يقول الشاعر الصوفي شمس التبريزي عن الحب: "الحبُّ هو ألاَّ تخاف وأنت في وسَط بحرٍ من الخوْف." إن إيجاد الحب هو غاية كل فرد منا، أن تجد إنسانًا آخر يحتويك ويتقبلك بكل ما فيك، بظلامك وضيائك، لم يستطع أي شخص أن يفسر الحب، أو أن يضعه ضمن مقياس معين محدود، الحب كما يرى الفلاسفة والشعراء هو شعور غامر كبير يقلب حياتك رأسًا على عقب، ويحيل حزنك فرحًا ويأسك أملًا.
جميعنا نحب الحب، ونحب أن نرى ونسمع قصص الحب، والفن السابع وجد في قصص الحب منجمًا أبديًا للأفكار الجديدة المربحة، فأفلام ومسلسلات الدراما والرومانسية، تحقق دائمًا مشاهدات مرتفعة ونجاحًا معقولًا، كذلك فإن الممثلين الذين يؤدون الأدوار الرومانسية، ينالون شعبية أوسع من أي ممثل آخر.
لكن ليست كل قصص الحب التي قدمها عالم الفن سعيدة بسيطة، بعض القصص كانت سوداوية أليمة فاشلة، وبعضها كان غريبًا غير مطروق تحدى قيود المجتمع تحديًا قويًا. وقد أطلقت منصة شاهد السعودية مسلسلها الجديد الذي نجح في إثارة جدل غير مسبوق في الشارع المصري، بسبب قصته الجريئة، مسلسل أزمة منتصف العمر الذي سنقدم في هذا المقال مراجعة شاملة له.
قصة العمل، الحب المحرم والعشق الممنوع.. مجددًا
تبدأ أحداث العمل بعرض
فيروز الشابة، التي ترغم على الزواج من عزت وهو رجل يكبرها بعشرين عامًا، والثري للغاية، إرضاء لوالدتها التي ترى فيه مستقبلًا آمنًا لابنتها الشابة، تبدو على فيروز مشاعر الألم والحزن، الحزن الذي ظل مرافقًا لها طوال أعوام، تقفز الأحداث بالزمن سنوات طويلة وتعرض حفل زفاف آخر، هو حفل زفاف ابنة فيروز مريم من طبيب الأسنان عمر، الذي يكبرها بعشرين عاماً أيضًا وسط معارضة أمها لهذه الزيجة.
نلاحظ ومنذ بداية المسلسل، أن فيروز تلاقي معاملة سيئة باردة من زوجها، وأن مريم طفولية بشكل مزعج، وتغار بشكل غير منطقي على عمر من مساعدته الجميلة هايدي بالذات، يرتحل العريسان الجديدان إلى بيروت، كي يقضيا شهر العسل، وهناك تبدأ الخلافات بالطفو على سطح سعادتهما بسبب فرق العمر بينهما.
تستمر الأحداث في كشف المزيد من الحقائق المثيرة، حيث يكتشف عمر بطريق الصدفة أن عزت يخون زوجته مع صديقة مريم الشابة ياسمين، الأصغر منه بنحو أربعين عامًا، أما عمر نفسه فيتوضح أنه يخفي الكثير من الأسرار، فقد أخفى والدته عن زوجته وعائلتها، وأخبرهم أنها قد توفيت، كما أنه كان متزوجًا قبل مريم بامرأة تدعى سلمى، والتي كانت مدمنة على المخدرات في أثناء زواجهما، ولم يخبر مريم بالأمر إطلاقًا.
يبدأ عمر وفيروز بالتقارب شيئًا فشيئًا، خاصة أنهما من أعمار متقاربة، فعمر يرى في فيروز امرأة شابة راقية ذكية، أما فيروز فترى منه الاهتمام والاحترام اللذين تفتقدهما بشدة في زواجها من عزت. لكن المحظور الأكبر كان عندما يقع كل من فيروز وعمر في الحب، لتستمر أحداث المسلسل في مزيج من الدراما والإثارة والأسرار الخفية الصادمة، التي تُكشف كل حلقة بشخصيات أقل ما يقال عنها إنها معقدة مظلمة. أثارت حبكة المسلسل جدلًا قويًا جدًا، ذلك أن عمر وقع في حب حماته الشابة، ويخون زوجته معها، إضافة إلى كم كبير من العلاقات الغريبة المتشعبة التي ملأت أحداث العمل.
علاقات متشابكة متشعبة والحب الممنوع سيد الموقف
يستند العمل في أساسه إلى مجموعة واسعة من العلاقات المركبة الغريبة، فعلى الرغم من أن الحبكة القصصية تدور حول علاقة عمر بفيروز، إلا أنها لم تهمل بقية الشخصيات على الإطلاق، إذ تطرقت الحبكة إلى علاقة فيروز بعزت الذي توضح الأحداث أنه أسوأ رجل في العالم، حيث إنه لم يكتفِ بخيانة زوجته، بل سلب ابن شقيقته حقوقه المادية في المصنع الذي يمتلكه، وكذب على ابنته طوال حياتها، كما استعرض العمل في أحداثه الماضي الخاص بكل شخصية والأشياء التي دفعت كل شخصية إلى ما أصبحت عليه، يمكن القول وبسهولة إن الخيانة والحب الممنوع كانا الأبرز في الأحداث، كحب ابن أخت عزت لمريم على الرغم من أنه متزوج من امرأة أخرى، وبالطبع علاقة عمر بفيروز التي كانت أقل ما يقال عنها مريبة.
طاقم عمل مميز وأداء تمثيلي مبهر، وريهام عبد الغفور الرقم الصعب هذا العام
على الرغم من كل الانتقادات التي طالت قصة العمل، إلا أن من العسير إنكار الأداء الرائع للممثلين الذين قدموا أداء مميزًا وأثبتوا حسن اختيار المخرج لهم، خاصة رشدي الشامي الذي لعب دور عزت الرجل الثري الشرير الذي لا يجد أي مانع في الكذب على ابنته عن حقيقة أمها، أو في الزواج من صديقة ابنته المقربة، كذلك كريم فهمي الذي قدم دور الرجل "التوكسيك" أو السام ببراعة حيث لعب دور عمر الرجل غير المستقر عاطفيًا، والذي يبدو أن كل نساء المسلسل مغرمات به.
أما الأبرز في هذا العمل خاصة وهذا العام عامة، فهي ريهام عبد الغفور التي يبدو أنها شاركت في كل عمل أنتج آخر ستة أشهر، لكن وعلى الرغم من هذا فقد أثبتت ريهام أنها الرقم الصعب، وأنها تمتلك موهبة جبارة تجعل المشاهد مغرمًا بها، بحضورها اللطيف وتنوع أدائها الذي يختلف من عمل إلى آخر.
جدل قوي وانتقادات حادة، هل عرض العمل قصة خاصة بزنا المحارم؟
أثار المسلسل عاصفة قوية من الجدل مع بدء عرض حلقاته الأولى، فالفكرة الجريئة التي يتناولها العمل لاقت رفضًا شديدًا من المشاهدين، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بهجوم قوي على المسلسل، حيث اعتبره البعض نسخة معربة من المسلسل التركي العشق الممنوع، لكن بنسخة أسوأ، إذ إن أزمة منتصف العمر يستعرض قصة خاصة بزنا المحارم، ما دفع صناع العمل إلى الخروج عن صمتهم، والطلب من المشاهدين متابعة المسلسل حتى نهايته قبل الحكم عليه، فقد اتضح من الأحداث أن فيروز لم تكن أم مريم بل زوجة أبيها، وأن أمها توفيت عندما كانت مريم طفلة صغيرة، لكن هذا لم يقلل من الانتقادات الغاضبة، إذ إن العلاقات التي يستعرضها المسلسل كانت في رأي البعض غير منطقية، ولا تمثل المجتمع العربي، الأمر الذي رفضه صناع العمل، وبطله كريم فهمي، الذين أكدوا أن مهمة الدراما تصوير الواقع، وأن العمل ينقل قصصًا تحدث وحدثت في المجتمع خلف كثير من الأبواب المغلقة، وكل ما فعله المسلسل كان استعراضها وتوضيحها.
أزمة منتصف العمر ليس العمل الوحيد الذي تطرق لقصص حب محرمة.
منذ بداية عرض العمل، قام المتابعون بالربط بينه وبين المسلسل التركي العشق الممنوع، الذي أثار جدلًا قويًا في تركيا عند عرضه، وتمت دبلجته وعرضه على الشاشات العربية، ليثير الجدل نفسه، إذ إن قصته تحكي عن علاقة بين شاب وسيم وزوجة عمه الشابة، لكن على الرغم من جدلية العمل فقد حقق مشاهدات مرتفعة جدًا، وكان سببًا في شهرة الممثلتين الجميلتين بيرين سات وهازال كايا في العالم العربي.
لكن لم يكن مسلسل أزمة منتصف العمر هو العمل العربي الوحيد الذي استعرض علاقات جدلية، ولم يكن أولها حتى، إذ إن المسلسل السوري صرخة روح استعرض قصص حب مختلفة جريئة في مجموعة من الثلاثيات، لعل أشهرها ثلاثية حب محرم، وقد أثار مسلسل صرخة روح احتجاجات واسعة قوية في الشارع السوري، الذي رفض تقديم عمل كهذا.
على الرغم من كل الجدل والهجوم، كاتب المسلسل يعلن عن جزء ثانٍ
على الرغم من الهجوم العنيف الذي تلقاه العمل منذ الحلقة الأولى والذي لم يضعف مع توالي الأحداث إلا أن كاتب المسلسل أحمد عادل سلطان أكد عن طريق برنامج Trending أنه بصدد كتابة الجزء الثاني من أزمة منتصف العمر، لكن مع طاقم عمل مختلف تمامًا تمثيلًا وإخراجًا، كذلك بقصة جديدة مختلفة عن الجزء الأول.
في النهاية فإن غاية الدراما تصوير الواقع، كما قلنا سابقًا، لربما يكون تقديم عمل يحمل قصة جريئة مختلفة أمرًا محفوفًا بالخطورة، لكن إنكار حقيقة وجود هذه القصص في حياتنا، والاختباء خلف أصابعنا لن يفيد أحدًا، وعلى الرغم من جدلية القصة إلا أن أزمة منتصف العمر عمل مثير وممتع للمشاهدة.
ساندي ليلى - أراجيك