هل يشكل التقارب السعودي الإيراني خطوة أولى لتحقيق السلام في اليمن؟

نشرت في: 16/03/2023


أ ف ب

يرى مختصون في شؤون الشرق الأوسط، أن حدوث تقارب فعلي بين السعودية وإيران في الأسابيع المقبلة، ستكون له لا محالة تداعيات على الوضع في اليمن، حيث للقوتين الإقليميتين ثقل خاص في الحرب الجارية في هذا البلد منذ ثماني سنوات. وقد يكون تبادل الأسرى والبعض من الاعتدال في سياسة الطرفين باليمن على جدول الأعمال. تحليل:
إعلان
اتجهت الأنظار نحو اليمن بمجرد الإعلان عن اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في 10 مارس/آذار، حيث تتواجه القوتان الإقليميتان في هذا البلد، بشكل غير مباشر، منذ 2015.
وإذا كان لهذا الاتفاق آثار بالشرق الأوسط، فستكون تحديدا في اليمن الذي دمرته حرب شرسة بين حكومة مدعومة من تحالف عسكري عربي تقوده الرياض، والحوثيين الذين تدعمهم طهران.
ورحب المعسكران اليمنيان بسرعة بإعلان ذوبان الجليد في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الشيعية والمملكة البترولية الوهابية.
وعبرت السلطات في اليمن عن أملها في أن استئناف العلاقات بين البلدين، سيسمح "بفتح عهد جديد في العلاقات الإقليمية، وسيضع حدا لتدخل إيران في الشؤون اليمنية". من جهته، أكد محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في مطلع 2015، أن "المنطقة كانت بحاجة للعودة إلى تطبيع للعلاقات".

آثار إيجابية على اليمن؟
انطلقت في جنيف السبت، المحادثات بين الحكومة اليمنية والحوثيين حول تبادل الأسرى. فهل كانت مجرد صدفة أم جاءت نتيجة الآثار الأولية لتحسن العلاقات بين السعودية وإيران؟ لاسيما وأنها نظمت عقب اتفاق بكين بين الرياض وطهران.
والمحادثات المنعقدة تحت إشراف الأمم المتحدة، هي السابعة من نوعها بين الجانبين والتي ستدوم 11 يوما، وترمي إلى تنفيذ اتفاق حول تبادل الأسرى، كان طرفا النزاع باليمن قد توصلا إليه في استوكهولم قبل خمس سنوات.
وإن كانت التوافقات التي تمت بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تبقى مجهولة، إلا أن التوصل لاتفاق بين طهران والرياض قد أعاد الدفء للعلاقات بين البلدين، ويظل الأمل في تحريك الملف اليمني قائما بفضل الحوار الإيراني السعودي، إلا أن تجسيد النوايا الحسنة للطرفين على أرض الواقع يبقى في الانتظار.
وبحسب مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف رياض الصيداوي، فيمكن أن ننتظر فعليا نتائج إيجابية على الملف اليمني بعد تبادل السفراء بين الإيرانيين والسعوديين، "الذي يعني فتح القنوات المباشرة" بين القوتين.
"يمكن أن نقول، لأول مرة، أنه يوجد أمل كبير، وتحديدا بشأن تبادل الأسرى، لاسيما وأن الطرفين حددا 11 يوما للنقاش، ما سيمسح بدراسة عدة ملفات"، يوضح الصيداوي.
هذا التفاؤل ينطلق من الأجواء الجديدة في العلاقات بين طهران والرياض، والذي "سيدعو السعودية إلى ممارسة الضغط على الحكومة اليمينة والإيرانيين على الحوثيين والأمم المتحدة ستضغط عليهما معا" لتسجيل تقدم في الملف، "بل أكثر من ذلك، هناك ثمة تفاؤل لتجاوز مسألة الأسرى نحو اتفاق سلام دائم"، وفق الصيداوي.
"اختبار جدية إيران"؟
من جانبه، يفضل السعوديون رؤية إشارات تعبر عن إرادة حقيقية من طرف إيران قبل الدخول في مرحلة تفاؤل.
"نحن في مرحلة أولى لاختبار مدى جدية إيران نحو الاتفاق"، يشير الكاتب والمحلل السياسي السعودي سعد عبد الله الحامد من الرياض. علما أن الأخيرة "تريد أن يستمر هذا الاتفاق، وأن تسير العلاقات بالشكل المطلوب ولكن هناك قضايا في طور الحوار وستكون تفاهمات بين الطرفين حولها"، يوضح عبد الله الحامد.
وتوجد الكثير من الملفات على طاولة المفاوضات أبرزها اليمن، يلفت سعد عبد الله الحامد، ويجملها في: "الحرب في اليمن، التدخل في هذا البلد، ثقل الميلشيات، التهديد الذي يمثله الحوثيون على السعودية وأمن الطاقة والممرات المائية".
وتعرضت المنشآت البترولية السعودية في السنوات الأخيرة لهجمات عبر طائرات مسيرة، كما كانت هدفا لصواريخ تبنى إطلاقها الحوثيون.
بالنسبة لسيمون مابون أستاذ العلاقات الدولية والمختص في قضايا الشرق الأوسط بجامعة لانكستر في المملكة المتحدة، تهدئة التوترات في اليمن كان شرطا مسبقا من طرف الرياض للتقارب مع خصمها الإقليمي.
ويفسر مابون: "نقطة الخلاف الرئيسية التي واجهت المحاولات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، هي غياب حل ملموس للأزمة اليمنية التي كان بإمكانها تهدئة مخاوف السعوديين بشأن هجمات الحوثيين ضد المملكة. ويبدو لي أنه إن كانت الرياض قد توصلت إلى اتفاق مع طهران، فهذا يعني أن السعوديين وجدوا وسيلة للخروج من اليمن أو أداة لضمان أمنهم".
ومع ذلك، لا يبدو أن الإيرانيين مستعجلين لإحراق المراحل، وينتظرون بدورهم ضمانات، كما يلمح إلى ذلك الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي.
ويقول الأخير: "السعودية التي اعتقدت أنها ستسيطر على اليمن في ظرف ستة أشهر، دخلت في حرب امتدت لسنوات. لذلك يريد محمد بن سلمان الآن الانتهاء من هذا النزاع واعتلاء العرش للانكباب على المشاريع الكبرى من مخططه ‘رؤية 2030‘".
ويضيف "يجب في البدء استئناف العلاقات الدبلوماسية رسميا بين البلدين، والمرحلة الأولى تكون بفتح سفارتيهما وتبادل السفراء. وعندما يتم معالجة الملفات التي تهم البلدين، تطرح بعدها الملفات الإقليمية، أولها ملف اليمني الذي طرح خلال المحادثات".
نزاع "لا يعني الرياض وطهران فقط"
رغم التقارب بين القوتين الإقليميتين الذي له تأثير مباشر على نزاع أسفر، حسب الأمم المتحدة، عن 377 ألف قتيل خلال ثمانية أعوام وتسبب في أزمة إنسانية خطيرة، فمن المبكر الاعتقاد أن اليمن خرج من النفق الصعب، وإن كان الاتفاق المبرم في بكين سيعود بالنفع على اليمنيين الذين تنفسوا الصعداء جزئيا مع هدنة امتدت ستة أشهر وانتهت في أكتوبر/ تشرين الأول، لكنها ساهمت في التخفيف من العنف بشكل ملموس.
"ما أخشاه أكثر هو أن هذا الاتفاق يهمل ويهمش اليمنيين أنفسهم، الذين واجهوا العديد من الصعوبات والضغوطات الكثيرة خلال العشر سنوات الأخيرة، وسط نزاعات، وتحديات بيئية والعديد من أزمات النقص في الأغذية"، يشير سيمون مبون.
ويتابع: "لا يجب أن يكون اتفاقا منحصرا على الطبقة السياسية العليا، والذي يمكن للسعوديين والإيرانيين عقده مع النخب المحلية اليمنية. يعني مع فاعلين جهويين لا يصغون بالضرورة لصوت وانشغالات اليمنيين العاديين الذين يكافحون من أجل توفير الغذاء، ومن أجل العيش، ولأجل علاج أطفالهم أو السماح لهم بالذهاب إلى المدرسة".
ورغم الأجواء الجديدة في المنطقة، لا يجب نسيان الصعوبات التي تفرضها طبيعة وتعقيدات النزاع، الذي ينضاف إليه التهديد الإرهابي والتحركات الانفصالية في الجنوب الذي كان مستقلا في وقت سابق.
وبحسب سيمون مبون، "النزاع في اليمن لا يعني السعودية وإيران فقط، بل يتعلق أيضا بإشكالات محلية، صراعات من أجل مراقبة الحدود، رؤية كل طرف لمفهوم الدولة.. إلا أن هذه الأسئلة لا يمكن التفاوض بشأنها من طرف النخب في الرياض وطهران. لذلك أنا قلق قليلا بالنسبة لما سيأتي من بعد".