفلسطيني بأهمية عدم التخلي عن الإيمان بحل الدولتين، دولة فلسطينية تعيش بجوار إسرائيل؟

نعم، لأنه ببساطة لا يوجد بديل لهذا الحل. إذا نظرنا إلى طبيعة الصراع وأسسه، يمكننا أن نرى أنه صراع بين حركتين وطنيتين تربطهما صلة قوية جدا بالأرض نفسها، ولديهما أيضا هوية قوية جدا خاصة بهما. لماذا تم إنشاء دولة إسرائيل في المقام الأول؟ لأن الشعب اليهودي يحتاج إلى بلد خاص به، ليس فقط من أجل أمنه، ولكن ليكون أيضا قادرا على التعبير عن هويته بحرية. إذا نظرت إلى الجانب الفلسطيني، فسترى أنه يريد الشيء نفسه. فهويته الوطنية وعلاقته بهذه الأرض قوية جدا أيضا. هذا هو السبب في أن فكرة دولة واحدة ليست حلا جيدا. فماذا ستكون لغتها الرسمية، العبرية أم العربية؟ هل يحمل علمها الألوان الإسرائيلية أم الفلسطينية؟ لأننا إن جمعنا هاتين الهويتين الوطنيتين معا في دولة واحدة، فإنهما لن تذوبا أو تختفيا. ببساطة، سننتقل من صراع دبلوماسي إلى حرب أهلية. فإذا قمنا بتوحيد الفلسطينيين والإسرائيليين في دولة واحدة، فسيتعين علينا تدمير الهوية الإسرائيلية أو الهوية الفلسطينية، لكن أيا من هذين الحلين ليس أخلاقيا ولا واقعيا. في النهاية، فقط حل الدولتين هو الحل الوحيد المتاح؛ حيث يمكن لكل دولة التعبير عن تطلعاتها وهويتها الوطنية.
إن التحدي اليوم هو الضمان الدائم بأن تظل إمكانية حل الدولتين قابلة للتطبيق وممكنة للأجيال القادمة، نظرا لأن هذا الحل لا يمكن تحقيقه اليوم بسبب الضعف السياسي للجانب الفلسطيني وتطرف الحكومة الإسرائيلية الحالية. وهذا هو السبب في أن قضية المستوطنات الإسرائيلية تعد أمرا حاسما. ومن الضروري كذلك ضمان بقاء النظام السياسي الفلسطيني سليما. لأنه إذا انهار، فلن يتبقى أحد للتحدث معه على الجانب الفلسطيني. من أجل ذلك فإنه من الضروري إصلاح السلطة الفلسطينية وإحياء الأمل عبر تشجيع المبادرات الاقتصادية المشتركة ومواصلة التعاون الأمني بين الطرفين. لأننا في النهاية نعرف أن دولة إسرائيل موجودة لتبقى ولن تزول، تماما كما لن يختفي الفلسطينيون أيضا. لذا فإن الطريقة الوحيدة لحل هذا الصراع هي من خلال الحوار. حتى لو كان ذلك مستحيلا اليوم.