تفسيرقوله تعالى ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)
تفسيرقوله تعالى ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (طـه: من الآية115)
في هذه الاية الكريمة يبين الله سبحانه وتعالى حكاماً عقائدياً من احكام مخالفة اوامره في طاعة اولياءه عليهم السلام ثم يقرر صفة من صفات الانبياء عليهم السلام .
فأن الله عز وجل نهى ادم عن اكل الشجرة المعينة المخصوصة كما يشهد عليه قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ)(البقرة: من الآية35) وكان الاولى والاليق ان لا يأكل ادم عما نهى من نوع تلك الشجرة ايضاً تنزيهاً وتكرمة وما كان يحرم عليه ذلك لان النهي انما تعلق بالفرد لا النوع المطلق ولكن الافراد الاخر من جهة نوع التشابه قد تظهر فيها العلة الموجبة للاحتراز لكنها لما كانت غير تامة ما تعلق النهي التحريمي بها , نعم قد تعلق النهي التنزيهي لها وللمكلف ان يفعلها لكنه ترك الاولى والارجح ولا يعد عاصياً لا شرعاً ولا عرفاً ولا لغة ويدل على ما ذكرنا ما روي عن الرضا ( ان الله تعالى قال لهما لا تقربا هذه الشجرة واشار لهما الى شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا من تلك الشجرة وانما اكلا من غيرها ) .
فاذا كان كذلك فكان الاولى والاليق لادم ان يتجنب من نوع تلك الشجرة وهذا هو العهد المأخوذ منه كما قال عز وجل ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ) (طـه: من الآية115) من اكل الشجرة ان يتركها بخصوصها وجوباً وما كان من نوعها استحباباً ( فنسي ) أي ترك لا بمعنى النسيان كيف وان الشيطان قال ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُور )( الأعراف: من الآية 20 ـ 22 ) فكان النسيان هنا بمعنى الترك كما في قوله تعالى ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) (التوبة: من الآية67) وقوله تعالى ( قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه:126) ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) وهو الثبات التام الذي لا يترك معه الارجح والاولى ابداً ولا ينظر الى نفسه ابداً ولم يتشرف بهذه المرتبة الجليلة الا الخمسة ( محمد ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ) .
واذا سمعت بعض الاخبار من الاية انما نزلت هكذا ( ولقد عهدنا الى ادم من قبل في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فنسي ولم نجد له عزما ) .
والاخبار التي دلت ان ادم حسدهم وتمنى مكانهم ومرتبتهم .
والاخبار الاخر التي تدل ان ادم اكل من شجرة الحسد وامثال ذلك فالمراد من كلها واحد وهو ما ذكرنا لك .
واعلم ان الله عز وجل خلق محمداً لنفسه لا لغيره كما قال عز وجل ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طـه:41) وان كان في الظاهر يخاطب به موسى ولكنه في الحقيقة يريد به محمد فهو واهل بيته المعصومون سلام الله عليهم قد خلقهم الله قبل ان يخلق الانبياء بألف دهر وكل دهر مائة الف سنة وكانوا يعبدون الله عز وجل ويقدسونه ثم خلق سبحانه الانبياء ثم خلق ساير المخلوقين فأمرهم بالطاعة لهم واخلاص الولاء فيهم .
ولما كانوا لا يحبون الا ما هو الارجح والاولى فضلاً عن الراجح والواجب فكان طاعتهم في الحقيقة هو فعل ما يحب الله عز وجل من جميع المستحبات وهو مقتضى ولايتهم فمن قصر في شيء من طاعة الله عز وجل فما اطاعهم حق الاطاعة فكل من لم يطع احد فقد جعل نفسه مساوياً له واعلى منه وان لم يكن بالاعتقاد لكن بالعمل ولذا قال تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الفرقان: من الآية43) .
وادم لما اكل من الشجرة ترك الاولى فقصر في طاعتهم فقد تمنى مرتبتهم ومقامهم بعلمه لا باعتقاده اذ لو لم يتمنى وكان تابعاً لهم مخلصاً لما وقع منه هذا التقصير وعن هذا ومثله يعبرون بالشك في الولاية والتردد والتوقف فيها والحسد وامثال ذلك .
ومن خلال هذا التفسير لهذه الاية نستطيع تنزيه الانبياء عما نسب اليهم من المعاصي او ما يرتأيه اهل التفسير لظهور الايات امثال قوله تعالى ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً ) (الانبياء: من الآية87) وقوله تعالى ( وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) (صّ: من الآية24) وغيرها من متشابه الايات او محكمها والحمد لله رب العالمين .