يسمح النموذج للعلماء باختبار نظريات مختلفة حول كيفية استجابة سطح الأرض لتغير المناخ والقوى التكتونية، ويوفر البحث نموذجا محسّنا لفهم كيف يُنظم نقل الرواسب الأرضية دورة الكربون على كوكب الأرض على مدى ملايين السنين.
يوفر النموذج فهما عالي الدقة لكيفية تشكل المناظر الطبيعية الجيوفيزيائية التي نراها اليوم (شترستوك)
معرفتنا بتاريخ الأرض هي خطوة أولى وحجر أساس للتنبؤ بمستقبلها. وقد عكف العلماء على محاولة فهم ديناميكيات حركة الأرض والتغيرات التضاريسية والمناخية التي شكلت وجه كوكبنا، في محاولة منهم للتنبؤ بما يحمله المستقبل من تغيرات تؤثر على الحياة بكل أشكالها على الكوكب، إلا أن تداخل القوى المؤثرة في هذه التغييرات كان سببا في قصور فهمهم لتاريخ الكوكب، وبالتالي كان حجر عثرة في محاولات التنبؤ واستشراف ما يحمله المستقبل.
مئة مليون عام من التغيرات
الآن، استطاع فريق من علماء الجيولوجيا بجامعة سيدني (University of Sydney)، بالتعاون مع علماء من فرنسا، تطوير نموذج مفصل وديناميكي لسطح الأرض على مدار المئة مليون سنة الماضية بدقة عالية (حتى 10 كيلومترات)، ومقسم إلى إطارات لكل مليون سنة.
وتتداخل في النموذج قوى المناخ والحركة التكتونية والوقت والنحت التدريجي لسطح الأرض بواسطة الأنهار، والتي تمثل القوى المؤثرة التي تغير وجه كوكبنا.
ونشرت نتائج البحث في دورية "ساينس" (Science) المرموقة في الثاني من مارس/آذار الجاري.
يوفر النموذج -ولأول مرة- فهما عالي الدقة لكيفية تشكّل المناظر الطبيعية الجيوفيزيائية التي نراها اليوم، وكيف تدفقت ملايين الأطنان من الرواسب إلى المحيطات، ويشرح الباحث الرئيسي الدكتور تريستان ساليس من كلية علوم الأرض بجامعة سيدني أهمية هذا النموذج في البيان الصحفي الذي نشره موقع "يورك ألرت" (Eurek Alert) قائلا "للتنبؤ بالمستقبل، يجب أن نفهم الماضي. لكن نماذجنا الجيولوجية لم تقدم سوى فهم بسيط لكيفية تشكل السمات الفيزيائية الحديثة لكوكبنا".
أول نموذج ديناميكي تفاعلي
ويضيف ساليس "إذا كنت تبحث عن نموذج مستمر للتفاعل بين أحواض الأنهار والتآكل على نطاق عالمي وترسب الرواسب بدقة عالية على مدار المئة مليون سنة الماضية، فهو غير موجود. لذا، فإن هذا تقدم كبير. إنها ليست مجرد أداة لمساعدتنا في التحقيق في الماضي، ولكنها ستساعد العلماء أيضا على فهم المستقبل والتنبؤ به".
ويقول الباحث الثاني الدكتور لوران هوسون من معهد علوم الأرض في غرونوبل (Institut des Sciences de la Terre) بفرنسا "هذا النموذج غير المسبوق عالي الدقة لماضي الأرض القريب سيزود علماء الجيولوجيا بفهم أكثر اكتمالا وديناميكية لسطح الأرض. بمنتهى الدقة، يمكنه إيضاح ديناميكيات نقل الرواسب من الأرض إلى المحيطات بطريقة لم نكن قادرين عليها من قبل".
الرسوم المتحركة لخريطة العالم لتطور المناظر الطبيعية على مدى 100 مليون عام الماضية (جامعة سيدني)
فهم أدق لماضي الكوكب
يقول ساليس في البيان الصحفي أيضا إن فهم تدفق الرواسب الأرضية إلى البيئات البحرية أمر حيوي لفهم كيمياء المحيطات الحالية، وأضاف "بالنظر إلى أن كيمياء المحيطات تتغير بسرعة بسبب تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، فإن وجود صورة أكثر اكتمالا يمكن أن يساعد في فهمنا للبيئات البحرية".
وسوف يسمح النموذج للعلماء باختبار نظريات مختلفة حول كيفية استجابة سطح الأرض لتغير المناخ والقوى التكتونية، وعلاوة على ذلك يوفر البحث نموذجا محسّنا لفهم كيف ينظم نقل رواسب الأرض دورة الكربون على كوكب الأرض على مدى ملايين السنين.
ويختم ساليس قائلا "ستوفر النتائج التي توصلنا إليها خلفية ديناميكية ومفصلة للعلماء في مجالات أخرى لإعداد واختبار الفرضيات، مثل الدورات الكيميائية الحيوية أو في التطور البيولوجي".