انهيارات بنوك التقنية.. هل تتحول لشرارة أزمة مالية عالمية جديدة؟

الإثنين 2023/3/13


انهيارات بنوك التقنية الأمريكية

أصبحت الأسواق العالمية أمام تساؤل ملح اليوم مع تصاعد حالات إفلاس المصارف الأمريكية، وهو: لماذا تنهار البنوك التقنية الرائدة؟
البداية كانت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022؛ عندما انهارت منصة "FTX"، ثاني أكبر منصة تداول عملات مشفرة في العالم، والتي أسسها رائد الأعمال الشاب سام بانكمان-فريد؛ حيث أعلنت إفلاسها وخسرت مليارات الدولارات في غضون أيام.
لكن يبدو أن إفلاس المنصة تحول إلى صدع آخذ في التسلل والنمو ليس فقط بصناعة العملات المشفرة ولكن بالصناعات القائمة على المتغيرات التقنية؛ والانهيار الجديد جاء هذه المرة عبر بوابة بنك "سيلفرغيت" (Silvergate)، وهو أقدم وثاني أكبر بنك يخدم صناعة العملات المشفرة؛ إذ أعلنت الشركة القابضة "سيلفرغيت كابيتال" عن تصفية بنكها "سيلفرغيت" وإنهاء أعماله، في بيان صدر عنها الأربعاء 8 مارس/آذار 2023.


ومعاناة "سيلفرغيت" بدأت في الربع الرابع من 2022 مع إعلانه خسارة صافية تقارب مليار دولار بعد تنامي مخاوف عملاء البنك من انهيار "FTX"، واندفاعهم لسحب أموالهم بما يُقدَّر بنحو 8.1 مليار دولار لتنخفض ودائع البنك بنسبة 68% وتصل إلى 3.8 مليار دولار في غضون 3 أشهر فقط، وتبعها تسريح البنك لـ40% من قوته العاملة في يناير/كانون الثاني 2023، بحسب بيانات نشرتها قناة cnbc الأمريكية.


وبعد إعلان إفلاس بنك "سيلفرغيت" بيومين تقريبا، جاء يوم الجمعة 10 مارس/آذار 2023، ليشهد انهيار بنك آخر يركز على إقراض شركات التقنية الناشئة في وادي السيليكون، معقل شركات التقنية الأمريكية، وهو بنك مجموعة سيليكون فالي المالية (SVB Financial Group)، الذي يُعَدُّ أكبر بنك ينهار منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
كان بنك سيليكون فالي يُصنف في المرتبة 16 بالقطاع المصرفي الأمريكي بنهاية 2022، بأصول بلغت نحو 209 مليارات دولار. وهناك عدة أسباب تضافرت نحو انهيار البنك الذي يُعرف بكونه المؤسسة المالية الأولى للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والرعاية الصحية في الولايات المتحدة، لكن السبب الأوضح هو خطوات مجلس الاحتياطي الفيدرالي "المركزي الأمريكي" نحو تشديد نقدي أكبر ورفع أسعار الفائدة منذ مارس 2022، التي ساهمت في سقوط بيئة عمل الشركات الناشئة التي يخدمها البنك بالأساس.
وعلى مسار تفاقم الأزمة، سرعان ما اتجه عملاء SVB تحو سحب أموالهم بسرعة من فروع البنك، ومع ارتفاع نسبة الفائدة أصبحت أصول البنك في خطر، لأنها تُباع بأقل من قيمتها، ولهذا يخسر البنك أمواله.
وكما أعلن "سيلفرغيت" عن خسارة مليار دولار من بيع الأصول في الربع الأخير من العام الماضي، خسر بنك "SVB"، الذي يملك ميزانية عمومية أكبر، نحو 1.8 مليار دولار أثناء تصفية أصوله.
وفي 12 مارس/آذار الجاري -أقل من أسبوع منذ انهيار بنك سيلفرغيت- أعلنت إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك، أنها استحوذت على بنك سيجنتشر، الذي يقدم خدمات بصناعة العملات المشفرة، وألحقت صفة المستلم بالمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، وذلك في ثالث حالة إفلاس لبنك في غضون أيام.
وأضافت الإدارة، في بيان، نقلته رويترز، إن الودائع لدى بنك سيجنتشر بلغت حوالي 88.59 مليار دولار في المجمل حتى يوم 31 ديسمبر/كانون الأول. فيما مؤسسة التأمين الفيدرالية على الودائع إنها نقلت جميع ودائع بنك «سيجنتشر» وكافة أصوله إلى «سيجنتشر بريدج أن أيه»، وهو بنك متكامل الخدمات ستديره مؤسسة التأمين الفيدرالية (FDIC)، حيث تقوم بتسويق عملية بيع البنك لمقدمي العطاءات المحتملين.


وقالت وزارة الخزانة وجهات تنظيمية أخرى بقطاع البنوك في بيان مشترك الأحد 12 مارس/آذار 2023، إنه سيتم تعويض المودعين في بنك سيجنتشر وإن "دافعي الضرائب لن يتحملوا أي خسائر".
وكان "بنك سيجنتشر" (Signature Bank)، قد أعلن في ديسمبر/كانون الأول 2022 أنه سيقلص ودائعه المرتبطة بالعملات المشفرة بنحو 8-10 مليارات دولار فقط، مما يشير إلى ابتعاده أكثر عن صناعة العملات المشفرة.
وختامًا، ومع تصاعد الانهيارات المصرفية في الولايات المتحدة لا يمكن الجزم بأن تأثير الدومينو على البنوك الأخرى بالولايات المتحدة، والذي اجتاح الصناعة المصرفية في 2008، لن يتكرر مرة أخرى دافعًا بالبنوك إلى مواجهة شبح أزمة مالية عالمية جديدة، لكن يمكن الإشارة إلى أن النظام المصرفي يتمتع بالسيولة ورأس المال أفضل من أي وقت سابق، والبنوك التي تعاني الآن أصغر بكثير من أن تشكل تهديدًا حقيقيا للنظام المصرفي بأكمله، وفقًا لمارك زاندي كبير الاقتصاديين في وكالة موديز في أعقاب تعليقه على أزمة انهيار بنك سيليكون فالي، وربما يحمي ذلك من تكرار سيناريو أزمة 2008.