احتمالات شبه مؤكدة لعودة ظاهرة النينيو هذا الصيف (الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في أميركا)
بعد 3 سنوات من هيمنة ظاهرة النينيا المناخية، يبدو أن عودة ظاهرة النينيو أصبحت مؤكدة مع بداية الصيف القادم، بحسب تحديث جديد للحالة المناخية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).
فما أبرز تأثيرات النينيو المنتظرة على المناخ العالمي وعلى المنطقة العربية؟


ما النينيا؟ وما النينيو؟
النينيا (La Niña) والنينيو (El Niño) ظاهرتان مناخيتان متعاقبتان في إطار تذبذب طبيعي غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في شرق المحيط الهادي قريبا من مناطق خط الاستواء، يعرف باسم ظاهرة "النينيو-التذبذب الجنوبي" (ENSO).
هذا التذبذب له تأثير كبير على ظواهر الطقس في العديد من القارات، وفق موقع "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" الأميركية (NOAA).
في الحالات العادية، تهب الرياح الموسمية في المحيط الهادي حول خط الاستواء، من الشرق (أميركا) في اتجاه الغرب (أستراليا وآسيا). ويؤدي ذلك إلى دفع المياه السطحية الدافئة نحو الغرب، وصعود المياه الباردة على طول السواحل الأميركية.
في فترة النينيا تكون هذه الرياح أكثر شدة، ودرجة حرارة سطح الماء أبرد من المعتاد في شرق المحيط، مما يدفع بالمزيد من المياه العميقة الباردة نحو السطح، لذلك تعرف بفترة التبريد.




أما في فترة النينيو، فتميل الرياح إلى عكس اتجاهها، وترتفع درجة حرارة المياه السطحية قبالة سواحل القارة الأميركية، وعادة ما تتخلل الظاهرتين فترة محايدة.

فترة النينيا سادت منذ 3 سنوات وستحل محلها ظاهرة النينيو (مواقع إلكترونية)
النينيو قادم
بحسب تحديث جديد لحالة المناخ أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن فترة النينيا السائدة منذ 3 سنوات على وشك الانتهاء، لتبدأ فترة محايدة قصيرة قبل أن تحل محلها ظاهرة النينيو.
وأظهر التحديث، وفق بيان صحفي نشر على موقع المنظمة في الأول من مارس/آذار الجاري، أن احتمالات حدوث الظروف المحايدة ستصل إلى حوالي 90% خلال الفترة الممتدة بين مارس/آذار الجاري ومايو/أيار القادم، فيما تزداد فرص حدوث ظاهرة النينيو تدريجيا لتصل إلى 55% في الفترة بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب القادمين.
وتعيد هذه الاحتمالات -التي بنيت على تنبؤات نموذج مناخي وتقييم مجموعة من الخبراء- إلى الأذهان الحرارة القياسية التي سجلت في أوج فترة النينيو الأخيرة عام 2016، العام الأسخن على الإطلاق منذ بداية الثورة الصناعية.
هذا الانعكاس في ظاهرة التذبذب الجنوبي توقعت حدوثه أيضا الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وسيكون له -بحسب الخبراء- تأثير مباشر على الاحترار العالمي وعلى الظواهر المناخية في عدد من المناطق في العالم.

غابات الأمازون قد تشهد جفافا بسبب ظاهرة النينيو (شترستوك)
كيف سيؤثر النينيو في المناخ العالمي
تتمثل أهم هذه التأثيرات في زيادة وطأة الاحتباس الحراري في عدد من المناطق في العالم. ويمكن لهذه الظاهرة، وفق تقرير نشر على موقع "ذا كونفرسيشن" (The Convesation)، أن تضيف 0.2 درجة مئوية للاحترار العالمي.
هذا الاحترار بلغ 1.23 درجة مئوية في نهاية عام 2022، رغم تأثير التبريد الناتج عن ظاهرة النينيا، مما يجعل احتمال تخطيه عتبة 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2024 واردا بشدة.




من المتوقع كذلك أن تشهد مناطق مختلفة من العالم تأثيرات متباينة بسبب ظاهرة النينيو. ففي أميركا الجنوبية التي تقع سواحلها على المحيط الهادي، على سبيل المثال، ستزيد احتمالات حدوث موجات جفاف قد تحد من قدرة غابات الأمازون على امتصاص غازات ثاني أكسيد الكربون من الجو، وتفاقم الاحتباس الحراري.
وفي أستراليا، وبعد 3 سنوات من الهطول القياسي للأمطار، من المتوقع أن تعكس ظاهرة النينيو هذا الاتجاه بشكل جذري، لتصبح موجات الحرّ والجفاف أكثر تواترا، خاصة خلال فصلي الشتاء والربيع.
في المقابل، من المرجح أن ترتبط عودة النينيو بزيادة في تهاطل الأمطار في المناطق الجنوبية الغربية للولايات المتحدة التي تعاني من جفاف حاد منذ أكثر من 20 عاما. غير أن هذه الأمطار، من المرجح أن تكون غزيرة في هذه المناطق، وقد تتسبب في فيضانات وانهيارات أرضية.

تأثير النينيو في مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضعيف مقارنة بظواهر مناخية أخرى (شترستوك)
ماذا عن منطقتنا العربية؟
لا يبدو لظاهرتي النينيا والنينيو تأثير محلي رئيسي في منطقة شمال أفريقيا، بحسب الدكتور جلال دلّال أستاذ علم المناخ بجامعة سوسة بتونس، في حوار مع الجزيرة نت عبر الهاتف.
فظاهرة التذبذب الجنوبي، كما يقول، "تحدث بعيدا عن منطقة شمال أفريقيا، لذلك يكون تأثيرها ضعيفا مقارنة بظواهر مناخية أخرى مماثلة مثل ظاهرة تذبذب الشمال الأطلسي (NAO) التي تؤثر على مناخ شمال أفريقيا أكثر من ظاهرة النينيو لقربها من المنطقة".
لكن الباحث التونسي يشير إلى أن ظاهرة النينيو "يمكن أن تمثل في بعض الأحيان عاملا إضافيا لزيادة تأثير تذبذب الشمال الأطلسي الذي يميل حاليا، بحسب بعض التقارير المختصة، إلى تسخين مياه سطح المحيط".




من جهة أخرى، أظهرت دراسة نشرها البنك الدولي في وقت سابق، أن التذبذب الجنوبي لظاهرة النينيو (ENSO) كان مساهما أقل أهمية في موجة الجفاف التي ضربت تونس ومناطق أخرى من المغرب العربي عامي 2015 و2016. وكانت آثار هذا التذبذب أكثر وضوحا في أجزاء أخرى من العالم، مما هي عليه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما في الجزيرة العربية، فقد أظهرت دراسة علمية قام بها باحثون من جامعة الملك عبد العزيز عام 2018، أن 71% من سنوات الجفاف في الأجزاء الجنوبية والجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية خلال الفترة من 1981 إلى 2015، ارتبطت بظاهرة النينيو، بينما ارتبطت 38% من سنوات الفيضانات في هذه المنطقة بظاهرة النينيا.
يشبه فهم تعقيدات النظام المناخي محاولة حل أحجية كبيرة بالنسبة للخبراء الذين لا يزالون غير متأكدين من كيفية تصرف ظاهرة النينيو في المستقبل، لكن من المحتمل أن تتضخم آثارها بسبب تغير المناخ في مناطق مختلفة من العالم.